مستقبل واعد في الفضاء لذوي الاحتياجات الخاصة

هايلي أرسينو أول شخص يسافر إلى المدار الشهر الماضي باستخدام طرف صناعي (رويترز)
هايلي أرسينو أول شخص يسافر إلى المدار الشهر الماضي باستخدام طرف صناعي (رويترز)
TT

مستقبل واعد في الفضاء لذوي الاحتياجات الخاصة

هايلي أرسينو أول شخص يسافر إلى المدار الشهر الماضي باستخدام طرف صناعي (رويترز)
هايلي أرسينو أول شخص يسافر إلى المدار الشهر الماضي باستخدام طرف صناعي (رويترز)

يتحرك إريك إنغرام (31 سنة)، على مقعد متحرك. ويتولى إنغرام منصب الرئيس التنفيذي لشركة «سكاوت إنك»، المتخصصة في صناعة المكونات الذكية التي تدخل في تصنيع الأقمار الصناعية.
ولد إنغرام مصاباً بمتلازمة فريمان - شيلدون، حالة طبية نادرة تؤثر على المفاصل أعاقته عن تحقيق حلمه بأن يصبح رائد فضاء. وبالفعل، تقدم مرتين للعمل رائد فضاء، ورُفض طلبه.
مع ذلك، على متن رحلة طائرة خاصة هذا الأسبوع، دار إنغرام في الهواء من دون عناء يذكر. ووجد إنغرام أنّ التحرك كان أسهل في بيئة محاكاة انعدام الجاذبية، حيث احتاج إلى عدد قليل للغاية من الأدوات المساعدة.
وأثناء محاكاة الجاذبية القمرية على متن الرحلة، التي تعادل قرابة سدس جاذبية الأرض، اكتشف أمراً أكثر إثارة للدهشة: للمرة الأولى في حياته، أصبح بإمكانه الوقوف.
وعلق إنغرام على هذه التجربة بقوله: «لقد كان أمراً غريباً للغاية. إن مجرد الوقوف في حد ذاته كان بالنسبة لي على نفس الدرجة من الغرابة مثل الطفو في انعدام الجاذبية».
كان إنغرام واحداً من 12 راكباً من ذوي الاحتياجات الخاصة سبحوا في الهواء على متن رحلة طيران خاصة تحاكي بيئة خالية من الجاذبية في كاليفورنيا الجنوبية، الأحد الماضي، وذلك في إطار تجربة تختبر كيف يمكن لذوي الاحتياجات الخاصة التعامل داخل بيئة منعدمة الجاذبية. وتسمح هذه النوعية الخاصة من الرحلات الجوية التي تحاكي بيئة منعدمة الجاذبية، والتي تحلق داخل الغلاف الجوي للأرض في رحلات تتخذ مسارات تشبه أقواساً قصيرة متناوبة للركاب بتجربة انعدام الجاذبية، وتعد جزءاً أساسياً من تدريب رواد الفضاء.
من ناحية أخرى، تولت «أستروأكسيس» تنظيم الرحلة، وهي مبادرة غير هادفة للربح ترمي لإتاحة الرحلات الفضائية للجميع. وتكشف الأرقام أنّه رغم ارتياد نحو 600 شخص الفضاء منذ بدء انطلاق الرحلات الفضائية التي تحمل بشراً على متنها في ستينات القرن الماضي، حصرت وكالة «ناسا» وغيرها من وكالات الفضاء وظيفة رائد الفضاء على شريحة ضئيلة جداً من البشر.
في البداية، حصرت الوكالة الأميركية اختيارها بين الرجال البيض أصحاب اللياقة البدنية المرتفعة ليكونوا رواد الفضاء، وحتى عندما وسعت الوكالة أخيراً نطاق معاييرها، فإنها استمرت في اختيار أفراد يتوافقون مع مجموعة محددة من المتطلبات البدنية.
وكان من شأن ذلك سد الطريق إلى الفضاء أمام الكثيرين ممن يعانون إعاقات، وتجاهل الحجج القائلة بأنّ أصحاب الاحتياجات الخاصة بإمكانهم أن يكونوا رواد فضاء ممتازين في بعض الحالات.
إلا أنّ ظهور رحلات الفضاء الخاصة، بتمويل من مليارديرات ودعم من وكالات الفضاء الحكومية، يخلق إمكانية السماح لمجموعة أوسع بكثير من الأفراد بالمشاركة في رحلات للفضاء الخارجي. ويسعى أصحاب الاحتياجات الخاصة للانضمام إلى هذه المجموعة.
من جانبهم، أعرب المشاركون في رحلة «أستروأكسيس» التي انطلقت الأحد، عن اعتقادهم بأنه ينبغي التعامل مع مشكلات القدرة على الوصول إلى هذه الرحلات الآن، مع بداية ظهور رحلات الفضاء الخاصة، وليس لاحقاً، نظراً لأنّ إعادة تجهيز المعدات بما يواءم مع احتياجات الفئات المختلفة سيستغرق وقتاً ومالاً.
جدير بالذكر في هذا الصدد أنّه يحظر على رحلات الفضاء الخاصة إقرار تنظيمات السلامة لرحلات الفضاء الخاصة حتى أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وترمي مبادرات مثل «أستروأكسيس» إلى توجيه الأسلوب الذي تدرس به الحكومة مسألة الوصول إلى مثل هذه الرحلات.
ويأمل القائمون على المبادرة في أن تسهم مسألة إتاحة الوصول للجميع إلى ظهور ابتكارات جديدة في مجال الفضاء تعود بالفائدة على الجميع، بغض النظر عن نمط الإعاقة التي يعانونها.
على سبيل المثال، سارع سوير روزنشتاين، راكب آخر كان على متن رحلة «أستروأكسيس»، إلى توضيح أنّ السبائك المعدنية خفيفة الوزن المستخدمة في صناعة مقعده المتحرك تعد نتيجة ثانوية لابتكارات وكالة «ناسا». يذكر أنّ روزنشتاين أصيب بالشلل من منطقة الخصر حتى أسفل الجسد جراء إصابة تعرض لها خلال دراسته بالمرحلة الإعدادية.
وبعد أن وجد نفسه محروماً من ارتياد الفضاء، توجه روزنشتاين للعمل صحافياً وغالباً ما يقدم تقارير تتعلق بالفضاء، بجانب «وبدكاست» بعنوان «الحديث عن الفضاء».
