ثلاثة نوابغ.. وثلاث نهايات أليمة

دراسات ومعارض تعيد تسليط الضوء على أعمالهم وحيواتهم

ثلاثة نوابغ.. وثلاث نهايات أليمة
TT

ثلاثة نوابغ.. وثلاث نهايات أليمة

ثلاثة نوابغ.. وثلاث نهايات أليمة

ثلاثة رجال من أزمنة وأمكنة مختلفة، خلفياتهم متباينة وإنجازاتهم لا رابط بينها، ولكنهم يشتركون في أمرين: الأول أنهم جميعا من النوابغ (بل العباقرة) كل في ميدانه. والثاني أن كلا منهم مات على نحو أليم، أو على الأقل غير مألوف. الأول أرغم على الانتحار. والثاني انتحر بإرادته. والثالث لقي مصرعه في مبارزة بالمسدسات مع ضابط زميل. هؤلاء الثلاثة قد عادوا مؤخرا إلى دائرة الضوء، ومن ثم كان الجمع بينهم في هذه المقالة.
الرجل الأول هو الفيلسوف والكاتب المسرحي الروماني سنيكا Seneca وقد كتبت إليزابيث كولبرت Elizabeth Kolbert مقالة عنه في المجلة الأسبوعية «ذانيويوركر» The New Yorker (2 فبراير 2015) هذه خلاصتها.
كان سنيكا معلم الإمبراطور نيرون منذ كان هذا الأخير في الثانية عشرة أو الثالثة عشرة، وواحدا من أقرب مستشاريه. وقد مر صيت سنيكا بالمراحل المألوفة في حياة شتى المفكرين من الارتفاع والهبوط: كان المسيحيون الأوائل يبجلونه حتى إنهم اخترعوا مراسلات (لم تحدث) بينه وبين القديس بولس. كذلك نال تقدير المصلح الديني الفرنسي كالڤين، والمفكر مونتيني، ومن بعده ديدرو. أما ممثلو الحركة الرومانتيكية فقد عدوه فيلسوفا سيئا، وكاتبا مسرحيا أشد سوءا. وسخر منه المؤرخ الإنجليزي توماس ماكولي قائلا إن قراءته أشبه بأن «يكون غذاء المرء الوحيد هو صلصة الأنشوجة»!
لكن سنيكا - فيما يبدو - قد بدأ يجد أنصارا في يومنا هذا. ففي العام الماضي (2014) صدر عنه كتابان جديدان، أحدهما يحمل عنوان «الموت في كل يوم: سنيكا في بلاط نيرون» من تأليف ﭼيمز روم (الناشر نوﭙف)
James Romm, Dying Every Day: Seneca at the Court of Nero, (Knopf , 2014)
والآخر بعنوان «أعظم الإمبراطوريات: حياة سنيكا» من تأليف إميلي ويلسون (الناشر أكسفورد)
Emily Wilson, The Greatest Empire: The Life of Seneca (Oxford, 2014)
ويشترك الكتابان في الإشادة بمواهب سنيكا، ويلتمسان له العذر إذا لم يتمكن من تحسين أخلاق تلميذه نيرون الذي تخضبت يداه بالدماء، وليس أقلها دماء أمه أجريپينا. لقد كان نيرون – منذ البداية – حالة ميئوسا منها. فقد كان عصيا على كل إصلاح. وتبقى حقيقة لا مفر من مواجهتها، مهما كانت مكدرة: لقد ساند سنيكا طغيان إمبراطوره، وأملى له في تصرفاته الجنونية. رغم أنه في كتاباته الفلسفية كان يدعو إلى الفضيلة وكبح جماح الغضب وبساطة العيش وفق قوانين الطبيعة.
لقد ولد سنيكا نحو عام 4 ق.م. في قرطبة بإسبانيا، وكانت من الأقاليم الخاضعة للإمبراطورية الرومانية. وفي روما درس البلاغة والفلسفة واعتنق مبادئ المذهب الرواقي الداعي إلى الجلد في مواجهة خطوب القدر. وحين جلس الإمبراطور كلوديوس على العرش، خلفا للإمبراطور كاليجولا المتوفي، نفي سنيكا إلى جزيرة كورسيكا بتهمة الزنا مع أخت الإمبراطور الراحل. ولكن زوجة كلوديوس شفعت له عند زوجها فأذن له بالعودة إلى روما.
