«أكسل شبرينغر»: صناعة نقل الخبر... ثم الخبر نفسه

من صفقة الاستحواذ على «بوليتيكو» إلى «فضيحة» رايشلت

دوبفنر
دوبفنر
TT

«أكسل شبرينغر»: صناعة نقل الخبر... ثم الخبر نفسه

دوبفنر
دوبفنر

في مارس (آذار) الماضي، نشرت مجلة «دير شبيغل» الألمانية المرموقة تقريراً مطولاً يفصل كيف يسيء يوليان رايشلت رئيس تحرير «بيلد»، أكبر صحيفة شعبية في ألمانيا، استخدام سلطته عبر «إغراء متدربات» وربط عملهن بإقامة علاقة خاصة معهن.
التقرير صدر باللغة الألمانية، ومع أنه أثار ضجة واسعة آنذاك داخل ألمانيا فهو لم يكن له صدى واسع في الخارج. وهكذا خمدت القصة خلال أسبوعين بعدما اكتفت مجموعة أكسل شبرينغر، وهي دار النشر العملاقة التي تُصدر «بيلد» و«دير شبيغل»، بتعليق عمل رايشلت (41 سنة) لمدة 12 يوماً... ثم إعادته إلى منصبه.
ما لا يقل إثارة، أن رايشلت رفع دعوى قضائية ضد «دير شبيغل» لنشرها التحقيق عنه. ومن ثم، لم تطل كثيراً عودته إلى المنصب. إذ إنه قبل نحو أسبوعين أقيل بسبب الاتهامات نفسها. ثم إن إقالة رايشلت تطلبت قصة في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية تفصل الاتهامات التي تحوم منذ سنين حول رئيس التحرير المعزول.
وهكذا، خلال ساعات قليلة من نشر التقرير الاثنين قبل الماضي، كان رايشلت، الذي عين رئيس تحرير عام 2017 قد أصبح من الماضي. ودفع الأمر دار النشر العملاقة إلى إصدار تقرير يعلن إقالته «بعدما ظهرت تفاصيل جديدة في وسائل الإعلام» حول سلوكه. ومع أن تقرير «نيويورك تايمز» لم يقدم تفاصيل جديدة حول رايشلت نفسه، فإن وقعه على المستوى الدولي كان أكبر بكثير من الوقع المحلي للقصة التي نشرتها «دير شبيغل» قبل بضعة أشهر.
في الواقع قصة «نيويورك تايمز» ما كانت مرتبطة فقط بـ«فضيحة» رئيس تحرير صحيفة ألمانية، بل ازدادت أهمية بالنظر إلى توسع دار النشر الألمانية داخل السوق الإعلامية الأميركية ما استدعى أيضاً تدقيقاً مفصلاً في «الثقافة» المنتشرة داخل الصحيفة الأكثر انتشاراً والتي هي من أهم مطبوعات مجموعة أكسل شبرينغر.
دار نشر أكسل شبرينغر أسست عام 1952، واستحوذت على مجلة/موقع «بوليتيكو» الأميركية في أغسطس (آب) الماضي، في صفقة بلغت قيمتها مليار دولار أميركي. ووفق التقارير الإعلامية الأميركية، كانت أيضاً بصدد الاستحواذ أيضا على موقع «أكسيوس» الذي كانت قد أسسته جماعة من الصحافيين السابقين في «بوليتيكو» عام 2016، وعلى ما يبدو، فإن أسلوب «الخداع» في المفاوضات السرية التي أدارها ماتياس دوبفنر، رئيس مجلس إدارة أكسل شبرينغر، كانت السبب في فشل مجموعة النشر الألمانية بشراء موقع «أكسيوس».
من جهتها، نقلت «نيويورك تايمز» عن جيم فاندهاي، رئيس مجلس إدارة ومؤسس «أكسيوس» عام 2016 قوله إن دوبفنر عرض عليه أن يكون رئيساً لمجلس إدارة «أكسيوس – بوليتيكو» بعد شرائهما ودمجهما معا، إلا أن فاندهاي أبدى تحفظات عن هذه الخطوة، خاصة، أنه كان من مؤسسي «بوليتيكو» ورئيس مجلس إدارتها السابق، وبالتالي، قد تشكل عودته على رأسها توتراً مع زملائه السابقين في «بوليتيكو».
على هذا الرد من فاندهاي اقترح دوبفنر «التستر» على هذه الخطوة وتحاشي الإعلان عنها إلى ما بعد توقيع العقد مع «بوليتيكو»... لإجبارها على القبول بالخطوة المثيرة للجدل.
عندها أبلغ فاندهاي أعضاء مجلس إدارته في «أكسيوس» أن أسلوب دوبفنر «ملتوٍ»، وأنه «ليس هكذا ندير الأعمال هنا في الولايات المتحدة». وهكذا فشلت صفقة الاستحواذ على «أكسيوس»، وخطط مجموعة أكسل شبرينغر بدمج الموقع الناجح مع مجلة «بوليتيكو» العريقة، ومع هذه النكسة بدأت دار النشر الألمانية تدرك الفارق بين السوق الألمانية والسوق الأميركية التي دخلتها منذ عام 2015 عبر الاستحواذ على مجلة «بيزنس إنسايدر» وقررت التوسع فيه أكثر هذا العام.

