خيارات مطورة لمواجهة التحديات المناخية في السعودية

أبحاث «كاوست» للتكيّف مع آثار التغيّر المناخي في البيئات الصحراوية

تسعى الأبحاث التي تجريها «كاوست» لتقديم حلول علمية لقضايا التغيّر المناخي ضمن «رؤية 2030»
تسعى الأبحاث التي تجريها «كاوست» لتقديم حلول علمية لقضايا التغيّر المناخي ضمن «رؤية 2030»
TT

خيارات مطورة لمواجهة التحديات المناخية في السعودية

تسعى الأبحاث التي تجريها «كاوست» لتقديم حلول علمية لقضايا التغيّر المناخي ضمن «رؤية 2030»
تسعى الأبحاث التي تجريها «كاوست» لتقديم حلول علمية لقضايا التغيّر المناخي ضمن «رؤية 2030»

وضع زعماء العالم قضية التغيّر المناخي بقوة ضمن الأجندة العالمية، إبان انعقاد قمة مجموعة العشرين في الرياض عام 2020. وأكدت توصيات القمة ضرورة التصدي لقضايا الأمن الغذائي، والأمن المائي، وأهمية الدمج بين تخفيف حدة الآثار المترتبة على التغيّر المناخي والتكيّف معه، وكذلك التوصل إلى حلول تعتمد على الطبيعة ومناهج مستقاة من النظم البيئية من جهة أخرى.
مبادرات السعودية
وتزامناً مع عقد الجولة الأخيرة في محادثات التغير المناخي برعاية الأمم المتحدة في دورتها السادسة والعشرين باسكوتلندا هذا العام، أكدت السعودية اهتمامها ضمن رؤيتها 2030 بقضايا البيئة، والطاقة النظيفة، والتغير المناخي. كما رحبت الأمم المتحدة بمبادرتي «السعودية الخضراء»، و«الشرق الأوسط الأخضر» التي أعلنهما ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، باعتبارهما خطوة كبيرة لحماية البيئة ومواجهة تحديات التغيُّر المناخي.
ويراقب العلماء من شتى بقاع العالم التغيرات في مناخ الأرض في كل منطقة وعلى مستوى النظام المناخي بأكمله، ومن ضمن ذلك المنطقة العربية التي تواجه تحديات بيئية كبيرة مثل أخطار التصحر والعواصف الساحلية وجودة الماء والهواء والحفاظ على التنوع الأحيائي.
وفي المملكة العربية السعودية التي تتصف ببيئة صحراوية ذات مناخ قاحل في الأغلب، ويحدها البحر الأحمر من جهة الغرب، تشير التوقعات المناخية إلى أن المستقبل سوف يشهد مزيداً من الارتفاع في درجات حرارة البحار واليابسة، والإجهاد المائي، والتصحّر. وباعتبارها كانت البلد المضيف لقمة مجموعة العشرين، أدمجت المملكة العربية السعودية أولويات مجموعة العشرين ضمن «رؤية 2030» الطموحة للبلاد. كما تسهم هذه الأولويات في توجيه تركيز الأبحاث التي تجريها جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، والتي تسعى لتقديم حلول علمية لقضايا التغيّر المناخي. وحيث إن التحديات المناخية التي تواجه المملكة ليست قاصرة عليها وحدها، فسوف تدعم هذه الأبحاث جهود التكيّف التي تبذلها بلدان أخرى ذات مناخ حارّ وجاف.
الطاقة والمياه
يتسبب تغير المناخ والارتفاع الحاد في الطلب على المياه النقية في تفاقم العجز العالمي في المياه التي يحتاج إليها البشر. ومن شأن عمليات تحلية الماء أن تسهم في تخفيف الفجوة في إمدادات المياه. وبوصف المملكة العربية السعودية بلداً صحراوياً قاحلاً، فهي توفّر بالفعل نحو 90 في المائة من إمداداتها المائية عن طريق المياه الجوفية أو من محطات تحلية المياه. ولكن على الرغم من أن عمليات التحلية تعد أحد حلول التكيّف مع مشكلة تغير المناخ، فإنها تُعد أيضاً جزءاً من المشكلة في الوقت نفسه.
