تقنيات جديدة لتوصيل مليار مستخدم جديد بالإنترنت الفائق السرعة وسد الفجوة الرقمية

روبوت «يغزل» الألياف الضوئية حول الكابلات الكهربائية... وأجهزة «ذكية» تنقل بيانات الإنترنت لاسلكياً حول العوائق

أجهزة «تيراغراف» لنقل الإنترنت الفائق السرعة لاسلكياً عبر المدن  وتجاوز العوائق (موضحة باللون الأحمر) بينها بذكاء
أجهزة «تيراغراف» لنقل الإنترنت الفائق السرعة لاسلكياً عبر المدن وتجاوز العوائق (موضحة باللون الأحمر) بينها بذكاء
TT

تقنيات جديدة لتوصيل مليار مستخدم جديد بالإنترنت الفائق السرعة وسد الفجوة الرقمية

أجهزة «تيراغراف» لنقل الإنترنت الفائق السرعة لاسلكياً عبر المدن  وتجاوز العوائق (موضحة باللون الأحمر) بينها بذكاء
أجهزة «تيراغراف» لنقل الإنترنت الفائق السرعة لاسلكياً عبر المدن وتجاوز العوائق (موضحة باللون الأحمر) بينها بذكاء

قد تكون تستخدم اتصالاً سريعاً بالإنترنت في المنزل أو في بيئة العمل، ولكن أكثر من نصف سكان العالم يفتقرون إلى وصول جيد إلى الإنترنت أو هم غير متصلون بتاتاً. وفي العام 2019، كان أكثر من 70 في المائة من سكان العالم لا يزالون يعيشون في مناطق تبعد أكثر من 10 كيلومترات عن الألياف الضوئية. وليس من السهل تقديم اتصال للمستخدمين في المناطق النائية أو الباردة جداً أو الوعرة أو الصحاري، إلى جانب التكاليف المرتفعة لتمديد الألياف في المناطق الريفية منخفضة الكثافة السكانية، ونقص المواد ذات التكلفة المعقولة التي يمكنها تحمل الظروف المناخية القاسية.
مشاريع الاتصالات
وتعمل «غوغل» على تمديد كابلات ألياف ضوئية في العديد من المدن الأميركية بتكاليف اشتراك منخفضة (يمكن الحصول على سرعة 1 غيغابايت في الثانية بنحو 262 ريالاً سعودياً أو 70 دولاراً، و2 غيغابايت في الثانية بسعر 375 ريالاً أو 100 دولار). وكانت الشركة قد أطلقت مبادرة الإنترنت عبر البالونات الهوائية عالية الارتفاع «لون»، إلا أنها ألغت المشروع بعد 9 أعوام من العمل عليه.
من جهتها، تعمل «فيسبوك» على برنامج «اتصال «فيسبوك» Facebook Connectivity الرامي إلى تطوير تقنيات جديدة لتسهيل وصول المزيد من المستخدمين إلى الإنترنت عالي السرعة حول العالم. واستطاع هذا البرنامج منذ عام 2013 تقديم إنترنت سريع لأكثر من 300 مليون شخص حول العالم، ويعمل حالياً على توصيل أكثر من مليار شخص جديد بالإنترنت لسد الفجوة الرقمية وتسهيل وصولهم إلى المعلومات والخدمات بسرعة وجودة عاليين وبتكلفة معتدلة أينما كانوا، وليستفيد الجميع من الميزات الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية في عالم متصل رقمياً.
ولاحظ الفريق، أن الاقتصادات تزدهر عندما يتوافر إنترنت على نطاق واسع للأفراد والأنشطة التجارية. وفي نيجيريا، مثلاً، أسفرت زيادة الاتصال عريض النطاق عن زيادة بنسبة 7.8 في المائة في احتمالية توظيف الأشخاص في المناطق المتصلة بالكابلات المصنوعة من الألياف الضوئية.
وتحدثت «الشرق الأوسط» مع فريق العمل المتخصص بالتقنيات والبنية التحتية السلكية واللاسلكية، ونذكر ملخص المقابلة التي أجريت خلال أقل من 24 ساعة من انقطاع خدمات «فيسبوك» لساعات عدة مساء 4 أكتوبر (تشرين الأول)، واعتذر الفريق عن المشكلة التقنية التي حدثت بسبب خطأ في عملية تعديل إعدادات الموجهات الرئيسية التي تدل الأجهزة الخادمة العالمية إلى عناوين أجهزة «فيسبوك»، مؤكدين أن الانقطاع المذكور غير مرتبط بعمليات فريق «اتصال فيسبوك»، حيث يعمل الفريق على تقديم تطويرات لاتصال المستخدمين بالإنترنت عن طريق البحر والبر والجو.
كابلات الاتصالات البحرية
وبالنسبة إلى تحسين سعة الإنترنت على مستوى العالم عبر البحر، فيعتمد الإنترنت العالمي على ركيزة أساسية، هي كابلات تمر تحت سطح البحر تربط بين القارات. وفي الوقت الحالي، تقتصر سعة الكابلات التي تمر تحت سطح البحر على كمية الكهرباء التي يمكن توصيلها من الشاطئ إلى سلسلة من أجهزة تكرار الإشارة (لتقوية الإشارة على امتداد الكابل) التي يتم وضعها كل 80 كيلومتراً تقريباً على امتداد الكابل. ولو نظرنا إلى كابل طويل، مثل ذلك الذي عبر المحيط الأطلسي ويمتد من أوروبا إلى الولايات المتحدة بطول يزيد على 7 آلاف كيلومتر، فإن حصول أجهزة تكرار الإشارة على الكهرباء من الشاطئ يمثل تحدياً كبيراً. وللتغلب على هذا التحدي؛ يطور المهندسون حالياً عوامات يمكنها توليد الطاقة لأجهزة تكرار الإشارة مباشرة من وسط المحيط، وذلك باستخدام مجموعة من محولات طاقة الأمواج والألواح الشمسية.
وحتى وقت قريب، كانت الكابلات التي تمر عبر المحيطات تتكون من زوجين إلى 8 أزواج من الألياف فقط. ولكن الفريق استطاع الآن تطوير هذا الأمر وأطلق أول نظام كابلات يمر عبر المحيط الأطلسي يتكون من 24 زوجاً من الألياف بسعة نصف بيتابايت لكل ثانية؛ أي نصف مليون غيغابايت في كل ثانية. ولتوضيح الأمر، تزيد سعة هذه الكابلات بمقدار 200 ضعف عن سعة كابلات الاتصالات التي تمر عبر المحيط الأطلسي التي تم إطلاقها قبل نحو 20 عاماً فقط.
