أربعُ نساء في تاريخ الأنثروبولوجيا الثقافية

أصبحن أيقونات في الثقافة العالمية على المستويين الأكاديمي والشعبي

مارغريت ميد - إيلا ديلوريا
مارغريت ميد - إيلا ديلوريا
TT

أربعُ نساء في تاريخ الأنثروبولوجيا الثقافية

مارغريت ميد - إيلا ديلوريا
مارغريت ميد - إيلا ديلوريا

يحفلُ تاريخ الأنثروبولوجيا الثقافية (أو الاجتماعية) بكثير من التفاصيل المثيرة لكونه أكثر المباحث المعرفية اتصالاً بنشأة الثقافة بكلّ تمثلاتها الرمزية والمادية؛ لكنّ الأمر الذي أجده أكثر إثارة من سواه هو أنّ معظم البناة الأوائل (ما يسمّى بالآباء المؤسسين بلغة الأدبيات السائدة) لهذا الصرح المعرفي الشامخ كانوا من النساء اللواتي أصبحن مثاباتٍ مضيئة في الثقافة العالمية على المستويين الأكاديمي والشعبي. ثمّة 4 نساء في هذا الميدان سأتناولهنّ باختصار، وسيجد القارئ أنّهن أكاديميات أمريكيات حصرياً، ولعلّ مردّ هذه الحقيقة يعود إلى أنّ نشأة الأنثروبولوجيا الثقافية في مطالع القرن العشرين وجدت تربة صالحة لها في المؤسسة الأكاديمية الأمريكية التي لم تثقلها أعباء المواريث الكولونيالية للإمبراطوريات الأوربية، تلك الإمبراطوريات التي شرعت شمسها في الغروب وما كانت لتتناغم مع الأطروحات الثورية المستجدة التي بشّرت بها الأنثروبولوجيا الثقافية.
أولى هؤلاء الأنثروبولوجيات هي مارغريت ميد Margaret Mead. نشرت ميد كتابها الأوّل «بلوغ سنّ الرشد في ساموا Coming of Age in Samoa » عام 1928 عندما كانت لمّا تزل في الـ26. كان أحد الكتب الأكثر مبيعاً، وظلّت ميد لـ50 سنة عقب ذلك صوتاً تقدّمياً في النقاشات الوطنية التي تناولت موضوعات إشكالية شتى، ابتداءً من الجنس والمباحث الجندرية حتى السياسات النووية والبيئة وشرعنة تناول الماريغوانا (كانت تقف في صفّ الداعين لقبول هذه الشرعنة. دعونا لا ننسى كان هذا عام 1969!). اعتادت ميد كتابة عمود شهري في مطبوعة Redbook ذائعة الصيت التي كانت تقرأ من قبل الملايين، وظلّت تواظب على كتابة هذا العمود لـ16 عاماً متواصلة، كما ساهمت في تقديم المشورة لكثير من الوكالات الحكومية، وقدّمت شهادات عدّة أمام الكونغرس الأمريكي، وحاضرت في كثير من الموضوعات المختلفة أمام حضور متباين في توجهاته الثقافية حتى بلغ الأمر بمجلّة Time الأمريكية واسعة الانتشار عالمياً أن تصفها «أمّ العالم». في العام 1979 - وهو العام الذي توفّيت فيه ميد - منحها الرئيس جيمي كارتر وسام الحرية.
تعيشُ ميد في الذاكرة الجمعية باعتبارها «أيقونة» بمعنى أنّ كثرة من الناس قد يعرفون اسمها، ولن يكونوا مندهشين إذا ما رأوا وجهها على طابع بريدي (مثلما حصل مرّة)؛ لكن ليس في مقدورهم إخبارنا أي شيء حول كتاباتها ومقولاتها، ولو وجد هؤلاء الناس أنفسهم مدفوعين لقول شيء إضافي عنها فسيكتفون بالقول إنها كانت شخصية ذات أهمية استثنائية في الحركة النسوية، وهم إذ يفعلون هذا الأمر فليسوا موضع ملامة لأنهم يخلطون بين الدور المحوري الذي لعبته ميد كنموذج ريادي في حقل الأنثروبولوجيا والثقافة العامة من جهة وبين رؤاها الخاصة من جهة أخرى.
