الشيف فادي عنيد في «التيرو» يتشارك مع ضيوفه تحضير الأطباق

قصة عشقه للمذاقات حفرها على الرخام

الشيف عنيد خلال تحضيره طبق الحلوى بالمانغو والشوكولاته
الشيف عنيد خلال تحضيره طبق الحلوى بالمانغو والشوكولاته
TT

الشيف فادي عنيد في «التيرو» يتشارك مع ضيوفه تحضير الأطباق

الشيف عنيد خلال تحضيره طبق الحلوى بالمانغو والشوكولاته
الشيف عنيد خلال تحضيره طبق الحلوى بالمانغو والشوكولاته

واثق الخطوة يمشي ملكاً، الشيف فادي عنيد، وهو يتنقل في مطعمه «التيرو» الواقع في منطقة كفرشيما جنوبي بيروت. دِقته وتأنّيه في عمله يتدفقان جرعات رضا، على مدعويه الجالسين على طاولة خشبية وحيدة تتصدر مطعمه. يقترب منهم بين الحين والحين، ينظر إلى عيونهم ليلتقط منها أي شرارة، تفيد بمدى إعجابهم بأطباقه.
تتلفت يميناً ويساراً وأنت تبحث عن موقع لـ«التيرو» بمساعدة الخريطة الإلكترونية على هاتفك المحمول. فالمنطقة التي يقع فيها، ليست شارع الجميزة أو مار مخايل، ولا حتى في وسط بيروت. عندما تصل إلى منطقة معامل الرخام في شارع ضيق من كفرشيما، يطالعك صوت الدليل الإلكتروني «لقد وصلت. المكان يقع إلى يسارك».
الشيف عنيد وحرصاً منه على إدارة مهنته كصاحب معمل للرخام، لم يشأ أن ينفصل عن هذا الحجر اللماع ببساطة، حتى وهو يمارس هوايته في الطبخ. فاستحدث مكاناً دافئاً، يتفرع من معمله ليستقبل فيه زبائنه. صحيح أن حجر الرخام يغطي معظم مساحة المطعم، وكذلك مدخنة ضخمة في وسطه، ولكن رائحة الطعام الإيطالي المتسلل من مطبخه المفتوح أمامك يكسر عندك الشعور بقسوة الحجر. تشعر بأنك ستختبر تجربة طعام فريدة من نوعها. وبين بريق الرخام ورائحة عجين البيتزا المخبوز في فرن على الحطب، تبدأ رحلتك في «التيرو».
«منذ صغري تعلقت بهذه الهواية، لا سيما أن أفراد عائلتي مثل والدتي وعمتي كانتا تطبخان أشهى المأكولات. كنت أراقبهما وأتفرج على تأنيهما في اختيار مكونات الطعام وخلطها مع كمشة حب ليقدمانها لنا. المشهد لم يفارقني وصرت بدوري أقوم بتجاربي الخاصة في هذا المجال إلى أن كبرت موهبتي، وقررت ممارستها على طريقتي». يقول الشيف عنيد لـ«الشرق الأوسط» وهو يحضر لنا طبق السلطة الشهيّ: «جميع مكوناته طازجة وبسيطة، واللوز المحمر الذي يزينه سيزوده بخصوصيته». تجلس على كرسيّ البار الرخامي وأنت تراقب الشيف عنيد الذي يأخذ طابع الجدية، وهو يقوم بعمله. كلماته مختصرة ونظراته مسمّرة على الطبق الذي يقوم بتحضيره بفنّية لافتة. ولداه غبرييلا وجاك، هما مساعداه الرئيسيان في المطبخ. يطلب منهما ما يحتاج إليه، بعبارات قصيرة ومختصرة، فيلبيانه بسرعة على طريقة أن «اللبيب من الإشارة يفهم».
طاولة وحيدة تتسع لنحو 15 شخصاً داخل المطعم، وأخرى بإمكانها أن تضم عدداً أكبر بقليل من الزبائن، وُضعت في الباحة الخارجية.
«لم أشأ أن يشعر الزبون كأنه في مطعم عادي بل أردته أن يُمضي تجربة لا تشبه سواها. اختصرت عدد الأماكن والكراسي وحصرتها في هاتين الطاولتين داخل وخارج المطعم كي يستمتع المدعوون بنكهة الجلسة». هكذا يصف الشيف عنيد هدف إنشائه هذا المطعم. وعادةً ما يتألف زبائنه من مجموعة واحدة تابعة لسفارة ما أو شركة أو مؤسسة. وأحياناً يكونون مجرد أصدقاء يتواعدون على اللقاء تحت سقف «التيرو»، حيث في استطاعتهم أن يشاركوا في تحضير الطعام إلى جانب الشيف.
الجلسة من أولها حتى نهايتها تخرج عن المألوف، فهنا لا لائحة طعام تقدم إليك كي تختار منها الأطباق التي تريد. والمطلوب أن تسلم أمرك إلى الشيف الذي يقوم كل يوم بابتكار لائحة على ذوقه، يفاجئك بأصنافها، وأنت تجلس على المائدة.
عندما زرنا المكان كانت اللائحة تتألف من طبق سلطة خضراء وسبعة أصناف من البيتزا وطبق أساسي من لحم الضأن (الكستلاتة) وختامها شوكولاته مع فاكهة المانغو.
لا مجال للتعليق أو الكلام وأنت تتذوق أول أطباق الشيف عنيد «سلطة الخضار». وحدها أصوات التلذذ بالطعام تخرج من أفواه المدعوين كالموسيقى.
يترك الشيف عنيد لك الوقت الكافي لتكتشف مكونات كل طبق يقدمه لك. فهنا لا داعي للعجلة وللقيام بعملية إنزال لأطباق عادية على الطاولة. فالقاعدة الأساسية التي عليك اتباعها عنده، تتألف من ثلاثة عناصر: تلمس المذاق واكتشاف المكونات، والتلذذ بها على مهل إلى حين وصول الطبق الثاني.
وبين طبق البيتزا المؤلف من الزعتر مع فاكهة التين وآخر من البريزاولا مع الجرجير وثالث من جبنة البوراتا الإيطالية ورابع مع الباذنجان، تبدأ رحلتك مع المذاقات السبعة لأطباق بيتزا قد لا تجدها حتى في بلاد منشئها إيطاليا.
تتطلع حولك محاولاً استشفاف انطباعات أصدقائك حول الطعام المقدَّم. الصمت يخيّم على المائدة في الدقائق الأولى. ويليها حوارات متواصلة بين المدعوين كي يخمنوا طبيعة المكونات. الشيف يتواصل معك باستمرار، يقف منتصباً على رأس الطاولة مع ابتسامة هادئة، باحثاً عن إشارات الفرح في عيون مدعويه. كطفل تفوّق في امتحانه يشعر بسعادة عارمة عندما يلاقي الثناء على أطباقه. فتلمع عيناه فخراً، كأنه يتلقى التهنئة من والدته وهي تقول له: «أحسنت أنت رائع في عملك».
ويصل الطبق الرئيسي من لحم الضأن المشوي (كوتليت) على الحطب ترافقه الخضراوات المحمرة من أكواز بندورة صغيرة وقطع من الشمندر السكري وباقة أعشاب.
تتمنى ألا تشعر بالشبع لأن التجربة تستأهل أن تطول. ولكن النهاية تقترب دائماً. أما الوداع فكان حلو المذاق مع لفافة عجين محشوة بالشوكولاته ومزينة بقطع فاكهة المانغو الناضجة. سر طعمها اللذيذ هي ضربة المعلم.
فالشيف وقبل تقديمها بلحظات، يرش عليها الملح الخشن ليزودها بطعم يبرز جمال التناقض بين الحلو والمالح.


