حريق «استوديو ناصيبيان» التاريخي يصدم الفنانين المصريين

أنشئ في ثلاثينات القرن الماضي واستضاف تصوير 140 فيلماً

كان المسرح يستضيف عروضاً مسرحية مستقلة (الشرق الأوسط)
كان المسرح يستضيف عروضاً مسرحية مستقلة (الشرق الأوسط)
TT

حريق «استوديو ناصيبيان» التاريخي يصدم الفنانين المصريين

كان المسرح يستضيف عروضاً مسرحية مستقلة (الشرق الأوسط)
كان المسرح يستضيف عروضاً مسرحية مستقلة (الشرق الأوسط)

صدم حريق مسرح «استوديو ناصيبيان» الشهير في مصر، الكثير من الفنانين المصريين، بعدما أُضرمت النيران في أرجاء المسرح التاريخي، الذي يقع في حي «الفجالة» في وسط العاصمة القاهرة.
ويعد المسرح واحداً من أبرز رموز الفن والثقافة في مصر، وهو يقع داخل حيّز جمعية النهضة للعلوم والثقافة (جيزويت القاهرة)، إحدى أشهر الجمعيات الأهلية الثقافية في مصر.
وتعرض المسرح لحريق غير معروف السبب إلى الآن، وسط تحقيقات من النيابة المصرية، والتهم كامل المسرح وعدداً من الحافلات التابعة للجمعية. واعتبر القائمون على الجمعية أنّ «وقوع الحريق مساء أول من أمس الأحد (يوم العطلة الأسبوعية للجمعية)، ساهم في عدم وقوع كارثة في الأرواح»، فيما أعلنوا «تعرض المسرح بالكامل للحريق».
وكانت سيارات الإسعاف ورجال الحماية المدنية والإطفاء حضروا لموقع الحريق فور الإبلاغ، وعملوا على إطفاء الحريق الذي التهم المسرح من دون وجود إصابات بشرية. ووجه الأب وليم سيدهم اليسوعي، رئيس مجلس إدارة جمعية النهضة، الشكر لكل دعوات الدعم التي تلقتها الجمعية في أعقاب الحريق، وكتب على صفحته عبر «فيسبوك»: «لقد أمددتمونا بطاقات حب التي جعلتنا نسجد لله شكرا على هذا الزخم من المساندة والتشجيع. نعدكم أن نكون على مستوى حسن ظنكم بنا، والله وحده معكم يمدنا بقوته وعزته لنتشجع ونعاود الكرة مرة أخرى».
ويعد مسرح «استوديو ناصيبيان» ثاني أقدم استوديو سينمائي في مصر، يعود تأسيسه لرئيس الجالية الأرمينية في مصر هرانت ناصيبيان، الذي باعه بعد ثورة 23 يوليو (تموز) عام 1952 مباشرة قبل هجرته من مصر، وظل يُؤجر حتى اشترته جمعية النهضة (جيزويت القاهرة). وشهد هذا الاستوديو تصوير عدد من أشهر أفلام السينما المصرية، منها: «عروس النيل»، و«الفتوة»، و«شفيقة ومتولي»، و«شيء في صدري»، و«الحفيد»، و«باب الحديد».
حسب الدكتورة مروة عبد الله السيد، مديرة مدرسة سينما الجيزويت بالقاهرة، فإن القيمة الثقافية والفنية والتاريخية لاستوديو مسرح ناصيبيان «كبيرة جداً». وتضيف لـ«الشرق الأوسط» أنّ «المسرح يعد ثاني أقدم استوديو للتصوير في مصر، ساهم موقعه ومكانه في تطوير صناعة السينما المصرية، واستطاعت جمعية النهضة على مدار سنوات طويلة في تطويره وتجديده، سواء بالمعدات أو خشبة المسرح، لخدمة عدد أكبر من الفنانين على مدار السنوات وإتاحة العروض لجمهور أكبر».
ويعتبر هشام أصلان، المستشار الإعلامي لجمعية النهضة، مدير صالون الجيزويت الثقافي، أنّ «حريق مسرح ناصيبيان له خسائره العملية والمعنوية على السواء»، ويضيف لـ«الشرق الأوسط» أنّه «إلى جانب تاريخه فهو وثيق الارتباط بصناعة السينما، ومفتوح لاستضافة الفرق المسرحية المستقلة، ومسرح الشارع، علاوة على كثير من الفعاليات والاجتماعات للجمعية».
وذكر أصلان أنّ «المسرح على مدار الفترة الأخيرة كان يشهد فعاليات (صالون الجيزويت الثقافي) الشهري، الذي كان يعتمد على استضافة شخصيات ثقافية وفنية مؤثرة وسط حضور ومشاركة حيّة من جمهور الجمعية، وكان يمنح الصالون طقساً خاصاً، وبُعداً بصرياً غنياً عبر توظيف إمكانيات المسرح من صوت وإضاءة خلال الحوار مع ضيوفه، منهم الموسيقار راجح داود، والمخرج السينمائي داود عبد السيد، والكاتب محمد سلماوي، والسيناريست مدحت العدل، والكاتب عمر طاهر، وغيرهم»، موضحاً أنّ «التأثر النفسي البالغ المرتبط بالحريق والتهامه للمسرح سيظل قائماً، خاصة أنّ المسرح يمثل للكثيرين رصيداً ضخماً من الذكريات التي لا يمكن إحصاؤها».
وكانت جمعية النهضة قد دشنت الشهر الماضي مبادرة «المشاركة المجتمعية لتنمية الثقافة والفنون المستقلة» التي تهدف لتطوير قطاعات ومدارس جيزويت القاهرة، ويقول الكاتب أصلان إنّه «من المتوقع أن يكون إعادة بناء المسرح من جديد على رأس أولويات تلك المبادرة التي تضم جهات وأفرادا من محبي وداعمي الجمعية».
وحسب سامح سامي، المدير التنفيذي لـ«جيزويت القاهرة» فإنّه رغم أنّ حدث حريق مسرح ناصيبيان بالكامل حادث مؤلم لكل مُحبي الجمعية، فإنهم سيبدأون على الفور خطة إعادة بنائه من جديد كمنارة للفن. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «نأمل أن تستطيع مبادرة (المشاركة المجتمعية لتنمية الثقافة والفنون المستقلة) التي أطلقناها في تمويل إعادة بناء المسرح من جديد، ولن يكون الحريق عائقاً عن توقفه عن مواصلة نشاطه واستقباله للفرق والعروض المستقلة». مؤكداً أنّهم في انتظار الانتهاء من تحقيقات النيابة لتحديد سبب هذا الحريق.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».