كيف سيقود فوميو كيشيدا اليابان حتى انتخابات الشهر المقبل؟

«شهر العسل» قد يكون قصيراً

كيف سيقود فوميو كيشيدا اليابان حتى انتخابات الشهر المقبل؟
TT

كيف سيقود فوميو كيشيدا اليابان حتى انتخابات الشهر المقبل؟

كيف سيقود فوميو كيشيدا اليابان حتى انتخابات الشهر المقبل؟

خلال أيام من انتخاب فوميو كيشيدا، زعيماً جديداً للحزب الديمقراطي الحر الحاكم في اليابان، حصل الزعيم الجديد على تثبيت البرلمان، وشكل من ثم الحكومة الجديدة لليابان، التي عرفت ثلاثة رؤساء وزارة خلال أكثر بقليل من سنة واحدة. كيشيدا (64 سنة) خلف يوشيهيدي سوغا (72 سنة) الذي انسحب في سبتمبر (أيلول) الفائت وسط موجة غضب شعبي من طريقة استجابة حكومته لجائحة «كوفيد - 19»، وإصراره على المضي قدماً في تنظيم أولمبياد طوكيو 2020.
ولحسن حظ كيشيدا، لم يثبت سوغا، الذي يعد الذراع اليمنى لرئيس الوزراء الأسبق شينزو آبي لفترة طويلة، كفاءة تذكر في تولي رئاسة الحكومة. وكان سوغا قد خلف آبي في المنصب خلال سبتمبر 2019 على أثر استقالة الأخير لأسباب صحية بعدما دخل التاريخ كصاحب أطول فترة رئاسة في اليابان. وفي التنافس لخلافة آبي تغلب سوغا على منافسين هما كيشيدا، وشيغيرو إيشيبا.
شهدت شعبية الرئيس الياباني السابق يوشيهيدي سوغا، تراجعاً كبيراً، إذ بلغت أكثر بقليل من 30 في المائة، بعدما كانت تفوق 70 في المائة عند توليه المنصب. وأدى هذا الواقع إلى تزايد قلق قادة الحزب الديمقراطي الحر (المحافظ) الحاكم من احتمال تعرض حزبهم لنكسة انتخابية موجعة خلال الانتخابات العامة الوشيكة.
المعروف أن الحزب الديمقراطي الحر هيمن على سياسة اليابان غالبية فترات العقود السبعة الماضية. وبفضل هيمنته على البرلمان، غدا رئيسه مطمئناً إلى شبه حتمية توليه رئاسة الحكومة. وفي ضوء اهتزاز وضع سوغا، استشعر فوميو كيشيدا أن فرصته حانت، فأعلن ترشحه لقيادة الحزب، وساعد في تسريع عملية تقاعد سوغا.
المفارقة، أن كيشيدا، وزير الخارجية والدفاع السابق، وكما سبقت الإشارة، وجد نفسه على الجانب الآخر من المعادلة السياسية، عندما ترشح ليحل محل الزعيم ورئيس الوزراء الأسبق شينزو آبي، بعد ترك الأخير منصبه. إلا أن كيشيدا خسر معركته في حينه بسهولة أمام يوشيهيدي شوغا، الذراع اليمنى لآبي، الذي تولى المنصب الأعلى. ولكن خروج سوغا اليوم بعدما أمضى أقل من سنة في السلطة شبح العودة إلى خلافة «الباب الدوار» للقادة اليابانيين، حيث يخدم كل منهم لمدة سنة واحدة ليترك حلفاءه على غير هدى سياسياً.

