كيف سيقود فوميو كيشيدا اليابان حتى انتخابات الشهر المقبل؟

«شهر العسل» قد يكون قصيراً

كيف سيقود فوميو كيشيدا اليابان حتى انتخابات الشهر المقبل؟
TT

كيف سيقود فوميو كيشيدا اليابان حتى انتخابات الشهر المقبل؟

كيف سيقود فوميو كيشيدا اليابان حتى انتخابات الشهر المقبل؟

خلال أيام من انتخاب فوميو كيشيدا، زعيماً جديداً للحزب الديمقراطي الحر الحاكم في اليابان، حصل الزعيم الجديد على تثبيت البرلمان، وشكل من ثم الحكومة الجديدة لليابان، التي عرفت ثلاثة رؤساء وزارة خلال أكثر بقليل من سنة واحدة. كيشيدا (64 سنة) خلف يوشيهيدي سوغا (72 سنة) الذي انسحب في سبتمبر (أيلول) الفائت وسط موجة غضب شعبي من طريقة استجابة حكومته لجائحة «كوفيد - 19»، وإصراره على المضي قدماً في تنظيم أولمبياد طوكيو 2020.
ولحسن حظ كيشيدا، لم يثبت سوغا، الذي يعد الذراع اليمنى لرئيس الوزراء الأسبق شينزو آبي لفترة طويلة، كفاءة تذكر في تولي رئاسة الحكومة. وكان سوغا قد خلف آبي في المنصب خلال سبتمبر 2019 على أثر استقالة الأخير لأسباب صحية بعدما دخل التاريخ كصاحب أطول فترة رئاسة في اليابان. وفي التنافس لخلافة آبي تغلب سوغا على منافسين هما كيشيدا، وشيغيرو إيشيبا.
شهدت شعبية الرئيس الياباني السابق يوشيهيدي سوغا، تراجعاً كبيراً، إذ بلغت أكثر بقليل من 30 في المائة، بعدما كانت تفوق 70 في المائة عند توليه المنصب. وأدى هذا الواقع إلى تزايد قلق قادة الحزب الديمقراطي الحر (المحافظ) الحاكم من احتمال تعرض حزبهم لنكسة انتخابية موجعة خلال الانتخابات العامة الوشيكة.
المعروف أن الحزب الديمقراطي الحر هيمن على سياسة اليابان غالبية فترات العقود السبعة الماضية. وبفضل هيمنته على البرلمان، غدا رئيسه مطمئناً إلى شبه حتمية توليه رئاسة الحكومة. وفي ضوء اهتزاز وضع سوغا، استشعر فوميو كيشيدا أن فرصته حانت، فأعلن ترشحه لقيادة الحزب، وساعد في تسريع عملية تقاعد سوغا.
المفارقة، أن كيشيدا، وزير الخارجية والدفاع السابق، وكما سبقت الإشارة، وجد نفسه على الجانب الآخر من المعادلة السياسية، عندما ترشح ليحل محل الزعيم ورئيس الوزراء الأسبق شينزو آبي، بعد ترك الأخير منصبه. إلا أن كيشيدا خسر معركته في حينه بسهولة أمام يوشيهيدي شوغا، الذراع اليمنى لآبي، الذي تولى المنصب الأعلى. ولكن خروج سوغا اليوم بعدما أمضى أقل من سنة في السلطة شبح العودة إلى خلافة «الباب الدوار» للقادة اليابانيين، حيث يخدم كل منهم لمدة سنة واحدة ليترك حلفاءه على غير هدى سياسياً.