التحقت ميد بكلية برنارد عام 1920 لدراسة اللغة الإنكليزية كتخصص رئيسي، ثم عملت على دراسة علم النفس كفرع دراسي رئيسي بالإضافة إلى اللغة الإنكليزية، وفي الوقت ذاته حضرت درساً أكاديمياً يتناول مقدّمة إلى الأنثروبولوجيا في سنتها الدراسية الأخيرة. التحقت ميد عقب ذلك ببرنامج دراسات عليا في جامعة كولومبيا، وقد اختارت العمل الحقلي في جزيرة ساموا لدراسة مرحلة البلوغ فيها بتشجيع حثيث من أستاذها فرانز بواس الذي كتب مقدّمة للكتاب الذي نشرته ميد عن الموضوع (كتاب «بلوغ سن الرشد في ساموا» المشار إليه أعلاه)، وقد أطلق هذا الكتاب بداياتها المهنية في هذا الحقل البحثي.
الأيقونة الأنثروبولوجية الثانية هي إيلّا ديلوريا Ella Deloria. ولِدت ديلوريا في محميّة بولاية داكوتا الجنوبية، وهي تنتمي لعائلة سيوكس Sioux ذائعة الصيت. كان والدها قساً يتبع الكنيسة الأسقفية، ووالدتها ابنة ضابط في الجيش الأمريكي ذي رتبة كبيرة. التحقت ديلوريا بكلية المعلّمين Teachers College ذائعة الصيت والتابعة لجامعة كولومبيا، وتخرّجت منها عام 1915، وفي سنتها الأخيرة بهذه الكلية تلقّت استدعاءً من أستاذها فرانز بواس (الأب المؤسس للأنثروبولوجيا الثقافية) يطلب فيه منها الانضمام إلى مشروع طويل الأمد يعدُّ له ويسعى فيه لتسجيل كلّ اللغات البدائية الشائعة في أمريكا.
لم تكن ديلوريا طالبة رسمية لبواس في يوم من الأيام؛ لكنها مع هذا عملت مساعدة له وحضرت بعضاً من محاضراته (في كلية كولومبيا التي صارت جامعة فيما بعدُ)، وقد وظّفها بواس لتدقيق المعلومات الأولى التي جمعها اللغويون وعلماء الأجناس الأوائل الذين درسوا جماعة الهنود في السهول الأمريكية. لم يكن بواس مندهشاً إذ وجد أنّ معظم المعلومات التي جمعها هؤلاء اللغويون والأنثروبولوجيون كانت عديمة الفائدة. حصل عام 1941، وهي السنة التي سبقت وفاة بواس، أن نشر بواس بالاشتراك مع ديلوريا كتاباً بعنوان «قواعد داكوتا Dakota Grammar » الذي كان واحداً من أعمال قليلة ارتضى بواس طيلة حياته المهنية بالاشتراك بها مع أحد سواه.
الأنثروبولوجية الثالثة في قائمة الأسماء الأيقونية هي روث بندكت Ruth Benedict. كانت روث بندكت بين كلّ النساء اللواتي عملن برفقة بواس هي الأكثر صلة مهنية معه. حصلت بندكت على شهادة البكالوريوس، ثمّ أبدت ولعاً مميزاً بعلم الأنثروبولوجيا عندما تلقّت محاضرات بشأنه في المدرسة الجديدة التي أسسها بواس في كلية كولومبيا. التحقت بندكت ببرنامج الدراسات العليا في كولومبيا عام 1921، وبعد حصولها على شهادتها العليا أصبحت «القائدة لجيش بواس في قسم الأنثروبولوجيا في كولومبيا»، كما يقول زملاؤها الأنثروبولوجيون، وقد سعى بواس من جانبه لضمان حصولها على وظيفة أكاديمية ثابتة في كولومبيا، ونجح في مسعاه هذا. ارتقت بندكت في موقعها الأكاديمي حتى نالت مرتبة أستاذ مساعد آخر الأمر في كولومبيا عام 1931.
