بروفايل: إريك زيمور يقلب المشهد السياسي الفرنسي... رأساً على عقب

اليهودي الجزائري الأصل الطامح لاقتحام الإليزيه

بروفايل: إريك زيمور يقلب المشهد السياسي الفرنسي... رأساً على عقب
TT

بروفايل: إريك زيمور يقلب المشهد السياسي الفرنسي... رأساً على عقب

بروفايل: إريك زيمور يقلب المشهد السياسي الفرنسي... رأساً على عقب

حتى اليوم، لم يعلن الإعلامي والكاتب إريك زيمور (زمور) ترشحه للانتخابات الرئاسية الفرنسية التي من المقرر أن تجرى يومي 10 و24 أبريل (نيسان) المقبل. إلا أن الأمور محسومة لجهة خوضه الانتخابات.
الماكينة الانتخابية جاهزة ومجموعات متعددة من المناصرين تعمل لصالحه إن على صعيد شبكات التواصل الاجتماعي أو على صعيد جمع الأموال، وأخيراً، لجهة توفير التواقيع الـ500 المطلوب جمعها من النواب وأعضاء مجلس الشيوخ ورؤساء البلديات وأعضاء المجالس الإقليمية أو المحلية كشرط للموافقة على ترشحه وفق ما ينص عليه القانون الانتخابي.
كل هذه الأمور «العملانية» تبدو محسومة، وبالتالي، لن تشكل عائقاً أمام زيمور، بالنظر للصعود الصاروخي الذي حققه في استطلاعات الرأي خلال الأشهر والأسابيع الأخيرة.

تفيد آخر استطلاعات الرأي في فرنسا بأن المرشح اليميني المتطرف إريك زيمور بصدد تخطي مرشحة اليمين المتطرف الرسمية مارين لوبان. كذلك تشير المعطيات إلى أن الدينامية الانتخابية باتت لصالحه لا لصالح ابنة مؤسس «الجبهة الوطنية» اليمينية المتطرفة جان ماري لوبان. والأخير كان ضابطاً خدم في الجيش الفرنسي زمن حرب الاستقلال الجزائرية اتهم بممارسة التعذيب ضد ثوار «جبهة التحرير الوطنية»، ومن ثم في العديد من المرات بسبب عنصريته إزاء العرب والمسلمين والأفارقة ومعاداته للسامية.
مارين لوبان ورثت قيادة الحزب وآيديولوجيته وتطرفه عن والدها. وبسبب الظروف التي أحاطت بانتخابات العام 2018 وتحديدا فشل مرشح اليمين الكلاسيكي، رئيس الحكومة الأسبق فرنسوا فيون في التأهل للجولة الانتخابية الثانية - وهو الأمر الذي بات يحصل في فرنسا منذ بداية الجمهورية الخامسة - فإن النتيجة كانت أن الطريق فتحت بوجه مارين لوبان لتنافس إيمانويل ماكرون على مقعد الرئاسة بعد تمكنها من احتلال المرتبة الثانية في الجولة الأولى.

