تصعيد غير مسبوق في علاقات تونس بواشنطن وعواصم أوروبية

قيس سعيّد يرفض النيل من {السيادة الوطنية}

تصعيد غير مسبوق في علاقات تونس بواشنطن وعواصم أوروبية
TT

تصعيد غير مسبوق في علاقات تونس بواشنطن وعواصم أوروبية

تصعيد غير مسبوق في علاقات تونس بواشنطن وعواصم أوروبية

أحدث الإعلان غير المسبوق عربياً عن حكومة ترأسها سيدة ونحو نصف وزيراتها من السيدات «صدمة إيجابية» في تونس التي تمر بأزمات اقتصادية وسياسية كبيرة منذ مدة، فاقمتها مضاعفات جائحة «كوفيد - 19» والاضطرابات في ليبيا، وتزايد التوتر بين المغرب والجزائر من جهة، وبين باريس والجزائر من جهة أخرى. إلا أن الترحيب بتشكيلة حكومة الأكاديمية الدكتورة نجلاء بودن سرعان ما اقترن بظهور بوادر «أزمة دبلوماسية» و«فتور علاقات» غير مسبوقين بين تونس وشركائها الأوروبيين والأميركيين، بلغت حد تخصيص جلسات خاصة بملفات «مستقبل الشراكة» مع تونس في الكونغرس الأميركي والبرلمان الأوروبي.
أيضاً، تعاقبت الانتقادات داخل تونس وخارجها للحكومة الجديدة التي شكك عدد كبير من البرلمانيين والسياسيين والحقوقيين في «شرعيتها»؛ لكونها «لم تحظ بمصادقة البرلمان المنتخب عليها وعلى قرار إقالة حكومة هشام المشيشي».

لقد شهدت الأزمة السياسية الاقتصادية التونسية «تدويلاً سريعاً»، في الآونة الأخيرة، انخرطت فيه بقوة كل من واشنطن وباريس وبرلين وبروكسل ومجموعة «السبعة الكبار» - بما فيها اليابان وكندا - عبر سلسلة من البلاغات المشتركة والتصريحات المثيرة والحملات الإعلامية في مواقع قريبة من كبار صنّاع القرار.
ولئن تراجعت تدريجياً أصوات المعارضين لقرارات الرئيس التونسي قيس سعيّد يوم 25 يوليو (تموز) الماضي، التي أدت إلى «تجميد البرلمان» وحل حكومة هشام المشيشي، فإنها عادت بقوة داخلياً وخارجياً في أعقاب المرسوم الرئاسي 117، الصادر يوم 22 سبتمبر (أيلول) الماضي الذي عزز كثيراً صلاحيات رئيس الجمهورية.
والحال، أن هذا المرسوم الرئاسي أدى عملياً إلى حلٍ نهائي للبرلمان، وتعليق الدستور، وتمديد الإجراءات «الاستثنائية» من دون سقف زمني، وإلى اعتماد «نظام مؤقت» للحكم أسند صلاحيات البرلمان والإشراف على كل مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية إلى مجلس الوزراء. وهذا الأخير أسندت رئاسته إلى رئيس الجمهورية، وسط تساؤلات عن الدور السياسي الجديد للمؤسستين العسكرية والأمنية، وكذلك عن مستقبل بعض المؤسسات العليا «المستقلة» التي تشرف على قطاعات القضاء والإعلام والثقافة وعالم المال والأعمال... إلخ.

