موسكو أمام اختبار النفوذ في منطقة جنوب القوقاز

الكرملين يسعى إلى المحافظة على توازن المصالح بين «شريكين متعبين»

موسكو أمام اختبار النفوذ في منطقة جنوب القوقاز
TT

موسكو أمام اختبار النفوذ في منطقة جنوب القوقاز

موسكو أمام اختبار النفوذ في منطقة جنوب القوقاز

مع حلول الذكرى الأولى للحرب الأرمينية - الآذرية، التي أسفرت عن تبدل واسع في ملامح الجغرافيا السياسية وتوزيع النفوذ في منطقة جنوب القوقاز، بدا أن الكرملين يقف أمام تحدٍ جديد، مع تفاقم التوتر بين إيران وأذربيجان، واتساع المخاوف من تصعيد يؤدي إلى زعزعة الأوضاع في المنطقة من جديد.
الكرملين يراقب اليوم بحذر تزايد الشكاوى الإيرانية من «مؤامرة» آذرية - إسرائيلية مزعومة تستهدف طهران. في حين يقول خبراء مقرّبون من مراكز صنع القرار في روسيا إن الأسباب الحقيقية للتوتر تكمن في إدراك الإيرانيين أن التسوية التي فرضت العام الماضي، بضغط واسع من جانب موسكو، لم تأخذ في الاعتبار مصالح طهران التي تراجع نفوذها كثيراً في جنوب القوقاز.
ومع سعي موسكو لمنع انزلاق الأوضاع مجدداً في المنطقة، والمحافظة على توازن المصالح بين الأطراف المختلفة، وخصوصاً إيران التي يصفها محللون بأنها «شريك متعب» للكرملين، تقف تركيا «الشريك الآخر المتعب» على أهبة الاستعداد للدفاع عن حليفها الآذري... وعن مكتسبات جيوسياسية كبرى حققتها حرب العام الماضي.
ظهرت محاولات موسكو للإمساك بالعصا من الوسط وإبداء أكبر قدر ممكن من المرونة، خلال مناقشات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الأسبوع الماضي.
وأكد عميد الدبلوماسية الروسية أنه بغضّ النظر عن حجم التحديات المتراكمة على طريق السلام في منطقة جنوب القوقاز، فإن موسكو «لن تسمح بأن يهتز الوضع وينعكس سلبياً» على أي طرف، بما في ذلك على «الأصدقاء - الشركاء» الإيرانيين.
أما عبد اللهيان، الذي وصل إلى روسيا في أول زيارة له لروسيا وزيراً للخارجية الإيرانية، فقد ركز اهتمامه على الوضع في هذه المنطقة الحدودية، خلافاً لتوقعات سابقة بأن الزيارة هدفها الرئيس «ضبط الساعات مجدداً بين موسكو وطهران بعد تغيير القيادة في إيران».
لقد هاجم الوزير الإيراني أذربيجان بقوة. وكرّر الاتهامات الموجهة لباكو، ولوّح بأن بلاده لن تتسامح مع «تغيير جيوسياسي للخريطة في القوقاز»، قائلاً إن «طهران لديها مخاوف جدية بشأن وجود الإرهابيين والصهاينة في هذه المنطقة».
في المقابل، سعى لافروف إلى تقديم رؤية توافقية، مشدداً على أن لدى أذربيجان مخاوف أيضاً بشأن سلوك إيران. وأشار مرة أخرى إلى الحاجة، بعد تسوية ناغورنو قره باغ، إلى تعزيز التفاعل بين بلدان المنطقة، مع احترام الاتفاقات التي أفضت إليها جهود الوساطة الروسية العام الماضي، بما في ذلك على صعيد فتح الممرات أمام وسائل المواصلات وخطوط النقل الاقتصادي التجاري.
هكذا وضع لافروف يده مباشرة على المشكلة الأساسية التي أدت إلى اندلاع الأزمة الأخيرة. إذ أسفر النجاح العسكري لأذربيجان عن استعادتها السيطرة على مناطق واسعة، تقع في جزء كبير منها على طول الحدود مع إيران. وهكذا وجدت إيران نفسها مرة واحدة أمام واقع جيوسياسي جديد، بعد عقدين كاملين من تعاملها مع أرمينيا على طول الحدود.

