باريس: «محادثات بروكسل» لا يمكن أن تحل مكان «مفاوضات فيينا»

مصادر أوروبية: هذه أسباب المماطلة الإيرانية

جانب من مباحثات فيينا النووية (أرشيفية - رويترز)
جانب من مباحثات فيينا النووية (أرشيفية - رويترز)
TT

باريس: «محادثات بروكسل» لا يمكن أن تحل مكان «مفاوضات فيينا»

جانب من مباحثات فيينا النووية (أرشيفية - رويترز)
جانب من مباحثات فيينا النووية (أرشيفية - رويترز)

ما الذي تغير بين تصريحات نواب إيرانيين أول من أمس نقلاً عن وزير خارجية بلادهم حسين أمير عبد اللهيان حول لقاءات مرتقبة يوم الخميس المقبل بين وفد إيراني وممثلين عن مجموعة «4+1»؛ أي الأوروبيين الثلاثة وروسيا والصين، إضافة إلى ممثل عن الاتحاد الأوروبي في بروكسل، ثم نفي «الاتحاد» حدوث اجتماع كهذا؟ وما الذي كان يعنيه «وزير» خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أمس، بقوله إن «الأمور تتحسن، وآمل أن تحدث اجتماعات تحضيرية في الأيام المقبلة في بروكسل، ولكن لست متأكداً من ذلك»؟
حتى مساء أمس، لم تتضح الأمور؛ فمن جهة اكتفى الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، بالقول إن أحد النواب «فهم خطأ» ما قاله عبد اللهيان وإن اجتماعات «بروكسل» ستكون استكمالاً للمحادثات التي حدثت في طهران بين الموفد الأوروبي إنريكي مورا ونائب وزير الخارجية علي باقري. ومن جهة ثانية، كان بوريل نفسه، وأيضاً الناطقة باسمه، غير قادرين على تحديد موعد الاجتماع «الثنائي»؛ الأمر الذي يدل على وجود نوع من البلبلة والغموض وربما يؤشر لضغوط غيرت شكل المشاورات المرتقبة في بحر هذا الأسبوع. كذلك تتعين الإشارة إلى أن الغموض تمدد إلى الأطراف الأخرى؛ إذ أعلنت الخارجية الفرنسية أمس أنها «ليست على علم» باجتماع سيجري بين قسم العلاقات الخارجية الأوروبي وبين إيران، وهو أمر يثير الدهشة؛ لأن اجتماعاً كهذا سيكون بطبيعة الحال مركزاً على الملف النووي الذي تشارك فيه باريس كما برلين ولندن. واللافت أيضاً أن الخارجية الفرنسية نبهت إلى أن «أي محادثات لا يمكن أن تحل محل (مفاوضات فيينا) التي تشارك فيها الأطراف الموقعة على الاتفاق النووي والولايات المتحدة». ومرة أخرى انتقدت باريس مماطلة طهران وذكرت أن «محادثات فيينا»؛ التي استضافت 6 جولات من المفاوضات غير المباشرة بين واشنطن وطهران علقت بناء على طلب الجانب الإيراني منذ 4 أشهر، ودعت لاستئنافها فوراً. وحتى اليوم، لا تاريخ محدداً لاستئنافها.
حقيقة الأمر أن الجانب الأوروبي لا يعرف كثيراً عن الخطط الإيرانية؛ لا زمنياً ولا لجهة ما تتمسك به طهران للعودة إلى «فيينا». وترى مصادر أوروبية أن رفض إيران حتى اليوم الاستجابة لدعوات استئناف المفاوضات يستهدف إصابة أهداف عدة؛ أولها قطعاً «إفهام الجانب الأميركي أن طهران قادرة على الانتظار وعلى تحمل العقوبات لفترة أطول إذا كان ذلك يمكنها من العودة إلى (فيينا) من موقع أقوى». وتضيف هذه الأوساط أن التهديدات الأميركية «والإسرائيلية» بأن «نافذة التفاوض لن تكون مفتوحة إلى الأبد» وأن واشنطن «يمكن أن تدرس خيارات بديلة» لا تخيفها. وثمة 3 عوامل وراء ذلك: الأول، اقتناعها أن واشنطن لن تغامر عسكرياً فيما هي قد انسحبت من أفغانستان بشكل كارثي وبصدد تخفيف حضورها العسكري في المنطقة. والثاني قدرتها على «تشغيل» روافدها وامتداداتها العسكرية من العراق إلى سوريا ولبنان وربما الخليج أيضاً والتهويل بها للجم الخيار العسكري. أما العامل الثالث؛ فاقتصادي؛ إذ إنها ترى أن استدارتها شرقاً نحو الصين وروسيا وانضمامها إلى «منظمة شنغهاي للتعاون» سيوفر لها إمكانية التغلب على العقوبات الأميركية. والمحصلة أن السلطات الإيرانية واثقة بأن لديها مزيداً من «الوقت الضائع» للذهاب ببرنامجها النووي أبعد مما وصل إليه وإلى مراكمة أوراق الضغط في حوزتها.
ما يتخوف منه الغربيون أن تعود طهران إلى طاولة المفاوضات حاملة لائحة من المطالب التي يصعب التجاوب معها. من هنا، إشارة باريس إلى أن المفاوضات «يجب أن تستأنف حيث توقفت في يونيو (حزيران) الماضي بحيث يتم التوصل إلى اتفاق سريعاً وتعود إيران للعمل بالتزاماتها وكذلك عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق». ومرة أخرى، دعت باريس طهران إلى «وضع حد لأنشطتها بالغة الخطورة والمنتهكة للاتفاق، وأن تعود للتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة بشكل تام وكامل»، وهو ما ترفضه طهران حتى اليوم وتربطه بالتوصل إلى اتفاق مع الأطراف المفاوضة.
نهاية الأسبوع الماضي، نقل عن مسؤول أوروبي أن طهران «ليست بعد جاهزة» لمعاودة المفاوضات رغم مرور ما يزيد على مائة يوم على الانتخابات الرئاسية والاتفاق الداخلي على أن تتولى وزارة الخارجية التفاوض بإشراف مجلس الأمن القومي ورغم إعلان عبد اللهيان، إبان وجوده في بيروت مؤخراً، أن السلطات الإيرانية اقتربت من الانتهاء من مراجعة الملف النووي؛ لا بل إن «المفاوضات ستستأنف قريباً» وربما نهاية الشهر الحالي. والحال أن القاموس الدبلوماسي الإيراني يبدو مختلفاً عن القواميس العالمية؛ لأن إنريكي مورا الذي زار طهران الخميس الماضي لم يحصل على إجابة واضحة حول موعد العودة إلى المفاوضات وفهم منه أن هناك ملفات عدة تريد طهران التأكد مسبقاً من كيفية الرد الأميركي عليها؛ وأهمها 4: ضمانات بامتناع واشنطن عن الخروج مجدداً من أي اتفاق قادم على غرار ما قامت به إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، والامتناع عن مطالبة إيران بإدخال فقرة على الاتفاق تفتح الباب أمام مناقشة لاحقة لبرنامجها الباليستي ولسياستها الإقليمية، والتأكد من أن واشنطن سترفع العقوبات كافة المفروضة عليها، وأخيراً مطالبتها ببادرة حسن نية مثل الإفراج عن المليارات العشرة العائدة لإيران والمحتجزة لديها أو السماح لأطراف أخرى (مثل كوريا الجنوبية) بأن تعيد لطهران قيمة المبيعات النفطية المجمدة لديها. وليس واضحاً أن واشنطن جاهزة للتجاوب مع هذه المطالب أو أنها ستعطي حكومة إبراهيم رئيسي ما لم تعطه حكومة حسن روحاني، خصوصاً أن ضغوطاً داخلية وخارجية تمارس عليها من أجل اعتماد سياسة متشددة مع طهران.



فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
TT

فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)

لا تشذ فرنسا في مقاربتها للملف السوري عن غيرها من الدول الأوروبية وغير الأوروبية وتتأرجح مواقفها بين الرغبة في الإقدام على الدخول بتفاصيله، والتروي بانتظار أن يتضح المشهد السوري وما تريده السلطة الجديدة وعلى رأسها «هيئة تحرير الشام» بقيادة أحمد الشرع (المكنى سابقاً أبو محمد الجولاني).

كذلك تريد باريس تنسيق مواقفها وخطواتها مع شريكاتها في الاتحاد الأوروبي رغم أن الدول المعنية ليست كلها منخرطة في الملف السوري بمقدار انخراط باريس أو برلين أو مدريد، وأفادت الخارجية الفرنسية بأن الملف السوري سيكون موضع مناقشات بين وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين المقبل.

ما تقوله المصادر الفرنسية، يُبين أن باريس، كغيرها من العواصم، «فوجئت» بسرعة انهيار النظام الذي تصفه بأنه «نظام قاتل» مسؤول عن وفاة 400 ألف شخص وكل يوم يمر يكشف عن المزيد من «فظاعاته»، فضلاً عن أنه أساء دوماً للمصالح الفرنسية خصوصاً في لبنان، ولم يحارب الإرهاب بل «شجعه» كما دفع ملايين السوريين إلى الخارج.

وتعدّ فرنسا أن سقوط نظام بشار الأسد شكل «مفاجأة»؛ إلا أنه شكل «بارقة أمل» للسوريين في الداخل والخارج، ولكنها مُكَبّلة بعدد كبير من التحديات والمخاطر؛ منها الخوف من «تمزق» سوريا، وأن تمر بالمراحل التي مر بها العراق وليبيا سابقاً، وأن تشتعل فيها حرب طائفية ونزاعات مناطقية وتنشط مجموعات «إسلاموية وجهادية»، وتدخلات خارجية، وأن تنتقل العدوى إلى لبنان كما حصل في السنوات 2015 و2016.