وخلال رحلة الأحد، ارتدى روزنشتاين بدلة فضاء معدلة خصيصاً لتناسب احتياجاته ومزودة بحزام يمكنه الإمساك به لثني ركبتيه والمناورة بساقيه.
وعن ذلك، قال روزنشتاين: «كنت قادراً على التحكم في نفسي وجسدي كله. ويكاد يكون من المستحيل وصف تلك الحرية التي تشعر بها بعدما سلبت منك على امتداد فترة طويلة للغاية».
أيضاً، وجد رزونشتاين نفسه أكثر مرونة في بيئة منعدمة الجاذبية، حيث أصبح باستطاعته أخيراً اختبار كامل نطاق الحركة الخاص به. وأثناء الرحلة، اختفى الألم المزمن الذي عادة ما يعايشه بمختلف أنحاء جسمه أثناء الطيران، حسبما أوضح. ومثل إنغرام، تمكن روزنشتاين كذلك من الوقوف بمفرده. ولمح الاثنان إلى أنّ تجربتهما توحي بإمكانية أن يكون لانعدام الجاذبية أو الجاذبية المنخفضة تطبيقات علاجية محتملة.
من ناحيتها، أوضحت آنا كابوستا، مديرة مهمة «أستروأكسيس» ومسؤولة الاتصال في المبادرة، أنّه مع إدخال تعديلات طفيفة، حقق المشاركون الـ12 نجاحاً بنسبة 90 في المائة تقريباً بالعودة إلى مقاعدهم بعد إجراء 15 اختباراً، منها 12 من دون جاذبية على الإطلاق، واثنان في ظل محاكاة جاذبية القمر وواحد حاكى جاذبية المريخ.
وأجرت «أستروأكسيس» هذه الاختبارات، التي استمر كل منها ما بين 20 و30 ثانية، للتأكد من أنّ ذوي الاحتياجات الخاصة باستطاعتهم المشاركة في رحلة شبه مدارية، على غرار تلك التي قام بها جيف بيزوس في يوليو (تموز)، والعودة بسلامة إلى مقاعدهم في غضون فترة محدودة قبل معاودة الدخول. ويعتبر هذا تدريباً نموذجياً على الرحلات شبه المدارية، لكن ليس للرحلات المدارية.
الملاحظ أنّ السهولة النسبية للرحلة فاجأت البعض من أعضاء الفريق، بما في ذلك تيم بيلي، المدير التنفيذي لـ«يوري نايت»، منظمة غير هادفة للربح تهتم بالتثقيف الفضائي وتتولى رعاية «أستروأكسيس». في البداية، أقر بيلي أنّه كان يشعر بالقلق من أن ذوي الاحتياجات الخاصة أكثر هشاشة وربما يتطلبون احتياطات طبية إضافية.
ومع ذلك، اعترفت سنترا مازيك (45 عاماً)، التي أصيبت بشلل جزئي أثناء خدمتها في الفرقة 82 بالجيش الأميركي المحمولة جواً، بأن التنقل داخل الطائرة لم يخل من التحديات. وأضافت: أنّ «الأمر صعب للغاية لأنك تشعر وكأنك تطفو وتشعر أنك بخفة الريشة. وحينها، لا تدري نقاط قوتك ولا نقاط ضعفك».
من ناحية أخرى، وبجانب بدلات الفضاء المعدلة لتوائم حركة الركاب ذوي الاحتياجات الخاصة، اختبر باحثون أنظمة إضاءة خاصة من أجل الركاب الذين يعانون الصمم وأجهزة ملاحة تعتمد على طريقة كتابة «برايل» من أجل الركاب المكفوفين.
ومن أجل التنقل بالطائرة كشخص كفيف، اختبرت مونا مينكارا (33 سنة)، جهازاً يعمل بالموجات فوق الصوتية وجهازاً آخر يعمل باللمس أو الاهتزاز، وكلاهما يسهم في تنبيهها حال اقترابها من جدران الطائرة أو أشياء أخرى. إلا أنّ مينكارا أكدت أنّ الأداة الأكثر فائدة هي الأبسط: عصا قابلة للتمدد. وقالت: إنّ «المفاجأة بالنسبة لي في بعض الأوقات، أنني كنت أعرف بالضبط أين كنت وكيف أواجه».
جدير بالذكر أنّ البعض ممن كانوا على متن الطائرة كانوا يحلمون ذات يوم بأن يكونوا رواد فضاء محترفين، ويأملون في أن يُفتح هذا الباب أمام ذوي الاحتياجات الخاصة.
من بين هؤلاء أبورفا فاريا (48 سنة)، يعاني من الصمم وأحد الأشخاص الذين تصر وكالات الفضاء على استبعادهم بسبب القواعد المعمول بها حالياً. وعن ذلك، قال: «تخبرنا وكالات الفضاء أنّه ليس باستطاعتنا الذهاب إلى الفضاء ـ لكن لماذا؟ أرني دليلاً».
ويتذكر فاريا أنّه عندما كان في الصف التاسع، كان يشاهد إطلاق مكوك فضائي عبر شاشة التلفزيون. ولم تظهر القناة تعليقات توضيحية، لذا لم يفهم ما يعنيه مكوك، أو لماذا كان الناس يجلسون بداخله مرتدين بدلات برتقالية. وعندما وصل العد التنازلي للصفر، قال إنّه اندهش لرؤية المكوك ينفجر منطلقاً نحو السماء ويختفي.
بعد ذلك بفترة قصيرة، كتب فاريا خطاباً إلى وكالة «ناسا» يستفسر من خلاله عما إذا كان باستطاعته التقدم لوظيفة رائد فضاء، وتلقى رداً يفيد بأنّ «ناسا» لا يمكنها قبول انضمام رواد فضاء من الصم في ذلك الوقت.
ونال فاريا درجات علمية رفيعة في مجال الهندسة، وعمل بالفعل في «ناسا» طوال عقدين في مجال توجيه المهام الفضائية والمساعدة بتصميم أنظمة الدفع للأقمار الصناعية.
وأثناء الرحلة التي شارك بها الأحد، اقترب قليلاً من حلمه. ووجد نفسه يصطدم بالجدران والسقف أثناء محاولته استخدام لغة الإشارة الأميركية أو الشرب من فقاعة مياه ضخمة تطفو بالهواء انفجرت بوجهه.
* خدمة: «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