بداية الأزمة

بدأ التوتر بين إيران وأذربيجان، الذي لم يهدأ منذ عدة أسابيع، بعد احتجاز شاحنات إيرانية وسائقيها من قبل الشرطة الآذرية على طريق جوروس كافان، الذي يربط بين أرمينيا وإيران. وبعد ذلك، بدأت التصريحات ضد أذربيجان تنطلق من إيران. وإضافة إلى ذلك، أجرى كلا البلدين تدريبات عسكرية على الحدود.
ولم تلبث الأزمة أن اتسعت، بعد تبادل الاتهامات ودخول تركيا على خط الدعم لأذربيجان، ما أدى إلى تحوّل في المواجهة، عبّر عنه أوزكان ألاش، رئيس جمعية تنمية التجارة مع إيران، عندما قال إن تركيا أغلقت جميع نقاط التفتيش الخاصة بها أمام الشاحنات الإيرانية، رداً على حظر مرور الشاحنات التركية إلى إيران.
بالإضافة إلى ذلك، قال حسين علياء، ممثل المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في «الحرس الثوري»، إن لدى إيران «قوة عسكرية كبيرة» ولن تسمح لإسرائيل بالاستقرار على الحدود الشمالية الغربية لإيران بعد هزيمة الولايات المتحدة في المنطقة. وبجانب ذلك، اعترف ممثل خامنئي علانية بأن طهران تعارض إطلاق ممر زنجيزور، لأنه «سيلحق ضرراً اقتصادياً بإيران، على وجه التحديد»، مضيفاً: «سيتلقون رداً قاسياً وساحقاً».

تطورات داخل إيران

يربط الخبراء الأزمة المتفاقمة بعدد من التطورات داخل إيران وفي المنطقة. ووفقاً لإيرينا فيدوروفا، الخبيرة في مركز الشرق الأوسط التابع لمعهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، فإن وصول الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي إلى منصبه في إيران حمل انقلاباً على نهج سلفه حسن روحاني، الذي تميز بآراء متسامحة إلى حد ما، وأراد تحسين العلاقات مع الغرب. وتوضح فيدوروفا أن «إبراهيم رئيسي صاحب عقلية محافظة إلى حد ما. ووصوله في المقام الأول يصبّ في مصلحة (الحرس الثوري) الإسلامي. وبشكل عام، ستتسم سياسة إيران برمّتها مع وصول رئيسي بتعزيز الجناح المحافظ وسياسة أكثر صرامة، خاصة في المنطقة، وفيما يتعلق بالدول المحيطة بإيران».
السبب الثاني وفقاً للخبيرة الروسية ينطلق من استياء طهران المتزايد بسبب الوضع الذي تطور بعد حرب قره باغ الثانية، وخصوصاً تعزيز مواقف أذربيجان وتركيا. واليوم ترى إيران أن الضغط على أذربيجان يمكن أن يسفر عن توافق يحفظ مصلحتها مع الجانب التركي، ولذلك جاءت دعوة رئيسي أخيراً إلى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لزيارة إيران.
وبالإضافة إلى ما تقدم، يرتبط قلق طهران بالفعل - وفق الخبيرة - بتزايد نفوذ إسرائيل في جنوب القوقاز. وعموماً، يرى الخبراء الروس أنه بعد حرب قره باغ الثانية، بات من الصعب أكثر، مراعاة مصالح جميع الأطراف في المنطقة. ومن الواضح أن إيران - المعنية بتعزيز نفوذها هناك - تراجعت كثيراً لأسباب موضوعية.
وفي خريف العام الماضي، عندما كانت الحرب مستعرة بين أذربيجان وأرمينيا، حاولت إيران بنشاط كبير طرح مقترحات وساطة. إلا أن إيران تفتقر إلى النفوذ لأسباب واضحة، بسبب وجود روسيا وتركيا هنا. والآن، مع تغيّر الوضع في المنطقة، بعدما تغيرت خطوط الحدود، وما عاد هناك جزء من الأرض ترتبط من خلاله إيران وأرمينيا لوجستياً تحت تقاسم الطرفين، بدأت إيران تشعر بالقلق.
وأما حيال ما يتعلق بـ«المؤامرة الصهيونية» التي تتحدث عنها إيران، فهناك بالفعل أسباب للخشية من أن تغدو أذربيجان منصة انطلاق لهجوم من قبل إسرائيل. وهذا، على خلفية تعزيز التعاون العسكري بين تل أبيب وباكو في السنوات الأخيرة. لكن أذربيجان أكدت مراراً أنها لن توفر أراضيها للعمليات العسكرية لدولة أخرى، وبالأخص، في ظل الوضع الحالي لمحاولات استعادة السلام في المنطقة.