والرجل الثاني الذي نتوقف عنده هو الفنان التشكيلي الهولندي فنسنت فان غوخ Vincent Van Gogh الذي كتب وليم كوك William Cook مقالة عنه في مجلة «سبكتاتور» The Spectator البريطانية الأسبوعية، وذلك بمناسبة إقامة معرض له يستمر حتى 17 مايو (أيار) من العام الحالي (2015) في «معرض الفنون الجميلة» ببلدة مون Mons في بلجيكا، وهي بلدة كانت مسرحا لبعض معارك الحرب العالمية الأولى.
يقول كاتب المقالة: في ديسمبر (كانون الأول) 1878 جاء ڤان غوخ إلى هذه البلدة الموحشة التي تعتمد على استخراج الفحم وتعدينه. كان وقتها في الخامسة والعشرين، وقد أخفق في الاشتغال بالتدريس. لم يكن الرسم بالنسبة إليه إلا هواية عارضة. جاء إلى البلدة ليعمل واعظا دينيا، وملء وجدانه بالحماسة، ولكنه فشل في هذا أيضا. ولاحت تصرفاته غريبة لأهل البلدة. فقد كان مسرفا في التقوى، تخلى عن كل ممتلكاته، حتى دعاه أهالي البلدة «مسيح مناجم الفحم». وبعد ستة أشهر فصل من وظيفته. ولما لم يكن أمامه مكان آخر يذهب إليه، ولا عمل آخر يتعيش منه، فقد علم نفسه مبادئ الرسم والتشريح والمنظور خلال الثمانية عشر شهرا التالية. وبمجيء الوقت الذي غادر فيه البلدة في 1880 كان قد أصبح فنانا محترفا. اكتسبت البلدة جمالا جديدا في ناظريه حتى إنه قال إنها لا تقل جمالا عن مدينة البندقية.
وعند إقامة هذا المعرض لفان غوخ في مون واجهت المشرفين عليه مشكلة كبرى: إن الفنان كان قد دمر أغلب اللوحات التي رسمها هنا. لم يبق منها إلا عدد قليل، إلى جانب رسائل كتبها إلى أخيه ثيو عن حياته في البلدة. ولكن المشرف على المعرض ڤان هويجتن تمكن من استنقاذ اللوحات الباقية، وضم إليها الرسائل، واستعار لوحات غوخ الموجودة في أماكن أخرى، وبذلك مكننا من رؤية مسار تطوره، وكيف أن هذه الفترة التي قضاها في مون قد صنعت منه الفنان الكبير الذي نعرفه.
انجذب غوخ إلى سكان البلدة، وأغلبهم من عمال المناجم الذين يعيشون حياة خشنة في غمرة الفقر (أما هل انجذبوا هم إليه فمسألة أخرى، حيث إنه - على الأرجح - بدا لهم غريب الأطوار، إن لم يكن مجنونا). لقد تعاطف معهم، وأراد أن يصنع من أجلهم شيئا. وإذا كان قد فشل في أن يساعدهم بوصفه واعظا، فقد أتيحت له الفرصة الآن كي يساعدهم بوصفه فنانا. هكذا عكف على رسم رجال ونساء من الطبقة العاملة ومن الفلاحين (له مثلا لوحة عنوانها «باذر الحب» تصور مزارعا يلقي بالحبوب على التربة). إن العمال في لوحاته دائما ذوو عزة وكرامة، وإن كان لا يضفي عليهم طابعا عاطفيا زائفا. كتب لأخيه في إحدى رسائله: «إن أغلبهم لا يعرف القراءة، ولكنهم يتميزون بالحذق والخفة. إنهم بارعون في أشياء عديدة، ويعملون عملا شاقا على نحو مثير للدهشة». وكما أن الكاتب الإنجليزي جورج أورويل عاش بين العمال وصور ذلك في كتابه المسمى «الطريق إلى رصيف ميناء ويغان» (1937) فإن مظاهر الفقر في مون قد أعادت الحيوية إلى غوخ وجعلته ينكب على الرسم انكبابا جادا.
ولوحات غوخ عن البلدة تصور أكواما متداعية رسمها بألوان بنية كثيفة توحي بملمس الطين. لا عجب أنها، بجوها القاتم، لم تجذب مشتريا أثناء حياته. وإذ لم يتمكن من بيع لوحاته فقد عاش فقيرا، ومات منتحرا في 1890. وفيما بعد تسلل ضوء الشمس إلى ظلمة لوحاته، وبرز فيها اللون الذهبي الساطع.