واستخدام مجموعة من محولات طاقة الأمواج والألواح الشمسية هو أمر بالغ الأهمية لتعزيز الابتكارات التقنية؛ وذلك لنقل سعة الكابلات قريباً من نصف بيتابايت في الثانية إلى 5 بيتابايت في الثانية، أي 10 أضعاف السعة، وبالتالي ضرورة وجود طاقة ثابتة لجميع أجهزة تكرار الإشارة.
روبوتات للكابلات البرية
الخطوة التالية بعد وصول الكابلات إلى الشاطئ هي توصيل النطاق الترددي للمجتمعات. إلا أن السبل الحالية لمد الألياف يعيبها كثافة العمالة وارتفاع التكلفة. ونتيجة لذلك؛ كان تثبيت الألياف هو العائق أمام تمديد المزيد منها وتقديم وصول غير مقيد إلى الإنترنت للجميع بغض النظر عن مستوى الدخل. ولتصور حجم التكاليف، فإن كل خصلة من الألياف تكلف بضع سنتات لكل متر، بينما تكلف عملية التمديد ما بين عشرات إلى مئات الدولارات لكل متر. ويعود السبب في ارتفاع تكلفة تمديد الألياف إلى أجور العمال وتكلفة العتاد والمواد الأولية اللازمة لحفر الأرض وتمديد الألياف وردمها بشكل صحيح، وعبر آلاف الكيلومترات بين المدن أو المناطق النائية.
ويمكن الاستفادة من البنية التحتية الموجودة مسبقاً لمد الألياف، مثل خطوط الكهرباء متوسطة الجهد، وهي الأسلاك المألوفة أعلى عمود الكهرباء في العديد من المدن والمناطق حول العالم، والتي تمر في كل شارع تقريباً، دون الحاجة إلى تكبد نفقات حفر الخنادق لوضع الألياف تحت الأرض. وطور الفريق روبوتاً اسمه «بومبيكس» Bombyx (كلمة لاتينية تعني «دودة القز») لمد الألياف الضوئية عبر الأسلاك الكهربائية. ويشابه عمل الروبوت دودة القز، بحيث يخرج منه سلك الألياف الضوئية بشكل حلزوني يلتف حول السلك الكهربائي. ويستطيع الروبوت التنقل عبر الأسلاك والعمدان الكهربائية بسهولة بسبب انخفاض وزنه وقدرته على التنقل من عمود إلى آخر آليا، وهو يستطيع تحمل الظروف الجوية الصعبة والعمل عبر المسار المحدد المسار له.
ومن التحديات التي واجهت الفريق تصميم كابلات الألياف، حيث إنه عندما يتم التفاف الألياف حول خط الكهرباء، فإن وزن الألياف والروبوت سيكون كبيراً على الكابلات الكهربائية التي تتعرض لعوامل التمدد والتقلص والرياح. كما أن كابلات الكهرباء متوسطة الجهد تصبح ساخنة.
ولمواجهة تحديات التصميم هذه، تم استخدام نوع من الألياف يسمى «كيفلر المُضفَّر» لتقوية الكابل، مع الحرص على بقائه صغيراً ومرناً. ولعلاج مشكلة الحجم والوزن، تم خفض عدد الألياف من 96 قطعة ألياف إلى 24 داخل الكابل الواحد. وبفضل التقنيات الحديثة، يمكن لقطعة الألياف الواحدة أن تخدم ما يصل إلى ألف منزل. وتم تطوير غلاف للألياف لتتمكن من تحمل درجات الحرارة المرتفعة الموجودة في خطوط الكهرباء أو في حال حدوث شرارة كهربائية في الجهد العالي. النتيجة النهائية هي قدرة كل روبوت على تمديد أكثر من كيلومتر من الألياف والتغلب على عشرات العوائق من تلقاء نفسه في نحو 90 دقيقة فقط.
توصيل الألياف هوائياً
التقنية الثالثة هي «تيراغراف» Terragraph، وتهدف إلى توصيل الإنترنت فائق السرعة من الألياف الضوئية إلى المنازل دون الحاجة إلى حفر الطرقات ومد الكابلات لكل منزل أو نشاط تجاري، وبالتالي توفير التكلفة على المستخدم. ويمكن القيام بذلك باستخدام هذه التقنية التي تعتمد على أجهزة إرسال لاسلكية موجودة على مثبتات الطرق والأسطح لإنشاء شبكة موزعة من الاتصال عالي السرعة يمكن الاعتماد عليه دون أي انقطاع. ويتم تثبيت هذا الأجهزة على أعمدة الإنارة وإشارات المرور لنقل الإشارة بين الألياف الضوئية والمنازل والمتاجر المختلفة حول المدينة بشكل يشابه استخدام الموجهات المنزلية لتقوية إشارة «واي فاي» اللاسلكية، ولكن بتقنيات أكثر تقدماً بأشواط. وستوصل هذه الأجهزة الإنترنت لاسلكياً إلى سطح المبنى، ليتم نقل الإشارة عبر موجهات «راوتر» محلية لكل شقة عبر كابلات الشبكات القياسية، أو عبر شبكات «واي فاي» محلية.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأجهزة تعلم أماكن تواجد الأجهزة الأخرى وتقوم بتعديل زوايا إرسال الإشارة إلى الأجهزة الأخرى في حال وجود عوائق جديدة أمامها (مثل سقالة لصيانة مبنى ما، أو تشييد بناء جديد بين جهازين على خط واحد) دون أي تدخل بشري. وتبلغ سرعة التحميل Download عبر هذه الشبكات 1 غيغابايت في الثانية (نحو 128 ميغابايت في الثانية، ذلك أن الغيغابايت يعادل 1024 ميغابايت، والميغابايت الواحد يعادل 8 ميغابايت).
الجدير ذكره، أن الفريق يشارك هذه التقنية مجاناً مع الشركات المصنعة للمعدات التي تستخدمها في أجهزتها، وشحنت أكثر من 30 ألف وحدة إلى أكثر من 100 مزود لخدمة الإنترنت فائق السرعة حول العالم.