ماذا يمثل كيشيدا؟
أفتاب سيث، سفير الهند السابق لدى اليابان، يرى أن «اختيار فوميو كيشيدا رئيساً جديداً لوزراء اليابان، من منظور خطاب حملته الانتخابية، يمكن للوهلة الأولى أن يمثل نقطة تحول في السياسة اليابانية بعد الحرب. إلا أنه سيحتاج إلى كسب ثقة الجمهور ليثبت أنه ليس مجرد شخص من داخل مطابخ الحزب. وإذا ما بدأت التحديات في الظهور... يمكن أن نرى تراجعاً سريعاً في معدلات تأييده، لأنه بدأ من نقطة دعم متواضعة نسبياً».
كيشيدا أعلن تشكيلة حكومته الجديدة في 4 أكتوبر (تشرين الأول)، بصفته الزعيم الجديد للحزب الديمقراطي الحر. وألزم نفسه بسياسة «أكثر حرصاً وتسامحاً»، في مؤشر إلى جاهزيته للابتعاد عن أسلوب قيادة رئيس الوزراء الأسبق اللامع شينزو آبي شينزو (2012 - 2020)، الذي يُنتقد أحياناً لقلة تسامحه مع المعارضة ولسطوته المفرطة.
والحقيقة، أنه لن يكون لدى كيشيدا الكثير من الوقت للاستمتاع بانتصاره وزعامته للبلاد، وذلك لأنه سيواجه قريباً اختباراً كبيراً هو الانتخابات العامة. ذلك أنه مع انتهاء الفترة الحالية لأعضاء مجلس النواب (الداييت) في 21 أكتوبر الحالي، سيتعين التصويت في هذه الانتخابات على مستوى البلاد بحلول 28 نوفمبر. وبالتالي، ستقرر النتيجة ما إذا كان وزير الخارجية السابق سيحكم بتفويض قوي، أم سيخاطر بفترة قصيرة مثل سلفه سوغا.
المهمة العاجلة بالنسبة لكيشيدا كانت إطلاق حكومته بمعدلات تأييد قوية وإبقائها عالية. وحسب رئيس الوزراء الجديد، في أول خطاب له بعد لحظات من تعيينه زعيماً للحزب، «نحن نحتاج إلى أن نظهر للناس أن الحزب الديمقراطي الحر قد ولد من جديد».

من هو كيشيدا؟
وُلد فوميو كيشيدا، الذي يعرف بالاعتدال والميل إلى التوافق، في العاصمة اليابانية طوكيو قبل 63 سنة لعائلة سياسية من مدينة هيروشيما (جنوب اليابان). إذ كان والده وجده نائبين في البرلمان. ولقد أمضى جزءاً من طفولته في الولايات المتحدة عندما عين والده في الولايات المتحدة عضواً في بعثة وزارة التجارة، وهناك التحق الابن بمدرسة ابتدائية في مدينة نيويورك.
بعد التخرج من جامعة واسيدا المرموقة في طوكيو، أمضى كيشيدا فترة قصيرة في العمل المصرفي. وعام 1988 تزوج، ومن ثم أنجب ثلاثة أبناء. ولاحقاً انتخب عضواً في مجلس النواب خلال عام 1993 عن الحزب الديمقراطي الحر، ممثلاً لإحدى دوائر هيروشيما.
تولى فوميو كيشيدا مناصب مختلفة في حكومتي رئيسي الوزراء شينزو آبي وياسو فوكودا من 2007 – 2008، وعين وزيراً للخارجية بين 2012 - 2017 بعدما استعاد آبي رئاسة الوزراء في أعقاب الانتخابات العامة 2012، ليغدو بذلك أطول وزير للشؤون الخارجية خدمة في التاريخ الياباني.
أيضاً شغل كيشيدا منصب مسؤول السياسة في الحزب الديمقراطي الحر قبل تولي وزارة الخارجية بين عامي 2012 و2017. وكان خلال هذه الفترة مسؤولاً عن التفاوض على الصفقات مع روسيا وكوريا الجنوبية. ولطالما أيد كيشيدا حظر الأسلحة النووية، واصفاً إياه بأنه «إنجاز حياته»، بل وساعد في إحضار الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، إلى مدينته هيروشيما في زيارة تاريخية عام 2016 بصفته أحد نوابها البرلمانيين.

العلاقة مع هيروشيما
نظراً لأن عائلة كيشيدا من هيروشيما، فإنها كانت تعود إلى هناك كل صيف. وللعلم، لقي العديد من أقارب رئيس الوزراء الجديد حتفهم في القصف الذري الأميركي عام 1945، ونشأ فوميو الفتي على سماع قصص من الناجين من القنبلة الذرية.
أما على الصعيد السياسي، ولكون كيشيدا من الجناح الأكثر تقدمية وليبرالية في الحزب الديمقراطي الحر، فإنه يرى قدوته ومثاله الأعلى في كبار الساسة اليابانيين هاياتو إيكيدا (رئيس الوزراء من 1960 إلى 1964) وكيئيتشي ميازاوا (رئيس الوزراء من 1991 إلى 1993)... وهما أيضاً من محافظة هيروشيما. وبالتالي، فالعلاقات السياسية والشخصية للرجال الثلاثة تبدو كلها مرتبطة بالمدينة ذات الماضي الفريد الذي ارتبط بالنكبة الذرية. وهو ما قد يفسر ميل أبرز ساسة هيروشيما إلى رفض النهج الأكثر تعصباً وتشدداً ومحافظة لكبار الشخصيات الأخرى في الحزب.
استقال فوميو كيشيدا من حكومة آبي عام 2017 من أجل ترؤس مجلس أبحاث السياسة التابع للحزب الديمقراطي الحر. ووفق عارفيه، فإنه مستمع جيد ويتمتع بمزايا التواضع واللياقة والحماس للعمل الجماعي (ما يفسر شغفه برياضة البيسبول). غير أن منتقديه يرونه لطيفاً أكثر مما ينبغي وقليل الحزم ويفتقر إلى «الكاريزما». ويرى هؤلاء أن تردد كيشيدا قد يتركه عرضة لتأثير زعماء أجنحة الحزب، لا سيما أفراد جماعة آبي القومية المتشددة. وقد يؤدي هذا الأمر إلى الدفع لتغيير دستور اليابان كي يسمح بسياسة دفاع أكثر عدوانية، ومن ثم تأخير المزيد من الإصلاحات للمساواة بين الجنسين، التي من شأنها أن تتعارض مع غالبية الرأي العام.