- «تدويل» سريع للأزمة
ومن ثم، أخذت الانتقادات أبعاداً خطيرة عندما انخرط فيها عدد من السفراء الغربيين في تونس، وعدد من رؤساء الدول والحكومات والبرلمانات في الولايات المتحدة والدول الأوروبية و«مجموعة البلدان الفرنكوفونية» التي تضم 88 بلداً؛ ما أوحى بـ«تدويل الأزمة التونسية».
وحقاً، أضحت تونس خلال وقت قياسي قبلة عشرات الوفود الحكومية والبرلمانية والحقوقية والإعلامية الدولية الرفيعة المستوى، بينها موفدون من الرئيسين الأميركي جو بايدن، والفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئاسة المفوضية الأوروبية، وقيادة حلف شمال الأطلسي (ناتو).
وفي الوقت نفسه، تعاقبت بشكل غير مسبوق المكالمات بين الرئيس قيس سعّيد وعدد من كبار صناع القرار في العالم وفي المنطقة، بينهم ماكرون، وميركل، ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان - وقبل ذلك، كامالا هاريس نائبة الرئيس الأميركي. وهذا، فضلاً عن مباحثات سعيّد مع عدد من قادة الدول العربية والأفريقية.
وكان لافتاً بالذات، أن ستيفن تاونسند، قائد القيادة العسكرية في أفريقيا (أفريكوم)، عندما زار المنطقة أخيراً، فإنه التقى في الجزائر الرئيس عبد المجيد تبون، وفي ليبيا رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، لكنه اكتفى في تونس باجتماع مع رؤساء أركان الجيش في المطار بحضور السفير الأميركي في تونس دونالد بلوم. وللعلم، قرر الرئيس بايدن هذا الأسبوع نقل السفير بلوم إلى باكستان من دون أن يعين خلفاً له.
وحول هذه النقطة، ربط الإعلام التونسي بين قرار نقل السفير الأميركي والجلسة التي عقدها الرئيس التونسي معه في قصر قرطاج الرئاسي. وأعلنت الصفحة الرسمية للرئاسة، أنه أبلغه فيها «احتجاجاً رسمياً على تخصيص الكونغرس الأميركي جلسة حول تونس» معتبراً ذلك نيلاً من «السيادة الوطنية» للدولة التونسية.

- النقابات والأحزاب
من جهة أخرى، رغم إصدار القيادات النقابية بلاغات تنتقد «التدخل الأجنبي» في شؤون تونس، عقدت في مقرات اتحاد نقابات العمال وبعض الأحزاب وكبار السياسيين عشرات الاجتماعات مع الدبلوماسيين والموفدين الأجانب، بينهم وزراء خارجية وبرلمانيون أوروبيون وأعضاء في الكونغرس الأميركي؛ وذلك «لمطالبة الرئيس التونسي وحكومة نجلاء بودن بالعودة للمسارين الديمقراطي والبرلماني».
وطالبت الوفود الأجنبية في تصريحات بعد تلك الاجتماعات باحترام «المكاسب الديمقراطية التي تحققت منذ 2011 بدعم مالي أوروبي وأميركي» تجاوز الـ12 مليار دولار أميركي؛ بهدف دعم الاستقرار والأمن في تونس وفي كامل المنطقة، والترويج للنموذج التونسي عربياً وإسلامياً وأفريقياً».