- المعادلة السياسية
ومن ثم، رست المعادلة السياسية الفرنسية منذ أربع سنوات وستة أشهر على الشكل التالي:
أصبح إيمانويل ماكرون رئيسا في قصر الإليزيه ويمارس الحكم مدعوما بأكثرية مريحة. ومارين لوبان في مقدمة صفوف المعارضة، وتتأهب للثأر من فشلها الرئاسي الثاني. وهي العمل على «تمدين» صورة الحزب الذي ورثته، ليس فقط على مستوى التسمية، حيث تحول اسمه إلى «التجمع الوطني»، بل أيضا عبر إبعاد والدها عنه - وخصوصاً التخلي عن مواقفه البالغة التطرف - وإحاطة نفسها بجيل جديد من الشباب.
مارين لوبان نجحت في مسعاها إلى حد بعيد. وطيلة السنوات والأشهر المنقضية، كان المشهد السياسي ثابتاً لا يتغير: ماكرون مقابل لوبان وإلى جانبهما، تواصل تفتت اليمين الكلاسيكي واليسار الاشتراكي، واضمحل الحزب الشيوعي، وبرز «الخضر» قوة سياسية تؤخذ بالحسبان لكنها عاجزة عن تسلق جبل الإليزيه، وتراجعت جداً شعبية اليسار المتشدد ممثلاً بالنائب والمرشح الرئاسي الحالي (والسابق) جان لوك ميلونشون.
صورة الوضع السياسي رست لفترة على هذه الحال. وكانت الطبقة السياسية تتساءل عما إذا كان بمقدور لوبان اختراق ما يسمى - باللغة السياسية الفرنسية - «السقف الزجاجي»، بحيث تتحول إلى أول رئيسة للجمهورية تنتمي إلى اليمين المتطرف لتسير على خطى مَن سبقها من المتطرفين اليمينيين في أوروبا.
غير أن الواثقين من رؤاهم وتحليلاتهم القطعية أخذوا يعيدون النظر في أحكامهم عندما برز إلى مقدمة المسرح اسم إريك زيمور كمرشح محتمل للرئاسة.
بداية، اعتبرت غالبية المحللين أن خوض الكاتب في صحيفة «لو فيغارو» اليمينية والمعلق السياسي الدائم على القناة اليمينية المتطرفة «سي نيوز» المنافسة الرئاسية «مزحة» لا يمكن أن تؤخذ على محمل الجد، خصوصاً، أن استطلاعات الرأي الأولية كانت تضعه في المرتبة الخامسة أو السادسة. يضاف إلى ذلك أن الفوز برئاسة الجمهورية يفترض أن يكون الطامع بها يتمتع بدعم حزب قوي متجذر يوفر له التنظيم والمال والناخبين والدعاية الانتخابية، فضلاً عن توافر برنامج انتخابي على مستوى الجمهورية يعالج مسائل السيادة والقانون والاقتصاد والحياة الاجتماعية. وباختصار أن يكون صاحب «رؤيا» لفرنسا المستقبل.
العديد من هذه الشروط لا تتوافر لزيمور، إذ لا حزب يقف وراءه ولا يوجد برنامج انتخابي يحمله ولا مصادر مالية معروفة وواضحة موضوعة بتصرفه. ثم لا بد من التذكير أنه صدرت بحق زيمور أحكام قضائية تتهمه بتبني خطاب عنصري والترويج له (في العام 2011) وتحفيز مشاعر معاداة الإسلام (في العام 2018). وبالتالي، فإن عائقاً إضافياً مزروع على دربه. لذا، فإن السؤال الرئيسي الذي يفرض نفسه: من هو زيمور وما هو سر الاختراق الذي حققه رغم أنه لم يعلن بعد أنه مرشح للانتخابات الرئاسية؟

- زيمور: عار لليهود
ولد إريك زيمور يوم 31 أغسطس (آب) عام 1958 في ضاحية مونترويل، الواقعة على مدخل باريس الشرقي. وهو ينتمي إلى عائلة يهودية شرقية جزائرية انتقلت إلى فرنسا في العام 1952.
وتفيد مصادر عديدة بأنه ترعرع في أجواء دينية يهودية، ودأب على ارتياد الكنيس (المعبد اليهودي) حتى العام 2013 أي حتى وفاة والده روجيه الذي كان يعمل سائقا لسيارة إسعاف. وبحسب المؤرخ الفرنسي اليهودي بنجامان ستورا، فإن زيمور «يهودي عربي»، بينما يفضل هو القول إنه «يهودي قبائلي». وفي أي حال، لم يخفِ أبداً انتماءه الديني، بل يتحدث عنه بكل حرية.
تنقل زيمور في العديد من المدارس، ومع دخوله المرحلة الجامعية انتمى إلى «المعهد الفرنسي للعلوم السياسية» (سيانس بو) في باريس وتخرج فيه. إلا أنه فشل مرتين في الدخول إلى «المعهد الفرنسي للإدارة» (إينا) الذي يخرج كبار موظفي وكادرات الدولة الفرنسية.
بعدها انطلق زيمور في حياته المهنية مع الصحافة، فتنقل في العديد من دورها يميناً ويساراً، منها زال من الوجود مثل «لو كوتيديان دو باري»... ومنها لا يزال قائما كصحيفة «لوفيغارو» التي تمتلكها عائلة داسو، المساهم الأكبر في «شركة داسو للصناعات الجوية».
في العام 2011، طُلب منه التوقف عن الكتابة في هذه الصحيفة بسبب تصريحات زعم فيها أن «غالبية مهربي المخدرات هم من العرب أو الأفارقة» ما عُد قضائياً بمثابة جنحة. واللافت أنه انتمى مثلاً إلى مجلة «ماريان»، التي كانت حينذاك مصنفة في خانة اليسار. وبعد سنتين فقط انتقل منها إلى مجلة «فالور أكتويل» (القيَم المعاصرة) المصنفة في خانة اليمين المتطرف. بيد أن شهرته ذاعت حقاً من خلال مشاركاته في البرامج الإذاعية والتلفزيونية، وأهمها إذاعة «إر تي إل» التي كانت سابقا تصنف الأولى فرنسياً، وفي «القناة الثانية» للتلفزيون الفرنسي العام، ولكن الأهم هو الدور الذي لعبه في إطار القناة الإخبارية «سي نيوز» اليمينية التي يمتلكها رجل الأعمال فانسان بولوريه، أحد أقطاب النقل البحري في العالم، المُلاحق بتهم الفساد في أفريقيا.

