عقاريون: لا «مؤشرات» لانخفاض سريع في أسعار الأراضي والإيجارات في السعودية

على خلفية القرار الحكومي بفرض رسوم على الأراضي البيضاء

عقاريون: لا «مؤشرات» لانخفاض سريع في أسعار الأراضي والإيجارات في السعودية
TT

عقاريون: لا «مؤشرات» لانخفاض سريع في أسعار الأراضي والإيجارات في السعودية

عقاريون: لا «مؤشرات» لانخفاض سريع في أسعار الأراضي والإيجارات في السعودية

استبعد مختصون في المجال العقاري، أن تشهد أسعار الإيجارات في السعودية، خصوصا في المدن الكبرى، انخفاضا كبيرا خلال الأشهر القليلة المقبلة، وذلك تفاعلا مع القرار الحكومي الذي وافق عليه مجلس الوزراء بفرض رسوم على الأراضي البيضاء داخل الأحياء السكنية أو العمرانية.
وقال المختصون: «هناك من يتحدث عن الشأن العقاري دون خبرة أو تجربة، بل من باب الأماني وليس التحليلات المنطقية لأرض الواقع، والمشكلة أن هناك من يعتبر هذه التحليلات بمثابة الأمر المؤكد والمحسوم، وبالتالي تتعطل الكثير من المشروعات الشخصية انتظارا لتحقق توقعات جرى تداولها عبر منصات إعلامية أو حتى عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي لا تعد بأي حال من الأحوال من المصادر الموثوقة لصعوبة التحقق من الشخصيات فيها».
في المقابل بات مشروع تطبيق نظام (أجار) الذي أقرته وزارة الإسكان واعتمده مجلس الشورى منذ قرابة العام، مهددا بالإلغاء أو على الأقل التأجيل إلى حين إصدار وزير الإسكان الجديد الدكتور عصام بن سعيد قرارا إلحاقيا لتفعيل هذا النظام الذي كان ضمن خطة تطويرية قدمها الوزير السابق شويش الضويحي من أجل تنظيم هذا النوع من الاستثمار، بحيث يحفظ حق المالك والمستأجر من خلال تسديد المستأجر ما عليه من أجور عبر نظام (سداد) الإلكتروني كحال كثير من الخدمات الأخرى مثل الاتصالات والكهرباء والمخالفات الحكومية والرسوم لكثير من القطاعات الحكومية والخاصة.
كما أن هذا التطبيق كان له جانب أمني، بحيث يوفر قاعدة بيانات للأشخاص المطلوبين والملاحقين قانونيا والمتخلفين الدائمين عن سداد حقوق الآخرين، خصوصا في موضوع الإيجار، حيث إن إعفاء وزير الإسكان السابق جمد هذا المشروع حتى الآن.
وقال لـ«الشرق الأوسط»، خالد بارشيد رئيس اللجنة العقارية بغرفة الشرقية: «إن الحديث عن الانخفاض السريع لأسعار الإيجارات سواء للشقق أو الفيلات أو غيرها تفاعلا مع القرار الصادر - أخيرا - بشأن فرض رسوم على الأراضي البيضاء، يعتبر غير منطقي أبدا، حيث إن الآلية التي سيجري اعتمادها في تحصيل الرسوم على الأراضي البيضاء والمساحات التي يتوجب تحصيل رسوم عليها وغيرها من التفاصيل لم تقر بعد، لذا فإن استباق الأحداث بأن هناك انخفاضا سريعا للإيجارات سيحصل، لا يعتبر أمرا منطقيا، بل هو أماني أكثر منها واقعا.
وأضاف: «يمكن القول إنه حتى الحديث عن انخفاض عاجل في أسعار الأراضي لا يعد منطقيا، وهذا الأمر ينطبق عليه ما قلته بشأن الإيجارات، فبعد أن تقر الآلية لتحصيل الرسوم بكل تفاصيلها يمكن تقييم الوضع، نعم هناك تأثر مؤكد في أسعار الأراضي وحتى الإيجارات، ولكن متى؟.. هذا ما يحدده العرض والطلب والوضع على أرض الواقع وليس الأماني».
وتمنى ألا ينتظر من لديه مشروع سكني وجاهز لتنفيذه، حتى حدوث التوقعات بانخفاض الأسعار، لأن السكن والعقار بشكل عام لا يمكن أن يكون عبئا بل بالعكس يمثل مطلبا للجميع.
