«دعاة المدنية» يعدون مواكب «ردع» في الخرطوم والولايات الخميس

اعتصامات أمام القصر الرئاسي لأنصار الجيش للتفويض وحل الحكومة

متظاهرون مؤيدون للمكون العسكري في مجلس السيادة بأحد شوارع الخرطوم لليوم الثاني أمس (أ.ف.ب)
متظاهرون مؤيدون للمكون العسكري في مجلس السيادة بأحد شوارع الخرطوم لليوم الثاني أمس (أ.ف.ب)
TT

«دعاة المدنية» يعدون مواكب «ردع» في الخرطوم والولايات الخميس

متظاهرون مؤيدون للمكون العسكري في مجلس السيادة بأحد شوارع الخرطوم لليوم الثاني أمس (أ.ف.ب)
متظاهرون مؤيدون للمكون العسكري في مجلس السيادة بأحد شوارع الخرطوم لليوم الثاني أمس (أ.ف.ب)

يشهد السودان منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة، الشهر الماضي، حالة من الشحن والتوتر «الخطيرين» عطلت دولاب الدولة، وزادت الشقة بين المكونين العسكري والمدني وأنصار الطرفين. ولم يفلح خطاب رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الأخير في إطفاء شرارتها تماماً، وإن خفف من ضراوة اشتعالها، في وقت فشلت فيه محاولة نظمها مؤيدون للعسكر للإطاحة بالحكومة المدنية، وفي المقابل، نشط مؤيدو المدنية لتسيير مواكب مضادة للإجهاز على محاولات إجهاض الانتقال الديمقراطي.
ونظمت مجموعة من مناصري العسكريين أول من أمس موكباً للمطالبة بحل الحكومة الانتقالية، أو صدور بيان «عسكري»، على شاكلة انقلاب مدني، ثم طوروا الموكب إلى اعتصام مدعوم مستمر، ما زاد من حدة التوتر، وشكل استفزازاً كبيراً للمعسكر الداعم للمدنية وإنجاح الانتقال، فسارعوا إلى إعلان مواكب مليونية يمكن أن يطلق عليها مواكب «الردع»، الخميس المقبل.
وقال عضو لجنة الميدان شريف محمد عثمان لـ«الشرق الأوسط»، إن مواكب دعم المدنية والانتقال ستبدأ غداً بقطار من الثوار إلى مدينة ود مدني (وسط) لإقامة نشاط هناك، بعد اكتمال التجهيزات الفنية للموكب المليوني، الذي سيخرج بشعارات تندد بمحاولة الانقلاب على المدنية ودعم الانتقال، وأن دعوة المواطنين للمشاركة في الموكب ستتم عبر كل وسائل التواصل.
وتتكون المجموعة المدعومة من العسكريين في مجلس السيادة وقوات الدعم السريع، بشكل رئيسي من «حركة العدل والمساواة»، برئاسة وزير المالية جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان»، برئاسة حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، بجانب أنصار نظام الإسلاميين المطاح به، والمتضررين من الثورة الشعبية، والانتقال المدني، وتتمثل مطالبهم المعلنة حل الحكومة الانتقالية وتكوين حكومة كفاءات، بيد أن بعض قادتها، وأبرزهم التوم هجو، هتف مردداً: «لن نطلع حتى البيان يطلع»، وهي إشارة لبيان عسكري يحل الحكومة، فيما هتف آخرون بصراحة: «بيان بيان يا برهان»، وهي مطالبة صريحة بتسلم العسكر للحكم في البلاد، والإطاحة بحكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك.
