إيلي متري لـ«الشرق الأوسط»: دراما المنصات أعادتنا إلى المنطق

يشكل حالياً أحد نجوم مسلسلاتها

يطل إيلي متري حالياً في مسلسل «البريئة» ويُعرض على منصة «شاهد»
يطل إيلي متري حالياً في مسلسل «البريئة» ويُعرض على منصة «شاهد»
TT

إيلي متري لـ«الشرق الأوسط»: دراما المنصات أعادتنا إلى المنطق

يطل إيلي متري حالياً في مسلسل «البريئة» ويُعرض على منصة «شاهد»
يطل إيلي متري حالياً في مسلسل «البريئة» ويُعرض على منصة «شاهد»

قال الممثل إيلي متري: «إننا قطعنا مرحلة مهمة في أعمال الدراما بفضل المنصات الإلكترونية؛ فهي أسهمت في رفع مستوى الإنتاجات وفي تقديم وجوه ممثلين لبنانيين كثر يشاركون فيها». ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «منذ نحو ست سنوات بدأنا نتلمس هذا التطور؛ فالمنصات زودتنا بمساحات كبيرة. كما أسهمت في انفتاح العالم العربي على بعضه بالتعاون مع شركات إنتاج، وثقت بنا كممثلين لبنانيين».
ويرى متري الذي يطل حالياً في مسلسل «البريئة» لـ«إيغل فيلمز» في دور «علي»، أن المنصات بدّلت في شكل ومضمون العمل الدرامي. «لقد أعادتنا إلى المنطق بحيث تغيب عنها الحلقات المطولة والعديدة، فقدمت محتوى جيداً في مساحات قصيرة ومركَّزة. وهو ما جذب المشاهد لأنه ملّ الأحداث غير المنطقية التي كانت ترتكز عليها أعمال يتجاوز عدد حلقاتها الـ60 أحياناً. ولا أعني هنا أن جميع تلك الأعمال كانت غير مناسبة، بل إن جزءاً كبيراً منها لم يكن على المستوى المطلوب؛ فجاءت المنصات لتضع الدراما على الخط العالمي المطلوب، وهو أمر عرفناه في لبنان في الماضي، فمسلسلاتنا كانت منذ الأبيض والأسود تتألف من سباعيات، وأخرى لا يتجاوز عدد حلقاتها الـ15».
إيلي متري الذي يشكل اليوم أحد نجوم دراما المنصات، لفت أنظار المشاهد العربي في عدة مسلسلات، نذكر منها «العودة» و«أنا» و«أمنيزيا» و«لا حكم عليه» وغيرها؛ فهو يتمتع بخلفية مسرحية تبلورت أمام الشاشة فلم يمر أداؤه مرور الكرام. ورغم أن المشاهِد اللبناني يتذكره بالأعمال الكوميدية، فإنه عرف كيف يحجز له مكاناً في أعمال الدراما أيضاً.
ويعلّق: «سبق أن قدمت الدراما في مسرحيات وأفلام سينمائية، وحالياً دخلتها من باب المسلسلات، وتأخري عن دخولها يعود إلى عدم اقتناعي بتلك الأعمال من قبل». مرحلة انتظار الوقت المناسب بالنسبة لإيلي متري استغرقت وقتاً طويلاً. «كانوا ينفذون أعمالاً ليست على المستوى المطلوب، وبميزانيات ضئيلة. والأسوأ أنهم كانوا يصفونها بالأضخم والأفضل؛ فلا عمليات الإنتاج ولا الإخراج ولا التأليف كانت تقنعني. كنت أرفض تلك العروض لأنها لن تضيف إلى مسيرتي ما أطمح إليه، حتى من الناحية المادية».
يؤكد الممثل اللبناني من ناحية ثانية أن دراما المنصات فتحت مجالات كثيرة أمامه وأمام زملائه. «المساحات كانت ضيقة بالنسبة لنا، وكان الممثلان السوري والمصري قد سبقانا بأميال طويلة في الانتشار. صحيح أننا كنا معروفين في عالمي السينما والمسرح، إلا أن ذلك لم يكن كافياً. ما يجري اليوم هو أن الممثل اللبناني بات يحصل على فرص أكبر وأهم، وأعتقد أنه مع الوقت سيحقق انتشاراً أكبر».
يبدي إيلي متري إعجابه بزملائه من سوريين وغيرهم، ويقول في سياق حديثه: «ما يسعدني اليوم هو أننا نعمل في الأجواء الدرامية المطلوبة والمناسبة. تعاونت مع قصي الخولي وتيم حسن وفاطمة الصفي وماكسيم خليل وباسل خياط، وجميعهم أكاديميون يشهد لحرفيتهم المثقلة بالعلم والدراسة؛ فغالباً ما كانت الدراما المحلية ترتكز على الشكل الجميل والحضور المقبول، من دون التركيز على العلم والاختصاص الجامعي في معاهد فنية. كل شيء تغير اليوم وعدنا إلى المنطق السليم. حتى إن وجوهاً لبنانية جديدة تلفتني، وأسأل نفسي أين كانت مخبّأة من قبل؟ فاكتشفت أنها ابنة العِلم، وهذا يريحني جداً ويفرحني. لا شك أن الموهبة مهمة ولكن العلم يصقلها».
وعن أكثر الأدوار التي أثّرت فيه، يرد: «أعتقد أن دوري في مسلسل (أنا) الذي جسدت فيه دور الشاب السيئ، ترك عندي أثره الكبير. فتقمص هذا النوع من الأدوار، التي تدور في فلك الشر، تزود صاحبها بمتعة لا تشبه غيرها، وكذلك بكثير من التحدي».
