دائماً يدخل تنظيم «داعش» على خط النزاعات السياسية في العراق، يتقاسم مع الشيطان الكليات والتفاصيل... الطبقة السياسية العراقية؛ وبعد تجربة 18 عاماً في تشكيل الحكومات التوافقية التي بقدر ما يرضى عنها الجميع يعارضها الجميع... القبول لديها يقف عند حدود المناصب والمواقع وما يترتب عليها من نفوذ وبناء إمبراطوريات مالية وسياسية، أما المعارضة؛ فلا تتعدى في كل الأحوال ذر الرماد في أعين الجمهور الرافض للأداء الكلي والجزئي وما بينهما.
وفي الوقت الذي كان الجميع فيه فرحين بأن نتائج الانتخابات سوف تبدأ في الظهور خلال ساعات لا أسابيع مثلما كانت عليه في الماضي؛ فإن النتائج بدت صادمة لبعض القوى. وبينما كان الشيطان يتهيأ للدخول في التفاصيل بشأن الكتلة الكبرى وكيفية تشكيل الحكومة ومن هم المرشحون، دخل «داعش» على الخط ومن أكثر البطون رخاوة: ديالى؛ المحافظة ذات التنوع العرقي والمذهبي والبرتقال. فهذه المحافظة التي كانت سلة العراق الغذائية بأفضل أنواع الحمضيات وتسمى عاصمتها بعقوبة «مدينة البرتقال»، تحولت اليوم إلى محافظة للدم والمفخخات والجرائم التي يرتكبها تنظيم «داعش» ضد طرف والميليشيات ضد طرف آخر. وكلا الطرفين المستهدفين (الشيعة والسنة) متداخلون على أصعدة المصاهرة والنسب والمصالح المشتركة.
مؤخراً؛ وبينما البلاد تقف على حافة المجهول نظراً للفراغ الذي تشهده بسبب الانتخابات (برلمان منحل والحكومة تصريف أعمال) والمظاهرات تطوق المنطقة الخضراء، يقدم تنظيم «داعش» على مجزرة بحق منطقة ذات غالبية شيعية في قضاء المقدادية ليقتل العشرات من المواطنين جرى نحر 9 منهم بالسكاكين. وإذا كانت هذه الجريمة من صنع «داعش»؛ فإن الانتقام من قبل الفصائل المسلحة الموجودة في المحافظة بوصفها المقابل المذهبي للتنظيم الإرهابي، لم يتأخر. ففي عملية مشابهة لتلك؛ جرى استهداف منطقة ذات غالبية سنية هناك. ولم تقف العملية هنا على عملية قتل مشابهة لما حدث في المنطقة الشيعية؛ بل توسعت إلى تهجير واسع النطاق لأبناء تلك المنطقة.
تنظيم «داعش» لا يملك صلاحية التهجير؛ لأنه ليس في كل مفاصله جزء من السلطات المحلية وإن يوغل في القتل، بينما الميليشيات تملك بالإضافة إلى عمليات القتل سلطة مطاردة الناس بحيث يتم إجبارهم على النزوح، بينما بدأت ترتفع الأصوات باتجاه البدء بعمليات تغيير ديموغرافي مع إمكانية استنساخ تجربة «جرف الصخر» في محافظة بابل (100 كيلومتر جنوب بغداد) والمجاورة لمحافظتين مقدستين لدى الشيعة (كربلاء والنجف). وهذه ليست المرة الأولى التي ترتفع فيها أصوات سياسية وإعلامية تدعو إلى استنساخ تجربة جرف الصخر التي جرى تهجير أهلها السنة بعد احتلال «داعش» ثلث الأراضي العراقية، بل ارتفعت الأصوات المطالبة بالتغيير الديموغرافي لمنطقة الطارمية القريبة من العاصمة العراقية بغداد.
لكن الإجراءات الحازمة التي اتخذها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي رغم أن حكومته هي حكومة تصريف أعمال يومية حالت دون انزلاق البلاد إلى الفوضى. ففيما أوفد قادة سياسيين وعسكريين كباراً رابطوا لأيام عدة في تلك المنطقة الملتهبة لتعزيز الأمن وإجراء حوارات مع المجتمع المحلي والعشائري هناك، فإنه أقدم على تغيير قائد شرطة المحافظة وأرسل قوات كبيرة إلى هناك لفرض الأمن ومنع عمليات النزوح.
وبينما أعلن قائد شرطة محافظة ديالى أنه سيحتفل قريباً مع أهالي المحافظة بالاستقرار في المحافظة، فإن «داعش» وبعد الضربات التي تلقاها في قضاء المقدادية وسع أنشطته في محافظة كركوك الحدودية مع ديالى. وكانت قوات البيشمركة تعرضت أمس في كركوك إلى هجمات إرهابية من تنظيم «داعش» سقط على أثرها عدد من القتلى والجرحى.
وفيم حين دعا رئيس إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، إلى مزيد من التنسيق مع بغداد بعد هذا الهجوم، فإن الرئيس العراقي برهم صالح دعا إلى رص الصفوف وتعزيز الجهد الأمني للقوات الأمنية العراقية. وقال بارزاني في بيان له إن «تكرار واستمرار واتساع هجمات الإرهابيين تثبت حقيقة أن (داعش) لا يزال يشكّل تهديداً حقيقياً للسلم والاستقرار في البلاد». وأضاف: «لهذا يتعين بالإرادة، واليد الفولاذية، وبالتعاون والتنسيق بين البيشمركة والجيش العراقي والقوات الأمنية، وبدعم من التحالف الدولي، مواجهته والتصدي له والقضاء عليه نهائياً».
أما صالح؛ فقد كتب تغريدة على «تويتر» قال فيها إن «الهجوم الإرهابي على كركوك الذي أسفر عن استشهاد عدد من البيشمركة، وقبلها الهجمات في ديالى وصلاح الدين على قواتنا الأمنية، تؤكد محاولات الإرهاب استغلال الثغرات وتهديد السلم المجتمعي». وأضاف: «واجبنا رص الصفوف واستكمال النصر المتحقق ضد الإرهاب عبر تعزيز الجهد الأمني ودعم قواتنا المسلحة».
دعوات إلى استنساخ تجربة «جرف الصخر» في ديالى
مخاوف من تغيير ديموغرافي بالمحافظة... و«داعش» يوسع هجماته نحو كركوك
دعوات إلى استنساخ تجربة «جرف الصخر» في ديالى
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة