ماكرون يعلن اليوم «الاعتراف» بقمع الجزائريين قبل ستين عاماً

الرئيس الفرنسي {لن يعمد إلى الاعتذار أو طلب الصفح}

الرئيس الفرنسي يفترض أن يعلن اليوم «الاعتراف» بحقيقة القمع الدموي للجزائريين قبل ستين عاماً في باريس (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي يفترض أن يعلن اليوم «الاعتراف» بحقيقة القمع الدموي للجزائريين قبل ستين عاماً في باريس (أ.ف.ب)
TT

ماكرون يعلن اليوم «الاعتراف» بقمع الجزائريين قبل ستين عاماً

الرئيس الفرنسي يفترض أن يعلن اليوم «الاعتراف» بحقيقة القمع الدموي للجزائريين قبل ستين عاماً في باريس (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي يفترض أن يعلن اليوم «الاعتراف» بحقيقة القمع الدموي للجزائريين قبل ستين عاماً في باريس (أ.ف.ب)

في ملف العلاقات الفرنسية - الجزائرية، ثمة فصل دام «من بين فصول كثيرة» يعود إلى الواجهة كلما اقترب تاريخ 17 أكتوبر (تشرين الأول). ففي ذلك اليوم «وتحديداً ذاك المساء» قبل ستين عاماً، كانت الجالية الجزائرية المقيمة في فرنسا على موعد مع عنف السلطات الفرنسية التي كانت قد اتخذت مجموعة قرارات تمييزية بحق الجزائريين أبرزها منع تجوالهم ليلاً وتكاثر عمليات التفتيش التي كانوا يخضعون لها فضلاً عن الأجواء المسمومة لا بل الملتهبة الناتجة عن الحرب الدائرة في الجزائر بين القوات الفرنسية وجبهة التحرير الجزائرية.
ولسنوات، عتمت باريس على القمع الذي واجه مظاهرة سلمية احتجاجاً على منع التجوال ومطالبة بتمكين الجزائر من الحصول على استقلالها. وجاء قمع الأجهزة الأمنية بأمر من مدير شرطة باريس موريس بابون غاية في الضراوة والوحشية، بحسب المؤرخين البريطانيين، جيم هاوس ونيل ماكماستر، اللذين وصفاه في كتابهما «الجزائريون، الجمهورية ورعب الدولة»، بأنه «أعنف قمع لمظاهرة في أوروبا الغربية في التاريخ المعاصر». وفي العقود الماضية، تجاهلت السلطات الفرنسية هذه المجزرة وقزمتها إلى عملية «محافظة على الأمن» بينما سقط ضحايا القمع الأعمى عشرات من القتلى في الشوارع والساحات أو في محطات المترو إلى درجة أن كثيرين رموا أنفسهم في نهر السين للإفلات من رجال الأمن أو تم رميهم فيه. ومع انبلاج الصباح، ظهرت عشرات الجثث الطافية على سطح الماء. كذلك تم القبض على 12 ألف جزائري وجزائرية جمعوا في الملاعب الرياضية أو في قصر المعارض حيث خضعوا للاستجواب ولممارسات مهينة منها الضرب والتعذيب.
حتى عام 2012، التزمت السلطات الفرنسية سياسة الإنكار والتقليل من أهمية ودموية ما حصل في 17 أكتوبر عام 1961، وفي العام الأخير من عهده، قام الرئيس السابق فرانسوا هولاند بخطوة متواضعة حينما اعترف بحصول «القمع الدموي». بيد أن هولاند لم يحدد الجهة المسؤولة عنه. من هنا، فإن الأنظار تتجه لما سيصدر عن الرئيس إيمانويل ماكرون اليوم السبت في تكريم ذكرى الضحايا بمناسبة مشاركته، الأولى من نوعها في تاريخ الجمهورية الخامسة، التي ستحصل عند جسر بوزون، الواقع في ضاحية كولومب، غرب العاصمة الفرنسية. واختيار هذا الجسر ليس من باب الصدف بل لأنه كان أحد مواقع القمع الأعمى.
