السلاح في لبنان... منعة الأهل و{زينة الرجال}

استخدامه في الحروب الداخلية قصة قديمة لتأكيد مكانة الجماعات الطائفية

مقاتلون من «الثنائي الشيعي» خلال الاشتباكات الأخيرة في منطقة الطيونة (أ.ف.ب)
مقاتلون من «الثنائي الشيعي» خلال الاشتباكات الأخيرة في منطقة الطيونة (أ.ف.ب)
TT

السلاح في لبنان... منعة الأهل و{زينة الرجال}

مقاتلون من «الثنائي الشيعي» خلال الاشتباكات الأخيرة في منطقة الطيونة (أ.ف.ب)
مقاتلون من «الثنائي الشيعي» خلال الاشتباكات الأخيرة في منطقة الطيونة (أ.ف.ب)

سار المئات من أنصار حركة «أمل» و«حزب الله» يوم الخميس 14 أكتوبر (تشرين الأول) حاملين أسلحتهم في شوارع الضاحية الجنوبية المتاخمة لأحياء عين الرمانة المسيحية مستعيدين أحد مشاهد الحرب الأهلية وسلوكيات أصحابها. بل إن السلاح الذي حملوه يعود في معظمه إلى حقبة الحرب تلك. وكأن العتاد بقي حيث بقي الكثير: روح الاقتتال الطائفي وشعاراته التي لم تفارق جماعات متحاربة لا تحبذ تغيير أنواع البنادق والقذائف الصاروخية والرشاشات المتوسطة.
لم تُظهر الصور ومقاطع الفيديو التي نشرتها منصات التواصل الاجتماعي أصنافاً جديدة من السلاح. الكلاشنيكوف وقاذفات صواريخ «آر بي جي» والرشاشات المتوسطة «بي كيه إم» وبعض بنادق «إم 16» و«إم 18» التي تطلق قنابل عيار 40 مليمتراً، هي الترسانة التي أنزلها «الثنائي الشيعي» في استعراض رفضه «تسييس» التحقيق في تفجير مرفأ بيروت. باختصار، يبلغ عمر تصاميم السلاح التي أغرقت شوارع الضاحية الجنوبية عقوداً طويلة وإن كانت النماذج المستخدمة لم يمر على صناعتها أعوام عدة. الأصالة والحداثة اجتمعتا في سلاح المسيرة «السلمية».