يقول البروفسور يوهانس فرووينفيلدير، مدير مركز تحلية وإعادة استخدام المياه في «كاوست»: «يمكن لعمليات التحلية أن تفي باحتياجات السكان من الماء، ولكنها تسهم أيضاً في ازدياد تعداد السكان والتحضر في المناطق الساحلية، إضافة إلى أنها تتطلب كميات مهولة من الطاقة. ويسعى مركز تحلية وإعادة استخدام المياه إلى خفض استهلاك الطاقة وخلق موارد مفيدة من النفايات»، مشيراً إلى أن المركز يتعاون مع كبرى الجهات الفاعلة في قطاع المياه بالسعودية، مثل شركات «أكوا باور» و«المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة»، و«شركة المياه الوطنية»؛ لتحقيق الاستفادة القصوى من أثر الأبحاث التي يقومون بها. وتعتمد أكثر عمليات تحلية المياه شيوعاً على تقنية التناضح العكسي في تنقية مياه البحر من خلال استخدام غشاء شبه نفّاذ. والتناضح العكسي هي طريقة متَّبعة لتنقية المياه بمرورها بعدد من المراحل يفصل بعدها الماء عن الأملاح والمعادن الأخرى.
ويعلّق فرووينفيلدير قائلاً: «يجب الحفاظ على نظافة الغشاء لكي نضمن تدفق المياه عبر النظام، ولكن في الوقت ذاته، يجب أن تستهلك عملية التنظيف أدنى قدر من الطاقة والمواد الكيميائية؛ حتى تتحقق غاية الاستدامة. كما سيتسبب الارتفاع المتزايد في درجات حرارة مياه البحر في إفساد تلك الأغشية، ما سيزيد من استهلاك الطاقة والمواد الكيميائية المستخدمة في عمليات التحلية». ويضيف قائلاً: «نحن بصدد تطوير أساليب فعّالة تمكننا من إعادة استخدام مادة التنظيف لتقليل تسرب المواد الكيميائية». وهذا يؤدى إلى زيادة قدرة عملية التحلية على التعامل مع تغير المناخ، كما يقلل من آثارها السلبية على تغير المناخ.
الزراعة في المستقبل
يقول الدكتور سايمون كراتينجر، عالم النبات بمركز الزراعة الصحراوية في «كاوست»: «تؤثر ندرة المياه أيضاً على الزراعة في السعودية وفي منطقة الخليج بصفة عامة. وبحلول عام 2040، ستصبح ست من دول الخليج السبع ضمن أكثر 10 دول تعاني من الإجهاد المائي في العالم».
ويُعد الأمن المائي أحد التحديات العديدة التي يفرضها تغير المناخ على إنتاج الغذاء. ويقول كراتينجر: «بالرغم من توافر الأبحاث التي درست باستفاضة بعض التهديدات، مثل موجات الجفاف، والفيضانات، والعواصف الشديدة، فإننا نشهد أخيراً تنامي الوعي بتحديات غير مباشرة أكثر». فعلى سبيل المثال، نلاحظ انتقال النطاق الجغرافي لأمراض النباتات إلى مناطق جديدة، أصبحت الآن أكثر دفئاً، ولكنها بطبيعتها غير مؤهلة للتعامل مع مثل هذه الأمراض. ويوضح كراتينجر قائلاً: «إن برامج تحسين النوع النباتي لم تكن في الماضي بحاجة إلى أن تضع في حسبانها آليات مقاومة هذه الأمراض». ويعمل الفريق البحثي الذي يرأسه كراتينجر على تحسين فهم مقاومة محاصيل القمح والشعير للأمراض، على المستويين الجيني والجزيئي، بهدف مساعدة منتجي هذه المحاصيل في الاستجابة سريعاً لمسببات الأمراض الجديدة حال ظهورها.
كما يستخدم كراتينجر وفريقه خبراتهم الوراثية والجزيئية في تحقيق تنوّع أكبر في خيارات المحاصيل في المستقبل.
وتفتقر الزراعة الحديثة إلى التنوّع افتقاراً شديداً؛ حيث تمثل ثلاثة محاصيل فقط - هي الأرز والقمح والذرة - ما يزيد على 50 في المائة من السعرات الحرارية التي يستهلكها الإنسان على مستوى العالم، وذلك على الرغم من توفر أكثر من 30 ألف نوع قابل للأكل. لذا يسعى الفريق إلى تدجين محاصيل جديدة تماماً تكون أكثر قدرة على التكيّف مع أجواء المناخ المستقبلية، إلى جانب تحقيق استفادة أكبر بتكلفة أقل من خلال زيادة إنتاجية المحاصيل باستخدام موارد أقل.
