بروفايل: أليكس صعب... الوسيط الغامض وكنز الأسرار المالية لنظام فنزويلا

لبناني الأصل من مواليد كولومبيا يواجه التحقيق الأميركي

بروفايل: أليكس صعب... الوسيط الغامض وكنز الأسرار المالية لنظام فنزويلا
TT

بروفايل: أليكس صعب... الوسيط الغامض وكنز الأسرار المالية لنظام فنزويلا

بروفايل: أليكس صعب... الوسيط الغامض وكنز الأسرار المالية لنظام فنزويلا

يقول الصحافي خيراردو ريّس، الحائز جائزة «بوليتزر» المرموقة في كتابه الموثّق حول الكولومبي أليكس صعب، المتحدر من أصول لبنانية «يعجز أصدقاء علي صعب، الذي غيّر اسمه في الثامنة عشرة من عمره ليصبح أليكس صعب، كيف تمكّن هذا الرجل العادي جداً، والمتواضع في طموحاته، والذي لا يُعرف له أي ولع سوى حبّه لأولاده، من أن يصبح (الثعلب المالي) للثورة البوليفارية في فنزويلا. بل، وكيف يعود يوماً إلى مسقط رأسه في مدينة بارّانكيّا على متن طائرته الخاصة بعدما كان مثقلاً بالديون وهارباً من ملاحقة الدائنين».
ويضيف ريّس في محادثة عبر «واتساب» مع «الشرق الأوسط» قائلاً «إنها لقصة مثيرة سيرة هذا التاجر الذي كان يبيع منتوجات جلديّة في دكان صغير، قبل أن يبدأ إبحاره بين أمواج الفساد الفنزويلي الصاخبة والحصار الذي فرضته الولايات المتحدة على فنزويلا... إلى أن أصبح بقاء الدولة الفنزويلية مرهوناً بمناوراته المالية والتجارية المرتجلة».

في مطلع الصيف الماضي، ألقت شرطة جمهورية الرأس الأخضر (في غرب أفريقيا) القبض على أليكس صعب تنفيذاً لمذكرة جلب صادرة بحقه عن الإنتربول (الشرطة الدولية) بعدما حطّت طائرته للتزوّد بالوقود في طريقها إلى طهران.
يومذاك امتلأت شوارع العاصمة الفنزويلية كراكاس بصوره ورسومه، والشعارات المطالبة بإطلاق سراحه ورفض التجاوب مع طلب الولايات المتحدة تسليمه لمحاكمته، بتهم الفساد وغسل الأموال وانتهاك نظام العقوبات... التي كانت واشنطن فرضته على نظام نيكولاس مادورو.
قبل ذلك التاريخ، كان صعب شخصاً مجهولاً لم يظهر سوى مرة واحدة في الأماكن العامة أواخر العام 2011، عندما كانت لا تزال العلاقات الدبلوماسية قائمة بين فنزويلا وكولومبيا. ذلك لقاء عُقد بين الزعيم الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز والرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس من أجل توقيع اتفاق بناء مساكن شعبية كانت الشركة التي يملكها صعب ستتقاضى مبلغ 530 مليون دولار أميركي للشروع في بنائها. ولقد روى سانتوس بعد ذلك أنه اقترب في تلك اللحظة من وزيرة خارجيته وهمس في اذنها «مَن هو هذا الرجل»؟
كان ذلك «باكورة» العقود التي جعلت من صعب «الذراع المالية للثورة البوليفارية» الفنزويلية التي أغدقت عليه بمئات الملايين من الدولارات بعدما صار خبيراً في الالتفاف على الحصار الاقتصادي الذي فرضته واشنطن على فنزويلا.
لقد كان ينقل سبائك الذهب من المصرف المركزي الفنزويلي لبيعها في تركيا، ويقيم علاقات مباشرة مع قيادات النظام الإيراني، ويخرج في طائرة خاصة من كراكاس بعدما كان دخلها مفلساً ومديوناً.
كان نفوذ صعب في فنزويلا يتجاوز، حقاً، ما يتمتّع به معظم وزراء حكومة مادورو من صلاحيات ومهام... كما جاء في تقرير وزارة المال الأميركية المرفق بالطلب الذي قدمته إلى الإنتربول لإصدار مذكرة جلب في حقّه، والذي يؤكد أنه كان الوكيل الشرعي الخاص للرئيس الفنزويلي وزوجته وبعض أفراد عائلته.

