مصادر أوروبية: طهران ما زالت تلزم الغموض وتضع الشروط

تناقضات إيرانية بشأن معاودة مفاوضات فيينا وشكلها

على باقري كني مع «الوسيط» الأوروبي إنريكي مورا (رويترز)
على باقري كني مع «الوسيط» الأوروبي إنريكي مورا (رويترز)
TT

مصادر أوروبية: طهران ما زالت تلزم الغموض وتضع الشروط

على باقري كني مع «الوسيط» الأوروبي إنريكي مورا (رويترز)
على باقري كني مع «الوسيط» الأوروبي إنريكي مورا (رويترز)

خطت إيران «نصف خطوة» باتجاه معاودة المفاوضات النووية المتوقفة منذ 4 أشهر، وذلك من خلال إعلان كبير مفاوضيها على باقري كني، عقب اجتماعه الأربعاء مع «الوسيط» الأوروبي إنريكي مورا، أن المفاوضات سوف تستأنف «قبل نهاية نوفمبر (تشرين الثاني)» المقبل. وبالنظر إلى «التكتيك» الذي سارت عليه طهران منذ أواخر يونيو (حزيران) الماضي، القائم على المراوغة وكسب الوقت، فبالإمكان المراهنة على أن هذه المفاوضات، في حال التزمت إيران بقول مساعد وزير خارجيتها، لن تأتي سريعاً الشهر المقبل. كذلك يُذكر ما قاله وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، أول من أمس، وفحواه أن المحادثات مع القوى العالمية الست لإحياء اتفاق 2015 سوف تنطلق مجدداً «قريباً جداً». وبذلك يكون عبد اللهيان استخدم تعبيراً مضافاً بعد أن كان يكتفي سابقاً بالقول إن أمراً كهذا سيحل «قريباً». ولكن في حالة الوزير الإيراني ومساعده، ما زالت طهران تفضل «الغموض» بالامتناع عن الكشف عن تاريخ ويوم محددين؛ مما يعني، وفق مصادر أوروبية معنية بالملف النووي، أنها تحتفظ لنفسها بـ«هامش من المناورة». وثمة دليلان يدفعان في هذا الاتجاه: الأول أن الوزير الإيراني أشار إلى أن زيارة مدير الوكالة الدولية للطاقة رافاييل غروسي إلى طهران التي يسعى للذهاب إليها منذ أسابيع «مؤكدة»، ليضيف بعدها أن «الموعد ليس مهماً». والحال، أن الأطراف الستة المعنية بالاتفاق والوكالة الدولية تريد، بأسرع وقت، إعادة تشغيل كاميرات الرقابة المنشورة في مختلف المنشآت النووية الإيرانية باستثناء منشأة «نطنز» حيث تنتج طهران مكونات للطاردات المركزية.
وتدعي إيران أن هذا الموقع ليس مشمولاً بالاتفاق «التقني» الذي تم توقيعه بين غروسي والسلطات الإيرانية. وبحسب غروسي نفسه، فإنه من الصعب على المفاوضين التوصل إلى اتفاق مع إيران إن لم تكن المعلومات الخاصة بالبرنامج النووي كاملة وموثوقة. وليس سراً أن طهران تستخدم الوقت المتاح لها لتسريع برنامجها النووي سواء على صعيد زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم أو مراكمة الكميات المخصبة؛ وأهمها تلك التي تبلغ درجة نقاوتها ما بين 20 و60 في المائة، ونشر طاردات مركزية أكثر حداثة وسرعة.
أما الأمر الثاني الذي يثير الدهشة، فيتناول ما نقله التلفزيون الإيراني مساء الأربعاء نقلاً عن مصدر لم يسمه، وفحواه أن إيران «أعلنت رسمياً استعدادها لإجراء محادثات مباشرة مع الأطراف الأوروبية الثلاثة الموقعة على الاتفاق النووي» وهي فرنسا وبريطانيا وألمانيا، وقد «دعتها لزيارة طهران أو أن تنظم زيارات لعواصم الدول الثلاث لإجراء مثل هذه المحادثات، لكنها لم تتلق أي رد بعد».