ماذا يمثل كيشيدا؟
أفتاب سيث، سفير الهند السابق لدى اليابان، يرى أن «اختيار فوميو كيشيدا رئيساً جديداً لوزراء اليابان، من منظور خطاب حملته الانتخابية، يمكن للوهلة الأولى أن يمثل نقطة تحول في السياسة اليابانية بعد الحرب. إلا أنه سيحتاج إلى كسب ثقة الجمهور ليثبت أنه ليس مجرد شخص من داخل مطابخ الحزب. وإذا ما بدأت التحديات في الظهور... يمكن أن نرى تراجعاً سريعاً في معدلات تأييده، لأنه بدأ من نقطة دعم متواضعة نسبياً».
كيشيدا أعلن تشكيلة حكومته الجديدة في 4 أكتوبر (تشرين الأول)، بصفته الزعيم الجديد للحزب الديمقراطي الحر. وألزم نفسه بسياسة «أكثر حرصاً وتسامحاً»، في مؤشر إلى جاهزيته للابتعاد عن أسلوب قيادة رئيس الوزراء الأسبق اللامع شينزو آبي شينزو (2012 - 2020)، الذي يُنتقد أحياناً لقلة تسامحه مع المعارضة ولسطوته المفرطة.
والحقيقة، أنه لن يكون لدى كيشيدا الكثير من الوقت للاستمتاع بانتصاره وزعامته للبلاد، وذلك لأنه سيواجه قريباً اختباراً كبيراً هو الانتخابات العامة. ذلك أنه مع انتهاء الفترة الحالية لأعضاء مجلس النواب (الداييت) في 21 أكتوبر الحالي، سيتعين التصويت في هذه الانتخابات على مستوى البلاد بحلول 28 نوفمبر. وبالتالي، ستقرر النتيجة ما إذا كان وزير الخارجية السابق سيحكم بتفويض قوي، أم سيخاطر بفترة قصيرة مثل سلفه سوغا.
المهمة العاجلة بالنسبة لكيشيدا كانت إطلاق حكومته بمعدلات تأييد قوية وإبقائها عالية. وحسب رئيس الوزراء الجديد، في أول خطاب له بعد لحظات من تعيينه زعيماً للحزب، «نحن نحتاج إلى أن نظهر للناس أن الحزب الديمقراطي الحر قد ولد من جديد».

من هو كيشيدا؟
وُلد فوميو كيشيدا، الذي يعرف بالاعتدال والميل إلى التوافق، في العاصمة اليابانية طوكيو قبل 63 سنة لعائلة سياسية من مدينة هيروشيما (جنوب اليابان). إذ كان والده وجده نائبين في البرلمان. ولقد أمضى جزءاً من طفولته في الولايات المتحدة عندما عين والده في الولايات المتحدة عضواً في بعثة وزارة التجارة، وهناك التحق الابن بمدرسة ابتدائية في مدينة نيويورك.
بعد التخرج من جامعة واسيدا المرموقة في طوكيو، أمضى كيشيدا فترة قصيرة في العمل المصرفي. وعام 1988 تزوج، ومن ثم أنجب ثلاثة أبناء. ولاحقاً انتخب عضواً في مجلس النواب خلال عام 1993 عن الحزب الديمقراطي الحر، ممثلاً لإحدى دوائر هيروشيما.
تولى فوميو كيشيدا مناصب مختلفة في حكومتي رئيسي الوزراء شينزو آبي وياسو فوكودا من 2007 – 2008، وعين وزيراً للخارجية بين 2012 - 2017 بعدما استعاد آبي رئاسة الوزراء في أعقاب الانتخابات العامة 2012، ليغدو بذلك أطول وزير للشؤون الخارجية خدمة في التاريخ الياباني.
أيضاً شغل كيشيدا منصب مسؤول السياسة في الحزب الديمقراطي الحر قبل تولي وزارة الخارجية بين عامي 2012 و2017. وكان خلال هذه الفترة مسؤولاً عن التفاوض على الصفقات مع روسيا وكوريا الجنوبية. ولطالما أيد كيشيدا حظر الأسلحة النووية، واصفاً إياه بأنه «إنجاز حياته»، بل وساعد في إحضار الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، إلى مدينته هيروشيما في زيارة تاريخية عام 2016 بصفته أحد نوابها البرلمانيين.