- ضغوط... واحتجاجات
وخلافاً لما عُرفت به السياسة التونسية التقليدية من حرص على البروز في موقع «الشريك المميز» لـ«ناتو» وواشنطن والدول الغربية و«السبعة الكبار»، تزامن تشكيل حكومة نجلاء بودن مع تصعيد الضغوط البرلمانية والحكومية والعسكرية الغربية على السلطات التونسية. وكانت الذريعة ملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان وقرارات تجميد الدستور والبرلمان، وكذلك بروز مؤشرات عن احتمال ضرب مبدا الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية تحت عنوان «مواجهة الخطر الداهم».
في المقابل، احتج الرئيس التونسي في تصريحاته - سواءً إبان لقاءاته برئيسة الحكومة بودن وفريقها الوزاري أو بالوفود الأجنبية - على الدول التي اتهمها بمحاولة النيل من «السيادة الوطنية لتونس» والتدخل في شؤونها الداخلية. وحمل سعيّد بقوة على الجهات الأجنبية والتونسية التي تسببت في تجميد عضوية تونس في اتحاد برلمانات الدول الفرنكوفونية و«تأجيل» قمة البلدان الفرنكوفونية التي كان من المقرر تنظيمها بنهاية العام الحالي في جزيرة جربة السياحية التونسية. وطلب الرئيس من النيابة العمومية فتح تحقيق ضد الرئيس الأسبق الدكتور المنصف المرزوقي؛ بسبب تصريحات أورد فيها أنه طلب من أصدقائه في الحكومة الفرنسية الامتناع عن تنظيم القمة الفرنكوفونية في تونس «قبل عودة البرلمان وتفعيل الدستور والمسارين الانتخابي والديمقراطي».
وكما هو معروف، نظمت حملة إعلامية ضد المرزوقي بسبب هذه المواقف، واتهمه أنصار الرئيس سعيد بـ«الخيانة الوطنية»، وطالبوا بتجريده من جواز السفر الدبلوماسي ومن منحة التقاعد التي تخصص لرؤساء الدولة السابقين. وفي هذه الأثناء، نظم آلاف النشطاء والشباب عبر المواقع الاجتماعية حملات مساندة لخطاب سعيّد ضد واشنطن والحكومات الغربية.
في المقابل، طالبت غالبية قيادات الأحزاب والنقابات، وبينها نور الدين الطبوبي زعيم «الاتحاد العام التونسي للشغل» وأحمد نجيب الشابي، الزعيم المعارض، الرئيس التونسي بـ«قرارات وطنية وقائية تحمي تونس من التدخل الأجنبي»، على رأسها الإعلان عن «خريطة طريق» تضمن العودة قريباً إلى المسارين الديمقراطي والبرلماني، وإن لزم الأمر عبر الدعوة إلى «انتخابات مبكرة».

- دعم «الجبهة الداخلية»
الشابي اعتبر أن الرد على «التدخل الخارجي يكون بدعم الجبهة الداخلية من خلال احترام الدستور والقانون وصندوق الانتخابات». وحذر من إجهاض فرصة تعيين امرأة مستقلة على رأس الحكومة بسبب «أزمة الشرعية». وطالب، من ثم، السلطات بالتجاوب مع عشرات الآلاف من الشباب والمواطنين الذين نظموا مظاهرات عدة في تونس وخارجها للمطالبة بالعودة إلى «المسار الديمقراطي». وفي السياق نفسه، وصف الفاضل عبد الكافي، وزير المالية السابق وزعيم حزب «آفاق تونس»، حكومة نجلاء بودن بكونها «فرصة»، لكنه رأى أنها «حكومة ناقصة للشرعية بسبب افتقارها لمصادقة برلمان منتخب عليها».
أيضاً، نوّه قادة «تنسيقية القوى الديمقراطية» بزعامة خليل الزاوية، زعيم حزب التكتل الديمقراطي، وغازي الشواشي، زعيم حزب التيار الديمقراطي بكون غالبية الشعب ترفض التدخل الأجنبي، ورحبوا بـ«بصدمة» 25 يوليو. لكن غالبية الشعب، حسب تقديرهم، عارضت قرارات 22 سبتمبر التي لم تعلن عن إعادة فتح البرلمان أو عن تنظيم انتخابات جديدة في ظرف بضعة أشهر. ومن جانبه، ناشد وليد جلاد، البرلماني والقيادي في حزب «تحيا تونس»، الرئيس سعيّد «قطع الطريق» أمام التدخل الأجنبي عبر الإعلان عن إصلاحات وخطة واضحة تضمن إعادة تفعيل الدستور والمسارين الديمقراطي والبرلماني واحترام القيم الكونية وبينها الحريات العامة والفردية.
أما شاكر الحوكي، مدير قسم العلوم السياسية في كلية الحقوق بتونس، فأعرب في حديث لـ«الشرق الأوسط» عن تخوّفه من أن تهدر تونس فرصة تعيين حكومة ترأسها امرأة وتضم 10 نساء من أصل 24 وزيراً بسبب قرارات 22 سبتمبر التي توحي بجر البلاد إلى أزمة سياسية اقتصادية اجتماعية طويلة، وبإحداث «فراغ برلماني» و«انقلاب على الدستور» وعلى المؤسسات المنتخبة... مقابل تضخيم دور السلطة التنفيذية المركزية على حساب بقية المؤسسات الدولة والهيئات المستقلة التعديلية.