وأعلن عثمان أن المواكب المساندة للمدنية ستشمل كل ولايات ومدن السودان، وأضاف: «اليوم (أمس)، سيضع اجتماع تنسيقيات (قوى إعلان الحرية والتغيير) اللمسات الأخيرة للمواكب، بعد حضور ممثليه من كل أنحاء البلاد»، وتابع: «هناك تنسيق تام مع لجان المقاومة، والكيانات المهنية ولجان التسيير، التي أعلنت حتى أمس نحو 43 منها مشاركتها في المواكب».
وقال المحلل السياسي الجميل الفاضل لـ«الشرق الأوسط» إن ما حدث نهار أول من أمس، موكب يشبه المظاهرات التي درج النظام المعزول على تصنيعها عبر التحشيد «الغوغائي» لخلق صورة ذهنية بأن هناك أعداداً كبيرة من المؤيدين الذين يتم جلبهم باحترافية ينفذها وسطاء لا يمتون لفكرة الموكب بصلة، وأضاف: «تبدى هذا واضحاً في نوعية الهتافات والشعارات التي تم تلقينها للمحتشدين».
وقدرت تقارير صحافية محلية وعالمية أعداد المشاركين في الموكب بالآلاف، بينما تمسك منظموه بأنه «موكب حاشد»، وحسب حسابات «الشرق الأوسط»، فإن عدد المشاركين كان في حدود 3 - 4 آلاف، ثم تراجع العدد عند الاعتصام إلى أقل من خمسمائة معتصم.
وأشار الفاضل إلى أن حجم الإنفاق الكبير على الموكب في شكل معدات لوجيستية وسيارات وخدمات للمتظاهرين، مقرونة بعدم الحماس اللافت لدى المشاركين يكشف أنها «مواكب مصنوعة» بكثير من المال، وأضاف: «هناك روايات مسنودة إلى من يراقبون المشهد، كشفت أساليب الترغيب التي استخدمت مع تم تجميعهم وسط الخرطوم».
وقال إن السلطات الأمنية والعسكرية تعاملت مع الموكب بشكل مختلف تماماً عن تعاملها مع كل المواكب السابقة، سواء أثناء الثورة أو بعد انتصارها، مع قوى الثورة أو مع غيرها، وأضاف: «أزالت المتاريس الموضوعة تقليدياً في المناطق الحساسة لفتح الطرقات أمام المشاركين، وأتاحت لهم شوارع القصر الجامعة والقيادة العامة، وهي شوارع درجت على إغلاقها لمجرد الحديث عن موكب».
واعتبر الفاضل «فتح الأبواب على مصراعيها» تعزيزاً لفكرة أن المكوّن العسكري له مصلحة في وصول هذه المواكب إلى المكان الأكثر أهمية وحساسية في البلاد - القصر الرئاسي - والتظاهر أمامه، ونصب خيام لإيواء المعتصمين في باحته مباشرة، ونصب منصات الخطابة، ما يؤكد توفير ضمانات للمتظاهرين، بعدم وضع عوائق أمامهم.
وقال الفاضل إن المجموعات التي شاركت في الموكب لا تحمل فكرة أو رؤية محددة للدفاع عنها، ويغلب عليها أنهم مواطنون غير معنيين بالنشاط السياسي، غالبهم من أطفال قصر وتلاميذ خلاوي القرآن ممن لا يدخل العمل السياسي ضمن نطاق اهتماماتهم بطبيعة السن، فضلاً عن نساء في أعمار كبيرة، بينهن مرضعات، ورجال كبار في السن، مع ضعف تمثيل ومشاركة الشباب، وأضاف: «وهذا يرجّح فرضية أن هذه المجموعات أتت لمصالح ضيقة تم تقديمها لهم».
