مضيف سومري يرى النور في صحراء دبي

المهندسة العراقية فاتن الصراف أشرفت على تنفيذه مع عمال من الأهوار

المضيف من الداخل
المضيف من الداخل
TT

مضيف سومري يرى النور في صحراء دبي

المضيف من الداخل
المضيف من الداخل

حين تلقت طلباً لبناء استراحة في صحراء دبي، لمعت في ذهن فاتن عيسى الصراف فكرة أن يكون المبنى شبيهاً بالمضايف العربية المنتشرة في أهوار بلادها. والصراف معمارية عراقية درست في كلية الهندسة بجامعة بغداد وتعمل حالياً في الإمارات.
تقول لـ«الشرق الأوسط»، «المضيف هو جزء من فكرة أكبر تسعى للاستفادة من أسلوب السومريين في البناء باستخدام المواد الطبيعية المتوفرة في البيئة، وتطويرها مستقبلاً في الاستدامة».
احتاجت فاتن الصراف للكثير من الخيال لكي تنفذ فكرتها، ولأن تقنع بها صاحب الطلب الذي كان يريد مجلساً يستخدمه في فترتي الشتاء والربيع في دبي. وبالإضافة إلى نقل فكرة المضيف المشيد من القصب، فإن مشروعها يتضمن بحيرات صناعية وزراعة أشجار الغاف في محيط المكان، وهي الشجرة البرية التي تعتبر رمزاً تتميز به الإمارات.
استعانت المهندسة بمعارفها في بغداد، وذهب أحد الأصدقاء إلى أهوار الجبايش في الناصرية، والتقى بالعمال الذين يبنون المضايف التقليدية، وجرى التنسيق معهم لتنفيذ واحد في صحراء دبي. وبناءً على المقاييس التي حددتها صاحبة المشروع، تم حساب ما يحتاجونه من مواد، أي القصب والحبال والحصير وغيرها. بعد ذلك شحنت تلك المواد براً بالحاويات من الأهوار إلى البصرة، ومنها بحراً إلى ميناء جبل علي. ولم تكن مراحل النقل يسيرة.
تضيف الصراف: «شيدنا الأساسات من الكونكريت ودعمناها بالحديد لأعمدة القصب بسبب طبيعة الأرض الرملية التي تختلف عن الأرض الطينية في الأهوار. ثم رتبنا الأمور اللوجيستية لاستقدام فريق مؤلف من 9 عمال من الجبايش، أنجزوا بناء المضيف في الصحراء وعادوا إلى العراق. ونعمل حالياً على تكوين البحيرات وزرع الأشجار والتأثيث الداخلي للمضيف وإنارته».
لم تكن كلفة المشروع كبيرة، وذهب القسم الأكبر منها للشحن وترتيبات الاستضافة. وإذا كان هذا المشروع خاصاً، فإن نجاحه يشجع المهندسة على تطوير الفكرة وتوسيعها، خصوصاً أنها اكتسبت خبرة، وباتت تعرف كيفية تذليل العقبات المحيطة بهذا النوع من المشاريع. وهي تشعر بالامتنان لفريق العمال الذين تراوحت أعمارهم بين 50 و76 عاماً، كلهم من ذوي المهارة وممن يجيدون العمل السريع من دون تضييع للوقت. وتقول: «كانوا يشتغلون من الفجر حتى مغيب الشمس، وبينهم أبو ساجد أكبرهم سناً. وقد واجهوا عاصفة رملية قوية خلال العمل، لكن هيكل المضيف لم يتأثر، وكانت العاصفة بمثابة اختبار لمتانته». وبالمقابل، استفاد العمال من معالجات وحلول هندسية يتعرفون عليها للمرة الأولى، واستخدم مانع للرطوبة بين حزم القصب لحماية السقف والجدران من الرمال والمطر. وصمدت أمام التجارب التي أجريت عليها.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».