- عين على ليبيا والجزائر
في سياق موازٍ، من أكبر التحديات التي تواجه حكومة بودن، حسب ما أورده الخبير الاقتصادي والمالي رضا الشكندالي في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أن «مستقبل الأزمات الهيكلية والظرفية التي تواجه الاقتصاد والموازنات المالية للدولة رهين معطيات دولية كثيرة، من بينها إعادة كسب ثقة مؤسسات التصنيف الدولية، مثل (موديز) وصندوق النقد الدولي الذي توقفت المفاوضات معه منذ مايو (أيار) الماضي». واعتبر الشكندالي، أن مصير حكومة بودن، أو أي «حكومة إنقاذ» سيظل رهين «كسب ثقة كبار المانحين العرب والدوليين وتسوية الخلافات بين السلطات التونسية مع المؤسسات المالية الدولية حول صناديق الدعم والتعويضات، وتضخم عدد الموظفين، ومستقبل الشركات العمومية المفلسة، وبينها كبرى شركات النقل والمحروقات والكهرباء والغاز والمياه».
وعلى الصعيد الخارجي، رأى البشير الجويني، الدبلوماسي السابق في ليبيا والخبير في العلاقات الدولية، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن مصير حكومة نجلاء بودن والدولة التونسية سيتأثر بـ«المتغيرات السريعة في ليبيا والجزائر وفي العلاقات بين الدول المغاربية». وتوقع الجويني، أن يؤدي نجاح المسار السياسي والانتخابي في ليبيا، وإعادة فتح حدود تونس مع الجزائر وليبيا، وتنقل ملايين السياح والتجار والعمال الليبيين والجزائريين والتونسيين بين البلدان الثلاثة، إلى توفير مداخيل مهمة للدولة التونسية التي تواجه عجزاً في توفير رواتب الموظفين وجرايات المتقاعدين. وكذلك إلى إيقاف معضلات التضخم وغلاء الأسعار ونقص احتياطي البنوك والدولة من العملات الأجنبية. وبالفعل؛ ما يؤكد هذا التلازم بين المسارات في ليبيا وتونس والجزائر تنظيم عدد من كبار المسؤولين الغربيين أخيراً زيارات لتونس على هامش مشاركتهم في مؤتمرات «التسوية السياسية للأزمة الليبية».

- خطوات إلى الأمام... ولكن
هذا التداخل بين المتغيرات في تونس، والتطورات في ليبيا والجزائر، والتصعيد الجزائري المغربي وفي بعض دول الساحل والصحراء، يؤكد فرضية مزيد من «تدويل» أزمات المنطقة، وبينها الأزمة السياسية الاقتصادية الجديدة في تونس التي تسبب بـ«ماراثون» من التحركات والاجتماعات داخل الكونغرس الأميركي والبرلمان الأوروبي ومؤسسات حكومية سياسية وأمنية واقتصادية عديدة. بل، وتزايد التأكيد على التداخل بين الأبعاد الأمنية وتسوية الأزمات في تونس وليبيا بعد تطورات أفغانستان، وتقدم مسار مفاوضات ترحيل «الميليشيات الأجنبية» من ليبيا وسوريا وتركيا والعراق وأفغانستان.
هذا، وأثار عدد من مشرّعي الكونغرس الأميركي هذه المسألة أخيراً في جلسات مناقشة الملف التونسي بواشنطن. وجرى التأكيد، بالخصوص، على أن «تعثر المسار الديمقراطي واستفحال الاضطرابات في تونس» أمر قد يساعد على تسلل مجموعات من الإرهابيين التونسيين والأجانب إلى تونس من بؤر التوتر، وخاصة ليبيا ومالي ودول الساحل والصحراء الأفريقية.
التحذير الأميركي من خطورة انفجار الوضع الأمني مجدداً يتزامن مع صيحات مماثلة صدرت عن مجموعات من البرلمانيين الأوروبيين اليساريين والحقوقيين، وعن مسؤول ملفات الأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل. وفي الوقت نفسه، دعا برلمانيون أوروبيون إلى «دعم السلطات التونسية اقتصادياً، وإعادة تفعيل المسار التعددي والديمقراطي، من أجل كسب ورقات الانتصار على الغلو والتطرف والإرهاب والهجرة غير القانونية، وأيضاً دعم مسارات التسوية السياسية للنزاعات في المنطقة، بدءاً من ليبيا ودول الساحل والصحراء الأفريقية».