ملاحظات باريسية

وإزاء مفردات خطاب «معتدلة» تصدر عن أحمد الشرع والهيئة التي يرأسها وعلى ضوء صورة الحكومة الانتقالية التي رأت النور برئاسة محمد البشير، تتوقف باريس عند عدة ملاحظات: الأولى، اعتبار أن ما جرى «يفتح صفحة جديدة»، وأن الهيئة المذكورة لم ترتكب تجاوزات كبرى واعتمدت حتى اليوم خطاباً «معتدلاً» ووفرت ضمانات «كلامية»؛ إلا أن ما يهم فرنسا، بالدرجة الأولى، «الأفعال وليست الأقوال».

وما تريده باريس عميلة انتقال سلمي للسلطة وأن تضم جميع المكونات وأن تحترم الحقوق الأساسية للمواطنين والأديان والطوائف، وأحد معاييرها أيضاً احترام وضع النساء وحقوقهن، كذلك، فإن باريس ستعمل لأجل هذه الأهداف مع الشركاء العرب وأيضاً مع تركيا وإسرائيل.

بيد أن فرنسا لا تريد لا الإسراع ولا التسرع، وإن كانت تتأهب لإرسال مبعوث إلى سوريا يرجح أن يكون الدبلوماسي جان فرنسوا غيوم، لكنها تستبعد الاعتراف السريع بالسلطات الجديدة.

وأكدت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان صادر عنها الخميس أن باريس ترى أنه «من السابق لأوانه في هذه المرحلة مناقشة رفع العقوبات المفروضة» على سوريا.

وكان وزير الخارجية المستقيل، جان نويل بارو، قد أجرى محادثات مع بدر جاموس، رئيس لجنة المفوضات السورية ومع ممثلين عن المجتمع المدني.

وقال بيان رسمي إن بارو ومحدثيه «عبروا عن الالتزام بتحقيق انتقال سياسي سلمي يشمل الجميع ويتماشى مع القرار 2254 الصادر عن الأمم المتحدة، يحمي المدنيين والحقوق الأساسية والأقليات».

كذلك أشار إلى «الاتفاق على أهمية الحفاظ على مؤسسات الدولة واحترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها»، فضلاً عن «الإعراب عن قلقهم إزاء مخاطر التشرذم وانعدام الاستقرار والتطرّف والإرهاب، وضرورة استنفار الطاقات السورية والدولية من أجل تحاشيها».

اللاجئون

أما بالنسبة لملف عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، فإن باريس تقول إنها ليست من يقول لهؤلاء بالعودة أو بالامتناع عنها. إلا أنها بالمقابل تعدّ الشروط الضرورية لعودتهم مثل الأمن والعودة الكريمة «ليست متوافرة» رغم سقوط النظام القديم وقيام نظام جديد.

وتتوافق المواقف الفرنسية مع تلك التي صدرت عن مجموعة السبع، الخميس، التي أبدت الاستعداد لدعم عملية انتقالية في إطار يؤدي إلى حكم موثوق وشامل وغير طائفي في سوريا، مذكرة بأن العملية الانتقالية يجب أن تتسم بـ«احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان العالمية، بما في ذلك حقوق المرأة، وحماية جميع السوريين، بمن في ذلك الأقليات الدينية والعرقية، والشفافية والمساءلة».

لاجئون سوريون في تركيا يسيرون نحو المعبر الحدودي بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد (د.ب.أ)

وضمن هذه الشروط، فإن مجموعة السبع ستعمل مع أي حكومة سورية مستقبلية تلتزم بهذه المعايير وتكون نتاج هذه العملية وتدعمها بشكل كامل.

وبينما تقضم إسرائيل أراضي سورية، وتدفع تركيا بالقوات التي ترعاها في الشمال الشرقي إلى مهاجمة مواقع «قسد»، فإن مجموعة السبع دعت «الأطراف كافة» إلى الحفاظ على سلامة أراضي سوريا ووحدتها الوطنية واحترام استقلالها وسيادتها.

ومن جانب آخر، وفي الكلمة التي ألقتها بعد ظهر الخميس بمناسبة «القمة الاقتصادية الخامسة لفرنسا والدول العربية» التي التأمت في باريس، عدّت آن غريو، مديرة إدارة الشرق الأوسط والمغرب العربي في الخارجية الفرنسية، أن الوضع اليوم في المنطقة «بالغ التعقيد» في قراءتها للتطورات الأخيرة في سوريا وللوضع في الشرق الأوسط، وأن المنطقة «تشهد تحركات تكتونية» (أي شبيهة بالزلازل).

وتعتقد غريو أن هناك «حقيقتين» يتعين التوقف عندهما بشأن سوريا: الأولى عنوانها «انعدام اليقين»، والعجز عن توقع التبعات المترتبة على هذه التطورات ليس فقط في المنطقة ولكن أيضاً في الجوار الأوروبي، إذ إن المنطقة «تسير في أرض مجهولة» وتشهد تغيرات جيوسياسية رئيسية.

و«الحقيقة» الثانية عنوانها السرعة الاستثنائية التي تحصل فيها هذه التغيرات، مشيرة إلى أنه في عام واحد حصلت حرب غزة وحرب لبنان والحرب بين إسرائيل وإيران وانهيار النظام السوري، وهي تطورات غير مسبوقة، لا في أهميتها وتبعاتها ولا في زمنيتها.