والرجل الثالث في قائمتنا هو الشاعر الروسي ليرمونتوف Lermontov الذي نشرت «مطبعة كاركانيت» في مدينة مانشستر البريطانية مختارات من شعره تحت عنوان: «نقلا عن ليرمونتوف: ترجمات لأعماله بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لمولده في عام 1814» وحرر الكتاب ﭙيتر فرانس وروبين مارساك.
Peter France and Robyn Marsack (eds.), After Lermontov: Translations for the Bicentenary, Manchester, Carcanet Press, 2014
لقد عرف ليرمونتوف خارج بلاده بكونه مؤلف رواية «بطل من زماننا» (نقلها إلى العربية الدبلوماسي والمترجم السوري الكبير سامي الدروبي) ولكنه معروف داخل بلاده أساسا بقصائده الغنائية والقصصية. ويقول الناقد فيكتور سونكين إنه إذا كان ألكسندر بوشكين، خلال حياته القصيرة (1799-1837)، قد قام بمجهود بطولي من أجل تعريف بني وطنه بالآداب الأوروبية، فإن ليرمونتوڤ - في حياته الأشد قصرا - هو الشاعر الذي ارتاد دروبا جديدة لم تطئها قدم روسية من قبل. وإذا كان الأدب الروسي يقترن في الأذهان بالظلمة والتأمل واللاعقلانية فإن هذا راجع، إلى حد كبير، إلى ما صنعه ليرمونتوڤ.
لقد ولد لأسرة أرستقراطية، ولكنها محدودة الموارد المالية. كان زواج أبويه تعيسا. وقد نشأ أساسا في رعاية جدة متسلطة، وكان صبيا حالما عليلا. ولم يكن دربه في الحياة ممهدا ذلولا. فقد ترك جامعة موسكو دون أن يتم دراسته، والتحق بكلية حربية. وفي 1837 كتب مقالة جارحة يشير فيها بإصبع الاتهام إلى كل من عدهم مسؤولين عن مصرع الشاعر بوشكين (قتل بوشكين في مبارزة بالمسدسات من أجل زوجته). وعلى أثر نشر مقالته هذه نفته السلطات إلى القوقاز مرة أخرى، على أن يبقى في الخطوط الأمامية للجيش. وبمجيء هذا الوقت كانت مواهبه الأدبية قد اتضحت للجمهور، وله هو ذاته. لم يعد بحاجة إلى أن يستشهد في مبارزة كي يلفت أنظار الجمهور والنساء الجميلات. ولكنه دنا مرة أخرى من الموت باختياره.
واليوم تصدر هذه المختارات من شعره في 160 صفحة باللغة الروسية واللغة الإنجليزية مع عدد من قصائده مترجمة إلى اللغة الاسكوتلندية. إن الشعر الروسي عموما – وشعر ليرمونتوف – لا يتميز بالتأمل الفلسفي أو الاستبصارات العميقة ولكنه في حالة الشعراء الروس العظماء (وليرمونتوف أحدهم) أقرب إلى ومضات برق باهرة، ومزاوجة كاشفة بين الصور والكلمات. لقد جاءت هذه المختارات في وقتها لكي تزيل الغبار عن ذكرى شاعر يستحق مكانا على خريطة الشعر العالمي ولم يكن يستحق أن يموت هذه الميتة العبثية.



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لأحد أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذه العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف عن سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى إن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفاعلية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني ويستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقية تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسمح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

من جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين بأن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق بوصفها مكاناً لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».