يتلقى إيلي متري أصداء نجاحاته بالتواتر بعيداً عن وسائل التواصل الاجتماعي التي ابتعد عنها منذ سنوات. «كانت تزعجني، ومنذ نحو ستة أشهر أحاول العودة إليها مع أنني مرتاح من دونها». وعما إذا الخوف من اكتشافه ردود فعل تنتقده أو تسيء إلى أدائه يدفعه إلى اتخاذ هذا القرار، يرد: «هذا الموضوع ليس بالوارد بتاتاً، لأن الثناء الذي أتلقاه من نجوم وأشخاص قيمين على الأعمال الدرامية يشعرني بالاكتفاء. لا أقول ذلك من باب التبجُّج، ولكن رأي هؤلاء الأشخاص بي هو أمر أفتخر به. وكل الموضوع أن لا مزاج عندي لدخول أجواء الـ«سوشيال ميديا».
عملية اختياره للأدوار تستند إلى محتواها، وإلى الشخصية التي عليه تجسيدها. «إذا كانت الشخصية لا تشكل عنصراً مهمّاً في القصة، فأنا لا أقاربها. لا تهمني المساحة بقدر ما تهمني طبيعة الدور. قد أخالف هذا المبدأ مرات نادرة، في حال كان الطلب يعود لأحد أصدقائي، ولكني أبتعد قدر الإمكان عنها».
يترك إيلي متري أثره لدى المشاهد، ولو في أدوار صغيرة يتقمصها. فحضوره اللافت والتقنية التي يعتمدها في الأداء يشكلان له جواز مرور سريع إلى قلب المشاهد. فما حفظه خلال دراسته الجامعية يطبقه على الأرض. والقاعدة الذهبية التي حُفرت في ذاكرته هي ضرورة أن يقدم الممثل دوره بطبيعية، ومن دون تمثيل.
تدرب إيلي على أيادي رواد في مجال المسرح، كغبريال يمين وميشال جبر وكميل سلامة وغيرهم. وهو ما زوده بحرفية تلمع أمام الكاميرا. «لقد كان يقول لي أحد أساتذتي: (أن تتلقى ثناء من مثقفين في عالم المسرح والتمثيل أو زملاء لك على المستوى المطلوب لهو أمر بديهي. ولكن الاختلاف يحصل عندما تترك أثرك لدى المشاهد العادي)».
ولكن ألا تطمح إلى لعب أدوار بطولة مطلقة؟
يرد: «من الطبيعي أن يطمح كل منا إلى الأفضل، وإلى مساحات أكبر تبرز قدراته التمثيلية. ولكن هناك حسابات يجريها المنتج والقناة العارضة تتطلب تقديم ممثل على آخر، وهو أمر أستوعبه. حتى في الغرب هناك ممثلون ينتظرون فرصاً أكبر، وهم بارعون. ولكنني متفائل مع دراما المنصات، وأن يأخذ كل منا حقه من خلالها في المستقبل».
لا ينكر إيلي متري أنه ندم على مشاركته في أعمال لم تكن على المستوى المطلوب. «هما فيلمان سينمائيان وعمل مسرحي، والمشكلة لم تكمن في الورق أبداً، ولكن في تصورنا للعمل. وكذلك في الحماس الكبير الذي كان يعترينا أثناء التحضير. وعند العرض كنتُ أكتشف أن ما تحدثنا عنه وتخيلناه كان مغايراً تماماً، وطريقة التنفيذ لم تخدم العمل؛ فليس الورق ما خذلنا أو المخرج والمنتج، بل هناك إحساس خاطئ تملّكنا فوقعنا في فخه ليس أكثر».
وهل يمكن أن يغشك إحساسك بعد كل هذه الخبرة؟
«كل شيء وارد لدى الممثل مهما كبر شأنه، ولكن مع الوقت تصبح هذه الاحتمالات ضئيلة. اليوم صرت أتدخل بكل شاردة وواردة، عكس الماضي تماماً، كي لا أقع في هذا النوع من المطبات، إلا أن فرص الوقوع فيها تبقى واردة».
مؤخراً شارك الممثل اللبناني في مسلسل «الزيارة» الذي لم يعلن بعد عن موعد عرضه. ما طبيعة دورك فيه؟ «أجسد دور المحقق، وهو من الأعمال الدرامية التي كنت أنتظرها بفارغ الصبر؛ فعندما اتصل بي منتج العمل طارق غطاس منذ نحو 3 سنوات، وأخبرني قصة العمل، وأنه متحمس جدا لتنفيذها، تحمست بدوري. هو من الأعمال التي تزودني بمتعة شخصية. وسيكون من الأعمال التي تبرز قدراتنا المحلية في عالمي التقنيات والأداء. فالغرب ليس الوحيد القادر على إحراز الفرق».
حالياً، يصور إيلي متري مع المخرج كارلوس شاهين فيلماً سينمائياً. كما يشارك في مسلسل درامي من إخراج علي العلي. «المسلسل من إنتاج (إيغل فيلمز)، بعنوان (أسوار الماضي)، وأهمية هذا العمل أنه يعتمد على بطولة جماعية». يتابع إيلي متري بعض الأعمال الدرامية مؤخراً، بحسب الوقت المتوفر له. «أعتقد أننا اليوم في عز تطورنا الدرامي، ومن جميع النواحي. وشركات الإنتاج تلعب دوراً أساسياً في هذا الموضوع، وكذلك باقي فريق العمل من مخرج وكاتب وممثلين. وبرأيي أننا اجتزنا حتى اليوم منتصف الطريق، وأننا بصدد إكمال مشوارنا نحو الأفضل لنصيب الهدف. فما تجاوزناه في ظرف 6 سنوات لهو إنجاز بحد ذاته. متفائل أنا بمستقبل الدراما، ولكني في الوقت نفسه أخاف من التراجع؛ فاللبناني يميل إلى مقاومة مبدأ المنطق. عندها لن أتوانى عن اتخاذ قراري بالاعتزال، فأتوجه للبحث عن مهنة أخرى».