مكانته السياسية
من ناحية ثانية، يعرف كثيرون أن كيشيدا سياسي ليبرالي معتدل، ومن المتوقع أن يقود حزبه المحافظ إلى اليسار قليلاً. ولكن اعتداله وسع قاعدة مؤيديه - يساراً ويميناً - خلال تصويت قيادة الحزب على منصب الزعامة، وبالتالي رئاسة الحكومة. إذ تغلب كيشيدا على المرشح البارز تارو كونو، الذي تصدر التصويت في الجولة الأولى. وكونو هو ابن يوهاي كونو زعيم الحزب الأسبق - وأحد زعيمين فقط للحزب لم يتوليا رئاسة الحكومة، أما الثاني فهو ساداكازو تانيغاكي - . وما يذكر أن تارو كونو هو الوزير المحبوب والصريح المسؤول عن إطلاق لقاح فيروس «كوفيد – 19» في اليابان.
ولكن، في الجولة الثانية من التصويت، ألقى أنصار الوزيرة والمرشحة اليمينية ساناي تاكايتشي، بدعمٍ من آبي وراء الكواليس، بثقلهم وراء كيشيدا فضمنوا انتخابه. وهذا ما تشدد عليه شيلا سميث، خبيرة الشؤون اليابانية في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، لافتة إلى شعبية كونو التي قد لا تناسب آبي. وبالفعل، وفق البروفسور كويتشي ناكانو، من جامعة صوفيا في طوكيو، فإن آبي، الذي استقال العام الماضي، حريص على الاحتفاظ بنفوذه السياسي.

