عزيز أخنوش... رجل أعمال ثري قهر إسلاميي المغرب بلمسات ناعمة

«الجمع بين المال والسياسة» تهمة ظلت مكتوبة على جبينه

عزيز أخنوش... رجل أعمال ثري قهر إسلاميي المغرب بلمسات ناعمة
TT

عزيز أخنوش... رجل أعمال ثري قهر إسلاميي المغرب بلمسات ناعمة

عزيز أخنوش... رجل أعمال ثري قهر إسلاميي المغرب بلمسات ناعمة

حينما تسلّم رجل الأعمال المغربي عزيز أخنوش مقاليد زعامة حزب «التجمع الوطني للأحرار»، المحسوب على تيار الوسط الليبرالي، والذي أسسه أحمد عصمان، صهر الملك الراحل الحسن الثاني عام 1978، فإنه وضع نصب عينيه هدفاً واحداً... هو وضع حد، وإن «بلمسات ناعمة»، لسيطرة الإسلاميين على الحكومة.
أخنوش تولّى زعامة الحزب من صلاح الدين مزوار، رئيسه السابق، وذلك في أعقاب تعرّضه لهزيمة مدوية في انتخابات عام 2016. ولقد عمل بدأب على إطاحة الإسلاميين تحت لواء حزب «العدالة والتنمية»، التي حطّوا رحالهم في قلب السلطة منذ عام 2012، إلا أنه اختار ألا يجعل منهم ضحايا يرفعون شعار «المظلومية».
وفي هذا السبيل؛ استثمر أموالاً طائلة، واستخدم شركات متخصّصة في الإعلام والتواصل، كما استقطب العديد من الأعيان والمستشارين الجماعيين في المدن والقرى. وفي النتيجة، حقق أخنوش ما تعذّر على إلياس العماري، الأمين العام السابق لـ«حزب الأصالة والمعاصرة» تحقيقه في انتخابات 2016... أي الإطاحة بـ«العدالة والتنمية».
ما إن أعلنت وزارة الداخلية المغربية عن فوز حزب «التجمع الوطني للأحرار» بالمرتبة الأولى في انتخابات 8 سبتمبر (أيلول) الماضي حتى ساد الترقب استقبال العاهل المغربي الملك محمد السادس لرئيسه عزيز أخنوش؛ تمهيداً لتكليفه تشكيل الحكومة. وهو ما حصل فعلاً خلال يوم الجمعة 10 سبتمبر الماضي.
ومن ثم، غدا أخنوش يوصف بـ«قاهر الإسلاميين»، وكاسر شوكتهم، بعدما حصل على 102 من المقاعد في مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان)، في حين تراجع إسلاميو «العدالة والتنمية» من 125 مقعداً في المجلس (اقتراع 2016) إلى 13 مقعداً فقط في الاقتراع الأخير؛ ما يعني تقهقرهم من المرتبة الأولى إلى المرتبة الثامنة. فمن يكون عزيز أخنوش رئيس الحكومة المغربية الجديد؟

سيرة شخصية حافلة
برز اسم عزيز أخنوش في المغرب كرجل أعمال بارز يملك ثروة تقدر بمليارَي دولار أميركي، بحسب مجلة «فوربز» الأميركية المرموقة؛ وذلك بفضل مجموعته الاقتصادية العملاقة «أكوا»، التي ورثها عن والده وطوّرها. غير أن رجال الأعمال البارزين في المغرب عادة ما يجدون لأنفسهم، بصورة أو بأخرى، موطأ قدم في السياسة.
وراهناً، تملك مجموعة «أكوا» نحو 70 شركة تنشط في مجالات عدة، منها الطاقة والعقارات والسياحة والاتصالات والصحافة. وتعد شركة «أفريقيا غاز»، و«مغرب أكسيجين»، أبرز شركات المجموعة. أما زوجته سلوى الإدريسي أخنوش، فهي أيضاً سيدة أعمال تملك مجموعة «أكسال» التي تدير أسواقاً ممتازة كبرى مثل «موروكو مول»، وهو إحدى أكبر الأسواق التجارية في أفريقيا، ولقد نجح في استقطاب ماركات عالمية.
ولد عزيز أحمد أخنوش عام 1961 في منطقة تافراوت التابعة لإقليم (محافظة) تيزنيت، الواقع بجهة سوس - ماسة في وسط المغرب. وهي تبعد عن مدينة أغادير بنحو 170 كيلومتراً.
والده أحمد أولحاج أخنوش، رجل مارس السياسة منذ فترة الاستعمار. وانضم إلى الحركة الوطنية، وتعرّض للاعتقال والنفي. كما أنه مارس التجارة منذ عقد الثلاثينات من القرن الماضي. وعندما توفي عام 1995، خلّف وراءه ثروة طائلة.
من ناحية أخرى، في بدايات عقد الثمانينات القرن الماضي، اختار أولحاج إرسال ابنه عزيز إلى كندا لمتابعة دراسته العليا، وحقاً التحق بجامعة شيربروك في ولاية كيبيك، حيث تخرّج فيها وعاد إلى المغرب عام 1986 بشهادة في تسيير المقاولات.
وبعد ذلك، خطا عزيز أخنوش الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل بعالم السياسة لدى انتخابه عضواً مستقلاً (غير منتمٍ لحزب سياسي) في جماعة أربعاء آيت أحمد القروية التي توجد فيها قريته ومسقط رأسه أكرض أوضاض. وهكذا تأهل لعضوية المجلس الإقليمي لمحافظة تيزنيت، قبل أن يصبح عام 2003 رئيساً لجهة سوس - ماسة - درعة، التي أصبح اسمها اليوم جهة سوس – ماسة.
في عام 2007، عُيّن عزيز أخنوش وزيراً للفلاحة في حكومة عباس الفاسي، أمين عام حزب الاستقلال. وعلى الرغم من كونه مستقلاً على الصعيد الحزبي، فقد جرى توزيره باسم «التجمع الوطني للأحرار»، الذي يوصف بأنه حزب رجال الأعمال والأعيان، وذلك بعدما اعترض محند العنصر، أمين عام حزب «الحركة الشعبية»، على أن يكون أخنوش ضمن لائحة وزراء حزبه.
ولكن في عام 2012 استقال أخنوش من حزب «التجمع الوطني للأحرار»، الذي أدت به نتائج انتخابات ذاك العام إلى التموضع في المعارضة، عقب تشكيل حكومة عبد الإله ابن كيران الأولى؛ وذلك حتى يظل محتفظاً بحقيبته الوزارية من دون انتماء حزبي. والواقع، أن أخنوش بقي في منصبه الوزاري لمدة 14 سنة، مشاركاً في ثلاث حكومات (حكومات عباس الفاسي، وعبد الإله ابن كيران، سعد الدين العثماني).