من جانبه، أوضح باقري، في حديث متلفز، أن المفاوضات ستكون مع «مجموعة 4+1» ومن دون مشاركة الولايات المتحدة؛ لأن واشنطن غير مهيأة للعودة إلى الاتفاق النووي، حسب تعبيره. وثمة قناعة متجذرة بأنه لا معنى للمفاوضات من غير مشاركة الطرف الأميركي المعني الأول بها الذي أكد مراراً أنه جاهز للعودة إلى فيينا والمشاركة في المفاوضات وأنه يتعين على إيران المشاركة بها بـ«حسن نية». ثم إن عبد اللهيان أكد العكس؛ إذ أشار إلى أن بلاده «سوف تحافظ على الإطار السابق للمحادثات» مما يعني أن تكون مباشرة مع الأوروبيين وغير مباشرة وبوساطة أوروبية مع الأميركيين؛ أي وفق صيغة فيينا التي جرى العمل بها طيلة 6 جولات من المفاوضات. يضاف إلى ذلك أن الغربيين أعلنوا أكثر من مرة أن ما يحدث في بروكسل ليس بديلاً عن «فيينا»، وبالتالي فهم متمسكون بمعاودة التفاوض في المكان نفسه، و«من النقطة التي توقف عندها» في نهاية الجولة السادسة. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، إنه يتعين على المحادثات أن تركز على العدد القليل من النقاط التي بقيت عالقة بعد انتهاء الجولة السادسة من المفاوضات، مضيفاً أنه لا يزال من الممكن التوصل سريعاً لتفاهم بشأن عودة الجانبين للتقيّد التام ببنود الاتفاق وتطبيقه. وككل مرة في الأسابيع الأخيرة؛ نبه برايس إلى أن هذه الفرصة لن تبقى متاحة إلى الأبد مع استمرار إيران في اتخاذ خطوات استفزازية نووياً. وعدّت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، أن الإطار الذي تعمل بلادها وفقه لا يزال هو نفسه؛ أي «الامتثال المتبادل للاتفاق النووي».
وتبدو النقطة الأخيرة موضع جدل أيضاً؛ إذ إن الوزير الإيراني يجزم بأن بلاده لن تستأنف المفاوضات من نقطة الانسداد التي وصلت إليها في الجولات السابقة. وتخوف الغربيين هو من أن تعود طهران إلى طاولة المفاوضات بسلة مطالب جديدة ستفرز نتيجتين متصلتين: الأولى أن رغبة الغربيين في التوصل سريعاً إلى اتفاق جديد لن تتحقق. والثانية أن المطالب الجديدة، وفق ما هو معلوم منها، لن تحظى، مبدئياً، بقبول أميركي، وبالتالي لن يكون هناك اتفاق. وللتذكير؛ فإن إيران تريد تعهداً أميركياً رسمياً بالامتناع عن الخروج مجدداً من الاتفاق المرتقب على طريقة ما قام به الرئيس السابق دونالد ترمب عندما مزق اتفاق 2015 في ربيع عام 2018 وأعاد فرض العقوبات القديمة وفرض عقوبات جديدة على إيران. والأمر الثاني: تريد طهران التأكد من أن واشنطن، ومعها الغربيون، لن يطالبوا بإدراج فقرة تنص على إلزام طهران بقبول إطلاق مفاوضات لاحقة بشأن برنامجها الباليستي وسياستها الإقليمية. والواضح، ووفق تصريحات المسؤولين الأميركيين، أن واشنطن ليست مستعدة لتقديم ضمانات للمستقبل كما أنها متمسكة بالفقرة الخاصة بالباليستي وبسياسة إيران الإقليمية وهي تخضع لضغوط متزايدة من الداخل والخارج لعدم التساهل فيهما.
ولا تتوقف المصاعب عند هذا الحد. فآخر ما صدر عن إيران، على لسان المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية بهروز كمال وندي، تنبيهها الوكالة الدولية إلى أن مواصلة نشر تقارير مفصلة بشأن برنامج طهران النووي، غير مقبول، ويتعارض مع أسس المعاهدات الدولية. ولوح كمال وندي بأن طهران ستتخذ خطوات «مناسبة» وتراجع تعاملها مع الوكالة في حال استمرت فيما سماه «انتهاك سرية المعلومات» التي تحصل عليها خلال عمل مفتشيها في إيران.