ماذا عن الانتخابات المقبلة؟
قد يعني انتقاد طريقة تعامل حكومة سوغا مع «كوفيد – 19» أن الحزب الديمقراطي الحر قد يفقد مقاعد في مجلس النواب في هذه الانتخابات. ونشير هنا إلى أنها، بطريقتها الخاصة، تتمتع اليابان بنظام سياسي مستقر نسبياً. ومن بين رؤساء الوزراء الثلاثين الذين خدموا في مناصبهم منذ تبنت اليابان دستورها بعد الحرب العالمية الثانية عام 1947، كان 23 (حوالي 80 في المائة) رئيساً من أعضاء هذا الحزب (المكون أصلاً من الحزبين الديمقراطي والحر). وفي المقابل، يضم النظام السياسي في اليابان، أحزاباً أصغر، مع تغيير عدد منافسي الحزب الكبير بإعادة تغيير انتماءاتهم السياسية باستمرار. ومن خلال مقارنة تقريبية، من بين 14 رئيساً للولايات المتحدة خدموا خلال الفترة نفسها، تنقسم الهوية الحزبية للرؤساء الأميركيين بين الحزبين الديمقراطي أو الجمهوري بنسبة 50 - 50 في المائة.
وكانت الفترتان الوحيدتان خلال السنوات الـ70 الماضية اللتان فقد فيهما الحزب الديمقراطي الحر السيطرة على رئاسة الحكومة، قد أعقبتا صدمات اقتصادية كبيرة. إذ جاءت الخسارة الأولى بعد انفجار فقاعة الأصول اليابانية عام 1991، مؤذنة بنهاية حقبة النمو الاقتصادي المرتفع في اليابان. وجاءت الثانية إثر الأزمة المالية العالمية عام 2008.
السياسات والتحديات
أما على صعيد التحديات التي تواجه اليابان، وبالتالي حكومة كيشيدا، فأبرزها: وجود أكبر عدد من السكان المعمرين في العالم، والتراجع السريع للمواليد، والدين العام الهائل، والكوارث الطبيعية المدمرة بشكل متزايد، التي يغذيها تغير المناخ. وكل هذه تحديات عميقة الجذور فشل الحزب الحاكم في معالجتها.
وفي هذا السياق ذاته، قال تسونيو واتانابي، الزميل البارز في «مؤسسة ساساكاوا للسلام» في طوكيو لصحيفة «جابان تايمز»، إن «سكان اليابان يشيخون ويتقلصون. لقد كافحت البلاد لعقود من انخفاض الأجور والأسعار والدين الحكومي الهائل. ومن المتوقع أن يلتزم كيشيدا في الغالب بسياسات شينزو آبي الاقتصادية. فديون اليابان المتراكمة آخذة في الازدياد، والفجوة بين الأغنياء والفقراء آخذة في الاتساع». وأردف: «لا أعتقد أنه حتى العبقري يمكنه معالجة ذلك. تهدف سياسة كيشيدا الاقتصادية، التي تعكس نهج (هاياتو) إيكيدا المميز المتمثل في مضاعفة الدخل في الستينيات، إلى تعزيز مصالح الطبقة الوسطى في اليابان، وتعويض التفاوت المتزايد في الثروة والدخل الذي أفسد البلاد على مدار السنوات الثلاثين الماضية».
وبطموح ظاهر، ألزم كيشيدا نفسه بتعزيز «شكل جديد من الرأسمالية» يشمل كلاً من النمو وإعادة التوزيع، مع التركيز على تعزيز المساواة وتحسين الرفاهية الاجتماعية، مع تنشيط الديمقراطية في الداخل والخارج من خلال تعزيز «الثقة والتراحم»، والتعاون الوثيق مع شركاء الأمان الرئيسيين، مثل الولايات المتحدة. وخلال حملته القيادية، تعهد كيشيدا بإنفاق عشرات التريليونات من الين لتحفيز الاقتصاد وإعطاء الأولوية لذوي الدخل المنخفض والمناطق الإقليمية المتعثرة وصناعة السياحة. ومن شأن هذا أن يأخذ اليابان إلى أبعد من سياسات آبي الاقتصادية الليبرالية الجديدة التي يطلق عليها «آبي نوميكس»، والتي أدت إلى تفاقم عدم المساواة في الدخل في المجتمع.

لماذا يواصل رؤساء الوزراء اليابانيون تقديم استقالاتهم؟
> النظريات حول كثرة استقالات شاغلي رئاسة الحكومة في اليابان لا حصر لها، ولكن معظمها يعتمد على الصور النمطية المتكررة والمبسطة حول مفهوم الشرف، وحفظ ماء الوجه، والاحترام.
الأستاذ الهندي راغو راجان، وهو من راصدي النظام السياسي الياباني، يقول إن «الثقافة السياسية اليابانية تتأثر إلى حد كبير بالمساءلة الشعبية الوجودية، حيث يشعر كبار السياسيين غالباً بأنهم مضطرون إلى الاستقالة إذا انقلب الرأي العام ضدهم. وتقوم وسائل الإعلام المحلية في اليابان بإجراء استطلاعات الرأي بانتظام بين القراء، مما قد يساهم في زيادة الوعي بمدى شعبية حزب سياسي أو شخصية».
ويعزو البعض ذلك إلى حقيقة أن الاستقرار المطلق يكمن في الإمبراطور، بينما إقالة أو استقالة رئيس الوزراء ليست أكثر صدمة من تغيير مدرب فريق البيسبول. في حين يشير آخرون إلى نظام التعليم بعد الحرب، إذ يتقاضى رؤساء الوزراء رواتب منخفضة نسبياً، ولديهم سلطة قليلة حتى داخل مجلس الوزراء، ثم إن مددهم محدودة. ومهما كان الأمر، يمكن لليابان أن تتعامل مع شخص يمكنه البقاء لعام واحد، بمعنى أنها ترحب بجميع المتقدمين.
وبغض النظر عن الدافع الشخصي وراء قرارات هؤلاء الرجال (كبار السياسيين اليابانيين هم دائماً من الرجال)، فقد كان تأثير ذلك هو تأسيس نوع جذري مباشر من الديمقراطية. وكلما تكرر هذا السلوك وبات متوقعاً، افترض الناخبون والسياسيون، على حد سواء، أن هذه هي الطريقة التي يعمل بها النظام الياباني.