العودة إلى «التجمع»
بيد أن عزيز أخنوش عاد في عام 2016 إلى أحضان «التجمع»، بعد تقديم رئيس الحزب صلاح الدين مزوار استقالته تحت وقع النتائج السيئة التي حصل عليها في الانتخابات (37 مقعداً فقط). وهكذا، نزل أخنوش من جديد «بالمظلة» على قيادة الحزب، مع أنه لم يكن عضواً قيادياً فيه. وللعلم، على مَن يتقدّم للرئاسة يجب أن يكون في الأساس عضواً في مكتبه التنفيذي، وهو شرط لم يكن يتوافر في أخنوش
مع ذلك، وبمجرد ما أصبح أخنوش رئيساً للحزب، بدأ يخطط للفوز بالانتخابات والإطاحة بالإسلاميين. إذ مضى قدماً في الضغط على عبد الإله ابن كيران، رئيس الحكومة المعيّن، وفرض عليه مجموعة من الشروط، من بينها إبعاد حزب الاستقلال من المشاركة في الحكومة - بسبب خلافه مع حميد شباط، أمين عام حزب الاستقلال يومذاك - وضم حزب «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» إليها. وهذا إلى جانب شرط آخر كشف عنه ابن كيران لاحقاً يتمثل في إلغاء الدعم المباشر للأرامل والمطلقات؛ الأمر الذي دفع بالعلاقة بين أخنوش وابن كيران إلى طريق مسدودة. بالتالي، تعذّر على ابن كيران تشكيل الحكومة جراء ما اصطلح عليه آنذاك بـ«البلوكاج الحكومي»، فأعفاه الملك محمد السادس من تشكيلها، وعيّن بدلاً عنه زميله في حزب «العدالة والتنمية» الدكتور سعد الدين العثماني.
أما على المستوى الحزبي، فقد أعاد أخنوش هيكلة «التجمع الوطني للأحرار» وفروعه المحلية والجهوية، وأنشأ تنظيمات للشباب والمرأة، وأنفق مبالغ طائلة لإطلاق برامج من قبيل قافلة «100 يوم في مائة مدينة»، وتزايد عدد المنخرطين في الحزب حتى تجاوز 100 ألف.
وقبل ثلاث سنوات من موعد اقتراع 8 سبتمبر 2021، أطلق أخنوش سباقاً انتخابياً مبكراً، فعقد تجمعات ولقاءات متعدّدة في مدن عدة، وأعدّ برنامجاً انتخابياً، أسمّاه «مسار الثقة». كذلك، عيّن مسؤولين من حزبه في لجان اختيار المرشحين، وكثف زياراته لعدد من جهات المملكة؛ ما جعل خصومه السياسيين ينتقدون حملته السابقة لأوانها. وهذا بينما كان يصرّح بأن هدفه هو المرتبة الأولى في الانتخابات.
بالتوازي، كان أخنوش يركّز في خطبه على الإشادة بالمنجزات الملكية، وينتقد - وهو الوزير النافذ - بعض إجراءات الحكومة، مثل فرض الضرائب على التجار. ثم إنه انتقد «ازدواجية» حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي، ففي أحد حواراته مع مجلة «جون أفريك» الفرنسية، انتقد أخنوش تصريحات ابن كيران، رئيس الحكومة الأسبق، معتبراً أنها تطرح إشكالية «ثنائية القيادة» داخل «العدالة والتنمية». وأردف في الحوار نفسه، أنه يخطط لاستهداف الناخبين حيثما ما كانوا، بمن فيهم ناخبو «العدالة والتنمية»، لكن الأهم هو استهداف 14 مليوناً من المسجلين في اللوائح الانتخابية الذين يقاطعون الانتخابات.