يعطي المشهد انطباعاً بالرؤية السابقة (Déjà vu) خصوصاً لمن عاش فصول الحروب اللبنانية، حتى تكاد أنواع السلاح الذي عمّ الأزقة في ذلك النهار الخريفي تُطابق ما كان يخرج من مراكز ومعسكرات الفصائل الفلسطينية أوائل السبعينات ومن معاقل الميليشيات العلمانية والطائفية في أثناء تجهيز نفسها للحرب. عاديّة الحشد المسلح كانت أقوى من أصوات مدنية مستنكرة. فاللبنانيون يعلمون أن في اجتماعهم وسياستهم حيزاً مكفولاً للبنادق.
والحال أن «مقاومة» أهلية استبُدلت مقاومة غير لبنانية، فيما بقي الحفاظ على السلاح وتقديسه والاحتفال بكل حمولته الرمزية، الواعي منها وغير الواعي، حاضراً منذ أكثر من خمسة عقود.
المقاومة التي تنطوي على معنى متخيَّل للوطن والقضية وتدافع عن «العرض والأرض» وتجدد، في غضون ذلك، صوغ وعي الجماعة وتحدد الأخطار المحيقة بها، هي المؤهلة لدفع مسلحيها وعتادهم الحربي للاعتراض في الشارع على كل ما يشاءون ومتى شاءوا. ولا تناقض في روع أصحاب الدعوة إلى التظاهر بين حشود المسلحين وبين صفة «السلمية» التي أطلقوها على تحركهم. فالجماعة لا تأتي بما يضر السلام. الأعداء وحدهم يفعلون ذلك.
غياب الجدة عن أنواع السلاح في شوارع المشرفية والطيونة وعين الرمانة، يعكس انعدام أي جديد في ذعر الطوائف وبَرَمها من كل تدخل في تنظيمها شؤونها وإدارتها يومياتها حتى لو كان المُتدخل قاضياً عدلياً كلّفه القضاء التحقيق في ثالث أضخم انفجار غير نووي عرفه العالم. الإشارة إلى التضارب بين فداحة الخسائر البشرية والمادية التي أصابت بيروت وبين إصرار الطبقة السياسية الحاكمة التي يحميها ويستفيد منها «حزب الله»، على إجهاض كل محاولة للوصول إلى الحقيقة وبالتالي صدور حكم عادل على المتورطين باستيراد مادة نيترات الأمونيوم والمتسترين عليهم ومن يقف وراءهم، لا تعني شيئاً. ليست الحقيقة والعدالة من اهتمامات الطوائف المسلحة الغاضبة والثائرة بلا قضية ولا قيم. فما يهم، على ما بات معروفاً، هو إبقاء النظام الحالي قائماً بصيغته وإدامة مصالح التحالف الحاكم وحمايتها. السلاح يحضر لهذه الغاية. المقاومة هي الاسم المتداول لهاتيك الصيغة والسلاح والمصالح، المتضافرة والمتناغمة.
السلاح كعنصر توكيد على هوية الأهل ومكانتهم بل على إنشاء الجماعة قصة قديمة في لبنان.
نجد شذرات عنها في مراسلات الباب العالي إلى والي الشام العثماني في القرن السادس عشر (راجع عبد الرحيم أبو حسين – «لبنان والإمارة الدرزية في العهد العثماني - وثائق دفتر المهمة 1546 - 1711» - دار النهار 2005) حيث كان الصدر الأعظم يركّز في الكثير من رسائله على أهمية مصادرة الوالي السلاح الذي تُنزله السفن الأوروبية وتبيعه إلى الدروز وغيرهم. كان المسؤول العثماني يخشى استخدام تلك البنادق فيما يسميه أبو حسين «التمرد المديد» على السلطنة. لكن الصدر الأعظم غلّب الجانب الأمني المباشر على الجوانب الأخرى من تلك التي يعنيها السلاح لأهل جبل لبنان.
غنيٌّ عن البيان أن تصدير السلاح كان في القرن السادس عشر، كما هو اليوم، تكثيفاً لغايات وأهداف عدة: الربح المالي وإقامة التحالفات وزرع الخوف عند العدو من بين أمور أخرى. أما المستورد اللبناني فالسلاح يعني قدرته على التملص من سلطة غاشمة ومتجبرة وتعزيز قوته في مواجهة الخصوم المحليين، سيان أكانوا من أتباع السلطة الخارجية أو من أعدائها. وشهيرة تلك الاستعارة اللبنانية القديمة التي تعدّ العائلات في الجبال بعدد بنادقها. فالعائلة الفلانية هي «500 بارودة» ما يفترض أن يُحسب حسابها في كل نزاع على الأرض وحقوق الرعي والري وتوزيع الأراضي وتقسيمها وعندما يدعو النفير الحربي.
بعد أحداث الطيونة الأخيرة، استُعيدت عبارة شهيرة أيضاً في الرطانة اللبنانية: «هناك قطعة سلاح في كل بيت». صحة هذه الجملة التي تُرمى في سياق التخفيف من شُبهة التخطيط المسبق لأي عراك بين الطوائف وإعادة «الإشكالات المسلحة» التي هي علّة انتشار السلاح بين الأهل انتشاراً «طبيعياً» لا يختلف عن ظواهر أخرى من الطبيعة اللبنانية، كالثلوج في الجبال وجمال الشواطئ، على سبيل المثال، تخبّئ الصحة هذه سقماً عميقاً هو الاعتقاد السائد بغياب المرجع القانوني الأعلى من الأهل والطائفة والحي. المرجع الذي يستند في فعله إلى القانون والدستور والعقد الاجتماعي. الدولة، بكلمة ثانية.

