اجتماع مغلق بين حمدوك والمكوّن العسكري لنزع فتيل الأزمة في السودان

مراسلو صحف وفضائيات عربية وأجنبية تعرضوا للضرب خلال اعتصام «المنشقين» أمام القصر

حمدوك والبرهان خلال لقاء سابق في مقر القوات المسلحة بالخرطوم (أ.ف.ب)
حمدوك والبرهان خلال لقاء سابق في مقر القوات المسلحة بالخرطوم (أ.ف.ب)
TT
20

اجتماع مغلق بين حمدوك والمكوّن العسكري لنزع فتيل الأزمة في السودان

حمدوك والبرهان خلال لقاء سابق في مقر القوات المسلحة بالخرطوم (أ.ف.ب)
حمدوك والبرهان خلال لقاء سابق في مقر القوات المسلحة بالخرطوم (أ.ف.ب)

عقد رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك اجتماعاً مع المكون العسكري في الشراكة السياسية الحاكمة، التي يترأسها رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، وفي ذلك في أعقاب يوم من الاحتجاجات التي شارك فيها الملايين في كل أنحاء السودان، دفاعاً عن الحكم المدني ودعماً للانتقال الديمقراطي السلمي، في غضون ذلك تواصل اعتصام المنشقين عن التحالف الحاكم أمام القصر الرئاسي.
وقال مصدر تحدث لـ«الشرق الأوسط» إن المكون العسكري قدم دعوة لرئيس الوزراء للاجتماع أول من أمس الخميس، لكنه اعتذر عن حضور ذلك الاجتماع، باعتبار أن «الوقت غير مناسب»، وذلك مقروءاً مع المواكب المليونية التي شهدتها البلاد، لتعزيز الحكم المدني ورفض أي محاولة انقلابية مدنية كانت أو عسكرية، وبروز أصوات قوية تطالب بعودة العسكريين إلى ثكناتهم، وعلى وجه الخصوص رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان.
وانعقد الاجتماع المؤجل نهار أمس «الجمعة» بين رئيس الوزراء حمدوك والمكون العسكري، وتناول الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد، وما قد يترتب على المواكب المليونية التي شهدتها البلاد أول من أمس الخميس، والتي نادت بوضوح بتسليم رئاسة مجلس السيادة للمدنيين في الوقت المضروب له بحسب الوثيقة الدستورية. كما طالبت رئيس مجلس السيادة بالتنحي، وشددت على إكمال مؤسسات الحكم الانتقالي بما في ذلك المجلس التشريعي والمفوضيات المتخصصة، فضلا عن الاحتجاجات المتكررة بما فيها اعتصام القصر الرئاسي الذي يشل وسط العاصمة الخرطوم.
ولم تتحصل «الشرق الأوسط» على تفاصيل أوفر عن الاجتماع، وما إذا كان تم التوصل لاتفاق بشأن الأزمة السياسية المستمرة منذ الكشف عن المحاولة الانقلابية الفاشلة في 21 سبتمبر (أيلول) الماضي، والاتهامات التي وجهها نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو «حميدتي» للمكون المدني بالتسبب في الانقلابات العسكرية، واعتبار المكون المدني موقف المكون العسكري في السيادة أنه «انقلاب أبيض».
ومنذ إحباط المحاولة الانقلابية جمد رئيس مجلس السيادة عمل المجلس، كما جمد أعمال الاجتماع المشترك بين مجلس السيادة ومجلس الوزراء، والذي يقوم بمهام المجلس التشريعي بشكل مؤقت، وسن القوانين واتخاذ القرارات، وكذلك مجلسي الأمن والدفاع والأعلى للسلام، ما عطل أعمال الحكومة الانتقالية، وأصابها بالشلل التام.
من جهة أخرى، تواصل «الاعتصام» الذي نظمته مجموعة منشقة عن الحرية والتغيير بقيادة وزير المالية جبريل إبراهيم، وحاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، طالبا خلاله بحل الحكومة الانتقالية وحل لجنة تفكيك النظام السابق، وتكوين حكومة كفاءات مستقلة، مع الإبقاء على مناصب ممثلي المجموعة في الحكومة.
ومنذ السبت الماضي، يعتصم الآلاف أمام بوابة القصر الرئاسي بالخرطوم مباشرة، ويسدون طرقا رئيسية مثل شوارع القصر والجامعة والجمهورية المؤدية للقصر الرئاسي والوزارات والمؤسسات الحكومية المجاورة، وظلوا يوسعون مساحة الاعتصام لتغطي وزارة الإعلام ومقر لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، وعددا من المواقع الاستراتيجية.
وأمس، أدى الآلاف منهم صلاة الجمعة في الاعتصام الذي يشارك فيه عدد من مؤيدي نظام الرئيس المعزول عمر البشير، إضافة إلى المتضررين من سقوطه، ومجموعات قبلية وأهلية، ودرج منظموه على مخاطبة المعتصمين من منصة موضوعة قبالة بوابة القصر الرئاسي، ويرددون أن الاعتصام لن يفض إلا بعد حل الحكومة، ويناشدون رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان بحل الحكومة، دون أن يملك سلطات دستورية تخوله بذلك.
وأصدر حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي وهو أحد منظمي الاعتصام البارزين، في مخاطبة الجمعة، قراراً بإغلاق مكاتب لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة، في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور لأجل غير مسمى. وقال مناوي بحسب تصريح وزعه المتحدث باسمه في مجموعات الصحافيين، إن القرار سيدخل حيز التنفيذ ابتداء من الأحد القادم، وإنهم أبلغوا أعضاء اللجنة في حاضرة الإقليم الفاشر بتسليم المكاتب وبسحب تراخيص مباشرة أعمالهم، لحين اتخاذ رئيس الوزراء قراراً بحل الحكومة.
ولجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو ومحاربة الفساد، مكون بقانون مستند على الوثيقة الدستورية، وهي لجنة «سيادية» لا يملك حاكم إقليم أو رئيس الوزراء سلطة حلها أو منعها من العمل، ولا يملك قرار حلها إلا مجلس السيادة مجتمعاً. بيد أن عضو اللجنة بولاية شمال دارفور محمد سالم جاد الله، نفى صدور قرار بحل اللجنة، وقال في تصريحات، إن حاكم الإقليم لا علاقة له بلجنة التفكيك، وإن لجنته ستواصل عملها حتى إكمال تفكيك نظام الثلاثين من يونيو –نظام البشير– واسترداد الأموال المنهوبة، وأضاف: «لجان التفكيك مركزية وتؤدي عملها بمهنية عالية حسب ما نصت عليه الوثيقة الدستورية».
وتعرض عدد من الصحافيين ومراسلي وكالة الأنباء العالمية، لاعتداءات من قبل المعتصمين، وتعرض كل من مراسل فضائية الجزيرة، ومراسل وكالة أناضول التركية، وفريق «بي بي سي»، للضرب من قبل بعض المعتصمين، فيما منع مراسلي وكالة الصحافة الفرنسية من التصوير، وتعرضوا لتعنيف قاس، ما يجعل مهمة التغطية الإعلامية المحايدة محفوفة بالمخاطر بالنسبة للصحافيين الذين ينتقدون المجموعة المعتصمة.



تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
TT
20

تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

تجدد القتال في «إقليم سول» يُحيي نزاعاً يعود عمره لأكثر من عقدين بين إقليمي «أرض الصومال» الانفصالي و«بونتلاند»، وسط مخاوف من تفاقم الصراع بين الجانبين؛ ما يزيد من تعقيدات منطقة القرن الأفريقي.

وبادر رئيس أرض الصومال، عبد الرحمن عرو، بالتعهد بـ«الدفاع عن الإقليم بيد ويد أخرى تحمل السلام»، وهو ما يراه خبراء في الشأن الأفريقي، لن يحمل فرصاً قريبة لإنهاء الأزمة، وسط توقعات بتفاقم النزاع، خصوصاً مع عدم وجود «نية حسنة»، وتشكك الأطراف في بعضها، وإصرار كل طرف على أحقيته بالسيطرة على الإقليم.

وأدان «عرو» القتال الذي اندلع، يوم الجمعة الماضي، بين قوات إدارتي أرض الصومال وإدارة خاتمة في منطقة بوقداركاين بإقليم سول، قائلاً: «نأسف للهجوم العدواني على منطقة سلمية، وسنعمل على الدفاع عن أرض الصومال بيد، بينما نسعى لتحقيق السلام بيد أخرى»، حسبما أورده موقع الصومال الجديد الإخباري، الأحد.

وجاءت تصريحات «عرو» بعد «معارك عنيفة تجددت بين الجانبين اللذين لهما تاريخ طويل من الصراع في المنطقة، حيث تبادلا الاتهامات حول الجهة التي بدأت القتال»، وفق المصدر نفسه.

