موسكو أمام اختبار النفوذ في منطقة جنوب القوقاز

الكرملين يسعى إلى المحافظة على توازن المصالح بين «شريكين متعبين»

موسكو أمام اختبار النفوذ في منطقة جنوب القوقاز
TT

موسكو أمام اختبار النفوذ في منطقة جنوب القوقاز

موسكو أمام اختبار النفوذ في منطقة جنوب القوقاز

مع حلول الذكرى الأولى للحرب الأرمينية - الآذرية، التي أسفرت عن تبدل واسع في ملامح الجغرافيا السياسية وتوزيع النفوذ في منطقة جنوب القوقاز، بدا أن الكرملين يقف أمام تحدٍ جديد، مع تفاقم التوتر بين إيران وأذربيجان، واتساع المخاوف من تصعيد يؤدي إلى زعزعة الأوضاع في المنطقة من جديد.
الكرملين يراقب اليوم بحذر تزايد الشكاوى الإيرانية من «مؤامرة» آذرية - إسرائيلية مزعومة تستهدف طهران. في حين يقول خبراء مقرّبون من مراكز صنع القرار في روسيا إن الأسباب الحقيقية للتوتر تكمن في إدراك الإيرانيين أن التسوية التي فرضت العام الماضي، بضغط واسع من جانب موسكو، لم تأخذ في الاعتبار مصالح طهران التي تراجع نفوذها كثيراً في جنوب القوقاز.
ومع سعي موسكو لمنع انزلاق الأوضاع مجدداً في المنطقة، والمحافظة على توازن المصالح بين الأطراف المختلفة، وخصوصاً إيران التي يصفها محللون بأنها «شريك متعب» للكرملين، تقف تركيا «الشريك الآخر المتعب» على أهبة الاستعداد للدفاع عن حليفها الآذري... وعن مكتسبات جيوسياسية كبرى حققتها حرب العام الماضي.
ظهرت محاولات موسكو للإمساك بالعصا من الوسط وإبداء أكبر قدر ممكن من المرونة، خلال مناقشات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الأسبوع الماضي.
وأكد عميد الدبلوماسية الروسية أنه بغضّ النظر عن حجم التحديات المتراكمة على طريق السلام في منطقة جنوب القوقاز، فإن موسكو «لن تسمح بأن يهتز الوضع وينعكس سلبياً» على أي طرف، بما في ذلك على «الأصدقاء - الشركاء» الإيرانيين.
أما عبد اللهيان، الذي وصل إلى روسيا في أول زيارة له لروسيا وزيراً للخارجية الإيرانية، فقد ركز اهتمامه على الوضع في هذه المنطقة الحدودية، خلافاً لتوقعات سابقة بأن الزيارة هدفها الرئيس «ضبط الساعات مجدداً بين موسكو وطهران بعد تغيير القيادة في إيران».
لقد هاجم الوزير الإيراني أذربيجان بقوة. وكرّر الاتهامات الموجهة لباكو، ولوّح بأن بلاده لن تتسامح مع «تغيير جيوسياسي للخريطة في القوقاز»، قائلاً إن «طهران لديها مخاوف جدية بشأن وجود الإرهابيين والصهاينة في هذه المنطقة».
في المقابل، سعى لافروف إلى تقديم رؤية توافقية، مشدداً على أن لدى أذربيجان مخاوف أيضاً بشأن سلوك إيران. وأشار مرة أخرى إلى الحاجة، بعد تسوية ناغورنو قره باغ، إلى تعزيز التفاعل بين بلدان المنطقة، مع احترام الاتفاقات التي أفضت إليها جهود الوساطة الروسية العام الماضي، بما في ذلك على صعيد فتح الممرات أمام وسائل المواصلات وخطوط النقل الاقتصادي التجاري.
هكذا وضع لافروف يده مباشرة على المشكلة الأساسية التي أدت إلى اندلاع الأزمة الأخيرة. إذ أسفر النجاح العسكري لأذربيجان عن استعادتها السيطرة على مناطق واسعة، تقع في جزء كبير منها على طول الحدود مع إيران. وهكذا وجدت إيران نفسها مرة واحدة أمام واقع جيوسياسي جديد، بعد عقدين كاملين من تعاملها مع أرمينيا على طول الحدود.