- سلاح الحرب الدائمة
يضم متحف «قصر موسى» في بلدة دير القمر في جبال الشوف، مئات البنادق والسيوف والمسدسات. أكوام من الأسلحة المكدسة. بعضها ربما شهد حروب القرن التاسع عشر ومذابحه في القرى القريبة من دير القمر. يعود الكثير من البنادق إلى أزمان مختلفة يترك تكدسها وتنوعها انطباعاً بأنها لم تحُزْ عناية كافية من خبراء الآثار والعاديّات.
وتحضر في المشهد كذلك سيوف تقول القصاصات الصغيرة الموضوعة قربها بتعدد تواريخ صنعها وأصحابها السابقين. سيوف مملوكية وتركية وأخرى مصنوعة في الغرب أو حتى في جورجيا. لا يمكن الجزم، من دون الشرح الضروري الذي يفترض أن يقدمه الاختصاصيون، من أين جاءت كل قطعة من قطع السلاح تلك ولا في أي معارك استُخدمت ولا مَن كان صاحبها وإن كان بعضها يحمل أسماء أمراء وشيوخ أفل ذكرهم. ولعل بعض هذه البنادق والأسلحة مما كان الصدر الأعظم العثماني يشكو من نزوله إلى السواحل اللبنانية.
مع قليل من التسرع، يجوز القول إن سلاح الدروز المتحدر من شبه الاستقلال الذي نعمت به إماراتهم في الشوف والغرب (الذي يضم بيروت الحالية) خلال العصور المملوكية وجد مهمات جديدة في الاحتجاج على السلطنة العثمانية ثم في قمع النهوض المسيحي في الشوف في القرن التاسع عشر وصولاً إلى التصدي لاقتحام «حزب الله» الجبل في مايو (أيار) 2008. الطوائف الأخرى لم تتوانَ عن استيراد السلاح وإدراجه ضمن منظومة العلاقات الداخلية. بل صار «السلاح زينة الرجال» على ما رأى مؤسس الموقع الشيعي في الجمهورية اللبنانية، الإمام موسى الصدر، حتى لو كان السلاح الذي قصده في كلمته موجهاً ضد إسرائيل واستباحتها للجنوب اللبناني أوائل السبعينات وامتناع الدولة اللبنانية عن الدفاع عن مواطنيها هناك. فالسلاح مادة سياسية سائلة قابلة للتسرب من القضايا الكبرى إلى حوض الاقتتال الداخلي.
وفي باحة وزارة الدفاع اللبنانية، يرتفع نصبٌ من الإسمنت الذي حُشي مدافع قديمة كانت تصلي المدن والقرى القذائف في أثناء الحرب الأهلية. المصمم الأجنبي للنصب رأى أن عمله المذكور رمز لنهاية الحرب في لبنان وعودة السلام. والحال أن مدافع الحرب الأهلية حققت شهرة واسعة بين اللبنانيين، إذ انقلبت وسيلة تخاطب صاخب في الفترات التي استعصى فيها الحوار السياسي وحال التوازن دون تغيير الخرائط الميدانية. كانت رمزاً لغياب الحلول ودوام احتراب الأدوات المحلية للمتناحرين ومشغليهم من خارج الحدود. بعض تلك المدافع اشترته الحكومة اللبنانية بأموال مواطنيها لتسليح الجيش. أما أكثرها فجاء دعماً لفرقاء الحرب الذين رأى فيهم حلفاء إقليميون وأجانب فوائد تُرتجى في صراعات على مناطق النفوذ ضمن الحرب الباردة أو تصفية حسابات جلّها أخويٌّ بين العرب. وقبل أسابيع، نبّه أحد سادة الحرب المقبلة –وهذه قد لا تقع لكنها قيد الإعداد الدائم- أن المدافع والصواريخ ليست هي الأسلحة الرئيسية في النزاعات الأهلية. البنادق والرشاشات الخفيفة تقوم بالواجب ولا ضرر من اللجوء إلى بعض قذائف «الآر بي جي» والقنابل اليدوية. ولعل في هذا الكلام تفسيراً لتلكؤ الأطراف المعنية عن تحديث الترسانة الحربية. ذاك أن العدو المحلي يكفيه من العدة أبسطها وأرخصها.
أما إسرائيل التي سفحت تحت لواء الصراع معها وتحرير ما تحتله من أرض، دماءً وأحلاماً وأعماراً، فسلاح قتالها محجوب لا تدركه الأبصار ولا يشمله إحصاء.
والسلاح هذا قادر بزعم من يحوزه، على إصابة أهدافه في كل أنحاء فلسطين وتدمير محطات تكرير النفط ومخازن مواد كيمياوية (كتلك التي انفجرت عندنا) ومسح مستوطنات ومدن وفوقها مفاعل نووي. لكننا لن نستخدمها إلا عندما ترى قيادة المقاومة أن الوقت قد أزف لنزول صواريخها وراجماتها وطائراتها المسيّرة وكل ما يخطر وما لا يخطر على بال إنس أو جن، ساح الوغى في معركة آتية لا ريب فيها. في غضون ذلك، تبقى بنادق الكلاشنيكوف سيدة الموقف.

