«البنتاغون» لـ«الشرق الأوسط»: تصاعد تهديدات إيران للملاحة الدولية يتطلب مواصلة الحذر

المقاتلات السعودية من طراز «إف 15 سي» والقاذفات الأميركية الاستراتيجية «بي 1 بي لانسر» في دورية مشتركة السبت الماضي (وزارة الدفاع السعودية)
المقاتلات السعودية من طراز «إف 15 سي» والقاذفات الأميركية الاستراتيجية «بي 1 بي لانسر» في دورية مشتركة السبت الماضي (وزارة الدفاع السعودية)
TT

«البنتاغون» لـ«الشرق الأوسط»: تصاعد تهديدات إيران للملاحة الدولية يتطلب مواصلة الحذر

المقاتلات السعودية من طراز «إف 15 سي» والقاذفات الأميركية الاستراتيجية «بي 1 بي لانسر» في دورية مشتركة السبت الماضي (وزارة الدفاع السعودية)
المقاتلات السعودية من طراز «إف 15 سي» والقاذفات الأميركية الاستراتيجية «بي 1 بي لانسر» في دورية مشتركة السبت الماضي (وزارة الدفاع السعودية)

أكدت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن التهديدات الإيرانية المستمرة في منطقة الشرق الأوسط «محل حيطة وحذر» من قبل القوات الأميركية والدولية، وأن حماية الممرات والمضائق المائية «أمرٌ لا بد منه»، في ظل استمرار مسببات «عدم الاستقرار».
وقال المتحدث باسم القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية (الأسطول الخامس)، القائد تيم هوكينز، لـ«الشرق الأوسط»، إن تصاعد التهديدات الإيرانية في منطقة الملاحة الدولية بمياه الخليج العربي، يتطلب مواصلة الحذر والتعاون الدولي لردع تلك التهديدات، والعمل لحماية المنطقة.
وأوضح هوكينز أن قواته «تواصل الحفاظ على اليقظة المستمرة من خلال الوجود والتعاون مع الشركاء الإقليميين»، لافتاً إلى أن «حماية حرية الملاحة والتدفق الحر للتجارة أمر ضروري للأمن والاستقرار البحري الإقليمي في وجه التهديدات المستمرة».
يأتي هذا في وقت تزايد الاهتمام الرسمي الأميركي أيضاً بالبرنامج الصاروخي والطائرات المسيرّة، ما يمثل تهديداً بالغاً على المنطقة والمصالح الأميركية، في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة إلى الحد من قدرة إيران من امتلاك القنبلة النووية.
وتحذّر ورقة بحثية صادرة من مركز «نيولاينز» للأبحاث في واشنطن، من تباطؤ الحكومة الجديدة في إيران من العودة إلى «طاولة المفاوضات» في فيينا، مع استمرارها في برنامج الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة. وتشير الورقة إلى محاولات إيرانية لفصل الأنشطة الإقليمية عن المحادثات النووية، مؤكدة أنه «إذا انتهى الغرب بإسقاط مطلبه بالتعامل مع الصواريخ الإيرانية كشرط لاستعادة خطة العمل الشاملة المشتركة، فلن توجد خطة احتياطية واضحة لجلب إيران إلى طاولة المفاوضات».
وفي إشارة على إمكانية استخدام إيران تكنولوجيا مستخدمة في صواريخ ترسل الأقمار الصناعية إلى مدار الأرض، يقول الباحث جون كرزيزانياك، بدون «الأسلحة النووية» فإن القدرة على ضرب أوروبا الغربية، أو الولايات المتحدة بشكل مباشر، من شأنه أن يغير «بشكل كبير» مخاطر أي مواجهة عسكرية محتملة. وأضاف: «قد يوفر هذا بمفرده لإيران مستوى إضافياً من الردع، ما يمنحها قدراً أكبر من حرية العمل في متابعة مصالحها في المنطقة. لكن مثل هذه القدرة ستصبح قضية أكثر إلحاحاً إذا انهارت خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي). وهذا من شأنه أن يثير شبح تطوير البرامج النووية والصاروخية الإيرانية جنباً إلى جنب، ودون قيود».
وأفاد الباحث في تقريره أن صوراً للأقمار الصناعية كشفت أنه طوال عام 2021 أجرى «الحرس الثوري» الإيراني توسيعاً كبيراً لمنشآته بشكل مطرد خصوصاً في مدينة شاهرود، وهو المجمع المركزي لبرنامج الفضاء العسكري الإيراني.
ولفت إلى أن إيران لديها جهدان متصلان بالفضاء، الأول هو البرنامج «المدني الزائف» الذي تديره وكالة الفضاء الإيرانية، إذ تخطط في النهاية لإرسال البشر إلى الفضاء، ولكن في الوقت الحالي، يركز البرنامج على الهدف الأكثر تواضعاً المتمثل في «وضع الأقمار الصناعية» في المدار عن طريق الصواريخ الحاملة، والتي غالباً ما تسمى مركبات الإطلاق الفضائية.
وأضاف: «شهد المجمع المترامي الأطراف في شهرود، إطلاق الوقود الصلب وتطوير الصواريخ التابعة لـ(الحرس الثوري) الإيراني، وتوسعاً شاملاً على مدار عام 2021. ما ينذر بزيادة في إطلاق الفضاء العلني وأنشطة الصواريخ في السنوات المقبلة. في الآونة الأخيرة، كان هناك نشاط في 5 مناطق في المجمع؛ منطقة الدعم الإداري، ومنطقة التخزين، ومنطقة إنتاج الوقود الصلب، ومنطقة منصة الاختبار، ومنصة الإطلاق».
ورأى الباحث أن هذه التطورات تقود إلى استنتاج، مفاده أن «الحرس الثوري» الإيراني «سيواصل تكثيف جهوده لإنتاج محركات ذات قطر كبير، تعمل بالوقود الصلب، وفي الوقت الحالي، ليس لدى إيران أي صواريخ منتشرة في ترسانتها يمكن أن تصل إلى أوروبا الغربية، لكن إذا تمكن المهندسون الإيرانيون من إتقان تقنيات الصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب لتطبيقات الإطلاق الفضائي، فسوف يمنح ذلك إيران قدرة كامنة على الصواريخ الباليستية العابرة للقارات».