مقالات ذات صلة

حزن في مصر لرحيل «القبطان» نبيل الحلفاوي... رجل «الأدوار الوطنية»

يوميات الشرق نبيل الحلفاوي في لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)

حزن في مصر لرحيل «القبطان» نبيل الحلفاوي... رجل «الأدوار الوطنية»

من أبرز أعمال الحلفاوي «رأفت الهجان» عام 1990 الذي اشتهر فيه بشخصية ضابط المخابرات المصري «نديم قلب الأسد»، التي جسدها بأداءٍ يجمع بين النبرة الهادئة والصّرامة.

رشا أحمد (القاهرة )
يوميات الشرق الفنان السعودي عبد المحسن النمر (البحر الأحمر السينمائي)

عبد المحسن النمر: «خريف القلب» يتضمن قصصاً تهم الأسر العربية

قال الفنان السعودي عبد المحسن النمر، إن السبب الرئيسي وراء نجاح مسلسله الجديد «خريف القلب» يعود إلى مناقشته قضايا إنسانية تهم الأسر العربية.

«الشرق الأوسط» (جدة)
الوتر السادس تركز الفنانة نسمة محجوب على الحضور الفني بشكل دائم (صفحتها على {فيسبوك})

نسمة محجوب: أطمح لتقديم سيرة ماجدة الرومي درامياً

طرحت الفنانة المصرية نسمة محجوب، مطلع ديسمبر (كانون الأول) الجاري، أحدث أعمالها الغنائية بعنوان «الناس حواديت»، والتي حظيت بتفاعل من المتابعين عبر مواقع التواصل

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق الفنان السوري جمال سليمان (حساب سليمان على «فيسبوك»)

إعلان جمال سليمان نيته الترشح لرئاسة سوريا يثير ردوداً متباينة

أثار إعلان الفنان السوري جمال سليمان نيته الترشح لرئاسة بلاده، «إذا أراده السوريون»، ردوداً متباينة.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
يوميات الشرق لقطة من البرومو الترويجي لمسلسل «ساعته وتاريخه» الذي يعرَض حالياً (برومو المسلسل)

مسلسلات مستوحاة من جرائم حقيقية تفرض نفسها على الشاشة المصرية       

في توقيتات متقاربة، أعلن عدد من صُنَّاع الدراما بمصر تقديم مسلسلات درامية مستوحاة من جرائم حقيقية للعرض على الشاشة.