- رفيق أجيال متعاقبة
أجيال عدة من اللبنانيين تعرّفت على الكلاشنيكوف عن قرب. دخل إلى لبنان مع المقاومة الفلسطينية أواخر ستينات القرن الماضي وسرعان ما اكتُشِفت فضائله كتدني الثمن وسهولة الاستخدام والصيانة وتوفر الذخيرة. اقتناه المتحاربون من كل الأطراف والجبهات. من لا يصل إليه الكلاشنيكوف من حليف عربي أو «أممي»، يشتريه من السوق المفتوحة. بلدان أوروبا الشرقية التي يصنع كل منها نسخته من البندقية الشهيرة، ما بخلت بتصديرها، للحلفاء كما للأعداء. والأكداس التي صادرتها إسرائيل في أثناء «النكسات» العربية، وجدت طريقها إلى لبنان أيضاً.
«طبعات» مختلفة جاءت إلى لبنان، من الروسي (السوفياتي) الأصلي «إيه كيه 47» ثم نسخته المعدلة «إيه كيه إم» (المشظوف)، ومن المزود بأخمص خشبي، إلى المفضل في معارك الشوارع صاحب الأخمص الحديد «الأخمص طي».
والحق أن الكلاشنيكوف لم يغب عن الساحة المحلية حتى بعد عودة «السلم الأهلي». فهو سلاح الجيش السوري الذي أُوكلت إليه مهمة تطبيق اتفاق الطائف والمقاومة في الجنوب التي واصلت قتال الاحتلال.
وفي أثناء اقتحام «حزب الله» لبيروت في السابع من مايو كان الكلاشنيكوف هو السلاح الرئيسي. وبدا أن الحزب أخرج من مخازنه نسخة صينية من البندقية التي حملها أكثر المشاركين في الهجوم على المدينة. ومن عادة القوى المسلحة أن تأتي قبيل العمليات الكبيرة بكميات من السلاح الفردي الجديد لسد النواقص.
وللسلاح هذا صوت يعرفه كل من اقترب من ساحة معركة أو قتال. يُصدر تعاقب رصاصات الكلاشنيكوف إيقاعاً رتيباً عالياً يمكن تمييزه بسهولة عن أصوات بقية البنادق الآلية. إنه «صوت التوحش» حسب شهادة أحد الناجين من مجزرة مسرح باتاكلان في باريس في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 في وثائقي عرضته منصة «نتفليكس»، حيث عمد إرهابيو «داعش» إلى إطلاق النار من دون تمييز على حضور حفل موسيقي كان يقام هناك. في واقع الأمر إن ما استخدمه الإرهابيون في ذلك اليوم كان النسخة اليوغوسلافية من الكلاشنيكوف والتي تُعرف بـ«زاستافا» على اسم المصنع الذي ينتجها. وهذا تفصيل لم يغيّر في انطباع الضحايا شيئاً.
والشيء بالشيء يُذكر، فقد يكون لكل حرب صوتها. وثمة اتفاق واسع على أن صوت مروحية «هيوي» (أو «بيل يو إتش 1») هو صوت الحرب الفيتنامية، من وجهة نظر الجنود الأميركيين على الأقل.
وعلى أن صوت انقضاض طائرات «الشتوكا» الألمانية («يونكرز 87») لإلقاء قنابلها مستخدمةً مكبر صوت أطلق النازيون عليه اسم «بوق أريحا»، هو صوت الحرب العالمية الثانية، في مراحلها الأولى على الأقل قبل أن يحل مكانها صوت قاذفات «بي 29» الأميركية أو هدير دبابات «تي 34» السوفياتية.
تعكس الأسلحة المستخدمة في النزاعات والحروب الأهلية معطيات اجتماعية وسياسية متنوعة. كُتب الكثير عن المِدَى الكبيرة (Machette) التي اعتمد الهوتو عليها في أثناء مذابحهم ضد التوتسي في رواندا سنة 1994، وعن معنى استخدام هذا السلاح ومصدره ومَن استورده واختصاره للكراهية الإثنية وحلوله بديلاً زهيد الثمن عن الأسلحة النارية في بلد فقير. بهذا المعنى، يصح الحديث عن أسلحة الحروب الأهلية في الكثير من الأماكن من بينها لبنان الذي يبقى الكلاشنيكوف أمير الصدامات الأهلية. فهو يدل من جهة على مصدر السلاح ووصوله إلى البلد في إطار صراعات متداخل بعضها ببعض، الطائفي المحلي والإقليمي. كما يعلن أن اللبنانيين يستطيعون الإنفاق على سلاحهم الفردي، حتى اندلاع الأزمة الأخيرة على الأقل.
الاعتراض على انتشار السلاح وضرورة حصره بيد السلطة، يتجاهل أمرين: الأول طبيعة هذه السلطة المشكَّلة من ائتلاف طائفي لا تني العلاقات بين مكوناته تتبدل وتتغير وتستدعي، بالتالي، عناصر لتعزيز المواقع و«الخطاب» الأهلي ما يترك مجالاً ضرورياً لحضور السلاح.
والآخر أن استثناء السلطة ذاتها، مرغمة من الوصاية السورية بعد الحرب، لـ«حزب الله» من جمع السلاح، وانخراط الحزب العميق في التناحر الأهلي وأدائه دور العصا الغليظة للنظام الطائفي في الأعوام الأخيرة، وفّر ما يكفي ويزيد من ذرائع لكل الطوائف باستئناف سباق التسلح ما دامت محاولات الخروج من لغة العنف الأهلي قد أخفقت.



في ذكرى 7 أكتوبر... «إسرائيل التي تعرفونها لم تعد قائمة»

TT

في ذكرى 7 أكتوبر... «إسرائيل التي تعرفونها لم تعد قائمة»

دمار واسع جراء الغارات الإسرائيلية على خان يونس في 26 أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)
دمار واسع جراء الغارات الإسرائيلية على خان يونس في 26 أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)

بعد يومين اثنين من هجوم «حماس» على البلدات والمواقع العسكرية القائمة في غلاف غزة، يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، طلب عدد من الضباط الإسرائيليين الاجتماع بنظرائهم من أجهزة الأمن الفلسطينية، وأبلغوهم بأن «إسرائيل التي يعرفونها حتى اليوم لم تعد قائمة. ستتعرفون على إسرائيل أخرى».

