«الأبد هو الآن»... مجسمات فنية تعانق الأهرامات

كف معدنية هائلة، تتألق تحت ضوء الشمس، تمتد بشغف لتعانق كفاً أخرى في مشهد شديد الروعة يحبس الأنفاس تحت عنوان «معاً». يدٌ عملاقة بيضاء اللون تخرج من وسط الرمال لتحمل قطعتين هائلتين من الصخور في إشارة إلى قدرة البشر على صنع المستحيل. سفينة ضخمة تبحر في وسط الصحراء مستلهمة أسطورة «مراكب الشمس» على الطريقة الفرعونية. هذه بعض ملامح المعرض الدولي «الأبد هو الآن»، الذي يقام للمرة الرابعة بمشاركة سعودية تتمثل في الأمير الفنان سلطان بن فهد، وهي المشاركة العربية الوحيدة إلى جانب تسعة فنانين يمثلون مصر وبريطانيا والولايات المتحدة وروسيا والبرازيل وإيطاليا وفرنسا.
اختار منظمو المعرض مكاناً مدهشاً يتمثل في سفح الأهرامات لتعرض فيه الأعمال التي تنتمي إلى نوعية «الفن المركب» و«المجسمات» حتى السابع من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وحسب نادين عبد الغفار مؤسسة «أرت دي ايجيبت» - الجهة المنظمة - فإنّ «اختيار هذا المكان يعتبر في حد ذاته إنجازاً غير مسبوق، فهي المرة الأولى التي يُعقد فيها معرض جماعي دولي على بعد دقائق من الهرم الأكبر ووسط روائع التاريخ الإنساني التي ظهرت للوجود قبل أكثر من أربعة آلاف عام». وتضيف نادين عبد الغفار في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»: «هذا ليس مجرد معرض بل حلم ما كان ليرى النور سوى بدعم جهات مميزة على رأسها وزارتا الخارجية والسياحة في مصر وهيئة اليونيسكو».
وإذا كان الخلود هو هاجس أساسي تنطق به روائع الآثار المصرية القديمة في هذه المنطقة الشهيرة عالمياً، فإنّه الهاجس نفسه الذي انتقل فيما يبدو إلى الأعمال المشاركة التي حاولت أن تقيم جسراً بين الماضي والحاضر مستلهمة روح العظمة التي تميز الفن الفرعوني. هكذا ستجد الأمير الفنان سلطان بن فهد اختار اسماً لافتاً لعمله وهو «رمسيس الثالث» المطبوع بأحرف ذهبية على متاهة تبدو لا نهائية من المكعبات الحجرية. ويوضح الملصق المرافق للعمل، أنّ هذا العمل يعد محاكاة فنية لأحجار اكتُشفت بالفعل في مدينة «تيماء» السعودية على نحو يكشف عن تاريخ مجهول يربط بين حضارة مصر القديمة والجزيرة العربية منذ قديم الزمن، لا سيما أنّ الأبحاث التاريخية كشفت عن وجود آثار في «تيماء» يعود بعضها إلى العصر الحجري الحديث.
الفنان الإيطالي لورينزو كوين استطاع لفت نظر الجمهور بقوة إلى عمله «معاً»، الذي يصور كفين متعانقين إذ بدت فكرته بسيطة وقريبة من المتلقي، فهي تعبر عن معاني السلام والتعاون والتقارب بين الشعوب والثقافات، كما أنّ البراعة في تجسيد الأصابع العملاقة بمعدن لامع فضي كانت موضوع تقدير. هذا الوضوح في المعنى والرسالة والفكرة تراجع إلى حد ما في أعمال أخرى، كما في «خطة درب النور» للفنان البريطاني «شوستر»، وزوجته الفنانة «موسلي» اللذين تعاونا سوياً في إنجاز هذا العمل الذي يبدو محاولة لخلق هرم زجاجي موازٍ للهرم الأكبر و«ها قد عدت» للفنانة الأميركية من أصل مصري «شيرين جرجس»، الذي جاء عبارة عن شكل شبه هندسي غير محدد المعالم من أضلاع خشبية تحمل بعض الشرائط السوداء والحلقات الحديدية.
هذا الغموض الذي استعصى على الجمهور حاولت شيرين جرجس أن تفضه بقولها إنّ العمل يكشف عن «المسيرة التاريخية للمرأة المصرية وإنجازاتها عبر العصور».
واللافت أنّ هذه الأعمال لم تُعرض في منطقة واحدة بجوار بعضها البعض كما جرت العادة في مثل هذه النوعية من المعارض، وإنّما اقتضى الأمر التحرك بالحافلات التي تحمل الوفود المختلفة يوم الافتتاح حيث كان يفصل بين العمل والآخر مسيرة عشر دقائق في المتوسط، الأمر الذي نتج عنه إجهاد شديد للصحافيين تحت قيظ الشمس حيث ساروا طويلاً على الأقدام وسط الرمال، فضلاً عن الانتظار الطويل الذي سبق ذلك قبل أن تبدأ وقائع المؤتمر الصحافي.