ردود فعل

اختلاف رد فعل دار النشر الألمانية على القصة نفسها التي نشرت في الصحافة الأميركية وقبلها في الصحافة الألمانية، أثار كذلك الكثير من التعليقات. وحتى كاتب التحقيق الصحافي الأميركي بن سميث قال في مقابلة مع صحيفة «دي تزايت» الألمانية إنه «مصدوم» من تصرفات دار النشر وإقدامها على طرد رايشلت لأنه لم ينشر أي معلومات لم تكن معروفة له سابقاً من التحقيق الداخلي الذي أدارته المؤسسة.
وتابع سميث أن محضر التحقيق الداخلي الذي كان قد حصل على نسخة منه، كان واضحاً حول «العلاقات المشبوهة» لرئيس التحرير، وأردف أن ما أثار استغرابه أكثر كانت السرعة التي انتهى فيها التحقيق الداخلي الذي أجري في «بيلد» وانتهى بإعادة رايشلت إلى منصبه. وبحسب سميث، فإن «مديراً أميركياً كان سيقال لارتكابه جزءاً صغيراً من التجاوزات التي تورط فيها رايشلت».
هذه القصة لم تكشف فقط عن «الثقافة» المنتشرة داخل «بيلد» والتي تسامحت معها دار النشر المالكة للصحيفة، بل طرحت أيضا تساؤلات حول مدى «الحرية» المقبولة عند الصحافة في ألمانيا وقدرة الصحف المنافسة على الكشف عن قصص كهذه. إذ إن وسيلة الإعلام الوحيدة التي نشرت عن التحقيق الداخلي الذي أجرته «بيلد» بحق رئيس تحريرها وتصرفاته غير اللائقة، كانت مجلة «دير شبيغل» التي واجهتها «بيلد» بعدها بدعوى قضائية لإجبارها على سحب القصة. وللعلم، تضمنت قصة «دير شبيغل» في مارس الماضي اتهامات لم تطل فقط رايشلت نفسه، بل طالت أيضا ثقافة الذكورية الطاغية في «بيلد» وتحييد النساء و«حصر الحكم على أهليتهم للعمل بالاستناد إلى مظهرهن». حتى أن المجلة تحدثت عن أن الصحافيات لا يدعون للمشاركة في اجتماع التحرير إلا «للزينة».
وعندما حاولت دار النشر إيبن، المنافسة لأكسل شبرينغر - وهي تمتلك بدورها عدداً من الصحف في ألمانيا - نشر القصة بعد تحقيق مطول أجرته، فإنها تراجعت في اللحظات الأخيرة. وبعث رئيس مجلس إدارة إيبن برسالة إلى الصحافيين يطلب الإحجام عن نشر القصة، وبرر ذلك بأنه قد ينظر إليها على أنها تهدف للإضرار بمؤسسة منافسة. ورغم انتشار الشائعات على أن إيبن تعرضت لضغوط من أكسل شبرينغر، نفى رئيس مجلس إدارة إيبن ذلك، وكذلك نفت دار أكسل شبرينغر نفسها تواصلها مع إيبن طالبة الامتناع عن نشر القصة.
على أي حال، فإن تبعات فصل رايشلت لم تنته بعد. ويسعى دوبفنر، رئيس مجلس إدارة أكسل شبرينغر، الآن لنفض السمعة السلبية حول «ثقافة» التمييز ضد المرأة واستغلال الرجال لسلطتهم، التي يُخشى الآن أن تؤثر سلباً على صفقة «بوليتيكو». وكان دوبفنر قد نشر أخيراً شريط فيديو على يوتيوب دعا فيه الصحافيات اللواتي تأثرن باستغلال رايشلت لمنصبه «إلى التكلم علناً من دون خوف» وأضاف «يجب أن نكون مثالاً يُقتدى به عندما يتعلق الأمر بسياسة عمل محترمة ومتنوعة وحديثة».
لكن الواقع أن على دوبفنر شخصياً بذل الكثير من الجهد لإبعاد نفسه عن رايشلت ودفاعه المستميت عنه طوال الأشهر الماضية من أجل إبقائه في منصبه. ذلك أنه كان قد حاول التقليل من شأن الاتهامات الموجهة لرايشلت في تقرير «دير شبيغل» المنشور في مارس الماضي، مقابل الترويج لدوره كصحافي. حتى أنه وصفه بأنه «الصحافي الوحيد في ألمانيا الذي يتمرد ضد الدولة التوتاليتارية الجديدة»، في إشارة إلى انتقاد رايشلت إجراءات تقييد التنقل والحرية التي اتخذتها حكومة أنجيلا ميركل للحد من انتشار فيروس (كوفيد - 19).
ما إذا كان دوبفنر نفسه سينجح في تغيير الصورة السيئة التي انتشرت حول الثقافة التي روج لها في غُرف تحرير «بيلد»، ليس مؤكداً بعد. أما ما هو مؤكد فهو أن «التسامح» مع مثل هذه تصرفات ليس وارداً في الولايات المتحدة، حيث وصلت حركة «مي تو» – المكافحة للتحرش – إلى داخل غرف التحرير، وأطاحت برؤوس كبيرة، بدءاً من قناة «فوكس نيوز» ورئيس مجلس إدارتها روجر إيلس... الذي دفعت قصته هوليوود إلى إنتاج فيلم عنه.


