المطاعم النوبية في مصر... بنكهات تاريخية

أصناف متنوعة من الكابد والإتر مع خبز الدوكا بالعسل

TT

المطاعم النوبية في مصر... بنكهات تاريخية

على نار هادئة وضع أحد طهاه مطعم «وينجي» قليلاً من أوراق السبانخ المسحوقة جيداً، والبصل المبشور في قدر متوسط الحجم، بعد أن يضيف إليهما كمية من عصير الطماطم، وقطع اللحم ورشات من الكزبرة والملح، ثم مزج المكون بكمية من البامية المفروكة، مبتكراً طبقاً من «الإتر جاكوت» الذي يعد من أشهر الطعام النوبي.
و«وينجي» هو واحد من بين عديد المطاعم التي تقدم المأكولات النوبية في أنحاء مصر، بطرق متنوعة ولمسات لا تخلو من الاحتفاظ بعبق التاريخ. فعلى أصوات الأغاني التراثية والرقصات الفولكلورية، تأخذك المطاعم النوبية في مصر إلى عالم يجمع بين سحر حضارة عريقة، ومع حالة الخصوصية الثقافية هذه تحولت المطاعم النوبية بأكلاتها المميزة إلى مراكز لنشر التراث الحضاري من خلال أطباق وأصناف تعكس تفردها وتجتذب فئات وجنسيات متنوعة، خاصة الأجانب.
ففي حي مصر الجديدة الراقي، تعدّ «القرية النوبية» مقصداً لكل من يريد الاستمتاع بتناول وجبة شهية في أجواء تراثية مختلفة، وهو ما تعبّر عنه في دعايتها بعبارة «مش محتاج تسافر النوبة»؛ لذا حرصت على جذب زبائنها من خلال تصاميم تجسد أجواء المجتمع والقرى النوبية التراثية، فقاعات طعام مصممة على طراز المنازل النوبية بشكلها وقبابها وألوانها المبهجة، وأبراج الحمام والمساحات الخضراء تحيط بها.
ففي القرية ستتناول طعامك كما ترغب جالساً أرضاً على الكليم ومتكئاً على الوسائد ذات الألوان الزاهية، وبالقرب منك وضعت الأواني الخزفية في محاكاة للأجواء النوبية، كل ذلك يهيئ الأجواء للاستمتاع بتناول طواجن «البرام» والحمام والأرز المعمر. وتتنوع قائمة الطعام ما بين الفطائر والمكرونة «المبقبقة» ومندي الخراف البرقي، والحريرة، بجنب الأزرة والبطاطة المشوية، كما تقدم القرية أصنافاً مميزة من الحلويات النوبية، من بينها الكنافة بالكركديه، وبالتمر الهندي، وكذلك طواجن القرع العسلي. و«وينجي» بمعنى النجمة، وهي تشير إلى السحر في اللغة النوبية، يحرص المطعم، على إضفاء الأجواء النوبية في كل جنباته، بداية من المقاعد والجدران الملونة بألوان زاهية، والموسيقى والأغاني النوبية، والرقصات التراثية، والحفلات الخاصة في المناسبات المختلفة للزبائن من أعياد ميلاد.
ويقول طارق يحيى، مدير مطعم وكافيه «وينجي»، لـ«الشرق الأوسط»، إن «المطبخ النوبي نموذج للمطابخ التي تعبّر عن ثقافة لها بعد تراثي تاريخي؛ وهو ما يجعل الفصل بين الأطباق وحضارتها أمر صعب؛ لذلك تحولت المطاعم النوبية إلى مراكز ثقافية لنشر التراث من خلال الأنشطة الثقافية والفقرات الفنية، والأصناف الفريدة التي تقدمها».
ويشير يحيي إلى أن «الأكلات النوبية تجتذب فئات متنوعة في المجتمع المصري، والكثير من الجنسيات العربية، لكن الأجانب أكثر إقبالاً؛ لأنهم يهتمون غالباً بالتعرف على التراث النوبي من خلال أطباقه، ومن أكثر الأصناف التي تحقق رواجاً كبيراً، الكابد، والإيتر جاكوت».
وكي تستمتع بالأجواء المتاحة هناك، عليك أن ترتدي الزي النوبي، وترسم الحناء، ويقدم و«ينجي» بجانب «إيتر جاكوت»، طبق السوريد يخني، ويتكون من لحم طازج أو صدور دجاج مع حلقات البصل علي الطريقة النوبية، و«ويكا حمراء» أو كوبية، وهي مزيج من خضار البامية بالبهارات النوبية الشهيرة مع اللحمة المفرومة، كما يقدم مع أي طبق خبز الدوكا النوبي الشهير، والسلطة الخضراء. ومن أشهر المقبلات النوبية، بصل الدوكا، وسلطة الدكوة. أما الحلويات فيقدم خبز الدوكا بالعسل والسمن والشعرية النوبي، وخبز الدوكا باللبن والزبدة، بالإضافة إلى المشروبات النوبية، منها قونقليز، وكركديه، وحلف بر، والدوم، والإبري الأبيض بالليمون، ومشروب آتي كول، وهو عبارة عن شاي أبيض بالحليب بنكهة نوبية، كذلك مشروبات الطاقة، مثل وينجي باور، وهو عبارة عن بلح ولبن وعسل وآيس كريم، وآتي بيتي فواكه، ويتكون من بلح ولبن وفراولة وكيوي وآيس كريم.
ومن الإسكندرية والقاهرة، إلى الساحل الشمالي، حيث مطعم «نوبيا» الذي يجتذب السائحين الأجانب والعرب بحرصه على إضفاء عبق تراثي على المكان، بداية من تصميم الديكور، وصلاً إلى فريق العمل ومقدمي الخدمة، فجميعهم ينتمون إلى النوبة بوجوههم البشوشة وملابسهم التراثية.
ويتميز المطعم بطبق شهير يسمى ميكس وادي الجمال، ويتكون من لحم الجمل وكبدة وكلاوي وقلوب جملي مع قطع من اللحم البقري والكبدة البقري، بالإضافة إلى أطباق متنوعة تميزها رائحة الزعفران، وهي توابل نوبية خالصة لونها أصفر وذات رائحة ونكهة نفاذة.
وفي تجسيد للعلاقة بين المطبخ وحضارته، تحولت المطاعم النوبية إلى منابر للتراث، ودشن مطعم «نوباديا» بفرعيه في حي المعادي جنوب القاهرة، والعجوزة بالجيزة مركزاً ثقافياً ملحقاً، يهتم بنشر التراث النوبي، من خلال الحفلات الغنائية، وورش الرسم والحرف اليدوية التراثية، ومكتبة تضم كتباً متنوعة في التاريخ والأدب النوبي، ويقدم المطعم الأصناف النوبية الشهيرة، من بينها الويكا الحمراء.