بداية الأزمة

بدأ التوتر بين إيران وأذربيجان، الذي لم يهدأ منذ عدة أسابيع، بعد احتجاز شاحنات إيرانية وسائقيها من قبل الشرطة الآذرية على طريق جوروس كافان، الذي يربط بين أرمينيا وإيران. وبعد ذلك، بدأت التصريحات ضد أذربيجان تنطلق من إيران. وإضافة إلى ذلك، أجرى كلا البلدين تدريبات عسكرية على الحدود.
ولم تلبث الأزمة أن اتسعت، بعد تبادل الاتهامات ودخول تركيا على خط الدعم لأذربيجان، ما أدى إلى تحوّل في المواجهة، عبّر عنه أوزكان ألاش، رئيس جمعية تنمية التجارة مع إيران، عندما قال إن تركيا أغلقت جميع نقاط التفتيش الخاصة بها أمام الشاحنات الإيرانية، رداً على حظر مرور الشاحنات التركية إلى إيران.
بالإضافة إلى ذلك، قال حسين علياء، ممثل المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في «الحرس الثوري»، إن لدى إيران «قوة عسكرية كبيرة» ولن تسمح لإسرائيل بالاستقرار على الحدود الشمالية الغربية لإيران بعد هزيمة الولايات المتحدة في المنطقة. وبجانب ذلك، اعترف ممثل خامنئي علانية بأن طهران تعارض إطلاق ممر زنجيزور، لأنه «سيلحق ضرراً اقتصادياً بإيران، على وجه التحديد»، مضيفاً: «سيتلقون رداً قاسياً وساحقاً».

تطورات داخل إيران

يربط الخبراء الأزمة المتفاقمة بعدد من التطورات داخل إيران وفي المنطقة. ووفقاً لإيرينا فيدوروفا، الخبيرة في مركز الشرق الأوسط التابع لمعهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، فإن وصول الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي إلى منصبه في إيران حمل انقلاباً على نهج سلفه حسن روحاني، الذي تميز بآراء متسامحة إلى حد ما، وأراد تحسين العلاقات مع الغرب. وتوضح فيدوروفا أن «إبراهيم رئيسي صاحب عقلية محافظة إلى حد ما. ووصوله في المقام الأول يصبّ في مصلحة (الحرس الثوري) الإسلامي. وبشكل عام، ستتسم سياسة إيران برمّتها مع وصول رئيسي بتعزيز الجناح المحافظ وسياسة أكثر صرامة، خاصة في المنطقة، وفيما يتعلق بالدول المحيطة بإيران».
السبب الثاني وفقاً للخبيرة الروسية ينطلق من استياء طهران المتزايد بسبب الوضع الذي تطور بعد حرب قره باغ الثانية، وخصوصاً تعزيز مواقف أذربيجان وتركيا. واليوم ترى إيران أن الضغط على أذربيجان يمكن أن يسفر عن توافق يحفظ مصلحتها مع الجانب التركي، ولذلك جاءت دعوة رئيسي أخيراً إلى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لزيارة إيران.
وبالإضافة إلى ما تقدم، يرتبط قلق طهران بالفعل - وفق الخبيرة - بتزايد نفوذ إسرائيل في جنوب القوقاز. وعموماً، يرى الخبراء الروس أنه بعد حرب قره باغ الثانية، بات من الصعب أكثر، مراعاة مصالح جميع الأطراف في المنطقة. ومن الواضح أن إيران - المعنية بتعزيز نفوذها هناك - تراجعت كثيراً لأسباب موضوعية.
وفي خريف العام الماضي، عندما كانت الحرب مستعرة بين أذربيجان وأرمينيا، حاولت إيران بنشاط كبير طرح مقترحات وساطة. إلا أن إيران تفتقر إلى النفوذ لأسباب واضحة، بسبب وجود روسيا وتركيا هنا. والآن، مع تغيّر الوضع في المنطقة، بعدما تغيرت خطوط الحدود، وما عاد هناك جزء من الأرض ترتبط من خلاله إيران وأرمينيا لوجستياً تحت تقاسم الطرفين، بدأت إيران تشعر بالقلق.
وأما حيال ما يتعلق بـ«المؤامرة الصهيونية» التي تتحدث عنها إيران، فهناك بالفعل أسباب للخشية من أن تغدو أذربيجان منصة انطلاق لهجوم من قبل إسرائيل. وهذا، على خلفية تعزيز التعاون العسكري بين تل أبيب وباكو في السنوات الأخيرة. لكن أذربيجان أكدت مراراً أنها لن توفر أراضيها للعمليات العسكرية لدولة أخرى، وبالأخص، في ظل الوضع الحالي لمحاولات استعادة السلام في المنطقة.