تصعيد للاستهلاك المحلي

لا يُخفي خبراء روس أن جزءاً مهماً من التصعيد الخطابي الإعلامي الإيراني له أسباب داخلية بحتة. ولقد كتب معلق في صحيفة فيدرالية روسية أن «الجميع يفهم جيداً أن لا أحد يحتاج إلى نزاع. لن تكون إيران ببساطة قادرة على التعامل مع صراع مرهق».
هذا الأمر لا ينطبق على إيران وحدها، بل ينسحب على كل الأطراف في المنطقة، لأنه «لا توجد دولة من الدول التي تشارك بشكل أو بآخر في هذه الأحداث، مهتمة في نهاية المطاف بالتفاقم، بل أكثر من ذلك في نوع من العمل العسكري. إذ تتمركز القوات الإيرانية الآن في سوريا ولبنان، وهي الآن بحالة صعبة للغاية... وتركيا منشغلة أيضاً بملفاتها،... ولا تحتاج أذربيجان وأرمينيا لاختبار عسكري جديد في المنطقة».

صيغة 3+3

بدأت المحاولات الروسية للمحافظة على التوازن بين مصالح الأطراف المختلفة من خلال المبادرة التي أطلقها الوزير الروسي لافروف للحوار بين أطراف المنطقة والفاعلين الخارجيين المؤثرين فيها. إذ أعلن لافروف أن بلاده تجري مناقشات مع الأطراف المختلفة لوضع آلية للحوار بصيغة 3+3. والمقصود هنا الدول الثلاث في منطقة جنوب القوقاز، أذربيجان وأرمينيا وجورجيا، والدول الثلاث المؤثرة... روسيا وتركيا وإيران.
هذا التوازن الذي تعمل موسكو على بنائه يواجه بصعوبات جدية، بينها الموقف الجورجي الذي يرفض أي مبادرات تأتي من جانب موسكو، ويفضل إشراك أطراف غربية في أي حوارات. وهذا الأمر أشار إليه لافروف بوضوح عندما أعرب عن أمله في أن «تضع جورجيا في المقدمة مصالح بلدان المنطقة وهدف استقرارها وأمنها».
لكن ثمة صعوبات أخرى هنا، لأن أي حوارات - وفقاً لخبراء - لن تحاول الاقتراب من المساحة الممنوعة. والمقصود هنا السياسة الداخلية لكل طرف. بعبارة أخرى، لن يكون بمقدور الأطراف مناقشة حجم وأبعاد التعاون العسكري بين تركيا وأذربيجان ومدى تأثيره على الوضع الجيوسياسي، ناهيك من مناقشة حجم وطبيعة التعاون العسكري بين باكو وتل أبيب.
أيضاً، لن تغير أي مباحثات بهذه الصياغة من الواقع الجيوسياسي الجديد وتوزيع النفوذ في المنطقة بعد حرب العام الماضي. والقصد أنه يمكن للأطراف مناقشة تحاشي الانزلاق نحو مواجهة، أو تدابير لضمان فتح الطرق الدولية وممرات عبور البضائع... وليس أكثر من ذلك.