تصريحات ميتسوتاكيس تُعيد إشعال التوتر بين أثينا وأنقرة بعد أشهر من الهدوء

إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)
إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)
TT

تصريحات ميتسوتاكيس تُعيد إشعال التوتر بين أثينا وأنقرة بعد أشهر من الهدوء

إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)
إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)

أشعل رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس توتراً جديداً مع تركيا، بعد أشهر من الهدوء تخللتها اجتماعات وزيارات متبادلة على مستويات رفيعة للبناء على الأجندة الإيجابية للحوار بين البلدين الجارين.

وأطلق ميتسوتاكيس، بشكل مفاجئ، تهديداً بالتدخل العسكري ضد تركيا في ظل عدم وجود إمكانية للتوصل إلى حل بشأن قضايا المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري.

تلويح بالحرب

نقلت وسائل إعلام تركية، السبت، عن ميتسوتاكيس قوله، خلال مؤتمر حول السياسة الخارجية عُقد في أثينا، إن «الجيش يمكن أن يتدخل مرة أخرى إذا لزم الأمر». وأضاف: «إذا لزم الأمر، فسيقوم جيشنا بتنشيط المنطقة الاقتصادية الخالصة. لقد شهدت أوقاتاً تدخّل فيها جيشنا في الماضي، وسنفعل ذلك مرة أخرى إذا لزم الأمر، لكنني آمل ألا يكون ذلك ضرورياً».

رئيس الوزراء اليوناني ميتسوتاكيس (رويترز - أرشيفية)

ولفت رئيس الوزراء اليوناني إلى أنه يدرك أن وجهات نظر تركيا بشأن «الوطن الأزرق» (سيطرة تركيا على البحار التي تطل عليها) لم تتغير، وأن اليونان تحافظ على موقفها في هذه العملية. وقال ميتسوتاكيس: «في السنوات الأخيرة، زادت تركيا من نفوذها في شرق البحر المتوسط. قضية الخلاف الوحيدة بالنسبة لنا هي الجرف القاري في بحر إيجه وشرق البحر المتوسط. إنها مسألة تعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، وعلينا أن نحمي جرفنا القاري».

من ناحية أخرى، قال ميتسوتاكيس إن «هدفنا الوحيد هو إقامة دولة موحّدة في قبرص... قبرص موحّدة ذات منطقتين ومجتمعين (تركي ويوناني)، حيث لن تكون هناك جيوش احتلال (الجنود الأتراك في شمال قبرص)، ولن يكون هناك ضامنون عفا عليهم الزمن (الضمانة التركية)».

ولم يصدر عن تركيا رد على تصريحات ميتسوتاكيس حتى الآن.

خلافات مزمنة

تسود خلافات مزمنة بين البلدين الجارين العضوين في حلف شمال الأطلسي (ناتو) حول الجرف القاري، وتقسيم الموارد في شرق البحر المتوسط، فضلاً عن النزاعات حول جزر بحر إيجه.

وتسعى اليونان إلى توسيع مياهها الإقليمية إلى ما هو أبعد من 6 أميال، والوصول إلى 12 ميلاً، استناداً إلى «اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار» لعام 1982 التي ليست تركيا طرفاً فيها.

وهدّد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان من قبل، مراراً، بالرد العسكري على اليونان إذا لم توقف «انتهاكاتها للمياه الإقليمية التركية»، وتسليح الجزر في بحر إيجه. وأجرت تركيا عمليات تنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط في عام 2020 تسبّبت في توتر شديد مع اليونان وقبرص، واستدعت تحذيراً وعقوبات رمزية من الاتحاد الأوروبي، قبل أن تتراجع تركيا وتسحب سفينة التنقيب «أوروتش رئيس» في صيف العام ذاته.