ويمكن أن تثمر الأساليب الحالية عن الإسراع في عملية التدجين. يقول كراتينجر: «إن علم الجينوم، والتحرير الجيني، والأدوات الجزيئية، تتيح الآن تدجين النباتات البرية خلال فترة تترواح بين 10 و15 عاماً. سنبدأ بالنباتات البرية التي تتمتع بقدرة كبيرة على التكيّف مع البيئات الحارّة والجافة والمالحة، وندجنها؛ لتكون قادرة على إنتاج أنواع جديدة من المحاصيل التي يمكن زراعتها بآلية مستدامة في البيئات القاسية». وتبشّر نتائج التجارب التي يجريها الفريق البحثي حالياً على حبوب دخن «الفونيو» المغذية بنجاح استزراعها في البلدان الصحراوية الجافة.
الشعاب المرجانية
يتيح الموقع الذي تشغله «كاوست» على ساحل البحر الأحمر الفرصة لدراسة آليات التكيّف في النظم البيئية البحرية، مثل المانجروف، والأعشاب البحرية، والشعاب المرجانية. فعلى سبيل المثال، يُعرَف المانجروف بقدرته على تخزين الكربون، ما يساعد في التخفيف من حدة التغيّر المناخي، في الوقت الذي يشكل فيه حاجزاً طبيعياً أمام ارتفاع منسوب البحار والعواصف الساحلية، محققاً الحماية للمناطق الحضرية.
كما تؤدي النباتات البحرية دوراً حيوياً في حماية الحيوانات البحرية من الإجهاد الحراري، فعمليات البناء الضوئي التي تقوم بها داخل مياه البحر التي ترتفع درجة حرارتها بمرور الوقت تساعد في تلبية الحاجة المتزايدة للكائنات الساحلية إلى الأكسجين. ويُعد ابيضاض الشعاب المرجانية إحدى الظواهر المهمة المترتبة على تغير المناخ، وهي عملية تنجم عن التعرض للمياه الدافئة لفترات طويلة وارتفاع مستويات المغذيات. وقد تمكن مؤخراً فريق من الباحثين التابعين لـ«كاوست» من دحض الافتراضات السائدة حول الأسس الفسيولوجية التي يعتمد عليها الهولوبيونت المرجاني أثناء حدث الابيضاض، وهو ما سلط الضوء على الحاجة إلى مراقبة كل من حالة المرجان الغذائية وجودة المياه؛ للتعرّف على الشعاب الأكثر عرضة للإصابة بالابيضاض.
ويُقصد بالهولوبيونت أي تجمع لكائن مضيف والكثير من الأنواع الأخرى التي تعيش فيه أو حوله، تشكلوا معاً وحدة بيئية منفصلة.
كما يُبرز هذا الجهد اتجاهاً بحثياً جديداً تتبناه «كاوست»، وهو استخدام المعززات الحيوية (بروبيوتك) الطبيعية في التعامل مع الشعاب المرجانية المعرضة للإجهاد الحراري، التي تدرسها الدكتورة راكيل بيكسوتو - اختصاصية علوم البحار في مركز أبحاث البحر الأحمر - وهو ما من شأنه تعزيز مقاومة الشعاب المرجانية للإجهاد.
وتُعد عملية استعادة الشعاب خياراً جديداً في إطار جهود إصلاح الشعاب المرجانية، ولكنَّ التكاليف مرتفعة والاعتبارات اللوجيستية ضخمة. ويعكف فريق بيكسوتو على دراسة ما إذا كان استخدام المعززات الحيوية للمرجان يمكن أن يساعد في تسريع نموه ومقاومته للظروف غير المواتية وتعزيز جهود استعادة الشعاب المرجانية، أم لا. وإضافة إلى ذلك، يقترح العالم الباحث الدكتور سباستيان شميدت - روخ تبني نهج للسياحة البيئية يشجّع المجتمعات المحلية على الاضطلاع بالبستنة المرجانية في المواقع الساحلية الرئيسية، وذلك بهدف خفض تكلفة المشروع وبناء جبهة مجتمعية داعمة.
تقول بيكسوتو: «على الرغم مما يميّز البحر الأحمر من ارتفاع قدرته على الصمود في وجه ظروف الإجهاد بصفة عامة، فإن هذه الشعاب تتعرض أيضاً للتهديد؛ جراء الآثار المحلية والعالمية التي تتسارع وتيرتها يوماً بعد يوم؛ نتيجة لتزايد النشاط البشري. وعلينا التزام أخلاقي بالإسراع في دراسة وفهم السمات المميزة التي يتحلى بها البحر الأحمر لمقاومة التغيّر المناخي؛ حتى نتمكن من دعم مساعي التكيّف لتلك الأنظمة البيئية الفريدة والحفاظ عليها، وإنشاء معارف يمكن ترجمتها في صورة أدوات لإعادة التأهيل، تُستخدم في العالم أجمع».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني
TT