تصعيد للاستهلاك المحلي

لا يُخفي خبراء روس أن جزءاً مهماً من التصعيد الخطابي الإعلامي الإيراني له أسباب داخلية بحتة. ولقد كتب معلق في صحيفة فيدرالية روسية أن «الجميع يفهم جيداً أن لا أحد يحتاج إلى نزاع. لن تكون إيران ببساطة قادرة على التعامل مع صراع مرهق».
هذا الأمر لا ينطبق على إيران وحدها، بل ينسحب على كل الأطراف في المنطقة، لأنه «لا توجد دولة من الدول التي تشارك بشكل أو بآخر في هذه الأحداث، مهتمة في نهاية المطاف بالتفاقم، بل أكثر من ذلك في نوع من العمل العسكري. إذ تتمركز القوات الإيرانية الآن في سوريا ولبنان، وهي الآن بحالة صعبة للغاية... وتركيا منشغلة أيضاً بملفاتها،... ولا تحتاج أذربيجان وأرمينيا لاختبار عسكري جديد في المنطقة».

صيغة 3+3

بدأت المحاولات الروسية للمحافظة على التوازن بين مصالح الأطراف المختلفة من خلال المبادرة التي أطلقها الوزير الروسي لافروف للحوار بين أطراف المنطقة والفاعلين الخارجيين المؤثرين فيها. إذ أعلن لافروف أن بلاده تجري مناقشات مع الأطراف المختلفة لوضع آلية للحوار بصيغة 3+3. والمقصود هنا الدول الثلاث في منطقة جنوب القوقاز، أذربيجان وأرمينيا وجورجيا، والدول الثلاث المؤثرة... روسيا وتركيا وإيران.
هذا التوازن الذي تعمل موسكو على بنائه يواجه بصعوبات جدية، بينها الموقف الجورجي الذي يرفض أي مبادرات تأتي من جانب موسكو، ويفضل إشراك أطراف غربية في أي حوارات. وهذا الأمر أشار إليه لافروف بوضوح عندما أعرب عن أمله في أن «تضع جورجيا في المقدمة مصالح بلدان المنطقة وهدف استقرارها وأمنها».
لكن ثمة صعوبات أخرى هنا، لأن أي حوارات - وفقاً لخبراء - لن تحاول الاقتراب من المساحة الممنوعة. والمقصود هنا السياسة الداخلية لكل طرف. بعبارة أخرى، لن يكون بمقدور الأطراف مناقشة حجم وأبعاد التعاون العسكري بين تركيا وأذربيجان ومدى تأثيره على الوضع الجيوسياسي، ناهيك من مناقشة حجم وطبيعة التعاون العسكري بين باكو وتل أبيب.
أيضاً، لن تغير أي مباحثات بهذه الصياغة من الواقع الجيوسياسي الجديد وتوزيع النفوذ في المنطقة بعد حرب العام الماضي. والقصد أنه يمكن للأطراف مناقشة تحاشي الانزلاق نحو مواجهة، أو تدابير لضمان فتح الطرق الدولية وممرات عبور البضائع... وليس أكثر من ذلك.