الاختراقات الإسرائيلية تقلق إيران مع فشل محاولات التصدي

موكب تشييع إسماعيل هنية في طهران يوم 1 أغسطس الماضي (أ.ب)
موكب تشييع إسماعيل هنية في طهران يوم 1 أغسطس الماضي (أ.ب)
TT

الاختراقات الإسرائيلية تقلق إيران مع فشل محاولات التصدي

موكب تشييع إسماعيل هنية في طهران يوم 1 أغسطس الماضي (أ.ب)
موكب تشييع إسماعيل هنية في طهران يوم 1 أغسطس الماضي (أ.ب)

وجّهت الاستخبارات الإسرائيلية على مدى الأعوام الماضية، لا سيما في الأشهر الأخيرة، سلسلة ضربات إلى إيران وحلفائها، تظهر، بحسب ما قال محللون لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، اختراقها لأجهزة إيران، ما بدأ يثير قلقاً معلناً في طهران.

وندد علي لاريجاني، أحد مستشاري المرشد الإيراني علي خامنئي، والأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي، اليوم (الجمعة)، «بمشكلة اختراق في إيران (...) منذ أعوام».

وأضاف: «حصلت حالات إهمال، والأجهزة الأمنية في البلاد واجهتها، لكنها لم تنجح في وضع حد كامل لها».

ومنذ اندلاع الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، استُهدِفَت طهران وحلفاؤها بعمليات لم تكن لتتحقق في غياب معطيات استخبارية دقيقة.

واغتيل رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية في مقر إقامته أثناء زيارة لطهران، في أواخر يوليو (تموز)، في عملية نُسبت إلى إسرائيل. وبعد أقل من شهرين، قتل الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصرالله بضربة جوية إسرائيلية في ضاحية بيروت الجنوبية.

وبين العمليتين، انفجرت آلاف أجهزة الاتصال اللاسلكي و«البيجرز» في حوزة عناصر «حزب الله» في لبنان؛ ما أسفر عن مقتل 39 شخصاً على الأقل، وجرح نحو ثلاثة آلاف.

بدا واضحاً أن هذه العملية المعقّدة التي نسبت أيضاً إلى إسرائيل، قد تمّ التحضير لها منذ زمن.

ورأى لاريجاني، أحد أبرز الشخصيات السياسية في إيران، ورئيس سابق للبرلمان، أن إسرائيل «عدو يفكّر على مدى أعوام، ويلحق بك الأذى في لحظة».

«عجز»

وفي حين أن تصريحات علنية مثل هذه تبقى غير معتادة، لكن مضمونها ليس مفاجئاً. فقد سبق لمسؤولين إيرانيين أن اتهموا إسرائيل بالوقوف خلف سلسلة عمليات سرّية في أراضٍ إيرانية، بما فيها اغتيال ومحاولات اغتيال وتفجير وتخريب في منشآت حساسة.

وتعرّض عدد من العلماء النوويين الإيرانيين للاغتيال أو محاولات اغتيال خلال الأعوام الماضية، أبرزهم مسؤول البرنامج النووي في وزارة الدفاع محسن فخري زاده الذي قُتِل قرب طهران في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 بسلاح رشاش تمّ التحكم به عن بُعد. وأعلن القضاء الإيراني هذا الأسبوع الحكم بإعدام ثلاثة متهمين في القضية.