- البداية والنشأة
وُلد علي (أليكس، لاحقاً) صعب لوالد لبناني اسمه نعيم، كان قد هاجر إلى كولومبيا في مطلع خمسينات القرن الماضي. ثم تزوّج من ابنة أحد المهاجرين الفلسطينيين واستقرّ في مدينة بارّانكيّا الساحلية، التي تدور فيها أحداث رواية غارسيّا ماركيز الشهيرة «وقائع موت معلن»... ولقد قال غابرييل غارسيا ماركيز يوماً في مكسيكو سيتي، إن «كل شخصياتها وأحداثها واقعية، باستثناء الشخصية الرئيسية التي هي المهاجر اللبناني سانتياغو نصّار، الذي كان في الواقع مهاجراً إيطالياً». لكن حامل جائزة نوبل للآداب اختار أن يجعله لبنانياً لكثرة اللبنانيين في تلك المنطقة الكولومبية المطلّة على البحر الكاريبي.
عندما ورث أليكس عن والده متجر الجلود ومصنعاً للأقمشة، وحاول توسيع نشاطه إلى ولاية فلوريدا الأميركية، ضبطت جمارك ميامي كمية من المخدّرات في إحدى الشحنات التي كان أرسلها إلى تلك المدينة، ومن ثم، منعته من الدخول إلى الولايات المتحدة... وبدأ يعاني من انتكاسات تجارية إلى أن أعلن إفلاسه.

- الصلة مع فنزويلا
في تلك الفترة تعرّف صعب على الفنزويلية بيداد كوردوبا، التي كانت مقرّبة من الزعيم الفنزويلي اليساري الراحل هوغو تشافيز، وكان الأخير يكلّفها التوسّط في تبادل الأسرى بين الحكومة الكولومبية والثوّار الكولومبيين اليساريين الذين كان يدعمهم. وهكذا تمكّن صعب عن طريقها من الوصول إلى الدائرة الضيّقة المحيطة بتشافيز، الذي كان دخل المرحلة الأخيرة من صراعه مع المرض العضال الذي قضى عليه.
بعد وفاة تشافيز ومجيء خلفه نيكولاس مادورو إلى الحكم في كراكاس، كان أليكس صعب قد نسج شبكة متينة من العلاقات مع مسؤولين كبار ومقرّبين من الرئيس الجديد، وبالأخصّ مع سيليا فلوريس زوجة مادورو. وصار الرئيس الجديد يلجأ إليه كلما وجد نفسه في مأزق بسبب الحصار والعقوبات التي كانت الولايات المتحدة تفرضها على النظام اليساري.
وفي موازاة الأنشطة التي كان يقوم بها صعب لبيع النفط الفنزويلي ومدّ النظام بالعملة الصعبة، بعد تجميد ارصدته في الولايات المتحدة، كانت الشركات الوهميّة التي أسسها تحصل على عقود ضخمة لاستيراد المواد الغذائية والمركبات ومستلزمات البناء واستخراج الفحم، وكذلك مقايضة النفط الخام بالوقود الإيراني المكرّر عن طريق طرف ثالث عندما ألقي القبض عليه في الرأس الأخضر. وللعلم، اعتمد صعب في أنشطته على شبكة من الشركات الوهميّة المسجّلة باسم ابنه شادي وزوجته عارضة الأزياء الإيطالية كاميلّا فابري، اللذين احتجزت ممتلكاتهما وأموالهما في كولومبيا وإيطاليا.
اليوم، يقدّر مكتب مراقبة الأصول المالية في الخارج التابع لوزارة المال الأميركية، أن صعب استخدم شركاته الوهميّة لغسل ما يزيد على 350 مليون دولار. وأنه حقق أرباحاً تتجاوز المليار دولار من العمليات والصفقات التي انتهكت نظام العقوبات المفروض على النظام الفنزويلي لبيع نفطه، وتزويده بالمواد والسلع المحظور عليه شراؤها في السوق الدولية.