العلاقة مع هيروشيما
نظراً لأن عائلة كيشيدا من هيروشيما، فإنها كانت تعود إلى هناك كل صيف. وللعلم، لقي العديد من أقارب رئيس الوزراء الجديد حتفهم في القصف الذري الأميركي عام 1945، ونشأ فوميو الفتي على سماع قصص من الناجين من القنبلة الذرية.
أما على الصعيد السياسي، ولكون كيشيدا من الجناح الأكثر تقدمية وليبرالية في الحزب الديمقراطي الحر، فإنه يرى قدوته ومثاله الأعلى في كبار الساسة اليابانيين هاياتو إيكيدا (رئيس الوزراء من 1960 إلى 1964) وكيئيتشي ميازاوا (رئيس الوزراء من 1991 إلى 1993)... وهما أيضاً من محافظة هيروشيما. وبالتالي، فالعلاقات السياسية والشخصية للرجال الثلاثة تبدو كلها مرتبطة بالمدينة ذات الماضي الفريد الذي ارتبط بالنكبة الذرية. وهو ما قد يفسر ميل أبرز ساسة هيروشيما إلى رفض النهج الأكثر تعصباً وتشدداً ومحافظة لكبار الشخصيات الأخرى في الحزب.
استقال فوميو كيشيدا من حكومة آبي عام 2017 من أجل ترؤس مجلس أبحاث السياسة التابع للحزب الديمقراطي الحر. ووفق عارفيه، فإنه مستمع جيد ويتمتع بمزايا التواضع واللياقة والحماس للعمل الجماعي (ما يفسر شغفه برياضة البيسبول). غير أن منتقديه يرونه لطيفاً أكثر مما ينبغي وقليل الحزم ويفتقر إلى «الكاريزما». ويرى هؤلاء أن تردد كيشيدا قد يتركه عرضة لتأثير زعماء أجنحة الحزب، لا سيما أفراد جماعة آبي القومية المتشددة. وقد يؤدي هذا الأمر إلى الدفع لتغيير دستور اليابان كي يسمح بسياسة دفاع أكثر عدوانية، ومن ثم تأخير المزيد من الإصلاحات للمساواة بين الجنسين، التي من شأنها أن تتعارض مع غالبية الرأي العام.

مكانته السياسية
من ناحية ثانية، يعرف كثيرون أن كيشيدا سياسي ليبرالي معتدل، ومن المتوقع أن يقود حزبه المحافظ إلى اليسار قليلاً. ولكن اعتداله وسع قاعدة مؤيديه - يساراً ويميناً - خلال تصويت قيادة الحزب على منصب الزعامة، وبالتالي رئاسة الحكومة. إذ تغلب كيشيدا على المرشح البارز تارو كونو، الذي تصدر التصويت في الجولة الأولى. وكونو هو ابن يوهاي كونو زعيم الحزب الأسبق - وأحد زعيمين فقط للحزب لم يتوليا رئاسة الحكومة، أما الثاني فهو ساداكازو تانيغاكي - . وما يذكر أن تارو كونو هو الوزير المحبوب والصريح المسؤول عن إطلاق لقاح فيروس «كوفيد – 19» في اليابان.
ولكن، في الجولة الثانية من التصويت، ألقى أنصار الوزيرة والمرشحة اليمينية ساناي تاكايتشي، بدعمٍ من آبي وراء الكواليس، بثقلهم وراء كيشيدا فضمنوا انتخابه. وهذا ما تشدد عليه شيلا سميث، خبيرة الشؤون اليابانية في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، لافتة إلى شعبية كونو التي قد لا تناسب آبي. وبالفعل، وفق البروفسور كويتشي ناكانو، من جامعة صوفيا في طوكيو، فإن آبي، الذي استقال العام الماضي، حريص على الاحتفاظ بنفوذه السياسي.