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

صمم نظام ذكاء اصطناعي جديد توربين رياح لأول مرة في التاريخ، وفقاً لمطوره.

نظام ذكاء هندسي ثوري

وأعلنت شركة «EvoPhase» البريطانية أن الذكاء الاصطناعي الخاص بها تخلى عن جميع القواعد الراسخة في هندسة مثل هذه الأجهزة. وبناءً على اختباراتها، فإن اختراعها أكثر كفاءة بسبع مرات من التصميمات الحالية.

تتكون «شفرة برمنغهام» The Birmingham Blade -كما تسمي الشركة التوربين- من ست أذرع موازية للأرض متصلة بمحور عمودي مركزي. وتحتوي كل ذراع على شفرة رأسية، وسطح به موجتان تغيران زاوية هجومهما عبر ارتفاعها وطولها.

لعمل مع سرعات رياح منخفضة

يتم تحسين توربينات الرياح التقليدية لسرعات رياح تبلغ نحو 33 قدماً في الثانية. في المقابل، تم تصميم «الشفرة» لسرعات الرياح المتوسطة المنخفضة النموذجية للمناطق الحضرية مثل برمنغهام، والتي تبلغ نحو 12 قدماً في الثانية. هذا يزيد قليلاً عن ثمانية أميال (13كلم تقريباً) في الساعة.

وتم تحسين التصميم للعمل بين المباني الشاهقة التي تنتج أنماط اضطراب تؤثر على فاعلية تصميمات التوربينات الحضرية الأخرى. وإذا ثبت أن هذا صحيح، فقد يفتح التصميم الباب أمام إنتاج كهرباء غير محدود في المباني المكتبية والسكنية بتكلفة تكاد تكون معدومة.

يقول ليونارد نيكوسان، كبير مسؤولي التكنولوجيا في الشركة، في بيان صحافي: «كان استخدام الذكاء الاصطناعي ضرورياً للتحرر من التحيزات طويلة الأمد التي أثرت على تصميمات التوربينات خلال القرن الماضي. سمح لنا الذكاء الاصطناعي باستكشاف إمكانيات التصميم خارج نطاق التجارب البشرية التقليدية».