- بداية الملاحقات الأميركية
ما يذكر، أن بداية ملاحقة السلطات الأميركية لأليكس صعب تعود إلى العام 2011 عندما أجرى التحويلات المالية الأولى عبر بعض المصارف الأميركية وإليها بهدف شراء مواد للبناء استناداً إلى عقود وشركات وهمية لتنفيذ عقد - وهمي أيضاً - مع الحكومة الفنزويلية من أجل بناء مجمع سكني لا وجود له. وكانت تلك العقود تنصّ على شراء المواد من جمهورية الإكوادور التي بيّنت التحقيقات التي أجرتها نيابتها العامة لاحقاً أن تلك العقود كانت وهمية وسمحت لصعب بغسل ما يزيد على 200 مليون دولار أميركي لصالح النظام الفنزويلي. وقُدّر مجموع الأموال التي مرّت عبر الإكوادور إلى شركات صعب الوهمية بنحو ملياري دولار. وتجدر الإشارة، إلى أن النيابة العامة في الإكوادور كانت، بدورها قد بدأت ملاحقة صعب وعدد من شركائه عام 2013، إلا أن الرئيس الإكوادوري اليساري - آنذاك – الدكتور رافاييل كورّيا، أمر بإسقاط التهم الموجهة وإنهاء الملاحقة.
وهنا، يقول المدّعي العام الفنزويلي السابق زاير مونداراي، الموجود حالياً في كولومبيا، إن حكومة مادورو ساعدت صعب على فتح قنوات لغسل الأموال في كل من قبرص والصين وهونغ كونغ بعدما أسس شركة لاستيراد المواد الغذائية المدعومة من الدولة، تجنّباً لمراقبة السلطات المالية الأميركية. ويضيف مونداراي، أن المعلومات التي يملكها صعب، ويمكن أن يصرّح بها للقضاء الأميركي لمقايضتها بالعقوبة التي تنتظره، ستطال عدداً كبيراً من كبار المسؤولين في النظام الفنزويلي؛ لأن تلك الصفقات ما كانت لتقرّ من غير موافقتهم وضلوعهم فيها.
أيضاً، تجدر الإشارة إلى أنه عندما ألقي القبض على صعب في الرأس الأخضر، انكشف الدور الذي كان يلعبه منذ سنوات في فنزويلا، حيث كان ينشط بعيداً عن الأضواء. وكانت الحكومة الفنزويلية قد بادرت بعد ساعات من اعتقاله إلى تسميته ممثلاً خاصاً لدى روسيا وإيران، ثم سفيراً فوق العادة وعضواً في الوفد المفاوض مع المعارضة. وفي المعلومات المتوافرة، أن الرئيس مادورو وجّه إليه رسالة عبر وزير الخارجية خورخي آرّيازا يشدّد فيها على سرّية المعلومات التي بحوزته وأهميتها، ومن ثم، حذّره من أن أي وشاية يقوم بها تشكّل تهديداً لأمن فنزويلا.

- اهتمام واشنطن
ينصبّ اهتمام المحقّقين الأميركيين راهناً على كشف الشبكات التي كان صعب يستخدمها للالتفاف على العقوبات عن طريق عمليات «مثلّثة» عبر روسيا وإيران وتركيا؛ لمبادلة النفط الخام والذهب بالعملة الصعبة والمواد الغذائية. وكان نظام تشافيز قد لجأ إلى شراء كميات كبيرة من الذهب قبل الانخفاض الحاد في إنتاج النفط الفنزويلي نتيجة الأزمة التي مرّت بها شركة النفط الفنزويلية. ويعتقد المحقّقون الأميركيون، أن لدى صعب معلومات حساسة عن دور الرئيس التركي رجب طيّب إردوغان ومقرّبين منه في هذه الأنشطة. وكانت «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية»، ومقرّها في واشنطن، قد كشفت في سبتمبر (أيلول) الفائت عن أنه بعد لقاء عقده صعب مع الرئيس التركي في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) 2017، أسست في إسطنبول شركة ساعدت النظام الفنزويلي على نقل كميات من الذهب الفنزويلي بقيمة 900 مليون دولار إلى تركيا. وقيل أن النظام الفنزويلي اعترف حينها بأنه يقوم بتنقية الذهب في تركيا بعد استخراجه من مناجم منطقة الأورينوكو التي تغطّي 12 في المائة من مساحة فنزويلا وتستثمرها شركات صينية وروسية. وتفيد معلومات «المؤسسة» الأميركية، بأن تلك المقايضة، التي يرجّح أنها تكرّرت مرّات عدة، أدت إلى إغراق السوق الفنزويلية بالمنتوجات التركية ومدّت النظام بكميات كبيرة من النقد النادر.

