مزهرية أندلسية تتصدر كنوز العالم الإسلامي في {كريستيز}

المزاد متعة خالصة لمحبي هذا النوع من الفنون

6 لوحات لسلاطين الدولة العثمانية من القرن الـ17
6 لوحات لسلاطين الدولة العثمانية من القرن الـ17
TT

مزهرية أندلسية تتصدر كنوز العالم الإسلامي في {كريستيز}

6 لوحات لسلاطين الدولة العثمانية من القرن الـ17
6 لوحات لسلاطين الدولة العثمانية من القرن الـ17

يحمل شهر أكتوبر (تشرين الأول) أهمية خاصة في روزنامة المهتمين بالمزادات الفنية، وتحديداً بفنون العالمين الإسلامي والهندي، وتصبح زيارة دور المزادات الرئيسية في لندن، سواء في مكانها الفعلي أو على المواقع الإلكترونية، متعة خالصة لمحبي هذا النوع من الفنون. القطع التي تعدها كل دار للبيع في المزاد يحمل كل منها قصصاً وحيوات ثرية تزهو ببصمات الصناع والخطاطين والحرفيين. وها نحن نبدأ الموسم المنتظر بزيارة لقبو دار كريستيز، حيث تقبع القطع المختلفة بعيداً عن الأضواء كالعروس التي تتجهز ليومها الأهم في الـ28 من الشهر الحالي.
في بداية الجولة، تصحبنا مديرة المزاد خبيرة الفن الإسلامي بالدار بهناز بهناز أتيجي مقدمة رؤية للوحات لسلاطين الدولة العثمانية. واللوحات على الرغم من أنها ليست من رسم أحد الفنانين المحليين، فهي أوروبية، فإنها تحمل كثيراً من التفاصيل الدقيقة للشخصيات والملابس والأجواء العثمانية، ما يجعلها خير شاهد على جانب مهم من حياة القصور الملكية. وهناك مزيد من الإثارة وروح الأساطير تلف اللوحات الست، إذ كانت ملكاً للكونت غوستاف أدلمان فون أدلمانزفيلدن (1858 - 1938)، وتم الاحتفاظ بها في قلعة بيرج في بافاريا حتى عام 1935. ولم يتم تسجيل كيفية حصول أدلمان على اللوحات، ولكن العائلة كان لها صلات مع العثمانيين، حيث نشر أحد أجدادهم، كونراد فون أدلمان، نشرة عن الجيش العثماني في أوغسبورغ عام 1525. وقد بدا لنا من تأمل اللوحات أن إصرار الخبيرة على أن نبدأ الجولة بها كان مبرراً، إذ إن اللوحات في الواقع مبهرة التفاصيل، فقد رسمت على أرضية سوداء تصور كل منها النصف الأعلى للسلطان، وهي طريقة تمنح اللوحة حساً بالحركة تزيده اللفتة الجانبية للرأس، حيث نرى أيضاً جانباً أكبر من الوجه. وتتميز اللوحات أيضاً بالتصوير الواقعي لملامح الوجوه ونظرات العيون التي تمنح شخصية محددة لكل شخص، مع الاستعانة بالتفاصيل الدقيقة للملبس. والطريف أن اللوحات رسمت اعتماداً على مذكرات الرحالة والتجار والوثائق الدبلوماسية والنقوشات، ولكنها تبدو مليئة بالحيوية والشخصية الخاصة بكل منها.
مزهرية أندلسية
ومن القطع المهمة في المزاد مزهرية نادرة من الأندلس تعود للقرن الـ12 أو الـ13، مصنوعة من النحاس، وتحمل كتابات منقوشة بالعربية، وعبارات مثل «العافية واليمن» و«الأمير الكبير الغازي»، وغيرها من الكتابات التي طُمس بعضها بفعل الزمن، وبفعل تغير لون النحاس. ولكن المزهرية تحمل عبقاً خاصاً يعود بنا لقصور الأندلس وتفاصيلها البديعة، وهي تتميز بعنق مثمن الأضلاع، مع إفريز مجمل بسعف النخيل بين شرائط من النقوش.
دورق من النحاس والفضة من خراسان
القطعة التالية التي تعرضها لنا الخبيرة هي دورق نحاسي من خرسان من عام 1200م. الدورق مزين سطحه بالكامل بالنقوشات والكتابات بالخط الكوفي والنسخ، في شريطين يحيطان بمجموعة من الحليات الدائرية التي تصور علامات الأبراج، والكتف مزين بشريط من الأرانب البرية. وتقول لنا الخبيرة إن تصوير الأبراج كان أمراً شائعاً في ذلك العصر يخاطب اهتماماً من الجمهور. وتشير إلى أعلى الدورق، حيث تنتظم كتابات يتميز فيها كل حرف مستقيم (مثل الألف والكاف واللام) بوجود رسم وجه أعلى كل منها. وتبدو لمحة طريفة لتجميل الدورق، فالوجوه المتتالية تحمل تعبيرات مختلفة، منها ما هو مبتسم أو عابس، وهو ما يجعل الدورق طريفاً جذاباً في الوقت نفسه. تفصيلة أخرى لطيفة التأثير تتبدى في أسد صغير نائم بالقرب من فوهة الدورق. وتقول الخبيرة إن هناك نماذج مماثلة للدورق في متاحف عالمية، مثل اللوفر والمتحف البريطاني.
كتاب أدعية ملون الصفحات

ويزخر المزاد بالمخطوطات والمصاحف المختلفة من عصور مختلفة بكتابات أمهر الخطاطين وزخارف فائقة الجمال. ومنها تعرض لنا الخبيرة كتاب صفحاته ملونة بألوان مشرقة متوهجة، هو كتاب أدعية يحمل اسم «كنوز الأنام في أدعية الأيام»، بتوقيع يحيى الصوفي، وهو يعود على الأرجح لمدينة شيراز في الربع الثاني من القرن الرابع عشر. أما الهوامش، فصنعت في تركيا في القرن السادس عشر.
كل صفحة تحمل لوناً مختلفاً على خلفية كتابات بالنسخ باللون الأسود، مجملة بعلامات فصل وردية مذهبة متعددة الألوان، والعناوين بخط الثلث الذهبي على أرضية مزينة بسعيفات نخيل متعرجة وزخارف مختلفة.
شمعدان من القرن الـ12
على الأرفف نلمح قطعة تجذب البصر على الفور، تتناولها الخبيرة لتعرض لنا دقائق جمالياتها، القطعة هي شمعدان برونزي فضي مرصع بالنحاس من خراسان أو أفغانستان، يعود إلى النصف الثاني من القرن الثاني عشر، ويتميز بالشكل المثمن الأضلاع الذي يرتفع من كتف مسطح إلى عنق أسطواني. وجوانب الشمعدان مزينة بميداليات مطعمة بالفضة مع أرابيسك، أما الزوايا فهي من النحاس مطعمة بالفضة. وتشير النبذة المكتوبة في دليل المزاد إلى أن وجود مثل هذا الشمعدان بالنسبة لمدرسة غزيرة الإنتاج للمعادن مثل مدرسة خراسان يعد أمراً نادراً نسبياً، مما يشير إلى أنها كانت مطلوبة في بعض الأحيان فقط للاستخدام في منازل الأثرياء نظراً لأن جميعها ذات حجم كبير.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».