لم يقولوا هذه الكلمات بلهجة توحي بمضمون العداء والتهديد. لكنها قيلت بمنتهى الصرامة. كان الوجوم طاغياً على الوجوه. فهؤلاء الضباط يعرفون بعضهم جيداً. هم الطاقم الذي يمثّل حكومة إسرائيل، من جهة، والحكومة الفلسطينية، من جهة ثانية، والمهمة الموكلة إليه هي القيام بما يعرف على الملأ بـ«التنسيق الأمني» بين الطرفين. اجتماعات هؤلاء الضباط مستمرة منذ توقيع اتفاقات أوسلو وإقامة السلطة الفلسطينية قبل 30 سنة، وهي تُعقد تقريباً بشكل يومي.

وعلى عكس الانطباع السائد لدى كثيرين، لم يقتصر التنسيق بينهم أبداً على الملفات الأمنية. كانوا يجتمعون في البداية لغرض تطبيق الاتفاقات ومنحها طابعاً إنسانياً. اهتموا بقضايا تحسين العلاقات التجارية والاجتماعية والاقتصادية، وأيضاً الأمنية. اهتموا ذات مرة بمنح تصاريح العودة لعشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين عادوا من الشتات واستقروا في الوطن. واهتموا بتسهيل خروج وعودة الطلبة الفلسطينيين الجامعيين وجلب عمال فلسطينيين إلى إسرائيل واستيراد البضائع الفلسطينية إلى إسرائيل أو تصديرها إلى الخارج. نظموا دوريات مشتركة لضمان سلطة نفاذ القانون التي كان فيها الضباط والجنود يتناولون الطعام معاً، وصاروا فيها يتقاسمون رغيف الخبز.

دمار واسع جراء الغارات الإسرائيلية على خان يونس في 26 أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)

وقد شهدت العلاقات بينهما طلعات ونزلات كثيرة، وكان عليهم أن يمتصوا الأحداث العدائية. ففي الطرفين توجد قوى حاربت الاتفاقات ولم تطق سماع عبارة «عملية السلام». بدأ الأمر عام 1994 بمذبحة الخليل التي نفذها طبيب إسرائيلي مستوطن، والتي رد عليها متطرفون فلسطينيون بسلسلة عمليات انتحارية في مدن إسرائيلية. وعندما تمكن اليمين المتطرف في إسرائيل من اغتيال رئيس الوزراء، اسحق رابين، بهدف تدمير الاتفاقات مع الفلسطينيين، حصل تدهور جارف في العلاقات بين الطرفين.

وعندما فاز بنيامين نتنياهو بالحكم، أول مرة سنة 1996، زاد التوتر وانفجر بمعارك قتالية بين الجيش الإسرائيلي وبين ضباط وجنود في أجهزة الأمن الفلسطينية. وعند اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، كادت تقع حرب بينهما. وعاد الجيش الإسرائيلي ليكرس الاحتلال وعادت الأجهزة الفلسطينية إلى قواعد منظمة التحرير وأيام الكفاح. لكن قادة الطرفين، بمساعدة الأميركيين ودول مختلفة، حاولوا تطويق الأوضاع.

وظل أعضاء فريقي التنسيق الأمني يلتقون وينسقون. تعاملوا مع بعضهم البعض على أساس المصالح المشتركة «بيزنِس»، لضمان الحد الأدنى من التواصل. وكل من الطرفين يعترف بأن الأمر ضروري وحيوي، برغم أن الشعبويين في إسرائيل يعتبرون ذلك استمراراً لاتفاقات أوسلو وتمهيداً للاعتراف بدولة فلسطينية، فيما بعض الفلسطينيين يعتبر ذلك تهادناً مع إسرائيل وتعاوناً معها «ضد المقاومة». ولكن رغم هذه الانتقادات من أطراف في الجانبين، يصمد فريق التنسيق في وجه تشويه جهوده. فالضباط من الطرفين يدركون أن فك التنسيق ثمنه باهظ، فلسطينياً وإسرائيلياً.

والجديد الآن أن الضباط الإسرائيليين يأتون إلى الاجتماعات وهم يؤكدون أنهم ينوون الاستمرار في التنسيق لكن الفلسطينيين «سيجدون إسرائيل مختلفة». كانوا صادقين. ورسالتهم هذه كانت موجهة ليس فقط للضباط أو المسؤولين الفلسطينيين، بل للشعب الفلسطيني كله... ومن خلاله إلى كل العالم.