مقالات ذات صلة

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

حصاد الأسبوع من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

طوال فترة الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، حرص الرئيس المنتخب دونالد ترمب على تأكيد قدرته على كسر كل الحواجز، وإعادة تشغيل العلاقات مع موسكو عبر تفاهمات

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع صورة مركبة لبوتين وترمب (أ.ف.ب)

لقاءات بوتين وترمب... كثير من الوعود وقليل من التقارب

فور إعلان الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب استعداده لعقد لقاء سريع مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين فور توليه السلطة، برزت ردود فعل سريعة تذكر بلقاءات سابقة

حصاد الأسبوع تشابو يواجه تحديات عدة... من التمرد في منطقة كابو ديلغادو إلى السعي لتحقيق تنمية اقتصادية واستغلال موارد الغاز الطبيعي وإدارة تأثيرات التغير المناخي

دانيال تشابو... رئيس موزمبيق الجديد الطامح إلى استعادة الاستقرار

أدَّى دانيال تشابو، الأربعاء الماضي، اليمين الدستورية رئيساً لموزمبيق، مركِّزاً على اعتبار استعادة الاستقرار السياسي والاجتماعي «أولوية الأولويات».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
حصاد الأسبوع لقطة للعاصمة الموزمبيقية مابوتو (رويترز)

موزمبيق و«فريليمو»... لمحة تاريخية وجيو ـــ سياسية

منذ ما يقرب من خمسين سنة يتربع حزب «فريليمو»، أو «جبهة تحرير موزمبيق»، على سدة الحكم في موزمبيق، مرسّخاً نظام الحزب الواحد، مع أن دستور البلاد المعدل عام 1992

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع الزعيم الكندي جاستن ترودو يعلن أن لا رغبة لبلاده في أن تصبح ولاية أميركية (أ.ب)

ألمانيا تعيش هاجس التعايش مع مطامح ترمب وماسك

لم يدخل الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب البيت الأبيض بعد... ومع ذلك تعيش أوروبا منذ أسابيع على وقع الخوف من الزلزال الآتي. وكلما اقترب موعد الـ20 يناير

راغدة بهنام (برلين)

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
TT

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)

طوال فترة الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، حرص الرئيس المنتخب دونالد ترمب على تأكيد قدرته على كسر كل الحواجز، وإعادة تشغيل العلاقات مع موسكو عبر تفاهمات سريعة وفعالة لوقف القتال في أوكرانيا، ووضع خريطة طريق لمعالجة الملفات الخلافية المتراكمة مع الكرملين. وقبل أيام قليلة من تسلم صلاحياته رسمياً، برزت اندفاعة جديدة من الرئيس الجمهوري نحو روسيا، عندما أعلن استعداده لتنظيم لقاء عاجل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين يرسم ملامح العلاقة المستقبلية ويضع خطط إنهاء الحرب وتخفيف التوتر على مسار التنفيذ. لكن اللافت أن هذه التصريحات لم تُقابَل بشكل حماسي في روسيا. بل فضَّل الكرملين التزام لهجة هادئة تؤكد الانفتاح على الحوار، مع التذكير في الوقت ذاته، بعنصرين ضروريين لنجاح أي محاولة لكسر الجليد بين البلدين، أولهما اتضاح الملامح الأولى لرؤية الرئيس الأميركي الجديد لتسوية الملفات الخلافية المتراكمة، والآخر التذكير بشروط الكرملين لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وبالتوازي مع ذلك، بدت تعليقات الأوساط المقربة من الكرملين متشائمة للغاية، حيال فرص إحراز تقدم جدّي على أي مسار... لا في الحرب الأوكرانية ولا العلاقات مع «ناتو»، ولا ملفّات الأمن الاستراتيجي في أوروبا.