تصاعد المواجهة الخفية
بين تركيا وإيران
من جهته، يرى ديمتري سولونيكوف، مدير معهد تنمية الدولة المعاصرة الروسي، إن التوتر يسير في الواقع على طول «خطوط الصدع» الأخرى. وعلى غرار إيران، وجدت كل من تركيا وإيران وإسرائيل وأذربيجان نفسها أمام واقع مقلق.
ويُبرز الخبير عدداً من العناصر التي تدعم «سيناريو» تصاعد المواجهة، وبينها أن إيران باتت على وشك الحصول على أسلحة نووية، و«لم يتبقَ سوى بضعة أشهر. ولا يسع هذا إلا أن يقلق الولايات المتحدة وإسرائيل. وهما مستعدتان للجوء إلى أي تصرف، بما في ذلك العمل العسكري، لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية. وفي المقابل، من المعروف أن أذربيجان تتعاون بشكل وثيق مع إسرائيل. وفي هذا الصدد، بدأت إيران تقلق بشدة من هذا الأمر».
العنصر الثاني، وفقاً للخبير الروسي، الذي أسفر عن السلوك الإيراني الجديد هو «نشاط تركيا، التي تروج لمصالحها في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى. وفي نهاية المطاف، تعتبر إيران هذه المناطق جزءاً من نطاقها الحيوي... وهنا تتزايد المنافسة بين تركيا وإيران بشكل ملحوظ، والتوتر يتزايد. إن الطموحات الإيرانية تجعل نفسها محسوسة طوال الوقت. وأذربيجان تصبح رهينة الوضع».
وهنا، يرفض الخبير فكرة أن تغيير القيادة الإيرانية ترك أثره على التطورات الجارية، لجهة قناعته بأن «هناك آية الله (خامنئي) الذي يحدد الخط السياسي الكامل للبلاد. ولو لم يكن هناك تصريح بأن إيران على وشك صنع قنبلة ذرية، ولو لم يكن هناك بيان حول استعدادها لوقف تطوير البرنامج النووي الإيراني للوسائل العسكرية، لما حدثت هذه المواجهة بين أذربيجان وإيران الآن».
في مقابل ذلك، يرى أندريه مانويلو، الأستاذ في جامعة موسكو الحكومية، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعمل كـ«حَكَم» في منطقة القوقاز، ويبحث عن طريقة لتعزيز مصالح روسيا في المنطقة. وحسب رأيه، لا تنوي موسكو الانحياز لأي طرف. ثم يقول: «تركيا قوية بالفعل في منطقة القوقاز كلاعب إقليمي كامل... وتواصل زيادة نفوذها. لذلك، يتعين على بوتين المناورة بين أرمينيا وأذربيجان وتركيا من أجل الحفاظ على علاقات جيدة مع جميع القوى في المنطقة، ومنع اندلاع الصراع مرة أخرى».