- قلق في كراكاس
على صعيد آخر، لعل أكثر ما يخشاه النظام الفنزويلي حالياً هو أن يتجاوب صعب مع العرض الذي يرجّح أن تقدّمه له النيابة العامة الأميركية لخفض العقوبة التي تنتظره - والتي قد تصل إلى السجن 160 سنة – أو حتى إسقاطها، مقابل الإدلاء باعترافات ومعلومات مفصّلة عن الشبكة التي كان يستخدمها والأشخاص الذين كان يتعاون معهم. وتقدّر المصادر المطلعة، أنهم بالمئات من كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين، وأن الاتهامات يمكن أن تطال الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو وزوجته وبعض أفراد عائلته.
وفي تصريحات لزوجته خلال وقفة احتجاجية أمام مكان اعتقاله في فلوريدا للمطالبة بالإفراج عنه يوم الأحد الماضي، قالت إنها على يقين من أنه لن يتكلّم مهما كانت الإغراءات التي ستعرض عليه، وأنه ليس سوى «معتقل سياسي في قبضة الولايات المتحدة».
وكان صعب، من جهته، قد أرسل بياناً تلته زوجته إبان الاحتجاج، جاء فيه قوله «سأواجه المحاكمة بكل اعتزاز، ولست مضطراً إلى التعاون مع الولايات المتحدة لأني لم أقترف أي ذنب».
أخيراً، عن أهمية صعب بالنسبة للنظام الفنزويلي الذي حشد كل طاقاته للدفاع عنه والضغط لإطلاق سراحه، يقول خيراردو ريّس «أعتقد أن أليكس صعب هو بمثابة ثعلب دخل حديقة الثورة الفنزويلية في أحرج مراحلها، أي عندما كانت بأمسّ الحاجة إلى وسيط ماكر يساعدها لتجاوز العقوبات الأميركية والحصول على المنتوجات والأموال التي كانت تنقصها يوماً بعد يوم. كان صعب مطلق اليد لدى النظام الذي كان يُغدق عليه العقود بلا شروط أو ضوابط... مقابل تزويده بما يحتاج إليه. كان أشبه بلقاء بين غريقين: رجل أعمال مُفلس ونظام يترنّح على حافة الغرق».


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
TT

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد الخريجي، وترأس الجانب الصيني نظيره نائب الوزير دنغ لي. وبحث الجانبان تطوير العلاقات الثنائية، مع مناقشة المستجدات التي تهم الرياض وبكين. يذكر أن العلاقات السعودية الصينية شهدت تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، إذ تعززت الشراكة بين البلدين على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية. وتعود العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية إلى عام 1990، عندما افتتحت سفارتا البلدين رسمياً في العاصمتين بكين والرياض. مع أن علاقات التعاون والتبادل التجاري بين البلدين بدأت قبل عقود. وعام 1979، وقّع أول اتفاق تجاري بينهما، واضعاً الأساس لعلاقات قوية مستمرة حتى يومنا هذا.

 