لا تغيرات مرتقبة في السياسة الخارجية
> بصفته عضواً في مجموعة الضغط القومية «نيبون كايجي»، قال فوميو كيشيدا إنه «سيفكر» في زيارة ضريح ياسوكوني المثير للجدل والمخصص لقتلى اليابان في الحرب، رغم أن هذا قد يثير غضب الصين وكوريا الجنوبية المجاورتين. ولكن كوزير خارجية سابق، قد يكون من الأسهل على كيشيدا إدارة حقيبته الدولية. ويتوقع معظم المحللين أنه سيحافظ على علاقة قوية مع الولايات المتحدة، وسيواصل البناء على تحالفات مع أستراليا والهند لتأسيس «حصن» بمواجهة الصين.
ووفق براهما تشيلاني، عالم الجغرافيا الاستراتيجية الهندي، «في الشؤون الخارجية، من غير المرجح أن يتغير شيء يذكر. ومن المرجح أن يواصل كيشيدا الترويج الياباني للغواصات الرباعية - المجموعة الأمنية المكونة من اليابان والولايات المتحدة وأستراليا والهند - وقد يتبنى اقتراح كونو لتطوير غواصات تعمل بالطاقة النووية، وهو ما يواجه ضغوطاً عسكرية متزايدة من الصين وكوريا الشمالية». ويضيف: «قد تسعى اليابان أيضاً إلى الانضمام إلى تحالف (العيون الخمس) لتبادل المعلومات، وهو اقتراح آخر من اقتراحات كونو. وسيواصل كيشيدا تعزيز قوات الدفاع الذاتي اليابانية - بما في ذلك تطوير صواريخ بعيدة المدى - لردع الغارات الصينية في بحر الصين الشرقي. كما أنه يدعم طلب تايوان للانضمام إلى (الاتفاقية الشاملة والتقدمية للشراكة عبر المحيط الهادئ) - وهي اتفاقية تجارية رئيسية تسعى الصين أيضاً للانضمام إليها. ومع ذلك، يعتبر كيشيدا الحفاظ على علاقات مستقرة مع بكين أولوية، حيث تظل الصين أكبر شريك تجاري لليابان».
وحقاً، للتأكيد على مؤهلاته الإصلاحية، جلب كيشيدا سياسيين جدداً أصغر سناً إلى الحكومة. لم يكن لدى 13 من أعضاء الهيئة المكونة من 20 شخصاً خبرة سابقة كوزراء في مجلس الوزراء، والعديد منهم خدم ثلاث فترات فقط كممثلين للحزب الديمقراطي الحر في البرلمان. وهذا خروج ملحوظ عن الاتفاقية التي تم فيها انتخاب المعينين عادة ما لا يقل عن خمس مرات. كمرشح لمنصب رئيس الحزب الليبرالي الديمقراطي، قام كيشيدا بتكريس أوراق اعتماده التقدمية، داعياً إلى فرض قيود صارمة على فترة ولاية مسؤولي الحزب، ولمح إلى استعداده لمعالجة قضية الفساد المالي التي قوضت ثقة الجمهور في إدارتي سوغا وآبي.



رؤساء لبنان تفرضهم المتغيّرات الإقليمية

 جوزيف عون ... رئيساً (رويترز)
جوزيف عون ... رئيساً (رويترز)
TT

رؤساء لبنان تفرضهم المتغيّرات الإقليمية

 جوزيف عون ... رئيساً (رويترز)
جوزيف عون ... رئيساً (رويترز)

لم يكن انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية في لبنان بعد أكثر من سنتين على الشغور ليحصل راهناً لولا المتغيرات الكبرى التي شهدتها المنطقة منذ سبتمبر (أيلول) الماضي. إذ إن «الثنائي الشيعي»، المتمثل في حركة «أمل» و«حزب الله»، تمسّك بمرشحه رئيس تيار «المرَدة»، سليمان فرنجية، طوال الفترة الماضية، بينما امتنع رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، وزعيم «أمل»، عن الدعوة لأي جلسة انتخاب لعام كامل رابطاً أي جلسة جديدة بحوار وتفاهم مسبق. غير أن الوضع تغيّر، عندما ترك «الثنائي» تشدده الرئاسي جانباً بعد الحرب القاسية التي شنتها إسرائيل على «حزب الله»، وأدت لتقليص قدراته العسكرية إلى حد كبير، كما حيدّت قادته الأساسيين وعلى رأسهم أمينه العام حسن نصر الله. ثم أتى سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، الحليف الأساسي لـ«حزب الله» وإيران ليقطع «طريق طهران - بيروت» التي كانت الطريق الوحيدة لإمداد الحزب برّاً بالسلاح والعتاد، ليؤكد أن النفوذ الإيراني في المنطقة اندحر... ما اضطر حلفاء طهران في بيروت إلى إعادة حساباتهم السياسية. ولعل أول ما خلُصت إليه حساباتهم الجديدة، التعاون لانتخاب قائد الجيش، المدعوم دولياً، رئيساً للبلاد.