وعن موضوع تطبيق نظام (أجار) قال بارشيد: «لا أعتقد أن خطواته اكتملت.. وكان سيمثل نقلة كبيرة في عالم العقارات وتنظيم العلاقة بين المستثمر (المالك) والمستأجر، وهذا ما أتمنى أن يكون تفعيله من أولويات وزير الإسكان الجديد».
من جانبه، قال لـ«الشرق الأوسط» خالد المبيض رئيس مجلس إدارة شركة «بصمة» للاستثمار وإدارة الأملاك والتطوير العقاري التي تتخذ من العاصمة الرياض مقرا لها: «إنه لا توجد أي بوادر في الانخفاض السريع للعقارات والإيجارات وغيرها، وحتى الأراضي داخل الأحياء السكنية، حيث إن وضع آلية واضحة ومفصلة حول كيفية تحصيل رسوم الأراضي البيضاء داخل الأحياء السكنية هو المؤشر الرئيسي الذي يمكن أن يحدد هذا الانخفاض ونسبته، ولكن المؤكد أنه لن يكون سريعا كما يتصور كثيرون».
وأضاف المبيض: «هناك حاجة كبيرة لتطوير أراضي خام في جميع مناطق المملكة من أجل مواجهة الرغبة الكبيرة في إنهاء أزمة الإسكان، وبكل تأكيد لا يمكن أن ينخفض سعر أي منتج ما لم يكن متوافرا، والأراضي الجاهزة للمشروعات ليست وفيرة، بل إن هناك حاجة كبيرة لتطوير كثير من الأراضي حتى يرتفع المعروض وبالتالي ينخفض السعر».
وبيّن أن التمويل الذي يمكن أن تحصل عليه الأراضي لتنفيذ مشروعات سكنية على أطراف المدن أو حتى داخلها أحيانا يتوجب أن تكون الأراضي مطورة وتصلها الخدمات، ولا شك أن القرار الحكومي الذي صدر عن خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز بتخصيص 20 مليار ريال لتطوير البنى التحتية في المخططات السكنية سيكون له أثر إيجابي في هذا الجانب، والأهم أن يكون هذا الدعم الحكومي السخي يستغل بالصورة المناسبة.
وعن تطبيق مشروع (أجار) الذي اختيرت شركته للبدء في تطبيقه وتعميمه من قبل وزير الإسكان السابق شويش الضويحي وإمكانية تفعيله مجددا وتعميمه وأبرز الإيجابيات التي يمكن أن يساهم فيها هذا المشروع، قال المبيض: «بكل تأكيد كان هذا المشروع من المشروعات الكبرى وخُصصت ملايين الريالات لإنجازه».
وأضاف: «أما أبرز إيجابيات هذا المشروع فهو إيجاد منصة عقارية إلكترونية يجري من خلالها تداول العقار، وبالتالي يسهل الوصول إليه بالسعر المناسب الذي يتوافق مع وضع السوق العقارية، وهذا يعتبر نقلة لا يستهان بها».
وتمنع هذه الخطوة الخارجين عن القانون والمتخلفين من الإيفاء بالتزاماتهم من الانتقال من مكان لآخر بـ(الحيلة) واستغلال بعض الثغرات مما يهز وضع السوق العقارية ولا يفي بحقوق المستثمرين، كما أن هذا النظام يكشف عن المناطق أو الأحياء التي تكثر فيها الشقق الجاهزة للسكن.
كما أن العقد الإلكتروني بين المستثمر أو المالك وبين المستأجر يحق حقوق الجميع، لأن العقود الورقية العادية يمكن فقدانها في أي وقت، ولذا يكون العقد الإلكتروني هو المرجع دائما، وهناك كثير من الإيجابيات في هذا المشروع وأتمنى أن تستأنف مجددا خطواته ليلقى النجاح اللازم الذي سيخدم بكل تأكيد الوضع العقاري في المملكة.
وشدد المبيض، في ختام حديثه، على أهمية اعتماد الاستراتيجيات الممكن تنفيذها في وقت محدد وليس التعجل كي تحقق النتائج الإيجابية على أرض الواقع، فالاستراتيجيات تحتاج إلى تخطيط وصبر ودعم وليس أماني وآمالا دون وجود معطيات، مشيرا إلى أن هناك من يقوم بمقارنة بين سرعة العمل في بعض الوزارات وبين وزارة الإسكان رغم أن وزارة الإسكان وضعها مختلف وتحتاج مساحة واسعة للعمل ووقتا كافيا لتنفيذ استراتيجياتها.



الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
TT

الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)

منذ عام 2019، يشهد لبنان واحدة من أشد الأزمات الاقتصادية والمالية في تاريخه الحديث... أزمة تجاوزت نطاق الاقتصاد لتؤثر بشكل حاد في جميع جوانب الحياة، فقد أثقلت هذه الأزمة كاهل المواطن اللبناني، وأغرقت البلاد في دوامة من انهيار شامل للنظامين المالي والاقتصادي، بعد أن فقدت العملة المحلية أكثر من 95 في المائة من قيمتها. ونتيجة لذلك، تفشى التضخم بشكل غير مسبوق مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات إلى مستويات قياسية، في حين قفزت معدلات الفقر والبطالة بشكل دراماتيكي.

وفي خضم هذا الواقع المأساوي، شلّت الصراعات السياسية الحادة مؤسسات الدولة، فقد تعمقت الانقسامات إلى حد أن الحكومة أصبحت عاجزة عن اتخاذ خطوات حاسمة لمعالجة الأزمة جذرياً. ومع تفاقم الأوضاع، أضافت الحرب الأخيرة مع إسرائيل عبئاً جديداً على لبنان، مخلّفة خسائر بشرية ومادية هائلة قدّرها «البنك الدولي» بنحو 8.5 مليار دولار، وزادت من تعقيد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، فقد بات من الصعب تصور أي إمكانية لاحتواء أعبائها في غياب انتخاب رئيس للجمهورية.

المنصب الرئاسي والمأزق الاقتصادي

المنصب الرئاسي، الذي لا يزال شاغراً منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، يحمل للفائز به قائمة طويلة من التحديات الاقتصادية والمالية المتراكمة، التي باتت تهدد بنية الدولة وكيانها. فقد أدى غياب هذا المنصب إلى تعطيل عملية تشكيل الحكومة، مما جعل الدولة غير قادرة على التفاوض بجدية مع الجهات الدولية المانحة التي يحتاج إليها لبنان بقوة لإعادة إحياء اقتصاده، مثل «صندوق النقد الدولي» الذي يشترط إصلاحات اقتصادية ومالية جذرية مقابل أي دعم مالي يمكن أن يوفره.

وعليه؛ فإن انتخاب رئيس جديد للجمهورية يمثل أولوية ملحة ليس فقط لاستعادة الثقة المحلية والدولية، بل أيضاً ليكون مدخلاً أساسياً لبدء مسار الإصلاحات التي طال انتظارها.

ومن بين أبرز هذه التحديات، ملف إعادة الإعمار، الذي تُقدر تكلفته بأكثر من 6 مليارات دولار، وفق موقع «الدولية للمعلومات»، وهو عبء مالي ضخم يتطلب موارد هائلة وجهوداً استثنائية لتأمين التمويل اللازم.

لكن عملية إعادة الإعمار ليست مجرد عملية تقنية لإصلاح البنية التحتية أو ترميم الأضرار، بل هي اختبار حقيقي لقدرة الدولة على استعادة مكانتها وتفعيل دورها الإقليمي والدولي. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة إلى رئيس يتمتع برؤية استراتيجية وشبكة واسعة من العلاقات الدولية، وقادر على استخدام مفاتيح التواصل الفعّال مع الدول المانحة والمؤسسات المالية الكبرى. فمن دون قيادة سياسية موحدة تتمتع بالصدقية، فستبقى فرص استقطاب الدعم الخارجي محدودة، خصوصاً أن الثقة الدولية بالسلطات اللبنانية تعرضت لاهتزاز كبير في السنوات الأخيرة بسبب سوء الإدارة وغياب الإصلاحات الهيكلية.

مواطنون وسط جانب من الدمار الناجم عن الغارات الجوية الإسرائيلية بمنطقة الشويفات (رويترز)

فرصة محورية لإحداث التغيير

كما يأتي انتخاب رئيس للجمهورية يوم الخميس بوصفه فرصة محورية لإحداث تغيير في مسار الأزمات المتراكمة التي يعاني منها لبنان، والتي تفاقمت بشكل حاد خلال عام 2024؛ بسبب الصراعات المتصاعدة والأزمة الاقتصادية الممتدة.