لا ينظر أحد في روسيا بجدية إلى إمكانية تحقيق قفزات سريعة تؤدّي إلى تحسّن العلاقات مع الولايات المتحدة، وتضع إطاراً واقعياً للحوار حول الملفات الخلافية. وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب صرّح مرّات عدة بأن موقف روسيا يمكن فهمه، وأن سبب الصراع كان إلى حد كبير السياسة المناهضة لروسيا التي تنتهجها «الدولة العميقة» الأميركية، فإن الأوساط الروسية تنظر بريبة إلى قدرة ترمب، العائد بقوة إلى البيت الأبيض، في تجاوز الكثير من «المطبّات» التي تعترض طريق إعادة تشغيل العلاقات بين موسكو وواشنطن.

رسائل روسية واضحة

في هذا الصدد، كان لافتاً أن موسكو تعمّدت توجيه رسائل واضحة إلى الإدارة الأميركية الجديدة، عبر إطلالتين إعلاميتين لشخصيتين تعدّان من أبرز المقربين لبوتين، هما وزير الخارجية سيرغي لافروف والمستشار الرئاسي وعضو مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف. وفي الحالتين كان التوقيت وشكل التعامل مع «اندفاعة ترمب» يحظيان بأهمية خاصة.

جوهر كلام المسؤولين ركّز على قناعة بأن العالم قد يكون أمام «فرصة حقيقية للسلام» في عهد ترمب، بيد أن الانفتاح الروسي على الحوار مرتبط باستناد هذا الحوار إلى أسس «مبادرات ملموسة وخطوات ذات معنى بشأن الاتصالات على أعلى مستوى»، والأهم من ذلك، أن تتوافر لدى ادارة ترمب «اقتراحات محددة» بشأن أوكرانيا، وفق تعبير لافروف.

والاقتراحات المحددة المطلوبة روسياً، ينبغي أن تنعكس - كما قال الوزير – بـ«جدية في الاستعداد لحل المشاكل المتراكمة عبر الحوار لا عبر الضغوط والتهديدات» التي لم ينجح سلف ترمب في معالجتها.

وفي إشارة ذات مغزى، قال لافروف إنه «من المفيد أن نرى ما هي الأساليب التي سيستخدمها ترمب لجعل أميركا أعظم». وهذه عبارة أكملها باتروشيف بقوله: «هل سيكون ترمب قادراً على ترجمة نواياه بالكامل؟ وكما أظهرت ولايته الأولى، فإن (الدولة العميقة) السيئة السمعة في الولايات المتحدة... قوية للغاية».

أوكرانيا «رأس الأولويات»

الموقف الذي أعرب عنه المسؤولان الروسيان ينطلق من «الاستعداد للمناقشة والاتفاق على أي شيء باستثناء شيء واحد - أوكرانيا. (...) لقد عبّرنا عن موقفنا مراراً وتكراراً، وهو موقف لا يمكن تغييره». وفي هذا الإطار، لوّح لافروف بأنه إذا توصّلت روسيا إلى استنتاج مفاده أن واشنطن ستواصل دعم «النظام النازي المعادي في كييف» فإنها (أي موسكو) ستضطر إلى اتخاذ قرارات صعبة. في حين قال باتروشيف إن أوكرانيا «قد تختفي عن الخريطة خلال هذا العام» إذا استمرت السياسات الغربية السابقة.