مقالات ذات صلة

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

تكنولوجيا تيم كوك في صورة جماعية مع طالبات أكاديمية «أبل» في العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

نصح تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة «أبل»، مطوري التطبيقات في المنطقة باحتضان العملية بدلاً من التركيز على النتائج.

مساعد الزياني (دبي)
تكنولوجيا خوارزمية «تيك توك» تُحدث ثورة في تجربة المستخدم مقدمة محتوى مخصصاً بدقة عالية بفضل الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

خوارزمية «تيك توك» سر نجاح التطبيق وتحدياته المستقبلية

بينما تواجه «تيك توك» (TikTok) معركة قانونية مع الحكومة الأميركية، يظل العنصر الأبرز الذي ساهم في نجاح التطبيق عالمياً هو خوارزميته العبقرية. هذه الخوارزمية…

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
خاص تم تحسين هذه النماذج لمحاكاة سيناريوهات المناخ مثل توقع مسارات الأعاصير مما يسهم في تعزيز الاستعداد للكوارث (شاترستوك)

خاص «آي بي إم» و«ناسا» تسخّران نماذج الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات المناخية

«الشرق الأوسط» تزور مختبرات أبحاث «IBM» في زيوريخ وتطلع على أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي لفهم ديناميكيات المناخ والتنبؤ به.