دمار واسع في قطاع غزة بعد سنة على الحرب الإسرائيلية (الشرق الأوسط)

«واحة الديمقراطية».. لم تعد موجودة

مع مرور سنة كاملة على الحرب في غزة، يمكن القول إن إسرائيل تغيّرت بالفعل، منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. مقولة الجنرالات الإسرائيليين لنظرائهم الفلسطينيين يرددها جميع القادة الإسرائيليين السياسيين سواء كانوا في الحكومة أو المعارضة، كما يرددها القادة العسكريون من كل الأجهزة. يريدون تثبيت فكرة أن إسرائيل تغيّرت في عقول شعوب المنطقة والعالم. والواقع، أن هذه الفكرة باتت حقيقة مُرّة.

فإذا كان هناك من يعتبر إسرائيل «فيلّا جميلة في غابة موحشة» أو «واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط» أو «دولة حضارية» أو «جبهة متقدمة للغرب في الشرق» أو «دولة التعاضد السكاني» أو «دولة القيم وحقوق الإنسان»، فإن كثيراً من قادتها وقسماً كبيراً من شعبها تنازلوا، كما يبدو، عن هذه المفاهيم تماماً، في أعقاب ما حصل في 7 أكتوبر. صاروا معنيين باستبدال هذه الصفات. فالفيلّا أصبحت الغابة. والواحة باتت منطقة جرداء. والدولة الحضارية باتت تتصرف كوحش جريح. والتعاضد السكاني صار جبهة واحدة ضد العرب. والقيم وحقوق الإنسان ديست بأقدام الجنود ودباباتهم وغاراتهم. كأن إسرائيل تريد أن يتم النظر إليها بوصفها جرافة تدمر كل ما ومن يعترض طريقها، أو كأنها «دولة الانتصار على كل أعدائها».

تُعبّر الأرقام في الواقع عن نتيجة هذا التغيّر في طريقة تصرف الإسرائيليين. إذ تفيد إحصاءات الحرب في قطاع غزة بأن 60 في المائة من البيوت والعمارات السكنية مدمرة، والبقية متصدعة أو آيلة إلى الانهيار وغير آمنة. وفي مقدمها المستشفيات والعيادات الطبية والمساجد والكنائس والجامعات والمدارس ومخيمات اللاجئين. كلها دُمّرت بقرارات لا يمكن سوى أن تكون «مدروسة» ولأغراض «مدروسة»، بحسب ما يعتقد كثيرون. أما حصيلة القتلى فتقترب من 42 ألفاً، ثلثاهم نساء وأطفال. والجرحى أكثر من 100 ألف. وهكذا تدخل الحرب في غزة التاريخ كواحدة من أكثر الحروب دموية في القرن الحادي والعشرين، وفق تقرير لصحيفة «هآرتس» اعتمد تدقيقاً للبيانات بما في ذلك معدل ووتيرة الوفيات، إضافة إلى الظروف المعيشية للسكان في القطاع.

تقول الصحيفة إنه في الوقت الذي يتشبث فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وغيره من المتحدثين الإسرائيليين بحجتهم المفضلة، وهي اتهام المجتمع الدولي بالنفاق فيما يتعلق بالحرب في قطاع غزة، والادعاء بأنه يتجاهل الصراعات والكوارث الإنسانية الأخرى، فإن الأرقام المسجلة حتى الآن تجعل الحرب في غزة تتجاوز دموية النزاعات في كل من العراق وأوكرانيا وميانمار (بورما). وبما أن عدد سكان غزة لا يتجاوز مليوني شخص، وعدد القتلى يضاهي 2 في المائة من السكان، فإن مقارنة بسيطة مع إسرائيل تبيّن أنه لو قُتل في إسرائيل 2 في المائة من السكان لأصبح عدد القتلى 198 ألفاً.

يقول البروفسور، مايكل سباغات، من جامعة لندن للصحيفة: «من حيث العدد الإجمالي للقتلى، أفترض أن غزة لن تكون من بين أكثر 10 صراعات عنفاً في القرن الحادي والعشرين. ولكن بالمقارنة مع النسبة المئوية للسكان الذين قتلوا، فإنها بالفعل ضمن الخمسة الأسوأ في المقدمة». ويضيف سباغات، وهو باحث في الحروب والنزاعات المسلحة ويراقب عدد الضحايا في تلك الأزمات: «إذا أخذنا في الاعتبار مقدار الوقت الذي استغرقه قتل واحد في المائة من هؤلاء السكان، فقد يكون ذلك غير مسبوق».