وأمس، قالت مصادر قصر الإليزيه إن بادرة ماكرون تندرج في إطار ما يسميه «تصالح الذاكرتين» الفرنسية والجزائرية وتنفيذاً للتوصيات التي قدمها المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا في تقريره الشهير حول كيفية التقريب بين الطرفين، سيعمد ماكرون إلى وضع باقة من الزهور والتزام دقيقة من الصمت والاستماع لممثلي كافة الفئات المعنية بالتاريخ المذكور. وأفادت أوساط الإليزيه بأن دعوات للمشاركة وجهت لعدد لأبناء وأحفاد ضحايا القمع ولممثلين عن الجالية الجزائرية والحركيين والفرنسيين الذين رحلوا عن الجزائر عند استقلالها وآخرين عن الشرطة والمجندين... واللافت أن ماكرون لن يلقي خطاباً بهذه المناسبة بل استعيض عنه ببيان سيصدر اليوم عن قصر الإليزيه. ورفضت أوساطه الكشف عن مضمونه، إلا أنها بالمقابل، أكدت أنه «سيذهب أبعد مما ذهب إليه» الرئيس هولاند.
حقيقة الأمر أن ماكرون، وفق أوساطه، يرفض أمرين: الأول، الإنكار أو التوبة كما أنه لن يعمد إلى الاعتذار أو طلب الصفح كما فعل قبل أسابيع قليلة مع «الحركيين» أي الذين حاربوا إلى جانب الجيش الفرنسي إبان حرب الجزائر وانتقل عدة آلاف معه إلى الأراضي الفرنسية حيث تعرضوا لمعاملة مهينة طيلة سنوات طويلة. ويؤكد مستشارو ماكرون أن ما سيقوم به هو «الاعتراف» بحقيقة ما حصل في ذلك اليوم المشؤوم. وبحسب هؤلاء، فإن «الاعتراف أهم من الاعتذار». والمرجح أن ماكرون سيعين في البيان الذي سيصدر عن قصر الإليزيه الجهات التي تقع عليها مسؤولية القمع الدامي. وعن الأسباب التي تمنعه من القيام ببادرة تصالحية كالتي قام بها إزاء «الحركيين» الذين طلب منهم الصفح، تجيب مصادره أنه في الحالة الأولى كانت هناك سياسة منهجية ظالمة بحقهم، أقرت على أعلى مستويات الدولة. أما في حالة 17 أكتوبر، فإن القمع جاء في إطار الحرب القائمة في ذلك الوقت ولم تكن هناك تعليمات لمدير شرطة باريس موريس بابون بأن يأمر بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين أو معاملتهم بالعنف الأعمى.
بيد أن هذا التبرير قد يكون على علاقة ما بالاستحقاقات الانتخابية القادمة وأهمها الانتخابات الرئاسية في أبريل (نيسان) القادم. والثابت أن إقدام ماكرون على خطوة اعتذار أو طلب الصفح ستستخدم حجة انتخابية من اليمين المتطرف واليمين الكلاسيكي وكلاهما يركز حملته الانتخابية على ملفات الهجرة والإسلام والدفاع عن الهوية الفرنسية... وبالتالي سيكون الاعتذار أو طلب الصفح مضرين له انتخابياً وسياسياً. لكن مستشاري الإليزيه يؤكدون أن ماكرون ماضٍ في مشروعه لمصالحة الذاكرتين وأنه قام ببادرات إزاء الجزائر ومنها تقرير ستورا والاعتراف بمسؤولية الجيش الفرنسي عن مقتل المحامي المناضل علي بومنجل وإعادة جماجم مناضلين جزائريين كانت المتاحف الفرنسية تحتفظ بها وفتح جانب من الأرشيف الوطني.
بيد أن العلاقات الفرنسية - الجزائرية تعرف منذ أسابيع حالة من التوتر الشديد بعد تصريحات لماكرون عن الأمة الجزائرية واتهام النظام «السياسي - العسكري» بالعيش على «ريع الذاكرة» أي ذاكرة الاستعمار وحرب التحرير وكره الجزائر. ومؤخراً، أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أنه لن يعيد السفير الجزائري إلى باريس «قبل أن تبين فرنسا أنها تحترم الجزائر».