 

 

 

لدى مراجعة تاريخ لبنان المستقل، يتبيّن أن التدخل الخارجي في الانتخابات الرئاسية اللبنانية ليس أمراً طارئاً على الحياة السياسية في البلاد، بل هو طبع كل المسار التاريخي للاستحقاقات الرئاسية اللبنانية.

ويشير جورج غانم، الكاتب السياسي الذي واكب عن كثب الأحداث اللبنانية، إلى أن «الخارج، منذ أيام بشارة الخوري، الرئيس الأول بعد استقلال لبنان عام 1943، كانت له الكلمة الأساسية في اختيار الرؤساء في لبنان وفرضهم. ويضيف: «الانتخابات لا تحصل بتوافقات داخلية... بل يبصم مجلس النواب على قرارات خارجية».

ويشرح أن الخوري انتُخب في مرحلة كان فيها التنافس البريطاني الفرنسي في أوجه، وكان البريطانيون يحاولون جاهدين وضع حد لنفوذ باريس في المشرق. ولذا، تعاونوا مع «الكتلة الوطنية» في سوريا والحكم الهاشمي في العراق والحكم في مصر ومع «الكتلة الدستورية» في لبنان، عندما كانت المنافسة على الرئاسة الأولى محتدمة بين إميل إده المدعوم فرنسياً، وبشارة الخوري المدعوم بريطانياً ومن حلفائهم العرب، وبما أن فرنسا كانت دولة محتلة وخسرت الحرب، نجح المرشح الرئاسي اللبناني الذي يريده البريطانيون الذين سيطروا يومذاك على منطقة الشرق الأوسط.

انتخاب كميل شمعون

ويلفت غانم، الذي حاورته «الشرق الأوسط»، إلى أنه بعد هزيمة الجيوش العربية في «حرب فلسطين» عام 1948، برز تنافس أميركي - بريطاني للسيطرة على المنطقة، فبدأت تسقط أنظمة سواء في مصر أو سوريا، وتبلور محور مصري - سعودي في وجه محور أردني - عراقي مدعوم بريطانياً. وفي ظل الاضطرابات التي كانت تشهدها المنطقة وإصرار الخوري على الحياد في التعامل مع سياسة الأحلاف، سقط الخوري، وانتُخب كميل شمعون بدعم بريطاني - عربي، وتحديداً أردني - عراقي. ومن ثَمَّ، إثر انكفاء بريطانيا بعد «حرب السويس» عام 1956، دخلت الولايات المتحدة في منافسة شرسة مع الاتحاد السوفياتي. وفي تلك الفترة كانت الموجة الناصرية كاسحة ما جعل شمعون يواجه بثورة كبيرة انتهت بتفاهم مصري - أميركي على انتخاب قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب رئيساً.

من فؤاد شهاب... إلى سليمان فرنجية

الواقع أن شهاب انتُخب عام 1958 بتوافق مصري - أميركي نشأ بعد انكفاء البريطانيين ونضوج التنافس الأميركي - السوفياتي وصولاً إلى عام 1964. عند هذه المحطة حين انتُخب شارل حلو، المحسوب أساساً على «الشهابيين»، رئيساً، في المناخ نفسه، ولكن هذه المرة برضىً فاتيكاني - فرنسي مع نفوذ مستمر أميركي - مصري.

ويضيف غانم: «بعد حرب 1967 انكفأت (الناصرية) وضعُفت (الشهابية) وانتشر العمل الفدائي الفلسطيني... وتلقائياً قوِيَ الحلف المسيحي في لبنان المدعوم غربياً، وفي ظل حضور فاقع لإسرائيل في المنطقة. وبعد اكتساح «الحلف الثلاثي» الماروني اليميني السواد الأعظم من المناطق المسيحية في الانتخابات، جاء انتخاب سليمان فرنجية عام 1970، بفارق صوت واحد، تعبيراً عن هذا المناخ وعن ميزان القوى الجديد في المنطقة».

الاجتياح الإسرائيلي و«اتفاق 71 أيار

ويتابع جورج غانم سرده ليقول: «انتخاب إلياس سركيس رئيساً عام 1976 جاء بتفاهم سوري - أميركي حين كان النفوذ والدور السوريين يومذاك في أوجه... وقد دخلت حينها قوات الردع السورية والعربية إلى لبنان». أما انتخاب بشير الجميل عام 1982 فأتى بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان وفي ظل دعم أميركي وأطلسي مطلق. وانسحب هذا المناخ على انتخاب أمين الجميل مع فارق وحيد هو أن المسلمين المعتدلين في لبنان الذين لم يؤيدوا بشير، أيدوا انتخاب شقيقه أمين.