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
TT

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)

أكّد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي، الاثنين، أهمية توظيف العمل الإعلامي العربي لدعم قضية فلسطين، والتكاتف لإبراز مخرجات «القمة العربية والإسلامية غير العادية» التي استضافتها الرياض مؤخراً.

وشددت القمة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على مركزية القضية الفلسطينية، والدعم الراسخ للشعب لنيل حقوقه المشروعة، وإيجاد حل عادل وشامل مبني على قرارات الشرعية الدولية.

وقال الدوسري لدى ترؤسه الدورة العادية الـ20 للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب في أبوظبي، أن الاجتماع يناقش 12 بنداً ضمن الجهود الرامية لتطوير العمل المشترك، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، بمشاركة رؤساء الوفود والمؤسسات والاتحادات الممارسة لمهام إعلامية ذات صفة مراقب.

الدوسري أكد أهمية توظيف العمل الإعلامي لدعم القضية الفلسطينية (واس)

وأضاف أن الاجتماعات ناقشت سبل الارتقاء بالمحتوى الإعلامي، وأهم القضايا المتعلقة بدور الإعلام في التصدي لظاهرة الإرهاب، وجهود الجامعة العربية في متابعة خطة التحرك الإعلامي بالخارج، فضلاً عن الخريطة الإعلامية العربية للتنمية المستدامة 2030.

وتطرق الدوسري إلى استضافة السعودية مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة للتصحر «كوب 16»، وقمة المياه الواحدة، وضرورة إبراز مخرجاتهما في الإعلام العربي، مؤكداً أهمية الخطة الموحدة للتفاعل الإعلامي مع قضايا البيئة.

وأشار إلى أهمية توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في الإعلام العربي، واستثمار دورها في تعزيز المحتوى وتحليل سلوك الجمهور، داعياً للاستفادة من خبرات «القمة العالمية للذكاء الاصطناعي» في الرياض؛ لتطوير الأداء.