سفن حربية تركية رافقت سفينة التنقيب «أوروتش رئيس» خلال مهمتها في شرق المتوسط في 2020 (الدفاع التركية)

وتدخل حلف «الناتو» في الأزمة، واحتضن اجتماعات لبناء الثقة بين البلدين العضوين.

أجندة إيجابية وحوار

جاءت تصريحات رئيس الوزراء اليوناني، بعد أيام قليلة من تأكيد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في كلمة له خلال مناقشة البرلمان، الثلاثاء، موازنة الوزارة لعام 2025، أن تركيا ستواصل العمل مع اليونان في ضوء الأجندة الإيجابية للحوار.

وقال فيدان إننا «نواصل مبادراتنا لحماية حقوق الأقلية التركية في تراقيا الغربية، ونحمي بحزم حقوقنا ومصالحنا في بحر إيجه وشرق البحر المتوسط، ​​سواء على الأرض أو في المفاوضات».

وعُقدت جولة جديدة من اجتماعات الحوار السياسي بين تركيا واليونان، في أثينا الأسبوع الماضي، برئاسة نائب وزير الخارجية لشؤون الاتحاد الأوروبي، محمد كمال بوزاي، ونظيرته اليونانية ألكسندرا بابادوبولو.

جولة من اجتماعات الحوار السياسي التركي - اليوناني في أثينا الأسبوع الماضي (الخارجية التركية)

وذكر بيان مشترك، صدر في ختام الاجتماع، أن الجانبين ناقشا مختلف جوانب العلاقات الثنائية، وقاما بتقييم التطورات والتوقعات الحالية؛ استعداداً للدورة السادسة لمجلس التعاون رفيع المستوى، التي ستُعقد في تركيا العام المقبل.

ولفت البيان إلى مناقشة قضايا إقليمية أيضاً خلال الاجتماع في إطار العلاقات التركية - الأوروبية والتطورات الأخيرة بالمنطقة.

وجاء الاجتماع بعد زيارة قام بها فيدان إلى أثينا في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أكد البلدان خلالها الاستمرار في تعزيز الحوار حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.

لا أرضية للتوافق

وقال ميتسوتاكيس، في مؤتمر صحافي عقده بعد القمة غير الرسمية للاتحاد الأوروبي في بودابست في 9 نوفمبر، إن الحفاظ على الاستقرار في العلاقات بين بلاده وتركيا سيكون في مصلحة شعبيهما.

وأشار إلى اجتماع غير رسمي عقده مع إردوغان في بودابست، مؤكداً أن هدف «التطبيع» يجب أن يكون الأساس في العلاقات بين البلدين، وتطرق كذلك إلى المحادثات بين وزيري خارجية تركيا واليونان، هاكان فيدان وجيورجوس جيرابيتريتيس، في أثنيا، قائلاً إنه جرى في أجواء إيجابية، لكنه لفت إلى عدم توفر «أرضية للتوافق بشأن القضايا الأساسية» بين البلدين.

وزير الخارجية اليوناني يصافح نظيره التركي في أثينا خلال نوفمبر الماضي (رويترز)

وسبق أن التقى إردوغان ميتسوتاكيس، في نيويورك على هامش مشاركتهما في أعمال الدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأكد أن تركيا واليونان يمكنهما اتخاذ خطوات حازمة نحو المستقبل على أساس حسن الجوار.

وزار ميتسوتاكيس تركيا، في مايو (أيار) الماضي، بعد 5 أشهر من زيارة إردوغان لأثينا في 7 ديسمبر (كانون الأول) 2023 التي شهدت عودة انعقاد مجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين، بعدما أعلن إردوغان قبلها بأشهر إلغاء المجلس، مهدداً بالتدخل العسكري ضد اليونان بسبب تسليحها جزراً في بحر إيجه.