لاحقاً، عام 1984، حصلت «انتفاضة 6 شباط» الإسلامية، فتراجعت إسرائيل وألغي «اتفاق 17 أيار» الذي فرضته تل أبيب بالقوة. وهكذا، بحلول عام 1988 لم يكن ميزان القوى المرتبك يسمح بانتخاب رئيس للبنان، فكانت النتيجة الشغور الرئاسي الذي استمر لمدة سنتين تخللتهما «حرب التحرير» والحرب بين الجيش و«القوات اللبنانية»... وانتهى بتوقيع «اتفاق الوفاق الوطني في الطائف» عام 1989، وهو اتفاق عربي - دولي أنتج انتخاب رينيه معوض، ثم مباشرة بعد اغتياله، انتخاب إلياس الهراوي. وظل لبنان يعيش في ظل هيمنة سورية، شهدت انتخاب العماد إميل لحود عام 1998 وتمديد ولايته حتى عام 2007.

ميشال سليمان وميشال عون

ويتابع جورج غانم السرد فيشير إلى أنه «في عام 2004، وبعد اجتياح العراق قامت معادلة جديدة في المنطقة، فتمدّدت إيران إلى العراق وازداد نفوذ (حزب الله) في لبنان، وخصوصاً بعد انسحاب الجيش السوري عام 2005»، في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري. ومع انتهاء ولاية إميل لحود الثانية، لم يتمكن اللبنانيون من انتخاب رئيس حتى عام 2008 حين كان هناك صعود قطري - تركي في المنطقة. وهكذا، جاء «اتفاق الدوحة» الذي أوصل العماد ميشال سليمان إلى سدة الرئاسة بموافقة سعودية - مصرية بعد «أحداث 7 مايو/ أيار» التي كرّست نفوذ «حزب الله».

وأردف: «لكن اتفاق الدوحة سقط عام 2011 بعدما اندلعت الأزمة السورية، فضرب الشلل عهد الرئيس سليمان، وقد سلّم قصر بعبدا للفراغ عام 2014. وفي ظل التوازن السلبي الذي كان قائماً حينذاك، عاش لبنان فراغاً رئاسياً ثانياً طال لسنتين ونصف السنة في أعقاب تمسك (حزب الله) بمرشحه العماد ميشال عون. ولم تتغير التوازنات إلا بعد وصول الجيش الروسي إلى سوريا عام 2015، و(تفاهم معراب) بين عون ورئيس حزب (القوات اللبنانية) سمير جعجع، وأيضاً تفاهم عون مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري. وكانت هذه التفاهمات قد تزامنت مع حياد أميركي بعد التوصل إلى الاتفاق النووي مع إيران وعشية انتهاء ولاية الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما... ما أدى إلى انتخاب عون رئيساً عام 2016».

غانم يلفت هنا إلى أنه «مع انطلاق عهد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بدأ التشدد تجاه إيران والتصعيد ضد (حزب الله)، ولذا بدأ عهد عون يخبو... حتى بدأ يحتضر مع أحداث 17 أكتوبر 2019». ثم يضيف: «ومع انتهاء ولاية عون ترسّخ توازن سلبي بين (حزب الله) وحلفائه من جهة، والقوى المناوئة له من جهة أخرى، الأمر الذي منع انتخاب رئيس خلال العامين الماضيين. لكن هذا التوازن انكسر بالأمس لصالح خصوم إيران السياسيين، وهكذا أمكن انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً جديداً للبلاد».

جوزيف عون

البرلمان اللبناني انتخب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً في التاسع من يناير (كانون الثاني) الحالي بـ99 صوتاً من أصل 128 بعد سنتين وشهرين وعشرة أيام من الفراغ الرئاسي. وحمل «خطاب القسم» الذي ألقاه الرئيس المنتخب عون مضامين لافتة، أبرزها: تأكيده «التزام لبنان الحياد الإيجابي»، وتجاهله عبارة «المقاومة»، خلافاً للخطابات التي طبعت العهود السابقة. كذلك كان لافتاً تأكيده العمل على «تثبيت حق الدولة في احتكار حمل السلاح». ولقد تعهد عون الذي لاقى انتخابه ترحيباً دولياً وعربياً، أن تبدأ مع انتخابه «مرحلة جديدة من تاريخ لبنان»، والعمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للبنان.