العلاقات العسكرية بين إسرائيل وأذربيجان
> تطور التعاون العسكري الفني بين إسرائيل وأذربيجان بنجاح كبير منذ عام 2004. عندما وُقع عقد لتوريد أسلحة إسرائيلية منتجة في تركيا إلى أذربيجان.
وفي سبتمبر (أيلول) 2008، وقّعت إسرائيل وأذربيجان اتفاقية فازت بموجبها شركة إسرائيلية بعقد لتزويد الجيش الأذربيجاني بقذائف الهاون والذخيرة، كما نص عقد آخر على شراء أذربيجان أجهزة اتصالات إسرائيلية، وتقنيات التوجيه وأنظمة المراقبة.
وفي العام التالي 2009. فتحت شركة صناعات الدفاع الإسرائيلية «البيت سيستم» مكتباً تمثيلياً لها في أذربيجان، وبدأت وزارة الدفاع الآذرية في إنتاج طرازات من تقنيات عسكري إسرائيلية.
ثم شهد العام 2012 دفعة مهمة في التعاون، عندما اشترت أذربيجان طائرات من دون طيار وأنظمة دفاع جوي من إسرائيل بقيمة 1.6 مليار دولار أميركي.
وخلال السنوات اللاحقة، واصل الطرفان تعزيز التعاون العسكري. وأجرى وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان عام 2018 زيارة إلى أذربيجان، أسفرت عن توقيع رزمة من الوثائق، تلتها في أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه زيارة للنائب الأول لوزير الدفاع الأذربيجاني نجم الدين صادقوف إلى إسرائيل، تجول خلالها في وحدات مختلفة من الجيش الإسرائيلي، وناقش تعزيز العلاقات العسكرية، فضلاً عن الصفقات الأمنية بين البلدين. وحالياً، وفقاً لمعطيات إسرائيلية آذرية متطابقة، فإن أذربيجان وإسرائيل تتفاوضان لتوقيع عقد لشراء أسلحة متطورة بقيمة ملياري دولار إضافية من شركات دفاع إسرائيلية. وأشار تقرير نشرته وسائل إعلام، إلى أن تكثيف التعاون العسكري التقني بين الطرفين «تأثر خلال الفترة الماضية بتطورات الوضع في منطقة الحدود الأرمينية الأذربيجانية، التي قد تتطور إلى حرب جديدة، فضلاً عن رغبة سابقة للطرفين بتعزيز التعاون الأذربيجاني الإسرائيلي بعد انتصار باكو في قره باغ».
تعليقاً على العلاقات العسكرية والتقنية الوثيقة بين إسرائيل وأذربيجان، قال الخبير في مجال القانون الدولي والعلاقات الدولية ميخائيل فينكل، إن الكلام عن صفقات كبرى جارٍ إعدادها هو «كلام جاد»، والمفاوضات جارية بين أذربيجان وإسرائيل بشأن شراء شحنة كبيرة جداً من الأسلحة.
علاوة على ذلك، فإن المعدات التي يجري الحديث بشأنها ليست تقليدية، وليست تلك التي اشتريت بالفعل في عقود سابقة. وقد تسربت المعلومات حول هذا الأمر إلى صحف إسرائيلية من مصادر قريبة من الصفقة. ويرجع ذلك أساساً إلى تفاقم الوضع في منطقة الحدود. والواقع أنه لا تشير المصادر لدى الطرفين بشكل دقيق إلى نوعية التقنيات العسكرية الجاري الكلام بشأنها، لكن خبراء عسكريين في موسكو يعتقدون أنه يدور عن طرازات مختلفة من الأسلحة الإسرائيلية، تتعلق بالدرجة الأولى بالدفاع الجوي. ويمكن أيضاً أن تكون على طاولة البحث طائرات من دون طيار وأنواع مختلفة من القذائف والألغام. وعليه، فإن المهمة هي إنشاء نوع من «القبة الحديدية» على الحدود، وبالتالي حماية أرواح العسكريين والمدنيين الآذريين.
اللافت هنا وفقاً للخبير نفسه، هو وجه الشبه في منطقة الحدود الآذرية مع حدود إسرائيل وقطاع غزة وإسرائيل ولبنان وإسرائيل وسوريا. وهو يضيف: «كما تعلمون، بالإضافة إلى نظام القبة الحديدية، لدى إسرائيل أيضاً أنظمة أخرى قادرة على إسقاط الصواريخ والقذائف الأصغر. ويرجّح أن العقد مع أذربيجان يشمل هذا النوع من الأسلحة».
في المقابل، نقلت وسائل إعلام عن الكاتب والإعلامي الإسرائيلي بيتر لوكيمسون قوله؛ إن تعاون أذربيجان مع إسرائيل في المجال العسكري ومجالات أخرى لا يعتمد على ما يحدث اليوم في المنطقة الحدودية. كما أشار لوكيمسون إلى أن التركيز ينصب الآن على «التعاون الاستراتيجي طويل الأمد، لأنه من الواضح لي شخصياً أن التفوق العسكري المتعدد لأذربيجان فقط يمكن أن يصبح رادعاً لحرب جديدة بين البلدين».



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.