تصاعد المواجهة الخفية
بين تركيا وإيران
من جهته، يرى ديمتري سولونيكوف، مدير معهد تنمية الدولة المعاصرة الروسي، إن التوتر يسير في الواقع على طول «خطوط الصدع» الأخرى. وعلى غرار إيران، وجدت كل من تركيا وإيران وإسرائيل وأذربيجان نفسها أمام واقع مقلق.
ويُبرز الخبير عدداً من العناصر التي تدعم «سيناريو» تصاعد المواجهة، وبينها أن إيران باتت على وشك الحصول على أسلحة نووية، و«لم يتبقَ سوى بضعة أشهر. ولا يسع هذا إلا أن يقلق الولايات المتحدة وإسرائيل. وهما مستعدتان للجوء إلى أي تصرف، بما في ذلك العمل العسكري، لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية. وفي المقابل، من المعروف أن أذربيجان تتعاون بشكل وثيق مع إسرائيل. وفي هذا الصدد، بدأت إيران تقلق بشدة من هذا الأمر».
العنصر الثاني، وفقاً للخبير الروسي، الذي أسفر عن السلوك الإيراني الجديد هو «نشاط تركيا، التي تروج لمصالحها في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى. وفي نهاية المطاف، تعتبر إيران هذه المناطق جزءاً من نطاقها الحيوي... وهنا تتزايد المنافسة بين تركيا وإيران بشكل ملحوظ، والتوتر يتزايد. إن الطموحات الإيرانية تجعل نفسها محسوسة طوال الوقت. وأذربيجان تصبح رهينة الوضع».
وهنا، يرفض الخبير فكرة أن تغيير القيادة الإيرانية ترك أثره على التطورات الجارية، لجهة قناعته بأن «هناك آية الله (خامنئي) الذي يحدد الخط السياسي الكامل للبلاد. ولو لم يكن هناك تصريح بأن إيران على وشك صنع قنبلة ذرية، ولو لم يكن هناك بيان حول استعدادها لوقف تطوير البرنامج النووي الإيراني للوسائل العسكرية، لما حدثت هذه المواجهة بين أذربيجان وإيران الآن».
في مقابل ذلك، يرى أندريه مانويلو، الأستاذ في جامعة موسكو الحكومية، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعمل كـ«حَكَم» في منطقة القوقاز، ويبحث عن طريقة لتعزيز مصالح روسيا في المنطقة. وحسب رأيه، لا تنوي موسكو الانحياز لأي طرف. ثم يقول: «تركيا قوية بالفعل في منطقة القوقاز كلاعب إقليمي كامل... وتواصل زيادة نفوذها. لذلك، يتعين على بوتين المناورة بين أرمينيا وأذربيجان وتركيا من أجل الحفاظ على علاقات جيدة مع جميع القوى في المنطقة، ومنع اندلاع الصراع مرة أخرى».