عندما تقاعد بواس من عمله الأكاديمي كانت بندكت العضو الأكثر شهرة بين الأعضاء الأكاديميين لقسم الأنثروبولوجيا في جامعة كولومبيا. كتاب بندكت الموسوم أنماط الثقافة Patterns of Culture (وهو دراسة أنثروبولوجية لـ3 جماعات بشرية مختلفة) كان قد نُشِر عام 1934 وأصبح واحداً من أكثر كتب الأنثروبولوجيا الأكاديمية مبيعاً حتى يومنا هذا؛ لكن برغم هذه السمعة الواسعة التي حازتها بندكت فقد ارتأت جامعة كولومبيا توظيف رجل (هو رالف لنتون Ralph Linton) ليشغل مرتبة الأستاذية الشاغرة، وهو شخصية علمية ناقدة لأعمال بندكت، ولم يحصل أن التقى الاثنان (بندكت ولنتون) في نقطة توفيقية وسطية بينهما حتى نهاية مهنتهما الأكاديمية.
نشرت بندكت عام 1946 كتابها الثاني الذي نال – كما كتابها الأوّل – شهرة عجيبة بين أوسع الحلقات الشعبية. كان عنوان الكتاب «زهرة الأقحوان والسيف The Chrysanthemum and the Sword »، وهو دراسة عن ثقافة اليابان. غادر لنتون جامعة كولومبيا تلك السنة، حينئذ رُقّيت بندكت لمرتبة الأستاذية الكاملة آخر الأمر عام 1948، وماتت عقب ذلك بشهرين متأثرة بنوبة قلبية مفاجئة وهي في الـ61.
الاسم الرابع في هذه القائمة هو زورا نيل هرستون Zora Neale Hurston. التحقت هرستون بكلية برنارد عام 1925 عندما كانت في الـ34 (لا أحد يعرف العمر الحقيقي لهرستون؛ إذ لطالما كذبت بشأن ذلك!)، وبعد تخرجها من الدراسة الأولية التحقت ببرنامج لدراسة الدكتوراه، وقضت فيه سنتين متتاليتين قبل أن تترك الدراسة فيه؛ لكنّها، وبتأثير مباشر من بواس، راحت بعد ذلك تجمع التفاصيل الخاصة بالفلكلور الأفريقي – الأمريكي السائد في منطقة وسط فلوريدا حيث نشأت هناك. نشرت هرستون نتائج عملها عام 1935 في كتاب بعنوان «بغالٌ وحمير Mules and Men» مع مقدّمة له كتبها بواس؛ لكنّ الأهمية الحقيقية لهذا العمل تكمن في أنّه وفّر لها المادة الضرورية للتمثيل المدهش لطريقة الكلام الإفريقية – الأمريكية في روايتها الوحيدة «كانت عيونهم ترقبُ الرب Their Eyes Were Watching God » نُشِرت هذه الرواية عام 1937؛ لكنها اختفت شيئاً فشيئاً من المشهد الروائي الأمريكي والعالمي، ثمّ حدث أن «أعيد اكتشاف» هذه الرواية في سبعينات القرن العشرين، وهي اليوم نصٌّ أساسي في المقررات الدراسية الخاصة بالأدب الإنكليزي.
كانت هرستون عنصراً فاعلاً في حركة نهضة هارلم Harlem Ranaissance التي سعت لإحياء ثقافة الأمريكيين السود في حقول الموسيقى والفن والرقص والموضة والأدب والمسرح والسياسة في عشرينات وثلاثينات القرن العشرين، بعد أن جعلت حيّ هارلم النيويوركي قاعدة لانطلاقتها، كما كانت هرستون باحثة كوسموبوليتانية (عالمية) كتبت روايتها «كانت عيونهم ترقبُ الرب» لأنها أرادت أن تقدّم للقرّاء الأمريكيين الشماليين طريقة في الحياة قلّما مرّت أطيافها بالعقلية الأمريكية الشمالية التي تصوّرت أنّ الأمريكيين الأفارقة يعيشون بسعادة في الجنوب الأمريكي، رغم عدم وجود أي صلة ثقافية لهم بالبيض هناك.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.