مقالات ذات صلة

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

مذاقات توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات إم غريل متخصص بالمشاوي (الشرق الاوسط)

دليلك إلى أفضل المطاعم الحلال في كاليفورنيا

تتمتع كاليفورنيا بمشهد ثقافي غني ومتنوع، ويتميز مطبخها بكونه خليطاً فريداً من تقاليد عالمية ومكونات محلية طازجة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
مذاقات صندوق من الكعك والكعك المحلى من إنتاج شركة «غريغز سويت تريتس» في نيوكاسل أبون تاين - بريطانيا (رويترز)

حلويات خطيرة لا يطلبها طهاة المعجنات أبداً في المطاعم

في بعض المطاعم والمقاهي، توجد بعض الخيارات الاحتياطية التي تجعل طهاة المعجنات حذرين من إنفاق أموالهم عليها؛ لأنها على الأرجح خيار مخيب للآمال.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
مذاقات «الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

إيمان مبروك (القاهرة)
مذاقات الشيف الأميركي براين بيكير (الشرق الأوسط)

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

تقدم فعاليات «موسم الرياض» التي يقودها الشيف العالمي ولفغانغ باك، لمحبي الطعام تجارب استثنائية وفريدة لتذوق الطعام.

فتح الرحمن يوسف (الرياض) فتح الرحمن يوسف (الرياض)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».