​تأثيرات كارثية للصقيع في اليمن على السكان والزراعة

مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)
مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)
TT

​تأثيرات كارثية للصقيع في اليمن على السكان والزراعة

مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)
مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)

يتكبد المزارعون اليمنيون خسائر كبيرة بسبب موجة الصقيع التي تشهدها البلاد بفعل الموجة الباردة التي تمر بها منطقة شبه الجزيرة العربية تزامناً مع عبور منخفض جوي قطبي، فيما يحذر خبراء الأرصاد من اشتدادها خلال الأيام المقبلة، ومضاعفة تأثيراتها على السكان والمحاصيل الزراعية.

واشتكى مئات المزارعين اليمنيين في مختلف المحافظات، خصوصاً في المرتفعات الغربية والوسطى من تضرر محاصيلهم بسبب الصقيع، وتلف المزروعات والثمار، ما تسبب في خسائر كبيرة لحقت بهم، في ظل شحة الموارد وانعدام وسائل مواجهة الموجة، مع اتباعهم طرقاً متعددة لمحاولة تدفئة مزارعهم خلال الليالي التي يُتوقع فيها زيادة تأثيرات البرد.

وشهد عدد من المحافظات تشكّل طبقات رقيقة من الثلج الناتجة عن تجمد قطرات الندى، خصوصاً فوق المزروعات والثمار، وقال مزارعون إن ذلك الثلج، رغم هشاشته وسرعة ذوبانه، فإنه أسهم في إتلاف أجزاء وكميات من محاصيلهم.

وذكر مزارعون في محافظة البيضاء (270 كيلومتراً جنوب شرقي صنعاء) أن موجة الصقيع فاجأتهم في عدد من الليالي وأتلفت مزروعاتهم من الخضراوات، ما دفعهم إلى محاولات بيع ما تبقى منها قبل اكتمال نضوجها، أو تقديمها علفاً للمواشي.

خضراوات في محافظة عمران أصابها التلف قبل اكتمال نضجها (فيسبوك)

وفي مديرية السدة التابعة لمحافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء)، اشتكى مزارعو البطاطس من تلف الثمار خلال الأيام الماضية، بينما كانوا ينتظرون اكتمال نضوجها للبدء في تسويقها ونقلها إلى منافذ البيع.

ويعتزم غالبية المزارعين التوقف عن الزراعة خلال الأسابيع المقبلة حتى تنتهي موجة الصقيع، مشيرين إلى أن تأثير الموجة يكون أشد على المزروعات في بداية نموها، بينما يمكن للمزروعات التي نمت بشكل كافٍ أن تنجو وتكمل نموها، إلا أنها لن تصل إلى مستوى عالٍ من الجودة.

أسبوع من الخطر

في غضون ذلك حذّر مركز الإنذار المبكر في محافظة حضرموت السكان من موجة برد شديدة، وتشكّل الصقيع على مناطق الداخل، خلال الأيام المقبلة، داعياً إلى اتخاذ أقصى التدابير، واتباع الإرشادات الصحية للوقاية من ضربات البرد القارس، واستخدام وسائل التدفئة الآمنة مع رعاية كبار السن والأطفال من تأثيراتها.

طفلة يمنية بمحافظة تعز تساعد عائلتها في أعمال الزراعة (فيسبوك)

ونبّه المركز المزارعين لضرورة اتباع إرشادات السلامة لحماية محاصيلهم من آثار تشكل الصقيع المتوقع تحديداً على المرتفعات والأرياف الجبلية في مختلف المحافظات.

وخصّ بتحذيراته الصيادين والمسافرين بحراً من اضطراب الأمواج، واشتداد الرياح في مجرى المياه الإقليمية وخليج عدن وحول أرخبيل سقطرى في المحيط الهندي، وسائقي المركبات في الطرق الطويلة من الغبار وانتشار العوالق الترابية نتيجة هبوب رياح نشطة السرعة، وانخفاض مستوى الرؤية الأفقية.

وطالب المركز باتخاذ الاحتياطات لتجنيب مرضى الصدر والجهاز التنفسي مخاطر التعرض للغبار خاصة في المناطق المفتوحة والصحراوية.