وفقاً لنيكوسان، تمكن المصممون من «توليد واختبار وتحسين أكثر من 2000 تصميم لتوربينات الرياح في غضون أسابيع قليلة، ما أدى إلى تسريع عملية التطوير لدينا بشكل كبير وتحقيق ما كان يستغرق سنوات وملايين الجنيهات من خلال الطرق التقليدية».

سحر «التصميم التطوري»

«التصميم التطوري الموجه بالذكاء الاصطناعي» هو منهجية تقوم على نفس فكرة الانتقاء الطبيعي. تبدأ العملية بتوليد آلاف المتغيرات التصميمية التي يتم تقييمها وفقاً لوظيفة «البقاء للأفضل»، والتي تحدد مدى نجاح كل متغير في تلبية أهداف المشروع. ويختار الذكاء الاصطناعي أفضل البدائل لاستخدامها أساساً لتكرارات جديدة، وإعادة الجمع بين الميزات وتنويعها لتطوير إصدارات محسنة.

تتكرر هذه الخطوات حتى يصل الذكاء الاصطناعي إلى حل يحقق تحسين جميع العلامات المهمة مثل الكفاءة الديناميكية الهوائية، والاستقرار الهيكلي، والوزن، أو الاكتناز.

تقول الشركة إن عمليتها تتجنب التحيزات البشرية الموجودة في الهندسة التقليدية. بطبيعتها، تكون الهندسة التقليدية محدودة بالأفكار والمعرفة السابقة.

من ناحية أخرى، يستكشف الذكاء الاصطناعي مجموعة واسعة من الاحتمالات دون القيود في العقل البشري. عندما تجمع بين جيل الذكاء الاصطناعي والتكرار التطوري، يمكن أن يؤدي هذا إلى نتائج مبتكرة تتحدى غالباً الفطرة السليمة ولكنها لا تزال تعمل.

إن نهج التصميم التطوري هذا ليس جديداً تماماً، إذ استخدمت صناعة الطيران والفضاء برامج بهذه القدرات لسنوات. ومثلاً استخدمت شركة «إيرباص»، بالتعاون مع شركة «أوتوديسك»، عملية مماثلة لتصميم حاجز مقصورة خفيف الوزن للغاية لطائراتها من طراز A320وظهرت النتيجة مستوحاة من هياكل العظام الطبيعية، ما أدى إلى انخفاض الوزن بنسبة 45 في المائة مقارنة بالهياكل المماثلة المصممة بالطرق التقليدية.

كما طبقت شركة «جنرال إلكتريك» الخوارزميات التطورية في إعادة تصميم حامل محرك نفاث جديد، مما أدى إلى انخفاض وزن القطعة بنسبة 80 في المائة. وتستخدم وكالة «ناسا» أيضاً هذه التقنية منذ سنوات، ففي عام 2006 استخدمت الوكالة خوارزمية تطورية لتصميم «هوائي متطور».

نجاح توربين «برمنغهام بليد»

لقد طبق فريق المصممين بقيادة الدكتور كيت ويندوز - يول من جامعة برمنغهام هذه العملية التطورية لحل مشكلة تكافح العديد من تصميمات التوربينات لمعالجتها: كيفية العمل بكفاءة في البيئات الحضرية، حيث تكون الرياح أبطأ وأكثر اضطراباً بسبب المباني.

ويقول نيكوسان: «كنا بحاجة إلى توربين يمكنه التقاط سرعات الرياح المنخفضة نسبياً في برمنغهام مع إدارة الاضطرابات الناجمة عن المباني المحيطة. وكان لا بد أن يكون التصميم أيضاً مضغوطاً وخفيف الوزن ليناسب التركيبات على الأسطح».

* مجلة «فاست كومباني» خدمات «تريبيون ميديا»