الرسالة الروسية الثانية لترمب كان فحواها أن أي تسوية أو ضمانات لأوكرانيا، يجب أن تكون مرتبطة باتفاقيات أوسع نطاقاً. وهنا قال لافروف إن «روسيا مستعدة لمناقشة الضمانات الأمنية لأوكرانيا، لكنها يجب أن تكون جزءاً من اتفاقيات أكبر». بينما أوضح باتروشيف أنه بالإضافة إلى التوصل إلى ترتيبات أمنية في القارة الأوروبية «يجب وقف التمييز ضد السكان الروس في عدد من البلدان، وبالطبع، في دول البلطيق ومولدوفا».

أما النقطة الثالثة التي تحدّد شروط الحوار، فتنطلق من ضرورة البدء بمنح روسيا ضمانات كاملة عبر ملفي: وقف مسار ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الاطلسي (ناتو) وتأكيد حيادها لعشرات السنوات، وتقليص القدرات العسكرية لهذا البلد ومنع تسليحه مجدداً.

هكذا، ترى موسكو المدخل الصحيح للحوار، الذي يجب أن يتأسس - كما قال الرئيس الروسي سابقاً - على قاعدة الإقرار بالتغييرات الميدانية التي وقعت خلال سنتين، بما يضمن الاعتراف الغربي بضم شبه جزيرة القرم والمناطق الأربع التي ضمتها روسيا خلال عام 2022.

تشكل هذه القاعدة التي تنطلق منها موسكو سبباً وجيهاً للتوقعات المتشائمة حول فرص إحراز تقدم، تضاف إلى الشكوك المحيطة بقدرة ترمب الفعلية على تجاوز كل العقبات والضغوط الداخلية والانطلاق نحو تقديم تنازلات مهمّة للروس.

يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية،

لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية

التداعيات على أوكرانيا

كيف يتأثر الوضع في أوكرانيا؟

في هذا الإطار، وضع أحد أبرز خبراء السياسة في «المجلس الروسي للسياسة والأمن»، وهو مؤسسة مرموقة ومقربة من الكرملين، التصور التالي لشكل العلاقة مع ترمب في ملفات رئيسة:

بدايةً، في أوكرانيا ستفشل محاولة ترمب للتوصل إلى وقف إطلاق النار على طول خط التماس. وذلك لأن المخططات الأميركية لـ«وقف الحرب» تتجاهل تماماً المصالح الأمنية الروسية، كما تتجاهل الأسباب التي أدت أولاً إلى الأزمة ثم إلى الصراع العسكري واسع النطاق في أوكرانيا.

في المقابل، لن تقبل واشنطن الشروط الروسية لبدء المفاوضات ومعايير السلام التي أعلن عنها الرئيس فلاديمير بوتين في يونيو (حزيران) الماضي؛ لأنها تعني في الواقع استسلام كييف وهزيمة استراتيجية للغرب. وخلافاً لتوقعات التهدئة، فإن ترمب «المهان»، رداً على رفض خطته، سيعلن دعمه لأوكرانيا ويجمع حزمة أخرى من العقوبات على موسكو. لكنه في الوقت نفسه، سيمتنع عن التصعيد الجدي للصراع؛ كي لا يستفز روسيا ويدفعها إلى ضرب أراضي دول «ناتو»، بما في ذلك القواعد الأميركية الموجودة هناك. ومع هذا، ورغم غطاء الخطاب القاسي المعادي لروسيا، فإن المساعدات الأميركية لنظام كييف ستنخفض، وسيتعيّن على الأوروبيين تغطية العجز الناتج من ذلك. ومن حيث المبدأ، فإن الاتحاد الأوروبي مستعدٌ لذلك، وبالتالي لن يكون هناك خفض كبير في الدعم المادي لأوكرانيا من الغرب في العام الجديد على الأقل.