داليا ماهر (القاهرة )

ميشال رميح: أغنية «عم يوجعني بلدي» ترجمت فيها أحاسيسي الحقيقية

يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
TT

ميشال رميح: أغنية «عم يوجعني بلدي» ترجمت فيها أحاسيسي الحقيقية

يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)

قبل أسابيع قليلة، شارك المغني ميشال رميح في المهرجان الفني اللبناني في ولاية أريزونا في أميركا. تردد رميح قبل الموافقة على هذه المشاركة. وجد نفسه محرجاً في الغناء على مسرح عالمي فيما لبنان كان يتألّم، ولكنه حزم أمره وقرر المضي بالأمر كونه سيمثّل وجه لبنان المضيء. كما أن جزءاً من ريع الحفل يعود إلى مساعدة النازحين. ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «كانت الحفلة الأولى لي التي أقيمها خلال هذه الحرب. وترددي جاء على خلفية مشاعري بالحزن على وطني».

خلال الحرب أصدر ميشال رميح أغنيته الوطنية «عم يوجعني بلدي». وقدّمها بصورة بسيطة مع عزف على البيانو، فلامست قلوب سامعيها بدفء كلماتها ولحنها النابع من حبّ الوطن. فهو كما ذكر لـ«الشرق الأوسط» كتبها ولحنها وسجّلها وصوّرها في ظرف يوم واحد. ويروي قصة ولادتها: «كنا نتناول طعام الغداء مع عائلتي وأهلي، ولم أتنبه لانفصالي التام عن الواقع. شردت في ألم لبنان ومعاناة شعبه. كنت أشعر بالتعب من الحرب كما كثيرين غيري في بلادي. والأسوأ هو أننا نتفرّج ولا قدرة لنا على فعل شيء».

ألّف رميح أغنيته "عم يوجعني بلدي" ولحّنها بلحظات قليلة (ميشال رميح)

وجعه هذا حضّه على الإمساك بقلمه، فكتب أحاسيسه في تلك اللحظة. «كل ما كتبته كان حقيقياً، وينبع من صميم قلبي. عشت هذا الوجع بحذافيره فخرجت الكلمات تحمل الحزن والأمل معاً».

يقول إنه لا يحب التخلّي عن مشاعر التفاؤل، ولذلك آثر تمرير ومضات رجاء تلونها. وجعه الحقيقي الذي كان يعيشه لم يمنعه من التحلي بالصبر والأمل. ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «في النهاية سنقوم من جديد؛ كوننا شعباً صلباً لا تشّلنا الأزمات. والفنان صاحب الأحاسيس المرهفة لا يمكنه أن يفرّق بين وجهة سياسية وأخرى، ولا بين طائفة وأخرى ينتمي إليها هذا الشخص أو ذاك. فما أعرفه جيداً هو أننا جميعنا لبنانيون، ولذلك علينا التوحّد ومساعدة بعضنا البعض. رؤية أبناء بلدي يهجرون منازلهم وقراهم المدمّرة، لامستني عن قرب، فولدت أغنيتي (عم يوجعني بلدي)؛ لأني بالفعل عشت ألماً حقيقياً مع نفسي».

حفرت في ذاكرة ميشال رميح مشاهد عدة مؤثّرة عن لبنان المهجّر والمدمّر، كما يقول. «لن أنسى ذلك المسنّ الذي بكى خسارته لزوجته وبيته معاً. اليوم لا يجد مكاناً يؤويه، كما يفتقد شريكة حياته. وكذلك تعاطفت مع الأطفال والأولاد الذين لا ذنب لهم بحروب الكبار. فهؤلاء جميعاً أعتبرهم أهلي وإخوتي وأبنائي. كان لا بد أن تخرج مني كلمات أغنية، أصف فيها حالتي الحقيقية».