مقالات ذات صلة

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

مذاقات توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات إم غريل متخصص بالمشاوي (الشرق الاوسط)

دليلك إلى أفضل المطاعم الحلال في كاليفورنيا

تتمتع كاليفورنيا بمشهد ثقافي غني ومتنوع، ويتميز مطبخها بكونه خليطاً فريداً من تقاليد عالمية ومكونات محلية طازجة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
مذاقات صندوق من الكعك والكعك المحلى من إنتاج شركة «غريغز سويت تريتس» في نيوكاسل أبون تاين - بريطانيا (رويترز)

حلويات خطيرة لا يطلبها طهاة المعجنات أبداً في المطاعم

في بعض المطاعم والمقاهي، توجد بعض الخيارات الاحتياطية التي تجعل طهاة المعجنات حذرين من إنفاق أموالهم عليها؛ لأنها على الأرجح خيار مخيب للآمال.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
مذاقات «الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

إيمان مبروك (القاهرة)
مذاقات الشيف الأميركي براين بيكير (الشرق الأوسط)

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

تقدم فعاليات «موسم الرياض» التي يقودها الشيف العالمي ولفغانغ باك، لمحبي الطعام تجارب استثنائية وفريدة لتذوق الطعام.

فتح الرحمن يوسف (الرياض) فتح الرحمن يوسف (الرياض)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».