ومع انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة -5.7 في المائة خلال الربع الرابع من 2024، انعكست التداعيات السلبية بوضوح على الاقتصاد، فقد تراجعت معدلات النمو بشكل كبير منذ عام 2019، ليصل الانخفاض التراكمي إلى أكثر من 38 في المائة عام 2024، مقارنة بـ34 في المائة خلال العام السابق عليه. وتزامن هذا التدهور مع تصعيد الصراع في الربع الأخير من 2024، مما أضاف آثاراً إنسانية مدمرة، مثل النزوح الجماعي والدمار واسع النطاق، وبالتالي أدى إلى خفض إضافي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 6.6 في المائة بحلول منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. وكان قطاع السياحة، الذي يمثل أحد أعمدة الاقتصاد اللبناني، من بين الأشد تضرراً، فقد تراجعت عائداته لتتحول من فائض إلى عجز بنسبة -1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024.

منصب حاكم «المصرف المركزي»

كذلك يمثل هذا الحدث محطة مهمة لإصلاح المؤسسات اللبنانية، بما في ذلك معالجة الشغور في المناصب القيادية التي تُعد ركيزة أساسية لاستقرار البلاد. ومن بين هذه المناصب، حاكم «مصرف لبنان» الذي بقي شاغراً منذ انتهاء ولاية رياض سلامة في 31 يوليو (تموز) 2023، على الرغم من تعيين وسيم منصوري حاكماً بالإنابة. لذا، فإن تعيين خَلَفٍ أصيل لحاكم «المصرف المركزي» يُعدّ خطوة حاسمة لضمان استقرار النظامين المالي والنقدي، خصوصاً أن «مصرف لبنان» يشكل محوراً رئيسياً في استعادة الثقة بالنظامين المصرفي والمالي للبلاد.

مقر «مصرف لبنان المركزي» في بيروت (رويترز)

علاوة على ذلك، سيجد الرئيس الجديد نفسه أمام تحدي إصلاح «القطاع المصرفي» الذي يُعدّ جوهر الأزمة الاقتصادية. فملف المصارف والمودعين يتطلب رؤية شاملة لإعادة هيكلة القطاع بطريقة شفافة وعادلة، تُعيد ثقة المودعين وتوزع الخسائر بشكل منصف بين المصارف والحكومة والمودعين. ومع إدراج لبنان على «اللائحة الرمادية» وتخلفه عن سداد ديونه السيادية، تصبح هذه الإصلاحات ضرورية لاستعادة العلاقات بالمؤسسات المالية الدولية، واستقطاب التمويل اللازم، ومنع إدراج لبنان على «اللائحة السوداء». ناهيك بورشة إصلاح القطاع العام وترشيده وتفعيله، فتكلفة مرتَّبات القطاع العام مرتفعة جداً نسبةً إلى المعايير الدولية. فعلى مرّ السنين، شكّل مجموع رواتب وتعويضات القطاع العام لموظفي الخدمة الفعلية والمتقاعدين (وعددهم نحو 340 ألفاً) نحو 40 في المائة من إجمالي نفقات الموازنة، الأمر الذي شكّل عبئاً فادحاً على مالية الدولة والاقتصاد عموماً.

آمال اللبنانيين في قيادة جديدة

وسط هذه الأزمات المتشابكة، يعوّل اللبنانيون على انتخاب رئيس جديد للجمهورية لفتح نافذة أمل على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. فمن المأمول أن يسعى الرئيس المقبل، بدعم من حكومة فاعلة، إلى إعادة بناء الثقة الدولية والمحلية، واستعادة الاستقرار السياسي، وهما شرطان أساسيان لوقف التدهور الاقتصادي وتحفيز النمو. فاستعادة قطاع السياحة؛ الرافعة الأساسية للاقتصاد اللبناني، على سبيل المثال، تتطلب تحسين الأوضاع الأمنية وتعزيز الثقة بلبنان بوصفه وجهة آمنة وجاذبة للاستثمارات. وهذه الأمور لن تتحقق إلا بوجود قيادة سياسية قادرة على تقديم رؤية استراتيجية واضحة لإعادة الإعمار وتحقيق الإصلاحات الضرورية. وبالنظر إلى العجز المستمر في الحساب الجاري والانخفاض الكبير في الناتج المحلي الإجمالي، يصبح نجاح الرئيس الجديد في معالجة هذه الملفات عاملاً حاسماً لإنقاذ لبنان من أزمته العميقة، وإعادة توجيه الاقتصاد نحو التعافي والنمو المستدام.