العلاقات العسكرية بين إسرائيل وأذربيجان
> تطور التعاون العسكري الفني بين إسرائيل وأذربيجان بنجاح كبير منذ عام 2004. عندما وُقع عقد لتوريد أسلحة إسرائيلية منتجة في تركيا إلى أذربيجان.
وفي سبتمبر (أيلول) 2008، وقّعت إسرائيل وأذربيجان اتفاقية فازت بموجبها شركة إسرائيلية بعقد لتزويد الجيش الأذربيجاني بقذائف الهاون والذخيرة، كما نص عقد آخر على شراء أذربيجان أجهزة اتصالات إسرائيلية، وتقنيات التوجيه وأنظمة المراقبة.
وفي العام التالي 2009. فتحت شركة صناعات الدفاع الإسرائيلية «البيت سيستم» مكتباً تمثيلياً لها في أذربيجان، وبدأت وزارة الدفاع الآذرية في إنتاج طرازات من تقنيات عسكري إسرائيلية.
ثم شهد العام 2012 دفعة مهمة في التعاون، عندما اشترت أذربيجان طائرات من دون طيار وأنظمة دفاع جوي من إسرائيل بقيمة 1.6 مليار دولار أميركي.
وخلال السنوات اللاحقة، واصل الطرفان تعزيز التعاون العسكري. وأجرى وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان عام 2018 زيارة إلى أذربيجان، أسفرت عن توقيع رزمة من الوثائق، تلتها في أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه زيارة للنائب الأول لوزير الدفاع الأذربيجاني نجم الدين صادقوف إلى إسرائيل، تجول خلالها في وحدات مختلفة من الجيش الإسرائيلي، وناقش تعزيز العلاقات العسكرية، فضلاً عن الصفقات الأمنية بين البلدين. وحالياً، وفقاً لمعطيات إسرائيلية آذرية متطابقة، فإن أذربيجان وإسرائيل تتفاوضان لتوقيع عقد لشراء أسلحة متطورة بقيمة ملياري دولار إضافية من شركات دفاع إسرائيلية. وأشار تقرير نشرته وسائل إعلام، إلى أن تكثيف التعاون العسكري التقني بين الطرفين «تأثر خلال الفترة الماضية بتطورات الوضع في منطقة الحدود الأرمينية الأذربيجانية، التي قد تتطور إلى حرب جديدة، فضلاً عن رغبة سابقة للطرفين بتعزيز التعاون الأذربيجاني الإسرائيلي بعد انتصار باكو في قره باغ».
تعليقاً على العلاقات العسكرية والتقنية الوثيقة بين إسرائيل وأذربيجان، قال الخبير في مجال القانون الدولي والعلاقات الدولية ميخائيل فينكل، إن الكلام عن صفقات كبرى جارٍ إعدادها هو «كلام جاد»، والمفاوضات جارية بين أذربيجان وإسرائيل بشأن شراء شحنة كبيرة جداً من الأسلحة.
علاوة على ذلك، فإن المعدات التي يجري الحديث بشأنها ليست تقليدية، وليست تلك التي اشتريت بالفعل في عقود سابقة. وقد تسربت المعلومات حول هذا الأمر إلى صحف إسرائيلية من مصادر قريبة من الصفقة. ويرجع ذلك أساساً إلى تفاقم الوضع في منطقة الحدود. والواقع أنه لا تشير المصادر لدى الطرفين بشكل دقيق إلى نوعية التقنيات العسكرية الجاري الكلام بشأنها، لكن خبراء عسكريين في موسكو يعتقدون أنه يدور عن طرازات مختلفة من الأسلحة الإسرائيلية، تتعلق بالدرجة الأولى بالدفاع الجوي. ويمكن أيضاً أن تكون على طاولة البحث طائرات من دون طيار وأنواع مختلفة من القذائف والألغام. وعليه، فإن المهمة هي إنشاء نوع من «القبة الحديدية» على الحدود، وبالتالي حماية أرواح العسكريين والمدنيين الآذريين.
اللافت هنا وفقاً للخبير نفسه، هو وجه الشبه في منطقة الحدود الآذرية مع حدود إسرائيل وقطاع غزة وإسرائيل ولبنان وإسرائيل وسوريا. وهو يضيف: «كما تعلمون، بالإضافة إلى نظام القبة الحديدية، لدى إسرائيل أيضاً أنظمة أخرى قادرة على إسقاط الصواريخ والقذائف الأصغر. ويرجّح أن العقد مع أذربيجان يشمل هذا النوع من الأسلحة».
في المقابل، نقلت وسائل إعلام عن الكاتب والإعلامي الإسرائيلي بيتر لوكيمسون قوله؛ إن تعاون أذربيجان مع إسرائيل في المجال العسكري ومجالات أخرى لا يعتمد على ما يحدث اليوم في المنطقة الحدودية. كما أشار لوكيمسون إلى أن التركيز ينصب الآن على «التعاون الاستراتيجي طويل الأمد، لأنه من الواضح لي شخصياً أن التفوق العسكري المتعدد لأذربيجان فقط يمكن أن يصبح رادعاً لحرب جديدة بين البلدين».



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.