ميشال ابن زحلة، يقيم اليوم في أميركا. يقول: «هاجرت إلى هناك منذ زمن طويل. وفي كل مرة أعود بها إلى لبنان أشعر بعدم قدرتي على مغادرته. ولكن بسبب أطفالي اضطررت للسفر. وعندما أغادر مطار بيروت تمتلكني مشاعر الأسى والحزن. لم أرغب في ترك بلدي وهو يمرّ في محنة صعبة جداً. ولكن الظروف مرات تدفعنا للقيام بعكس رغباتنا، وهو ما حصل معي أخيراً».

يقول بأنه لا يحب التخلّي عن مشاعر التفاؤل (ميشال رميح)

صوّر ميشال أغنيته، وسجلها في الاستوديو، في الوقت نفسه. لم يرغب في أن تكون مصطنعة بمشهديتها بل أن تمثّل واقعاً يعيشه. «الأغنية ليست تجارية، كتبت كلماتها على قصاصة ورق صغيرة. وأنا أتوجّه إلى استوديو التسجيل قمت بتلحينها».

سبق وتعاون رميح في عدة أغنيات مع مجموعة شعراء وملحنين، ومن بينهم هيثم زيات وسليم عساف. ولكن في أغنية «عم يوجعني بلدي» ترك العنان لأحاسيسه، فلحّن وكتب وغنّى من هذا المنطلق. صديقه ريكاردو عازار تسلّم مهمة عزف اللحن على آلة البيانو. «لم أشأ أن ترافقها آلات وإيقاعات كثيرة لأنها أغنية دافئة ووطنية».

يعدّ رميح الأغنية الوطنية وجهة يجب أن يتحوّل إليها كل فنان تتملّكه أحاسيس حقيقية تجاه وطنه. ويستطرد: «هكذا أنا مغنٍ أستطيع أن أقاوم عندما بلدي يشهد مرحلة صعبة. لا أستطيع أن ألتزم الصمت تجاه ما يجري من اعتداءات على أرضه. ولأن كلمات الأغنية تنبع من رحم الواقع والمشاعر، لاقت انتشاراً كبيراً».

حتى أثناء مرور لبنان بأزمات سابقة لم يوفّر ميشال رميح الفرصة ليغني له. «أثناء ثورة أكتوبر (تشرين الأول) وانفجار المرفأ غنيّت لبنان بأسلوبي وعلى طريقتي. وتركت مساحة مضيئة بأمل في الغد تبرز في أعمالي. غنيت (شعب لبنان) يومها من ألحان هيثم زيات».

تركت مساحة مضيئة بأمل في الغد تبرز في أعمالي (ميشال رميح)

ينقل ميشال رميح حقيقة أحاسيس كل لبناني اضطر إلى هجرة وطنه. «قد يعتقد البعض أن من يعيش خارج لبنان وهو في أزمة، يتمتع بالراحة. هذا أمر خاطئ تماماً. فقد عصرني الألم وأنا أغادر وطني، وكلما حلّقت الطائرة وصغرت صورة لبنان من الأعلى، شعرت بحزن أكبر. جميع أبناء لبنان ممن أعرفهم هنا في أميركا يحزّ في قلبهم ابتعادهم عن وطنهم المجروح. ولكنهم جميعهم يأملون مثلي بالعودة القريبة إليه. وهو ما يزيد من صبرهم، لا سيما وأن أعمالهم وعائلاتهم تعيش في أميركا».

أغانٍ وطنية عديدة لفتت ميشال رميح أخيراً: «أرفع القبعة لكل فنان يغني لبنان المتألم. استمعت إلى أغانٍ عدة بينها لجوزف عطية (صلّوا لبيروت)، ولماجد موصللي (بيروت ست الدنيا)، وأخرى لهشام الحاج بعنوان (بيروت ما بتموت)، وكذلك واحدة أداها الوليد الحلاني (بعين السما محروس يا لبنان)». ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «أعتبر هذه الأغاني بمثابة غذاء الروح لوطني لبنان. لا شك أن ما أعنيه يأتي مجازياً؛ لأن لا شيء يعوّض خسارات بلدي. ولكن من ناحيتي أجد صوتي وأغنيتي هما سلاحي الذي أدافع فيه عن بلدي».

عندما غادر رميح لبنان منذ نحو الشهر كان في زيارته الثانية له بعد غياب. فحب الوطن زرعه في قلبه، ونما بداخله لا شعورياً. «لن أستسلم أبداً، وسأثابر على زيارة لبنان باستمرار، على أمل الإقامة فيه نهائياً وقريباً. فوالداي علّماني حب الوطن، وكانا دائماً يرويان لي أجمل الذكريات عنه. وأتمنى أن أشهد مثل هذه الذكريات كي أرويها بدوري لأولادي».