هزّة عام 2018
غير أن أخنوش تعرّض لهزة خلال عام 2018، حين تعرضت إحدى شركاته التي تعمل في مجال المحروقات إلى حملة مقاطعة، وذلك بعدما اتهمت بجني أرباح «غير أخلاقية» إثر تحرير الحكومة لأسعار المحروقات، وتواطؤ الشركات العاملة في هذا المجال. وأيضاً، توترت علاقته بحليفه الحكومي حزب «العدالة والتنمية»، بعد نشر تقرير للجنة نيابية تتهم شركاته بتحقيق أرباح كبيرة بعد تحرير الأسعار.
ولقد رد أخنوش على حملة المقاطعة التي استهدفته بالقول، إنه جرى استغلال استياء اجتماعي بمناورات سياسية، محذراً من أن هذه الحملات تمسّ الاقتصاد الوطني.
كذلك، هناك تهمة ظلت مكتوبة على جبين أخنوش هي «الجمع بين المال والسياسة»، لكنه كان يرد على ذلك بالقول «هذا ليس عيباً»؛ لأنه أصلاً كان رجل أعمال قبل مشاركته في الحكومة لأول مرة في 2007، كما أنه أعلن استقالته من جميع مهامه الإدارية في شركاته.
واليوم، يعتقد كثيرون أن عزيز أخنوش، إذا كان قد استطاع فعلاً أن يكون ناجحاً في مجال المال والأعمال، فإنه لم يتمكن بعد من ناصية «الدهاء السياسي»، بحكم أنه دخل أتون السياسة ونزل في ميدانها «بالمظلة»، إلى جانب كونه لا يمتلك لساناً فصيحاً يسعفه.
من ناحية أخرى، بالإضافة إلى ترأس أخنوش الحكومة، فإنه انتخب أيضاً رئيساً لبلدية (عمدة) أغادير، التي تربطه بها علاقة عاطفية. ويروي أخنوش في أحد لقاءاته الحزبية، أنه عام 1960، أي قبل ولادته بسنة، وقع زلزال أغادير المروع الذي قضى فيه 10 من أفراد أسرته منهم شقيقاه، اللذان كانا آنذاك في ربيعيهما الثامن والتاسع. ويحكي أخنوش أن أمه وأخته بقيتا تحت الأنقاض لساعات قبل أن يتسنى إنقاذهما. وحين جرى أخيراً انتخابه عمدة لأغادير، قال، إنه يفتخر بما وصل إليه. ووعد بتطبيق برنامج تنموي للنهوض بالمدينة التي سيرها حزب «العدالة والتنمية» خلال السنوات الخمس الماضية.
لقد حقق عزيز أخنوش حلمه بالوصول إلى سدة رئاسة الحكومة... لكن هل سينجح في تحقيق ولو جزءاً يسيراً من أحلامه الانتخابية يمكنه من الاستمرار مدة ولايتين على رأس الحكومة؟
أمام الرجل تحديات جسام اقتصادية واجتماعية في الداخل، ناهيك من التحديات الخارجية.

تشكيلة الحكومة الجديدة:
· عزيز أخنوش: رئيس الحكومة
· عبد الوافي لفتيت: وزير الداخلية
· ناصر بوريطة: وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج
· عبد اللطيف وهبي: وزير العدل
· أحمد التوفيق: وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية
· محمد حجوي: الأمين العام للحكومة
· نادية فتاح العلوي: وزيرة الاقتصاد والمالية
· نزار بركة: وزير التجهيز والماء
· شكيب بنموسى: وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة
· خالد آيت الطالب: وزير الصحة والحماية الاجتماعية (كانت نبيلة الرميلي - وهي عمدة الدار البيضاء - قد عيّنت للمنصب، إلا انها التمست إعفاءها، فأعيد إسناد المنصب لشاغله السابق آيت الطالب)
· فاطمة الزهراء المنصوري: وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة
· محمد صديقي: وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات
· يونس سكوري: وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى، والشغل والكفاءات
· رياض مزور: وزير الصناعة والتجارة
· فاطمة الزهراء عمور: وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني
· عبد اللطيف ميراوي: وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار
· ليلى بنعلي: وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة
· محمد عبد الجليل: وزير النقل واللوجيستيات
· محمد مهدي بنسعيد: وزير الشباب، والثقافة والتواصل
· عواطف حيار: وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».