إلى جانب ذلك، قد تحاول واشنطن، وفقاً للخبير البارز، بدعم من بريطانيا وحلفاء آخرين، تعزيز الموقف السياسي الداخلي لنظام كييف من خلال المطالبة بإجراء انتخابات في أوكرانيا، وبالتالي استبدال فولوديمير زيلينسكي وفريقه المكروهين بشكل متزايد بمجموعة أخرى بقيادة رئيس الأركان السابق فاليري زالوجني. لكن التأثير السياسي المحلي لمثل هذا الاستبدال سيكون قصير الأجل.

العلاقة مع أوروبا

أيضاً، يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية، لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية. وهذا يعني أنه لن يحقق وعوده حيال علاقة الولايات المتحدة مع «ناتو»، وبدلاً من ذلك، سيرفع السعر الذي يتوجب على الأوروبيين دفعه للانضمام إلى التكتل.

ووفقاً لبعض الخبراء، سيكون لزاماً على الأوروبيين، الذين كانوا يخشون عودة ترمب، أن يقسموا يمين الولاء له. وبالتالي، «لن تكون هناك معارضة ضد ترمب بأي شكل من الأشكال؛ لأن دول الاتحاد الأوروبي تحتاج إلى أميركا زعيمةً: ليس فقط حاميةً عسكريةً، بل وأيضاً زعيمةً سياسيةً ــ لا تقل عن حاجتها إلى روسيا باعتبارها «تهديداً مباشراً على الأبواب».

بهذا المعنى، تتطابق آراء الخبراء في مسألة أن «العداء لروسيا سيظل العامل الحاسم في توحيد أوروبا في عام 2025».

ويضيف بعضهم القناعة بأنه خلافاً للفكرة الرائجة بأن الأوروبيين متردّدون في مواجهة روسيا، بشكل رئيس بسبب الضغوط الأميركية، فإن الحقيقة أن روسيا، باعتبارها عدواً، تشكل عاملاً قوياً في توحيد النخب الأوروبية ودولها. بمعنى أنه كان لا بد من «اختراع التهديد الروسي»، وتقديم الحرب في أوكرانيا باعتبارها المرحلة الأولى من «الاختطاف الروسي لأوروبا».

في السياق ذاته، ينظر إلى الانتخابات المقبلة في ألمانيا، بأنها ستحمل إلى السلطة ائتلافاً جديداً، سيعمل أيضاً على تشديد السياسة تجاه موسكو. ولكن في الوقت نفسه، من غير المرجح إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا بناءً على دعوة من فرنسا، لأن أوروبا تنظر إلى خطر الصدام العسكري المباشر مع روسيا على أنه مفرط في المخاطرة.

وداخلياً، ينتظر أن تواصل أوروبا الاستعداد بنشاط للحرب مع روسيا - وفقاً لأنماط الحرب الباردة في النصف الثاني من القرن العشرين، لكن على حدود جديدة، تحولت بشكل كبير نحو الشرق. كذلك، سيزداد الإنفاق العسكري للدول، ويتوسع الإنتاج العسكري، وتتحسن البنية التحتية العسكرية، وبخاصة، على الجانب الشرقي لـ«ناتو». وبناءً عليه؛ سيصبح المناخ الاجتماعي والسياسي أكثر صعوبة أيضاً.

وهكذا، بشكل عام، يقول خبراء روس إن عام 2025 عموماً سيكون مليئاً بالصراعات، الممتدة من عهد ولاية الرئيس جو بايدن حول روسيا وفي أوروبا، كما سيكون محفوفاً بالمنعطفات غير المتوقعة والخطيرة.

ومع القناعة بأن الاضطراب الاستراتيجي يتزايد باطراد، فإن نتيجة المعركة من أجل النظام العالمي الجديد ليست مُحددة مسبقاً بأي حال من الأحوال. إذ إن نقطة التوازن الافتراضية في النظام العالمي لا تزال بعيدة كل البعد عن الأفق. وفي هذا الصدد، يرون أن روسيا ستواجه في عهد الإدارة الجديدة تحدّيات جديدة في العديد من المجالات... ولا بد أن تكون مستعدة لها.