صورة جوية لدار الضيافة التي كان يقيم فيها إسماعيل هنية شمال طهران أكتوبر 2024 (نيويورك تايمز)

وأعلنت إسرائيل حصولها على وثائق أرشيف البرنامج النووي الإيراني عبر عملية أمنية في طهران مطلع 2018.

كما وقعت عمليات أمنية في إيران بقي منفّذوها مجهولين، رغم الاعتقاد السائد بأن إسرائيل تقف خلفها، مثل اغتيال شخصيات بينهم ضباط في الحرس الثوري، واستهداف مواقع عسكرية باستخدام طائرات مسيّرة صغيرة.

ورأى الباحث في «معهد الأمن والاستراتيجية في القدس»، ألكسندر غرينبرغ، أن تصريحات شخصية مثل لاريجاني «تؤكد عجز الأجهزة الإيرانية عن منع الاختراق الإسرائيلي».

وأضاف لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أنه عقب عملية تفجير أجهزة الاتصال في لبنان «كان (حزب الله) يأمل في أن تساعده إيران في مجال الاستخبارات. لكنهم (الإيرانيون) كانوا عاجزين عن القيام بشيء لأنفسهم حتى».

ويرى محللون أن الاختراقات الإسرائيلية تسهّلها عوامل منها الصعوبات الاقتصادية في إيران التي تعاني منها جراء عقوبات اقتصادية غربية، وتزايد المعارضة الداخلية للحكم.

وتحدث كينيث كاتسمان، الباحث في «مركز صوفان» والخبير السابق في الشأن الإيراني لدى الكونغرس الأميركي، عن «درجة اختراق مرتفعة... في كل وزارة أو منظمة، في الحرس الثوري، قوات إنفاذ النظام، وزارة الاستخبارات، القضاء، السلطات المحلية».

وتابع: «عدد من الأشخاص مستعدون، حتى في صفوف الحكومة، لمساعدة إسرائيل بغرض الحصول على المال، ولأنهم على خلاف مع النظام».

وعدَّ العضو السابق في الاستخبارات الخارجية الفرنسية، ألان شويه، أن هذه العوامل توفر «مجموعة ممكنة للتجنيد لصالح القوى الخارجية».

وأكد أن العملاء، إضافة إلى القدرات الإسرائيلية في مجال الاستعلام التقني، يوفرون معطيات لا تقدّر بثمن، مثلما أظهرت عملية اغتيال نصرالله.

وأوضح أن نصرالله «كان لا ينام في المكان ذاته ليلتين توالياً، ولا يبقى في المكان ذاته لساعتين. كان تحديد مكانه بالغ الصعوبة».

وأضاف: «بعد (تفجير) أجهزة الاتصال، لم تعد ثمة أي قطعة إلكترونية قربه».

نتنياهو يشير إلى وثائق من الأرشيف النووي الإيراني تكشف دور محسن فخري زاده في برنامج التسلح النووي لطهران (أرشيفية- رويترز)

اختراق منهجي

وشدد شويه على أن الإسرائيليين نفذوا الضربة الجوية الضخمة التي استهدفت نصرالله جنوب بيروت في 27 سبتمبر (أيلول) «وهم واثقين» من نجاحها.

وتابع: «أصابوا الهدف في الزمان والمكان المناسبين»، وذلك يعود بطبيعة الحال إلى معلومات استخبارية.

ورأى كادر الاستخبارات الفرنسية السابق أنه حتى في حال تحديد مكامن الخلل، تبدو طهران غير قادرة على معالجته، مؤكداً وجود «كثيرين عملاء لإسرائيل أو مستعدين ليكونوا كذلك».

من جهته، تحدث جايسون برودسكي، مدير برامج «اتحاد ضد إيران نووية» (UNANI)، إحدى أبرز مجموعات التي تتابع شؤون إيران عن كثب، عن أن أجهزة الأمن الإيرانية مخترقة على نطاق واسع، بما في ذلك الحرس الثوري.

وأوضح أنه «تمّ تعيين قادة جدد وتركوا مناصبهم لاحقاً، لكن المشكلة بقيت موجودة، وهذا يظهر إلى أي حد يعاني الحرس الثوري من اختراق منهجي». وأضاف: «ربما القيادات العليا مخترقة، حتى تلك الأدنى منها».

ولم يستبعد برودسكي أن يكون الاختراق طال محيط خامنئي؛ لأن مكتبه عبارة عن «بيروقراطية واسعة النطاق».

إزاء ذلك، استبعد خبراء أن تجد إيران حلاً جذرياً للاختراقات قريباً.

وأعرب شويه عن قناعته بأن لدى «جهاز الموساد» الإسرائيلي شبكات «قادرة على التحرك في أي وقت كان».

عاجل «إف.بي.آي» يحبط خطة إيرانية لاستئجار قاتل لاغتيال ترمب (أسوشييتد برس)