المغرب: برنامج لمصالحة المتطرفين المسجونين مع المجتمع يحقق نتائج باهرة

207 معتقلين بينهم 8 نساء استفادوا منه

TT

المغرب: برنامج لمصالحة المتطرفين المسجونين مع المجتمع يحقق نتائج باهرة

يواصل برنامج «المصالحة» الذي تنظمه المندوبية العامة للسجون في المغرب ومؤسسات رسمية أخرى منذ 2017، استهدافه الراغبين في مراجعة أفكارهم بين المدانين في قضايا التطرف الديني، محققاً نتائج باهرة. ويأمل صالح المحكوم بالسجن 30 عاماً على خلفية قضية إرهاب، معانقة الحرية قريباً بعد «مصالحته» مع ذاته والمجتمع، بفضل برنامج ساعده على مراجعة الأفكار المتطرفة التي قادته إلى السجن. يقضي الرجل (50 عاماً) أيامه وراء القضبان منذ اعتقاله عام 2002 وإدانته بالإعدام بسبب «الانتماء إلى خلية إرهابية وتمويل مشروع إرهابي»، قبل أن يخفض الحكم إلى السجن 30 عاماً إثر استفادته من «مصالحة». ويقول صالح لوكالة الصحافة الفرنسية من داخل مكتبة بسجن القنيطرة الواقع شمال الرباط «آمنت بأفكار اعتقدت أنها الصواب، بما فيها العنف». ويضيف «أحمد الله أن يدي لم تتلطخ بالدماء». وتعرّف صالح على هذه الأفكار في إيطاليا التي هاجر إليها في عقد التسعينات «من خلال شيخ مسجد من (الجماعة الإسلامية) المصرية»، كما يقول. بعدها، قرّر تغيير حياته لتبدأ «بهجر بلاد الكفر مع أسرته نحو دار الإسلام» التي كانت آنذاك «إمارة طالبان في أفغانستان». لكن هجمات 11 سبتمبر (أيلول) أوقفت مشروعه، فاعتقل بعد عودته إلى المغرب في 2002، وأدين مع أفراد خلية تتكون من 31 شخصاً. وتستند أفكار الإسلام المتطرف العنيفة عموماً، إلى تأويل حرفي لبعض نصوص القرآن والأحاديث المنسوبة للنبي محمد منزوعة من سياقاتها التاريخية، وبما لا يتوافق غالباً مع تأويلات أخرى معتدلة يزخر بها تاريخ المسلمين. وبدأت هذه الأفكار تلقى انتشاراً واسعاً منذ عقد الثمانينات على الخصوص، مع قتال «المجاهدين» ضد السوفيات في أفغانستان آنذاك بدعم أميركي، قبل أن تصبح تهديداً رئيسياً للأمن في العالمين العربي والغربي. وتحث هذه الآيديولوجيا إجمالاً على العداء المطلق لكل المخالفين لها، أكانوا مسلمين أم غير مسلمين، والقتال لإقامة ما يسمى بـ«دولة الخلافة». ومنذ 2002 اعتقل في المغرب، أكثر من 3500 شخص وجرى تفكيك أكثر من ألفي خلية من الإسلاميين المتشددين، بحسب أرقام رسمية. ووجهت إليهم اتهامات مختلفة بالانتماء إلى «تنظيمات إرهابية» والتخطيط لعمليات تزعزع الأمن.
والتحق 1662 مقاتلاً مغربياً بالتنظيمات المتطرفة منذ اندلاع الحرب في سوريا، وفق مصدر أمني بالرباط. ويقول محمد دمير، الذي أدين بالإعدام عام 2003 بالانتماء إلى خلية «إرهابية» بزعامة يوسف فكري المتمسك حتى اليوم بأفكاره العنيفة، إن عدداً ممن يتم اعتقالهم «يكتشفون حاجتهم إلى التخلص من الأفكار التي تسيطر عليهم عندما يختلون بذواتهم». ولم يشعر دمير (47 عاماً) بالحاجة إلى مساءلة معتقداته إلا بعد سبعة أعوام على توقيفه، لكن في المراجعة «كنت صادقاً مع نفسي كما كنت صادقاً حين آمنت بتلك الأفكار المنحرفة». وبدأ حينها مساراً طويلاً لإقناع المسؤولين «بأن يمدوا لنا يد المساعدة»؛ ما قاد إلى خفض عقوبته عام 2011 إلى 30 عاماً سجناً، ثم أفرج عنه في 2017 بعد مشاركته في أولى دورات برنامج «مصالحة». ويوضح المسؤول في المندوبية العامة للسجون، مولاي إدريس أكلمام، أن البرنامج كان «ثمرة مقاربة جديدة منذ 2015 شملت تتبع تطور هؤلاء السجناء وسلوكياتهم، وفتحت باب التفكير لمساعدة الذين عبّروا عن حاجتهم إلى من ينير الطريق أمامهم». واستفاد من البرنامج حتى الآن 207 معتقلين، بينهم 8 نساء، وأُفرج عن 116 منهم، وخُفضت عقوبات 15 آخرين. ويستمر البرنامج لكل معتقل قرابة ثلاثة أشهر. مثل دمير، كان صالح بدأ مساءلة أفكاره تلقائياً «دون أن أهتم في البداية ببرنامج (مصالحة)، لكن أصداءه الإيجابية دفعتني للمشاركة فيه في 2019 لأكتشف عالماً جديداً». يشمل البرنامج محاضرات دينية يلقيها مؤطرون من الرابطة المحمدية للعلماء (رسمية)، وأخرى في القانون والاقتصاد ومرافقة نفسية للمعتقلين، ولكن لا يقتصر عليها.
ويقول صالح، إنه اكتشف مبادئ حقوق الإنسان و«أن جُلّها ليس غريباً عن جوهر الإسلام»، مضيفاً «صحيح هناك بعض التحفظات مثل الحق في الإجهاض، لكنها موجودة أيضاً لدى مجتمعات غير مسلمة». ويشمل البرنامج أيضاً محاضرات في القانون والاقتصاد ومرافقة نفسية للمعتقلين.
ويضيف أكلمام قائلاً «لاحظنا اهتمام شركائنا الأجانب بالبرنامج»، مشيراً إلى أنه «يمكن أن يكون مصدر إلهام لبرامج مماثلة تناسب خصوصياتهم». وقرّر دمير بعد انضمامه إلى البرنامج دراسة القانون بالفرنسية من داخل السجن. ويقول «كنت أكفر بالقانون الوضعي، فإذا بي أكتشف فكرة العقد الاجتماعي التي تتيح للجميع العيش في سلام، ما دمنا مختلفين بالضرورة». وسار دمير بعيداً في رحلة الخروج من التطرف ليلتحق بعد الإفراج عنه بطاقم الرابطة المحمدية للعلماء الذي يشرف على الشق الديني لبرنامج «مصالحة». ويحاول اليوم مساعدة متطرفين يرغبون في التحرر من الأفكار المتشددة. يواجه دمير أحياناً أشخاصاً عنيدين «هم في الغالب ذوو معرفة دينية محدودة» فيضطر إلى محاججتهم بنصوص وتفاسير من التراث الديني، لكنه يركز على «مساءلة الصدق في نفوسهم لإقناعهم أنهم لن ينالوا رضا الله باتباع هذه الطريق، إذا كانوا فعلاً صادقين في ابتغائه»، على حد تعبيره.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.