علماء «كاوست» يبتكرون نموذجاً مناخياً لتطوير منطقة البحر الأحمر وحمايتها

أصبح من الممكن فهم الدوران المناخي، والنظم البيئية البحرية، والمسار المحتمل لأي تسرب نفطي، وكذلك توفير الحماية من الفيضانات في منطقة البحر الأحمر، بفضل نموذج مناخي واعد ابتكره فريق بحثي بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست).
بيئة بحرية
وتأتي أهمية هذا النموذج في ظل الدور المهم الذي تلعبه التوقعات بشأن العمليات المناخية التي تحدث في الغلاف الجوي والمحيطات بمنطقة البحر الأحمر في القرارات التي تتخذها المملكة العربية السعودية بشأن تصميم المدن الضخمة المستدامة التي يجري التخطيط لها وإنشاؤها على طول شواطئه.
تشكل البحر الأحمر نتيجة حركة الصدع العظيم بين قارتي آسيا وأفريقيا قبل ملايين السنين، حيث بدأ ذلك في عصر «الإيوسين» وتسارع خلال العصر «الإوليجوسيني»، ولا يزال البحر يتسع سنوياً، ولقد أسمته العرب بحر «القلزم» الذي يعني المضيق.
تبلغ مساحة البحر الأحمر 438 ألف كيلومتر مربع، ويبلغ أقصى طول له 2250 كلم وأقصى عرض 335 كلم ومتوسط العمق 490 متراً. ويعد البحر الأحمر من أكبر البحار في العالم من حيث عدد الشعب المرجانية، كما يعد مورداً طبيعياً واقتصادياً مُهماً للمنطقة وللعالم. وقد أظهرت معدلاتُ النمو السكاني والصناعي المتسارعة على امتداد ساحله، إلى جانب تصاعد مخاطر الاحترار العالمي، الحاجة إلى إنشاء مدنٍ مستدامة والحفاظ على سلامة النظام الإيكولوجي البحري. وتُدِر السياحة والشحن البحري والزراعة وصيد الأسماك في البحر الأحمر ما يقرب من خُمس دخل المملكة العربية السعودية، كما تسد المملكة 90 في المائة من احتياجاتها من المياه العذبة من خلال تحلية مياه البحر.
وتعتمد الصناعات المذكورة على الظروف المناخية في الغلاف الجوي والمحيطات، إذ تُشكِّل تلك الظروف جزءاً من النظام المناخي المُعقَّد الذي لم تكن تتوفر معلوماتٌ كافية عنه في السابق.
وفي إطار محاولات تأمين هذه القطاعات نجح فريق دولي يضمُّ مجموعة من الخبراء المتخصصين في علوم الطقس والمحيطات والأمواج والتلوث الجوي والنظم الإيكولوجية البحرية وتصوير البيانات، في وضع نموذج مناخي شامل لمنطقة البحر الأحمر، باستخدام عمليات رصدٍ عبر الأقمار الصناعية وأخرى أرضية لتعزيز مستوى دقة النتائج.
نموذج مناخي
وعن هذا النموذج يقول أستاذ هندسة وعلوم الأرض بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) وقائد الفريق، البروفسور إبراهيم حطيط: «يمكننا فهم الدوران المناخي والنظم الإيكولوجية والمناخ في البحر الأحمر أكثر من أي وقت مضى، بالاستعانة بخبرات متنوعة بشأن منطقة ما، وليس الاقتصار على تخصصٍ بعينه».
جدير بالذكر أن الدوران المناخي هو حركة هوائية طولية وعرضية واسعة النطاق، وتشكل مع دوران المحيط الطرق التي يتم بها إعادة توزيع الطاقة الحرارية على سطح الأرض.
وقد أسفر النظام الذي أُنشِئ على حاسوب «كاوست» الفائق «شاهين»، عن أولى التحليلات عالية الدقة الخاصة بأحوال المحيطات والغلاف الجوي في المنطقة خلال الأربعين سنة الماضية، وهو ما كشف عن مدى ارتباط العمليات الطبيعية في البحر الأحمر بمناخ الأرض.
ويضيف حطيط: «لقد دُهشنا عندما علمنا الدور الذي تلعبه الرياح الموسمية الهندية في عكس الدوران المناخي الانقلابي موسمياً في البحر الأحمر. فقد ساعد ذلك على شرح أسباب ازدهار الكلوروفيل صيفاً على نحو غير معتاد في المنطقة الجنوبية من البحر الأحمر».وجدير بالذكر أن ظاهرة الرياح الموسمية بقيت كغيرها من الظواهر الطبيعية أحد الألغاز العلمية التي لا يمكن تفسيرها حتى عام 1686. عندما نشر عالم الفلك والرياضيات الإنجليزي، إدموند هالي، خريطة للعالم في ذلك الوقت ترسم اتجاهات الرياح التجارية والرياح الموسمية. وهي بذلك تعد أول خريطة للأرصاد الجوية توضح ماهية الرياح الموسمية، وسبب حدوثها بالاعتماد على وجود فرقٍ في درجات الحرارة بين اليابسة والمحيط، وهذا ما شكّل أساساً اعتمدت عليه بقية التفسيرات اللاحقة حتى الوصول إلى الحقيقة العلمية المُثبتة حول ما هي الرياح الموسمية.
الحماية من الفيضانات
ويستطيع النموذج المناخي المبتكر التنبؤ بعملياتٍ كثيرة من بينها أنماط دوران المحيط والغلاف الجوي وسلوك النظم البيئية البحرية وانتشار تلوث الهواء والمسار المحتمل لأي تسربٍ نفطي، وهو ما يوفِّر معلوماتٍ ضرورية للأوساط الأكاديمية والحكومية والصناعية في المملكة العربية السعودية، ويدعم الأبحاث التي تُجرى في المناطق الزاخرة بالتنوع البيولوجي في البحر الأحمر. كما يلعب هذا الابتكار دوراً مهماً في وضع السياسات البيئية وإقامة مشروعات الطاقة المتجددة وتوفير الحماية من الفيضانات. فقد أعاد الفريق البحثي حاسوبياً تشكيل ارتفاعات الأمواج العاتية على طول الخط الساحلي، وأسهم ذلك - على سبيل المثال - في تصميم الجدار البحري الذي سيحمي مدينة الملك عبد الله الاقتصادية حديثة الإنشاء. ويواصل فريق حطيط البحثي جهوده التي تهدف إلى تعزيز أداء النظام ورفع إمكانياته، مع التركيز بشكلٍ خاص على التوقعات ذات النطاق الموسمي وعمليات المحاكاة المكانية عالية الدقة للبيئات الحضرية. ويختتم حطيط حديثه قائلاً: «نريد أن نحوِّل هذا النموذج إلى أداة تمثيل بصري سهلة الاستخدام ومتاحة عبر شبكة الإنترنت، لدعم السلطات المحلية والقطاع الصناعي في حل المشكلات البيئية في المنطقة».