ووفق حساباته، فإنه في الإبادة الجماعية للروهينغا في ميانمار، على سبيل المثال، قتل نحو 25 ألف شخص، وفقاً للأمم المتحدة. وفي الإبادة الجماعية للإيزيديين على يد تنظيم «داعش»، في عام 2015، تشير تقديرات الخبراء إلى أن 9100 شخص قتلوا، نصفهم من خلال العنف المباشر والنصف الآخر بسبب الجوع والمرض، بالإضافة إلى الآلاف الذين اختطفوا.

عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة تشكو من أن الحكومة تتجاهل مصيرهم (أ.ف.ب)

ومنذ بدء الحرب في غزة، بلغ متوسط معدل الوفيات نحو 4 آلاف وفاة شهرياً. بالمقارنة، في السنة الأولى من الحرب في أوكرانيا، بلغ معدل الوفيات 7736 شهرياً، بينما في أكثر سنوات الحرب دموية في العراق، في عام 2015، كان عدد القتلى نحو 1370 شهرياً. في هاتين الحربين، كان العدد الإجمالي للقتلى أعلى بكثير مما كان عليه في الحرب في غزة، لكن هذين الصراعين استمرا، وما زالا مستمرين، لفترة أطول بكثير.

الحرب في غزة تبرز أيضاً بالمقارنة مع حروب تسعينات القرن العشرين، على غرار الحرب في دولة يوغوسلافيا السابقة. واحدة من هذه المناطق كانت البوسنة، وفي أسوأ عام من الصراع، 1991، كان متوسط عدد القتلى شهرياً 2097، والعدد الإجمالي للقتلى على مدى أربع سنوات كان 63 ألفاً.

الفرق الأبرز بين بقية حروب القرن الـ21 والحرب في قطاع غزة هو حجم الأراضي التي تدور فيها المعارك وعدم قدرة المدنيين غير المشاركين على الفرار من المعارك، وخاصة نسبة الضحايا بين إجمالي السكان. امتدت الجبهات في أكبر حروب هذا القرن، في سوريا والعراق وأوكرانيا، على مدى آلاف الكيلومترات ووقعت المذابح في مئات المواقع المختلفة. والأهم من ذلك، أن المدنيين في تلك الأماكن يمكنهم، حتى ولو بثمن مؤلم، الفرار إلى مناطق أكثر أماناً. ففي سوريا، غادر ملايين اللاجئين إلى بلدان أخرى، مثل الأردن وتركيا ودول أوروبية. كما غادر مئات الآلاف من اللاجئين الأوكرانيين مناطق خط المواجهة وانتقلوا غرباً.

أما في غزة البالغة مساحتها 360 كلم مربعاً، أي جزءاً بسيطاً من حجم أوكرانيا، فقد اندلع القتال في كل مكان تقريباً من أرجائها، ولا يزال مستمراً. لقد تم تهجير معظم سكان القطاع، لكن هروبهم إلى المناطق التي حددها الجيش الإسرائيلي كمناطق آمنة لم يساعد دائماً، وقتل العديد منهم في هذه المناطق أيضاً. بالإضافة إلى ذلك، فإن الظروف المعيشية في هذه المناطق المصنفة إنسانية، قاسية للغاية، إذ يعاني اللاجئون من الاكتظاظ والمرض ونقص المأوى الآمن ونقص الأدوية وأكثر من ذلك.

والمشكلة الأكبر أن كثيراً من هذه الفظائع تم ويتم بقرارات واعية من المسؤولين الإسرائيليين. فإذا وصلت معلومة للمخابرات الإسرائيلية أو شبهة بأن فلاناً ناشط في «حماس»، كان يتم قصف بيته على من فيه، بلا انذار أحياناً أو بإنذار وجيز. وإذا دخل عنصر يعتبر «مطلوباً»، من أي تنظيم فلسطيني، إلى مقهى، كان يتم قصف المقهى على من فيه. وحتى المسجد كان يتم تدميره أيضاً في حال اشتبهت إسرائيل بأن شخصية ما تختفي داخله.

التغيير الجديد... نظرة فوقية

في الماضي كان الإسرائيليون يقومون بمثل هذه الممارسات، لكنهم كانوا يخجلون منها. يحاولون التستر عليها. كانوا يكسرون ويجبرون. فمقابل القتل والبطش كانوا يبرزون قصصاً لجنود قدموا المساعدة. ظهر معترضون نددوا بالبطش ضد الفلسطينيين الأبرياء. أما اليوم فلم يعد هناك شيء من هذا. كثيرون في إسرائيل باتوا يقولون إنه لا يوجد في نظرهم أناس أبرياء. فالعائلات الفلسطينية تساند أولادها، ولذلك يجوز معاقبتها. الطفل الفلسطيني سيكبر ويصبح جندياً، ولذلك فلا يجب أن ترحمه.