نسيم رمضان (زيوريخ)
خاص يمثل تحول الترميز الطبي في السعودية خطوة حاسمة نحو تحسين كفاءة النظام الصحي ودقته (شاترستوك)

خاص ما دور «الترميز الطبي» في تحقيق «رؤية 2030» لنظام صحي مستدام؟

من معالجة اللغة الطبيعية إلى التطبيب عن بُعد، يشكل «الترميز الطبي» عامل تغيير مهماً نحو قطاع طبي متطور ومستدام في السعودية.

نسيم رمضان (لندن)
خاص من خلال الاستثمارات الاستراتيجية والشراكات وتطوير البنية التحتية ترسم السعودية مساراً نحو أن تصبح قائداً عالمياً في التكنولوجيا (شاترستوك)

خاص كيف يحقق «الاستقلال في الذكاء الاصطناعي» رؤية السعودية للمستقبل؟

يُعد «استقلال الذكاء الاصطناعي» ركيزة أساسية في استراتيجية المملكة مستفيدة من قوتها الاقتصادية والمبادرات المستقبلية لتوطين إنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي.

نسيم رمضان (لندن)

«أبل» تطلق تحديثات على نظامها «أبل إنتلدجنس»... ماذا تتضمن؟

عملاء يمرون أمام شعار شركة «أبل» داخل متجرها في محطة غراند سنترال بنيويورك (رويترز)
عملاء يمرون أمام شعار شركة «أبل» داخل متجرها في محطة غراند سنترال بنيويورك (رويترز)
TT

«أبل» تطلق تحديثات على نظامها «أبل إنتلدجنس»... ماذا تتضمن؟

عملاء يمرون أمام شعار شركة «أبل» داخل متجرها في محطة غراند سنترال بنيويورك (رويترز)
عملاء يمرون أمام شعار شركة «أبل» داخل متجرها في محطة غراند سنترال بنيويورك (رويترز)

أطلقت شركة «أبل» الأربعاء تحديثات لنظام الذكاء الاصطناعي التوليدي الخاص بها، «أبل إنتلدجنس»، الذي يدمج وظائف من «تشات جي بي تي» في تطبيقاتها، بما في ذلك المساعد الصوتي «سيري»، في هواتف «آيفون».

وستُتاح لمستخدمي هواتف «أبل» الذكية وأجهزتها اللوحية الحديثة، أدوات جديدة لإنشاء رموز تعبيرية مشابهة لصورهم أو تحسين طريقة كتابتهم للرسائل مثلاً.

أما مَن يملكون هواتف «آيفون 16»، فسيتمكنون من توجيه كاميرا أجهزتهم نحو الأماكن المحيطة بهم، وطرح أسئلة على الهاتف مرتبطة بها.

وكانت «أبل» كشفت عن «أبل إنتلدجنس» في يونيو (حزيران)، وبدأت راهناً نشره بعد عامين من إطلاق شركة «أوبن إيه آي» برنامجها القائم على الذكاء الاصطناعي التوليدي، «تشات جي بي تي».

وفي تغيير ملحوظ لـ«أبل» الملتزمة جداً خصوصية البيانات، تعاونت الشركة الأميركية مع «أوبن إيه آي» لدمج «تشات جي بي تي» في وظائف معينة، وفي مساعدها «سيري».

وبات بإمكان مستخدمي الأجهزة الوصول إلى نموذج الذكاء الاصطناعي من دون مغادرة نظام «أبل».

وترغب المجموعة الأميركية في تدارك تأخرها عن جيرانها في «سيليكون فالي» بمجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، وعن شركات أخرى مصنّعة للهواتف الذكية مثل «سامسونغ» و«غوغل» اللتين سبق لهما أن دمجا وظائف ذكاء اصطناعي مماثلة في هواتفهما الجوالة التي تعمل بنظام «أندرويد».

وتطرح «أبل» في مرحلة أولى تحديثاتها في 6 دول ناطقة باللغة الإنجليزية، بينها الولايات المتحدة وأستراليا وكندا والمملكة المتحدة.

وتعتزم الشركة إضافة التحديثات بـ11 لغة أخرى على مدار العام المقبل.