زينة دكاش: وهبت أفلامي للدفاع عن حقوق السجناء

المخرجة اللبنانية قالت لـ «الشرق الأوسط» إن قوانين بلادها «غير منصفة»

لقطة من فيلم «السجناء الزرق» (الشرق الأوسط)
لقطة من فيلم «السجناء الزرق» (الشرق الأوسط)
TT

زينة دكاش: وهبت أفلامي للدفاع عن حقوق السجناء

لقطة من فيلم «السجناء الزرق» (الشرق الأوسط)
لقطة من فيلم «السجناء الزرق» (الشرق الأوسط)

لفتت المخرجة اللبنانية زينة دكاش، الأنظار في مهرجان الجونة السينمائي بفيلمها «السجناء الزرق» الذي شارك في مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة، وتتصدى من خلاله للدفاع عن حقوق السجناء في السجون اللبنانية، ساعية لتغيير بعض القوانين التي تعتبرها «ظالمة»، وهو ثالث أفلامها في هذا الشأن.
وفي فيلمها الأخير، تدخل دكاش بكاميراتها إلى المبنى الأزرق بسجن رومية (أحد أكبر السجون اللبنانية) والمخصص للسجناء المصابين باضطرابات نفسية. وتتحول زينة في الفيلم إلى جزء من الحدث، فهي تدير حواراً معهم، للحديث عن أنفسهم ومتاعبهم ومخاوفهم، والأسباب التي دفعت بهم خلف القضبان؛ يطمئنون لها، تتسع مساحة البوح لتكشف كثيراً من المسكوت عنه، تمارس عملها كمعالجة نفسية (حصلت قبل سنوات على الماجستير في علم النفس السريري من جامعة هايغازيان بلبنان) تقترح عليهم المشاركة في عرض مسرحي داخل السجن ليعبر عن أزمتهم ويكون وسيلة للعلاج بالدراما الذي تمارسه، تأخذ قضيتهم إلى البرلمان وتستعين بنواب يشاركونها المهمة الصعبة لتغيير قوانين عتيقة.
وفي حوارها مع «الشرق الأوسط»، تحدثت زينة بحماس كبير عن هذه التجربة المهمة، قائلة: «المريض النفسي بلبنان محكوم بقانون صدر عام 1943 يقول بأن (كل مجنون ومعتوه وملموس ارتكب جرماً يبقى في السجن لحين الشفاء)، ويؤدي عدم تشخيص أو متابعة حالته من قبل أطباء متخصصين، إلى تفاقم مرضه، ويبقى داخل السجن حتى يموت، بالطبع لا أفعل ذلك بنفسي، لكنني أجاهد لطرح القضية، وأسعى مع نواب في البرلمان معنيين بحقوق الإنسان تضامنوا مع القضية لتعديل القانون والإفراج عن بعض الحالات، وكما ذكرت ضمن الفيلم أنه تم الإفراج عن مريضين من السجن الأزرق قضى أحدهما 43 عاماً خلف القضبان بلا علاج، وتم إيداعهما دار رعاية صحية، حيث يتخلى الأهل عنهم في أغلب الأحوال».
دخول زينة إلى السجون اللبنانية في فيلم «السجناء الزرق» ليس التجربة الأولى لها، بل ثالث فيلم وثائقي يتناول حياة المسجونين، فقد بدأت علاقتها بالسجناء قبل 12 عاماً، ومثلما تؤكد: مشاكل السجناء بالنسبة لي قضية حياتي، وقدمت أول فيلم عام 2009 بعنوان «12 لبنانياً غاضباً» على غرار الفيلم الأميركي «اثنا عشر رجلاً غاضباً» الذي قدمته كفيلم ومسرحية شارك بها السجناء، وطالبنا من خلاله تعديل قانون تخفيض العقوبات بلبنان للمساجين الذين يتمتعون بحسن السير والسلوك، وبالفعل صدر قانون عملوا به لمدة شهر فقط ثم أوقفوه، ومنذ أواخر 2009 تم تطبيقه واستفاد منه عدد كبير من المحبوسين، وفاز الفيلم بجائزة «المهر الذهبي» و«جائزة الجمهور» لأفضل وثائقي من مهرجان دبي.
وتضيف زينة: «في فيلمي الثاني (يوميات شهرزاد) عام 2013 دخلت سجن بعبدا المخصص للنساء، ومعظم المسجونات به ممن ارتكبن جرائم قتل الزوج على خلفية تعرضهن لعنف كبير منه، في ذلك الوقت كان هناك اهتمام من المجتمع المدني لمناصرة حقوق المرأة، فساهم الفيلم في صدور تشريع عام 2014 لحماية عناصر العائلة من العنف الأسري، وفاز الفيلم بجائزتين من مصر».
لم تكتف زينة دكاش بأفلامها عن السجناء، بل ناصرت أيضاً فئات أخرى: «قدمت مسرحية مع عاملات منازل، ترتب عليها إلغاء قرار صدر عن وزارة العدل يحرم على عاملات المنازل الأجانب أن يرتبطوا بقصص حب على الأراضي اللبنانية، وعلى الأسر اللبنانية بصفتها كفيلاً لهن الإبلاغ عن ذلك ليتم ترحيلهن، وكان هذا قراراً تعسفياً غريباً يمس مشاعر العاملات، كما أخرجت فيلم (آني) الذي يوثق أسلوب العلاج بالدراما مع نساء من الجنوب اللبناني عقب (حرب تموز) عام 2007».
وتواجه المخرجة اللبنانية أزمات عديدة في عملها، لكنها لا تستسلم وتصر على إكمال مهمتها: «الحصول على تصاريح بالتصوير مع السجناء كان مهمة صعبة، وكانوا يقولون لي: احضري غداً، وكلما رفضوا أعود إليهم بإصرار أكبر، وذهبت إلى وزراء لأقنعهم بتبني القضية معي، وهناك من آمنوا بما أسعى إليه وساعدوني كثيراً، مثل وزير الداخلية زياد بارود، ونواب بالبرلمان والاتحاد الأوروبي الذي يدعمنا، والجميع يعرفون أنني في النهاية مواطنة لبنانية لا أنتمي لأي حزب، وليس لي أي توجه سوى تعديل قوانين غير منصفة للبشر».
وتعمل زينة ممثلة ومخرجة ومعالجة نفسية، واشتهرت قبل سنوات من خلال برنامجها «بسمات وطن»، وكان برنامجاً ساخراً ينتقد السياسيين، تقوم بالتمثيل فيه، عرضته قناة «آل بي سي» على مدى 13 عاماً، كما تعمل كأستاذة جامعية بأربع جامعات لبنانية، وتمارس العلاج بالدراما في عيادتها الخاصة، وحصلت على شهادات عليا في هذا المجال من جامعة كنساس بالولايات المتحدة، وعن ذلك تقول المخرجة اللبنانية: «العلاج بالدراما هو الاستخدام المتعمد لأساليب الدراما أو المسرح لتحقيق أهداف علاجية، حيث يجمع هذا النوع من العلاج بين الأهداف والتقنيات التي تقوم عليها الدراما من جهة، والعلاج النفسي من جهة أخرى».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».