وإذا كان شبان مخيمات اللاجئين يقاومون، فيمكن أن يتم حرمان كل سكان المخيم من الماء والكهرباء والبنى التحتية، عقاباً لهم. بات الفلسطينيون «حيوانات»، بحسب وصف وزير الدفاع يوآف غالانت المفترض أنه من يرسم سياسة الجيش. والحقيقة أن هذه النظرة الفوقية تجاه الفلسطينيين صارت سائدة اليوم في المجتمع الإسرائيلي، ورغم أن هذا الاستعلاء هو بالذات ربما ما أوقع إسرائيل في إخفاقات 7 أكتوبر. باغتتها «حماس»، بلا شك، بهجوم شديد يومها. ولولا أن مقاتلي الحركة وقعوا في مطب أخلاقي شنيع، ارتكبت خلاله ممارسات مشينة ضد المدنيين الإسرائيليين، لكان هجومهم اعتُبر ناجحاً، بغض النظر عن النتائج التي أدى إليها لاحقاً. فقد احتلوا 11 موقعاً عسكرياً وأسروا عدداً من جنود وضباط الجيش الإسرائيلي.

صور وتذكارات لإسرائيليين خُطفوا أو قُتلوا في هجوم «حماس» على موقع «سوبر نوفا» الموسيقي في غلاف غزة يوم 7 أكتوبر العام الماضي (إ.ب.أ)

لكن التغيير الذي أرادت إسرائيل أن يظهر للعرب، انسحب أيضاً على إسرائيل نفسها. لقد تغيرت تجاه الإسرائيليين أنفسهم. انتهى الخجل في السياسة الداخلية. فالائتلاف اليميني الحكومي، في نظر منتقديه، بات يسن قوانين تتيح الفساد، مثل القوانين التي تضرب استقلالية القضاء، والقانون الذي يضعف المراقبة على التعيينات الحكومية بحيث يمكن تعيين موظفين غير مؤهلين في مواقع إدارية رفيعة، والقانون الذي يوفر لرئيس الحكومة المتهم بالفساد تمويلاً لمصاريف الدفاع عن النفس في المحكمة من خزينة الدولة. أما القضاة في إسرائيل فباتوا يخافون الحكومة ويصدرون قراراتهم وفقاً لأهوائها، في كثير من الأحيان.

والأكثر من ذلك، لم تعد إسرائيل اليوم تتعامل مع حياة الإنسان الفلسطيني أو اللبناني بأنها رخصية، بل أيضاً مع حياة الإنسان الإسرائيلي. فالحكومة باتت تستخدم منظومة «بروتوكول هنيبعل»، الذي يقضي بقتل الجندي الإسرائيلي مع آسريه، حتى لا يقع في الأسر.

في معركة مارون الراس الأخيرة في الجنوب اللبناني، أمر الضباط جنودهم بخوض القتال لمنع عناصر «حزب الله» من أسر جثة جندي، وكلفها الأمر مقتل ستة جنود وجرح أكثر من عشرة. والمواطنون الإسرائيليون المحتجزون لدى «حماس» في غزة، مهملون، كما تقول أسرهم التي تتهم نتنياهو بأنه يرفض التوصل إلى صفقة تبادل تضمن إطلاق سراحهم.

وبدل احتضان عائلات هؤلاء المحتجزين، ينظم مناصرون للائتلاف اليميني الحاكم حملة تحريض عليهم ويعتدون على مظاهراتهم الاحتجاجية. وفوق ذلك كله، تبدو الحكومة وكأنها تشجع اليمين المتطرف على مهاجمة قيادة الجيش، فهي لم تحاسب مجموعات منهم نظّمت اعتداءات على معسكر للجيش، ولم تمنع حتى اعتداءات مستوطنين على الجنود الذين يحمونهم في الضفة الغربية.

إسرائيل اليوم صارت خانقة أيضاً للإسرائيليين الذين يفكرون بطريقة مختلفة عن الحكومة. كلمة سلام صارت لعنة. والخناق يشتد حول حرية الرأي والتعبير. واتهام المعارضين بالخيانة صار أسهل من شربة ماء.

والتغيير الأكبر، على الصعيد الداخلي، هو أن رئيس الحكومة ورؤساء ووزراء ائتلافه الحكومي، يعملون على المكشوف لتغليب مصالحهم الذاتية والحزبية على مصالح الدولة. ويقول منتقدو نتنياهو إنه يعرف أن الجمهور لا يريده في الحكم وينتظر أن تنتهي الحرب حتى يسقطه، ولذلك هو يعمل، ببساطة، على إطالة الحرب ليبقى في السلطة.

في ذكرى 7 أكتوبر، تبدو إسرائيل بالفعل وكأنها تغيّرت. قيادتها الحالية مصممة على تأجيج الصراع أكثر وتوسيعه. لا يهدد ذلك فقط بمزيد من التأجيل للتسوية مع الفلسطينيين، بل يخاطر أيضاً بحروب فتاكة قادمة تورثها إسرائيل لأبنائها وبناتها.