التلسكوب «جيمس ويب» يلتقط «زِينة شجرة ميلاد مُعلَّقة في الكون»

يوميات الشرق ألوانُها كأنه العيد في الفضاء (ناسا)

التلسكوب «جيمس ويب» يلتقط «زِينة شجرة ميلاد مُعلَّقة في الكون»

التقط التلسكوب الفضائي «جيمس ويب» التابع لـ«ناسا»، للمرّة الأولى، صورة لِما بدت عليه مجرّتنا في الوقت الذي كانت تتشكَّل فيه؛ جعلت علماء الفضاء يشعرون بسعادة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الكويكبات الجديدة رُصدت بواسطة تلسكوب جيمس ويب الفضائي (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا)

رصد 138 كويكباً صغيراً جديداً

تمكن فريق من علماء الفلك في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة من رصد 138 كويكباً صغيراً جديداً.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
الولايات المتحدة​ باميلا ميلروي نائبة مدير «ناسا» وبيل نيلسون مدير «ناسا» خلال مؤتمر صحافي في واشنطن (أ.ف.ب)

«ناسا» تعلن تأجيلات جديدة في برنامج «أرتميس» للعودة إلى القمر

أعلن مدير إدارة الطيران والفضاء (ناسا)، بيل نيلسون، تأجيلات جديدة في برنامج «أرتميس» الذي يهدف إلى إعادة رواد الفضاء إلى القمر لأول مرة منذ 1972.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
علوم رائدا الفضاء سونيتا ويليامز وباري ويلمور (أ.ب)

مرور 6 أشهر على رائدَي فضاء «ناسا» العالقين في الفضاء

مرّ ستة أشهر على رائدَي فضاء تابعين لوكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا) عالقين في الفضاء، مع تبقي شهرين فقط قبل العودة إلى الأرض.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق رحلة ولادة الكسوف الاصطناعي (أ.ب)

«عرض تكنولوجي» فضائي يمهِّد لولادة أول كسوف شمسي اصطناعي

انطلق زوج من الأقمار الاصطناعية الأوروبية إلى الفضاء، الخميس، في أول مهمّة لإنشاء كسوف شمسي اصطناعي من خلال تشكيل طيران فضائي مُتقن.

«الشرق الأوسط» (كيب كانافيرال فلوريدا )

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».