«مُصوّر الحرمين الشريفين»: دخولي الكعبة والحجرة النبوية شرف عظيم

خالد خضر نظم 130 معرضاً فوتوغرافياً حول العالم

تصوير الحرم المكي والكعبة المشرفة من زاوية نادرة
تصوير الحرم المكي والكعبة المشرفة من زاوية نادرة
TT

«مُصوّر الحرمين الشريفين»: دخولي الكعبة والحجرة النبوية شرف عظيم

تصوير الحرم المكي والكعبة المشرفة من زاوية نادرة
تصوير الحرم المكي والكعبة المشرفة من زاوية نادرة

بأرشيف يضم نحو مليوني صورة فوتوغرافية، لُقّب المصور السعودي خالد خضر بـ«مصور الحرمين الشريفين»، كونه تخصص لمدة تربو على 45 عاماً، في تصوير الحرمين المكي والنبوي، إلى جانب مقتنياته عن الحرمين التي صُورت من جانب المستشرقين في العهد العثماني وعهد الأشراف. وهو الأرشيف الذي نظّم به 130 معرضاً فوتوغرافياً بين دول العالم ليشاهد المسلمون عن قرب تطور مقدساتهم بين الماضي والحاضر.
في القاهرة؛ حطّ «خضر» رحاله مؤخراً، عارضاً بها جانباً من هذا الأرشيف، حيث التقته «الشرق الأوسط» ليروي جانباً من رحلته مع تصوير الحرمين، يقول: «خلال السنوات الأخيرة أقوم من خلال أعمالي ومعارضي بتوثيق ورصد ما يخص الحرمين الشريفين، وكيف كان الحرم يمتلئ بـ10 آلاف مصلٍ حتى صار يتسع لنحو 3 ملايين شخص، فهي المقارنات التي تعكس اهتمام السعودية بالحرمين وإنجازاتها في توسعتهما».
تحمل لقطات «خضر» فلسفة ورؤية خاصة به، يشرحها قائلاً: «عندما أُصوّر الحرمين أعمد أن تكون الصورة بخلاف نظرة أي شخص، بما يجعل المشاهد لها يقول إنّ هذه الزاوية لم أرها من قبل، لذا أحاول دائماً أن ألتقط صوري بزوايا مختلفة، فأرفع كاميراتي أو أنزل بها إلى مستوى سفلي، كذلك أختار وقت ما قبل الغروب مباشرة، حتى ضوء نزول الشمس الذي يعطي انعكاساً مميزاً في الصورة يعطي نوعاً من الروحانية، كذلك أبحث دائماً عن اللقطات ذات البعد الإنساني بين من يقرأ القرآن أو يصلي أو يبتهل».
على مدار عقود طويلة اعتاد المسلمون رؤية الحرم عبر شاشات التلفاز من كافة الزوايا، إلا أنّ تصوير الحرم والكعبة المشرفة من أعلى سطح قصر الملك يظل حصرياً لعدسات مصور الحرمين، يوضح: «منذ 30 عاماً كنت أول من صور الحرمين بالطائرة، كما تظل زاوية القصر الملكي نادرة بالنسبة لي، خصوصاً في موسم الحج وشهر رمضان، ففي يوم 29 رمضان من كل عام أجلس أعلى سطح القصر من آذان العصر حتى الفجر لأكون كاشفاً للحرم كله، وأستطيع التقاط الصور المميزة من هذه النقطة، وهو ما يحتاج إلى صبر كبير ومجهود لضبط زاوية التصوير لتشمل أفواج المصلين».
رغم مئات الزوايا التي تنقّل بينها مصور الحرمين، فإنّ هناك زاوية يفضلها دائماً ويتوقف بعدسته أمامها طويلاً رغم مرور السنوات، يكشفها بقوله: «تظل الواجهة التي تجمع بين باب الكعبة والحجر الأسود هي المفضلة لي على الإطلاق، كما أنّ هذه اللقطة تشمل الزوار الذين يسلمون على الحجر ويقبلونه، والمتعلقون بأستار الكعبة، فهي زاوية تبيّن هيّبة المكان، وبها روحانيات عديدة تجذبني بشكل دائم».
أما اللحظات التي لا ينساها «مصور الحرمين»، فهي المشاركة مع الأمراء في مراسم غسيل الكعبة المشرفة من الداخل، التي يعتبرها «نعمة من الله»، كما يروي موقفاً لا ينساه داخل المسجد النبوي، قائلاً: «عندما عُيّن الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز أميراً للمدينة المنورة طلبني لكي أصوره في الروضة الشريفة، من ثمّ توجه إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، لأجد شيخ المسجد بعدها يهمس في أذن الأمير ويشير إليّ، لأجد بعدها الأمير عبد المجيد يناديني ويوجهني بترك الكاميرا الخاصة بي، ويصطحبني معه لأدخل برفقته إلى الحجرة النبوية للسلام على الرسول، لأنال شرفاً عظيماً لا أنساه أبداً».
يستطرد: «ما يسعدني كثيراً أنّني أجد محبة الناس حولي في كل مكان أذهب إليه، كما يغمرني السرور عندما أجد من يخبرني أنّه وجد صورة لي في أحد مساجد الدول الإسلامية مدوّن عليها اسمي، إذ أرى ذلك كرماً من الله على خدمتي للحرمين الشريفين عبر موهبتي الفوتوغرافية».
لا يُخفي خضر سعادته بعودة الطاقة التشغيلية الكاملة للمسجد الحرام أخيراً، معتبراً أنّ أصعب اللحظات التي مرت عليه هي الأشهر الماضية مع فترة إغلاق الحرمين وصعوبة الدخول إليهما إثر تفشي جائحة كورونا، لافتاً إلى أنّه خلال هذه الأشهر ولشدة تعلقه بالحرمين الشريفين عندما كان يرى مشاهد لهما عبر القنوات الفضائية كان يُسرع إلى كاميرا جواله لالتقاط صور من الشاشة، ممارساً ما اعتاد عليه طوال عقود طويلة، بما يشبع ولو جزءاً يسيراً من هوايته وحبه للحرمين.
يتمنى «مصور الحرمين» أن يُكمل مشروعه الفوتوغرافي الذي يعمل عليه حالياً، وهو كتاب «مكة المدينة بيت المقدس»، الذي يوثق بالصورة المساجد التي صلى فيها الرسول الكريم.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».