ويعيد القتال الحالي سنوات طويلة من النزاع، آخرها في فبراير (شباط) 2023، عقب اندلاع قتال عنيف بين قوات إدارتي أرض الصومال وخاتمة في منطقة «بسيق»، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، نشرت إدارة أرض الصومال مزيداً من قواتها على خط المواجهة الشرقي لإقليم سول، بعد توتر بين قوات ولايتي بونتلاند وأرض الصومال في «سول» في أغسطس (آب) 2022.

كما أودت اشتباكات في عام 2018 في الإقليم نفسه، بحياة عشرات الضحايا والمصابين والمشردين، قبل أن يتوصل المتنازعان لاتفاق أواخر العام لوقف إطلاق النار، وسط تأكيد ولاية بونتلاند على عزمها استعادة أراضيها التي تحتلها أرض الصومال بالإقليم.

ويوضح المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أن «النزاع في إقليم سول بين أرض الصومال وبونتلاند يعود إلى عام 2002، مع تصاعد الاشتباكات في 2007 عندما سيطرت أرض الصومال على لاسعانود (عاصمة الإقليم)»، لافتاً إلى أنه «في فبراير (شباط) 2023، تفاقم القتال بعد رفض زعماء العشائر المحلية حكم أرض الصومال، وسعيهم للانضمام إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية؛ ما أدى إلى مئات القتلى، ونزوح أكثر من 185 ألف شخص».

ويرى الأكاديمي المختص في منطقة القرن الأفريقي، الدكتور علي محمود كلني، أن «الحرب المتجددة في منطقة سول والمناطق المحيطة بها هي جزء من الصراعات الصومالية، خصوصاً الصراع بين شعب إدارة خاتمة الجديدة، وإدارة أرض الصومال، ولا يوجد حتى الآن حل لسبب الصراع في المقام الأول»، لافتاً إلى أن «الكثير من الدماء والعنف السيئ الذي مارسه أهل خاتمة ضد إدارة هرجيسا وجميع الأشخاص الذين ينحدرون منها لا يزال عائقاً أمام الحل».

ولم تكن دعوة «عرو» للسلام هي الأولى؛ إذ كانت خياراً له منذ ترشحه قبل شهور للرئاسة، وقال في تصريحات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن «سكان أرض الصومال وإقليم سول إخوة، ويجب حل الخلافات القائمة على مائدة المفاوضات».

وسبق أن دعا شركاء الصومال الدوليون عقب تصعيد 2023، جميع الأطراف لاتفاق لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، ووقتها أكد رئيس أرض الصومال الأسبق، موسى بيحي عبدي، أن جيشه لن يغادر إقليم سول، مؤكداً أن إدارته مستعدة للتعامل مع أي موقف بطريقة أخوية لاستعادة السلام في المنطقة.

كما أطلقت إدارة خاتمة التي تشكلت في عام 2012، دعوة في 2016، إلى تسوية الخلافات القائمة في إقليم سول، وسط اتهامات متواصلة من بونتلاند لأرض الصومال بتأجيج الصراعات في إقليم سول.

ويرى بري أن «التصعيد الحالي يزيد من التوترات في المنطقة رغم جهود الوساطة من إثيوبيا وقطر وتركيا ودول غربية»، لافتاً إلى أن «زعماء العشائر يتعهدون عادة بالدفاع عن الإقليم مع التمسك بالسلام، لكن نجاح المفاوضات يعتمد على استعداد الأطراف للحوار، والتوصل إلى حلول توافقية».

وباعتقاد كلني، فإنه «إذا اشتدت هذه المواجهات ولم يتم التوصل إلى حل فوري، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث اشتباك بين قوات إدارتي أرض الصومال وبونتلاند، الذين يشككون بالفعل في بعضهم البعض، ولديهم العديد من الاتهامات المتبادلة، وسيشتد الصراع بين الجانبين في منطقة سناغ التي تحكمها الإدارتان، حيث يوجد العديد من القبائل المنحدرين من كلا الجانبين».

ويستدرك: «لكن قد يكون من الممكن الذهاب إلى جانب السلام والمحادثات المفتوحة، مع تقديم رئيس أرض الصومال عدداً من المناشدات من أجل إنهاء الأزمة»، لافتاً إلى أن تلك الدعوة تواجَه بتشكيك حالياً من الجانب الآخر، ولكن لا بديل عنها.