 

 

خشّان: كل رؤساء لبنان يأتون بقرار خارجي ويكتفي البرلمان بالتصديق عليهم

دولة ناعمة

الدكتور هلال خشّان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت، رأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه ليس خافياً على أحد أن «كل الرؤساء في لبنان يأتون بقرار خارجي، ويكتفي البرلمان اللبناني بالتصديق على هذا القرار بعملية انتخابهم»، ويضيف أن «لبنان عبارة عن دولة ناعمة تعتمد على الخارج، وهي مكوّنة من مجموعة طوائف تحتمي بدول عربية وغربية».

وتابع خشّان أن «مفهوم الدولة ركيك وضعيف في لبنان، والقسم الأكبر من اللبنانيين لا يشعرون بالانتماء للبلد. والمستغرب هنا انتخاب رئيس من دون تدخلات خارجية وليس العكس... لأنه واقع قائم منذ الاستقلال». ويشرح: «فرنسا كانت للموازنة الأم الحنون، والسُّنّة كانوا يرون مرجعيتهم جمال عبد الناصر ومنظمة التحرير الفلسطينية، ومن ثم المملكة العربية السعودية. أما الشيعة فمرجعيتهم الأساسية إيران».

هزيمة «حزب الله»

وفق خشّان، «هزيمة (حزب الله) العسكرية نتج عنها هزيمة سياسية، وخصوصاً بعد سقوط نظام الأسد وفصل لبنان عن إيران جغرافياً، أضف إلى ذلك أن الحزب يتوق إلى إعادة إعمار مناطقه المدمّرة، ويدرك أنه لا يستطيع ذلك دون مساعدة خارجية... لقد استدارت البوصلة اللبنانية 180 درجة نحو أميركا ودول الخليج، كما سيكون هناك دور أساسي تلعبه سوريا، تحت قيادتها الجديدة، في المرحلة المقبلة».

وهنا تجدر الإشارة، إلى أن لبنان شهد منذ 17 سبتمبر (أيلول) الماضي تطوّرات وأحداثاً استثنائية قلبت المشهد فيه رأساً على عقب. وبدأ كل شيء حين فجّرت إسرائيل أجهزة «البيجر» بعناصر وقياديي «حزب الله» ما أدى إلى قتل وإصابة المئات منهم. ثم عادت وفجّرت أجهزة اللاسلكي في اليوم التالي ممهِّدة لحربها الواسعة. ويوم 23 سبتمبر باشرت إسرائيل حملة جوية واسعة على جنوب لبنان، تزامنت مع سلسلة عمليات اغتيال خلال الأيام التي تلت وطالت قياديي ومسؤولي «حزب الله» وتركزت في الضاحية الجنوبية لبيروت. وبدأت الاغتيالات الأكبر في 27 سبتمبر مع اغتيال حسن نصر الله، أمين عام «حزب الله»، وتلاه اغتيال رئيس المجلس التنفيذي للحزب، هاشم صفي الدين، في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. كما أنه في يوم 1 أكتوبر بدأت تل أبيب عملياتها العسكرية البرّية جنوباً قبل أن تطلق يوم 30 من الشهر نفسه حملة جوية مكثفة على منطقة البقاع (شرقي لبنان).

وتواصلت الحرب التدميرية على لبنان نحو 65 يوماً، وانتهت بالإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار يوم 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. ولقد سمح هذا الاتفاق للجيش الإسرائيلي بمواصلة احتلال قرى وبلدات لبنانية حدودية على أن ينسحب منها مع انتهاء مهلة 60 يوماً.

ولكن، خارج لبنان، تواصلت الصفعات التي تلقاها المحور الذي تقوده إيران مع بدء فصائل المعارضة السورية هجوماً من إدلب فحلب في 28 أكتوبر انتهى في ديسمبر (كانون الأول) بإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

وعلى الرغم من إعلان أمين عام «حزب الله» الحالي، الشيخ نعيم قاسم، أن حزبه سيساند النظام في سوريا، فإنه صُدم بسرعة انهيار دفاعات الجيش السوري، ما أدى إلى سحب عناصره مباشرة إلى الداخل اللبناني، وترك كل القواعد التي كانت له منذ انخراطه في الحرب السورية في عام 2012.

وأخيراً، في منتصف ديسمبر، أعلن قاسم صراحة أن «حزب الله» فقد طرق الإمداد الخاصة به في سوريا... أي آخر انقطاع طريق بيروت - دمشق.