ويرجح الفاضل أن يكون من بين المشاركين مجندون في الحركات المسلحة، أو من القوات النظامية أو أفراد الدعم السريع بثياب مدنية لدعم الموكب، وقال: «تصريحات القيادي في المجموعة التوم هجو قبل يوم من الموكب، التي قال فيها إن «من يتظاهرون عسكريون ومقاتلون» تؤكد ذلك.
ودرج المكوّن العسكري على إغلاق كل الطرق التي تؤدي للأماكن الحساسة، بمجرد سماعه بأن هناك تحركاً احتجاجياً (قيادة الجيش، القصر الرئاسي)، واستخدام القوة لمنع المحتجين من الاقتراب منها، وقد منع الخميس الماضي موكباً نظمه المحامون السودانيون لتسليم مذكرة لمجلس السيادة من الاقتراب من القصر الرئاسي، وفرض حوله سياجاً من رجال الجيش، وأغلقت الطريق المؤدي إليه، وقال الفاضل: «هذا الكيل بمكيالين يؤكد فرضية أن المجموعة هذه وصلت إلى القصر الرئاسي بتنسيق مع المكون العسكري في مجلس السيادة».
وقال الفاضل إن خطاب رئيس الوزراء عبد الله حمدوك غداة تسيير الموكب أحبط فكرة إحلال مرجعية سياسية بديلة لـ«قوى إعلان الحرية»، والتغيير بالاسم ذاته، وحليفة للعسكريين، ما أكد أن حمدوك لم يكن ضمن السيناريو الذي تم الترويج له عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فتعقدت فرص واحتمالات تحقيق الموكب لأهداف والوصول للنتيجة التي كان يرغب فيها مَن رتبوه.
وأوضح أن منصب رئيس الوزراء وصلاحياته بصفته المسؤول الأعلى في الدولة، وفقاً للوثيقة الدستورية، حال دون تنفيذ المخطط الذي كان يرتب له المكون العسكري في مجلس السيادة ذات الطابع التشريفي الرمزي، وقال: «أي إجراء يتجاوز رئيس الوزراء يعني العودة لنقطة البدء، 17 أغسطس (آب) 2019، قبيل توقيع الوثيقة الدستورية».
ورأى الفاضل أن أي إجراء منفرد من رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان يعيد البلاد لمرحلة ما قبل التوافق السياسي، ويلغي المشروعية التي منحها له، ونقلته من انقلاب عسكري إلى حكومة ثورة، وما قد ينتج عنه من مواقف محلية وإقليمية ودولية.
وتابع: «أي إجراء منفرد لرئيس مجلس السيادة استجابة لضغوط مجموعة الميثاق الوطني، سيعود لتصنيف الوضع السياسي في البلاد بأنه انقلاب عسكري».
وقطع بأن البلاد والجنرالات لا تحتمل تبعات انقلاب عسكري في هذا التوقيت الحرج، خصوصاً أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قد أعلن صراحة تأييد حكومته لخريطة طريق رئيس الوزراء، واعتبارها مخرجاً من الأزمة يجب الالتزام به، وبيان السفارة الأميركية في الخرطوم، الذي أوضحت فيه بلا مواربة التزام واشنطن بدعم القوى المؤيدة للانتقال المدني الديمقراطي.
ولمح الفاضل إلى وجود تباينات داخل المكون العسكري في مجلس السيادة حول الأزمة، بقوله: «لا أعتقد أن جنرالات مجلس السيادة على قلب رجل واحد تجاه هذه الأزمة، ما يحد من قدرة من صنعوا الحراك للانتقال به إلى منتهاه المقرر له وفقاً لهذه المعطيات جميعها».



حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
TT

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)

فرضت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية إتاوات جديدة على مُلاك مناجم الحجارة وسائقي ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى؛ ما تَسَبَّبَ أخيراً في ارتفاع أسعارها، وإلحاق أضرار في قطاع البناء والتشييد، وزيادة الأعباء على السكان.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات حوثية تُدير شؤون هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، فرضت زيادة سعرية مفاجئة على ناقلات الحصى تتراوح ما بين 300 و330 دولاراً (ما بين 160 ألفاً و175 ألف ريال) لكل ناقلة.

ووصل إجمالي السعر الذي يُضطر مُلاك مناجم الحجارة وسائقو الناقلات إلى دفعه للجماعة إلى نحو 700 دولار (375 ألف ريال)، بعد أن كان يقدر سعرها سابقاً بنحو 375 دولاراً (200 ألف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ 530 ريالاً.

مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

وتذهب الزيادة المفروضة، وفقاً للمصادر، لمصلحة أحد المشرفين الحوثيين، الذي يُكنى بـ«الجمل»، ويواصل منذ أيام شن مزيد من الحملات التعسفية ضد مُلاك كسارات وسائقي ناقلات بصنعاء وضواحيها، لإرغامهم تحت الضغط والترهيب على الالتزام بتعليمات الجماعة، وتسديد ما تقره عليهم من إتاوات.

واشتكى مُلاك كسارات وسائقو ناقلات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات الابتزاز الحوثي لفرض الزيادة المفاجئة في أسعار بيع ونقل الخرسانة المستخدمة في البناء والتشييد، ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.

وقال بعضهم إن الجماعة لم تكتفِ بذلك، لكنها فرضت إتاوات أخرى عليهم تحت أسماء متعددة منها تمويل تنظيم الفعاليات بما تسمى ذكرى قتلاها في الحرب، ورسوم نظافة وتنمية مجتمعية وأجور مشرفين في الجماعة بذريعة تنفيذ الرقابة والمتابعة والإشراف على السلامة البيئية.

وتحدث مالك كسارة، اشترط إخفاء اسمه، عن لجوئه وآخرين يعملون في ذلك القطاع، لتقديم عدة شكاوى لسلطة الانقلاب للمطالبة بوقف الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، لكن دون جدوى، وعدّ ذلك الاستهداف لهم ضمن مخطط حوثي تم الإعداد له مسبقاً.

الإتاوات الجديدة على الكسارة وناقلات الحصى تهدد بإلحاق أضرار جديدة بقطاع البناء (فيسبوك)

ويتهم مالك الكسارة، المشرف الحوثي (الجمل) بمواصلة ابتزازهم وتهديدهم بالتعسف والإغلاق، عبر إرسال عناصره برفقة سيارات محملة بالمسلحين لإجبارهم بالقوة على القبول بالتسعيرة الجديدة، كاشفاً عن تعرُّض عدد من سائقي الناقلات خلال الأيام الماضية للاختطاف، وإغلاق نحو 6 كسارات لإنتاج الحصى في صنعاء وضواحيها.

ويطالب مُلاك الكسارات الجهات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل لوقف التعسف الحوثي المفروض على العاملين بذلك القطاع الحيوي والذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من قطاع البناء والتشييد الذي يحتضن عشرات الآلاف من العمال اليمنيين.

وسبق للجماعة الحوثية، أواخر العام قبل الفائت، فتح مكاتب جديدة تتبع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لها، في أغلبية مناطق سيطرتها بغية التضييق على مُلاك الكسارات وسائقي ناقلات الحصى، ونهب أموالهم.

وأغلقت الجماعة الحوثية عبر حملة استهداف سابقة نحو 40 كسارة في محافظات صنعاء وعمران وحجة وإب والحديدة وذمار، بحجة مخالفة قانون المناجم، رغم أنها كانت تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظِّمة لهذا القطاع.

إتاوات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة (فيسبوك)

وسبق أن فرضت الجماعة في ديسمبر (كانون الأول) من العام قبل الماضي، على مُلاك المناجم في صنعاء وبقية المناطق رسوماً تقدر بـ 17 دولاراً (8900 ريال) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، والذي كان يباع سابقاً بـ5 دولارات ونصف الدولار (2900 ريال) فقط.

وتفيد المعلومات بإقدامها، أخيراً، على مضاعفة الرسوم المفروضة على سائقي ناقلات الحصى، إذ ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة بحجم 16 متراً، من 181 دولاراً (64 ألف ريال)، إلى 240 دولاراً (128 ألف ريال)، في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 750 دولاراً، (400 ألف ريال).