تُعدّ الصين اليوم الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية، وانعكست العلاقات المتنامية بين البلدين بشكل كبير على التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما؛ إذ أسهمت في وصول حجم التبادل التجاري إلى أكثر من 100 مليار دولار أميركي في عام 2023. تستورد الصين النفط الخام من السعودية بشكل رئيسي، وتعدّ المملكة أكبر مورد للنفط إلى الصين، إذ تصدر ما يقرب من 1.7 مليون برميل يومياً. ولقد تجاوزت الاستثمارات الصينية في المملكة حاجز الـ55 مليار دولار. وبحسب تقرير لـ«edgemiddleeast»، ضخّت الصين 16.8 مليار دولار في المملكة في 2023 مقابل 1.5 مليار دولار ضختها خلال عام 2022، استناداً إلى بيانات بنك الإمارات دبي الوطني، وهي تغطي مشاريع في البنية التحتية والطاقة والصناعات البتروكيماوية. وفي المقابل، استثمرت المملكة في عدد من المشاريع داخل الصين، منها الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا والنقل. واستضافت الرياض أيضاً في شهر يونيو (حزيران) من هذا العام «مؤتمر الأعمال العربي الصيني» الذي استقطب أكثر من 3600 مشارك. وبعد أسبوعين فقط، أرسلت السعودية وفداً كبيراً بقيادة وزير الاقتصاد السعودي إلى مؤتمر «دافوس الصيفي» في الصين. وبالإضافة إلى هذا الزخم الحاصل، دعت الصين المملكة العربية السعودية كضيف شرف إلى «معرض لانتشو الصيني للاستثمار والتجارة» الذي أقيم من 7 إلى 10 يوليو (تموز) من هذا العام. وكانت وزارة الاستثمار السعودية حثّت الشركات على المشاركة بفاعلية في المعرض، والجناح السعودي المعنون «استثمر في السعودية». كذلك وقّعت السعودية والصين اتفاقيات متعددة لتعزيز التعاون في قطاع الطاقة، بما في ذلك مشاريع الطاقة المتجددة. وتسعى المملكة لتحقيق «رؤية 2030» التي تهدف إلى تقليص الاعتماد على النفط وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، في حين تسعى الصين إلى تأمين إمدادات الطاقة اللازمة لتنميتها الاقتصادية. وبالفعل، جرى أخيراً توقيع اتفاقية بين شركة «تي سي إل تشونغ هوان» لتكنولوجيا الطاقة المتجددة الصينية، وشركة توطين للطاقة المتجددة، وشركة «رؤية للصناعة» السعوديتين، لتأسيس شركة باستثمار مشترك، من شأنها دفع توطين إنتاج الرقائق الكهروضوئية في المملكة العربية السعودية. ووفقاً للاتفاقية، يبلغ إجمالي حجم الاستثمار في المشروع المشترك نحو 2.08 مليار دولار. التعاون السياسي والدبلوماسي تتعاون المملكة والصين على مستوى عالٍ في القضايا الدولية والإقليمية. وتستند العلاقات السياسية بين البلدين إلى احترام السيادة الوطنية والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية. كذلك تتبادل الدولتان الدعم في المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، ولقد لعبت الصين دوراً محوَرياً في الوساطة بين السعودية وإيران، ما أدى إلى تحقيق نوع من التوافق بين البلدين، أسهم في توطيد الاستقرار، وقلّل من حدة التوترات، وعزّز من الأمن الإقليمي. الزيارات الرسمية والقمم المعروف أنه في مارس (آذار) 2017، قام الملك سلمان بن عبد العزيز بزيارة رسمية للصين حيث التقى الرئيس الصيني شي جينبينغ. وخلال الزيارة، وُقّعت 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم، تضمنت التعاون في مجالات الطاقة والاستثمارات والعلوم والتكنولوجيا. وفي وقت سابق، كان خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز قد زار الصين رسمياً عام 2006، كانت تلك الزيارة بمثابة نقطة تحوّل في تعزيز العلاقات الثنائية، وشملت مباحثات مع القيادة الصينية وشهدت توقيع اتفاقيات عدة في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار. كما زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الصين في فبراير (شباط) 2019 كجزء من جولته الآسيوية. خلال هذه الزيارة، وقّعت 35 اتفاقية تعاون بين البلدين بقيمة تجاوزت 28 مليار دولار، وشملت مجالات النفط والطاقة المتجددة والبتروكيماويات والنقل. بعدها، في ديسمبر (كانون الأول) 2022، قام الرئيس الصيني شي جينبينغ بزيارة تاريخية إلى الرياض، حيث شارك في «قمة الرياض»، التي جمعت قادة دول مجلس التعاون الخليجي والصين. وتركّزت هذه القمة على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية بين الجانبين، وخلالها وقّع العديد من الاتفاقيات في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا. من الزيارات البارزة الأخرى، زيارة وزير الخارجية الصيني إلى السعودية في مارس (آذار) 2021، حيث نوقش التعاون في مكافحة جائحة «كوفيد 19» وتعزيز العلاقات الاقتصادية،