وتتضاعف خسائر المزارعين في شمال اليمن بسبب الجبايات التي تفرضها الجماعة الحوثية عليهم، فعلى الرغم من تلف محاصيلهم بسبب الصقيع، فإن الجماعة لم تعفهم من دفع المبالغ المقررة عليهم، خصوصاً أنها - كما يقولون - لجأت إلى فرض إتاوات على محاصيلهم قبل تسويقها وبيعها.

طبقة من الثلج تغطي خيمة نصبها مزارع يمني لحماية مزروعاته من الصقيع (إكس)

ومن جهتهم، حذّر عدد من خبراء الأرصاد من خلال حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي من موجة برد شديدة تستمر حتى مطلع الأسبوع المقبل، على مختلف المناطق والمحافظات، بما فيها الصحارى، وتصل فيها درجة الحرارة إلى ما دون الصفر، مع احتمالات كبيرة لإتلاف مختلف المزروعات والمحاصيل.

صقيع وجراد

وتؤثر موجات الصقيع على أسعار الخضراوات والفواكه بسبب تراجع الإنتاج وارتفاع تكلفته، وإلى جانب ذلك تقل جودة عدد من المنتجات.

وأوضح خبير أرصاد في مركز الأرصاد الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية أن كتلة هوائية قطبية بدأت، أخيراً، التقدم باتجاه المناطق الشمالية والصحراوية، مع هبوب الرياح الشمالية الجافة، متوقعاً أن تسهم في إثارة ونقل كميات كبيرة من الغبار يمتد تأثيرها إلى خارج البلاد.

يمني في محافظة ذمار يتجول على دراجته ملتحفاً بطانية (فيسبوك)

ووفق الخبير الذي طلب التحفظ على بياناته، بسبب مخاوفه من أي عقوبات توقعها الجماعة الحوثية عليه بسبب حديثه لوسائل إعلام غير تابعة لها، فمن المحتمل أن تكون هذه الكتلة الهوائية القطبية هي الأشد على البلاد منذ سنوات طويلة، وأن تمتد حتى السبت، مع وصول تأثيراتها إلى كامل المحافظات.

وبيّن أن التعرض للهواء خلال هذه الفترة قد يتسبب في كثير من المخاطر على الأفراد خصوصاً الأطفال وكبار السن، في حين سيتعرض كثير من المزروعات للتلف، خصوصاً في المرتفعات والسهول المفتوحة، مع احتمالية أن تنخفض هذه المخاطر على المزارع في الأودية والمناطق المحاطة بالمرتفعات.

ووفقاً للخبراء الزراعيين، فإن الصقيع يتسبب في تجمد العصارة النباتية في أوراق النباتات وسيقانها الطرية، وبمجرد شروق الشمس، وتغيّر درجات الحرارة، تتشقق مواضع التجمد أو تذبل، تبعاً لعوامل أخرى.

تحذيرات أممية من عودة الجراد إلى اليمن خلال الأسابيع المقبلة (الأمم المتحدة)

وطبقاً لعدد من الخبراء استطلعت «الشرق الأوسط» آراءهم، فإن تأثيرات الصقيع تختلف بحسب تعرض المزارع للرياح الباردة، إلا أن تعرض المزروعات للرياح الباردة في المرتفعات لا يختلف كثيراً عن وقوع نظيرتها في الأودية والسهول تحت تأثير الهواء الساكن شديد البرودة.

وفي سياق آخر، أطلقت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) تحذيراً من غزو الجراد في اليمن، بعد انتشار مجموعات قليلة منه على سواحل عدة دول مطلة على البحر الأحمر، بما فيها السواحل اليمنية.

وتوقعت المنظمة في تقرير لها أن تزداد أعداد الجراد وتتكاثر في اليمن خلال فصل الشتاء، وأن تتجه الأسراب إلى سواحل البحر الأحمر للتكاثر، ما سيؤدي إلى زيادة كبيرة في أعداد الجراد في المنطقة، بما يشمل اليمن.

ويعدّ الجراد من أكثر التهديدات التي تواجهها الزراعة في اليمن، ويخشى أن يؤثر وصول أسرابه إلى البلاد على الأمن الغذائي.