- كتبه الرائجة
وبالتوازي مع النشاط الإعلامي، أصدر إريك زيمور عدة كتب سياسية عن رئيس الوزراء الأسبق إدوار بالادور وعن الرئيس الأسبق جاك شيراك. وكان له دوماً اسم وحضور في عالم الجدل السياسي. وتجدر الإشارة إلى أن كتبه تلقى رواجاً كبيراً، ومنها ثلاثة كتب بارزة جداً: الأول هو «الانتحار الفرنسي» الصادر في عام 2014. والثاني «قدر فرنسا» (2018)، والثالث كتابه الأخير «فرنسا لم تقل كلمتها النهائية بعد» الذي بيع منه خلال أربعة أيام فقط - في المكتبات وعلى منصات الإنترنت - ما لا يقل عن 100 ألف نسخة وهي أرقام لم تسجل سابقاً إلا مرة واحدة لدى صدور كتاب فاليري تريفيلر، رفيقة درب الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند تحت عنوان «شكرا لهذه اللحظات».
وكما أن زيمور بدل وغير في انتماءاته المهنية، فإنه أيضا بدل وغير انتماءاته الفكرية والسياسية متنقلا من اليسار إلى اليمين. ومن اليمين الديغولي الاجتماعي القريب من طروحات الوزير الاشتراكي السابق جان بيار شوفينمان إلى اليمين البونابرتي. وها هو الآن يرسو في ميناء اليمين المتطرف... أو بالأحرى في أقصاه متجاوزاً حتى مارين لوبان... ومتبنيا أحيانا «نظريات المؤامرة». ولعل أبرز هذه النظريات نظرية مؤامرة «الاستبدال الكبير» التي اقتبسها عن المفكر والفيلسوف الفرنسي رينو كامو، كما شرحها في كتاب شهير له يحمل العنوان نفسه والتي تعتبر أن أوروبا تخضع لغزو من نوع جديد وبوسائل جديدة. وباختصار، تقوم هذه النظرية على أن هجرات الشعوب المسلمة الآتية إلى أوروبا من بلدان المغرب وأفريقيا وغيرها هي الآن بصدد الحلول محل الشعب الفرنسي الأصيل، ليس فقط على صعيد القيم وأساليب الحياة، ولكن بشكل مادي وسكني أيضاً، الأمر الذي يظهر، وفق زيمور، في العديد من ضواحي المدن الفرنسية.
وفي لقاء سياسي للترويج لكتابه الأخير، وبحضور حوالي 4 آلاف شخص، وصف زيمور المهاجرين بأنهم «بدو جاءوا إلينا عبر المتوسط» حاملين «إسلاماً تيوقراطيا في جوهره»، أي غير قابل للاندماج في المجتمع الفرنسي. وعليه، فإن ما يدعو إليه زيمور إرغام المهاجرين وأولهم العرب على تغيير أسمائهم و«فرنستها» بحيث تكون تلك أول خطوة للاندماج في المجتمع الفرنسي.

- مشروع حرب أهلية
فريدريك سالا ــ بارو، أمين عام قصر الرئاسة الفرنسية زمن الولاية الثانية للرئيس جاك شيراك، تحدث عن إريك زيمور في مقالة طويلة له نشرتها أخيراً صحيفة «لوموند» المستقلة، وفيها اتهم زيمور بـ«الدفع نحو حرب أهلية» في فرنسا. إذ قال سالا – بارو إن المرشح المتطرف «يستخدم لغة لا ممنوعات فيها ولا حدود، جاعلاً من صورة المهاجر والمسلم سبباً للبؤس الفرنسي. وهو بذلك يذهب أبعد بكثير عما كان قد وصل إليه جان ماري لوبان في غرفه من العنصرية العادية». وتابع سالا ــ بارو أن زيمور «يغرف من الآيديولوجيا التي يحفظها عن ظهر قلب ويقدم جواباً وحيداً لكل المشاكل. إنه يستخدم المسلم والمهاجر كما حدث في الماضي مع استخدام صورة اليهودي. والجواب بسيط، إذ يكفي القضاء على مصدر الخطر».
بيد أن الكاتب (أي سالا – بارو) يرى أن الهدف الأساسي لزيمور هو «الحرب على الإسلام» الأمر الذي يعني عملياً الدفع باتجاه حرب أهلية. ولهذا فإنه يتهم وسائل الإعلام باللامسوؤلية لأنها تلهث وراء زيمور، وتوفر له الوسيلة بعد الأخرى لبث أفكاره العنصرية. ثم يتساءل الكاتب «مَن تساءل للحظة عن طبيعة شعور المسلم الفرنسي (إزاء ما يسمعه)؟ مَن توجه إليه بكلمة تعبر عن الإخاء والاحترام تجاهه؟ هل يتعين أن يكون المرء أعمى حتى لا يرى أن زيمور والإسلاميين هم حلفاء موضوعيون يسعون وراء إشعال حرب أهلية في فرنسا؟ يمكننا أن نتعامل بشدة مع المسلمين من غير أن نلزمهم على تغيير ديانتهم أو أسمائهم وهو ما يريده المحقق زيمور».
منذ أربعة أسابيع، يتنقل زيمور بين المدن الفرنسية بحجة توقيع كتابه، إلا أنه في الواقع يعقد مهرجانات انتخابية يستغلها، كما كان يستغل قناته الإخبارية المفضلة لبث أفكاره اليمينية المتطرفة... واثقا من أن كفة الميزان السياسية في فرنسا تميل إلى اليمين، وأنه يُعد «الرجل الذي يقول جهاراً ما يفكر فيه الكثيرون سراً».
أكثر من ذلك، يرى مناصروه أنه الشخص الذي أخذ الدور الذي كان يفترض بالمرشحة مارين لوبان أن تأخذه، وشيئاً فشيئاً يرسم زيمور صورة «الرجل المنقذ» - أي صورته الشخصية - وهو يرفض أي تفاوض مع لوبان التي اقترحت عليه أن يكون رئيسا للحكومة التي تنوي تشكيلها بعد الفوز برئاسة الجمهورية لأنه يعتبر نفسه «صاحب رؤية» التي تفترض أن يكون في سدة المسؤولية. وفي أي حال، فإن مركزية دعايته السياسية مَعين لا ينضب، لا بل إنه نجح حتى قبل أن يعلن ترشحه رسمياً في فرض المواضيع التي يريد أن تدور حولها الحملة الانتخابية، وهي: الإسلام، الانفصالية الإسلاموية، وقف الهجرات، وقف لم الشمل العائلي، ترحيل غير المؤهلين للبقاء على الأراضي الفرنسية، فرض الأمن والنظام، واستعادة المناطق التي خرجت من تحت عباءة القانون وفق تفسيره...
واليوم يركض اليمين المتطرف واليمين الكلاسيكي وراء زيمور. ويجد ماكرون أن عليه أن يظهر بمظهر القوة والسلطة، وأن يبرز عضلاته في التعاطي مع المسائل الحساسة كي يحافظ على مصداقيته في الوقت الذي أخذ فيه زيمور يثير الهلع يمينا ويسارا. لكن الانتخابات لن تحل إلا بعد ستة أشهر وحتى ذلك التاريخ، الكثير من الأمور يمكن أن تتغير كما حصل في انتخابات عام 2018.


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.