ماذا عن الانتخابات المقبلة؟
قد يعني انتقاد طريقة تعامل حكومة سوغا مع «كوفيد – 19» أن الحزب الديمقراطي الحر قد يفقد مقاعد في مجلس النواب في هذه الانتخابات. ونشير هنا إلى أنها، بطريقتها الخاصة، تتمتع اليابان بنظام سياسي مستقر نسبياً. ومن بين رؤساء الوزراء الثلاثين الذين خدموا في مناصبهم منذ تبنت اليابان دستورها بعد الحرب العالمية الثانية عام 1947، كان 23 (حوالي 80 في المائة) رئيساً من أعضاء هذا الحزب (المكون أصلاً من الحزبين الديمقراطي والحر). وفي المقابل، يضم النظام السياسي في اليابان، أحزاباً أصغر، مع تغيير عدد منافسي الحزب الكبير بإعادة تغيير انتماءاتهم السياسية باستمرار. ومن خلال مقارنة تقريبية، من بين 14 رئيساً للولايات المتحدة خدموا خلال الفترة نفسها، تنقسم الهوية الحزبية للرؤساء الأميركيين بين الحزبين الديمقراطي أو الجمهوري بنسبة 50 - 50 في المائة.
وكانت الفترتان الوحيدتان خلال السنوات الـ70 الماضية اللتان فقد فيهما الحزب الديمقراطي الحر السيطرة على رئاسة الحكومة، قد أعقبتا صدمات اقتصادية كبيرة. إذ جاءت الخسارة الأولى بعد انفجار فقاعة الأصول اليابانية عام 1991، مؤذنة بنهاية حقبة النمو الاقتصادي المرتفع في اليابان. وجاءت الثانية إثر الأزمة المالية العالمية عام 2008.
السياسات والتحديات
أما على صعيد التحديات التي تواجه اليابان، وبالتالي حكومة كيشيدا، فأبرزها: وجود أكبر عدد من السكان المعمرين في العالم، والتراجع السريع للمواليد، والدين العام الهائل، والكوارث الطبيعية المدمرة بشكل متزايد، التي يغذيها تغير المناخ. وكل هذه تحديات عميقة الجذور فشل الحزب الحاكم في معالجتها.
وفي هذا السياق ذاته، قال تسونيو واتانابي، الزميل البارز في «مؤسسة ساساكاوا للسلام» في طوكيو لصحيفة «جابان تايمز»، إن «سكان اليابان يشيخون ويتقلصون. لقد كافحت البلاد لعقود من انخفاض الأجور والأسعار والدين الحكومي الهائل. ومن المتوقع أن يلتزم كيشيدا في الغالب بسياسات شينزو آبي الاقتصادية. فديون اليابان المتراكمة آخذة في الازدياد، والفجوة بين الأغنياء والفقراء آخذة في الاتساع». وأردف: «لا أعتقد أنه حتى العبقري يمكنه معالجة ذلك. تهدف سياسة كيشيدا الاقتصادية، التي تعكس نهج (هاياتو) إيكيدا المميز المتمثل في مضاعفة الدخل في الستينيات، إلى تعزيز مصالح الطبقة الوسطى في اليابان، وتعويض التفاوت المتزايد في الثروة والدخل الذي أفسد البلاد على مدار السنوات الثلاثين الماضية».
وبطموح ظاهر، ألزم كيشيدا نفسه بتعزيز «شكل جديد من الرأسمالية» يشمل كلاً من النمو وإعادة التوزيع، مع التركيز على تعزيز المساواة وتحسين الرفاهية الاجتماعية، مع تنشيط الديمقراطية في الداخل والخارج من خلال تعزيز «الثقة والتراحم»، والتعاون الوثيق مع شركاء الأمان الرئيسيين، مثل الولايات المتحدة. وخلال حملته القيادية، تعهد كيشيدا بإنفاق عشرات التريليونات من الين لتحفيز الاقتصاد وإعطاء الأولوية لذوي الدخل المنخفض والمناطق الإقليمية المتعثرة وصناعة السياحة. ومن شأن هذا أن يأخذ اليابان إلى أبعد من سياسات آبي الاقتصادية الليبرالية الجديدة التي يطلق عليها «آبي نوميكس»، والتي أدت إلى تفاقم عدم المساواة في الدخل في المجتمع.

لماذا يواصل رؤساء الوزراء اليابانيون تقديم استقالاتهم؟
> النظريات حول كثرة استقالات شاغلي رئاسة الحكومة في اليابان لا حصر لها، ولكن معظمها يعتمد على الصور النمطية المتكررة والمبسطة حول مفهوم الشرف، وحفظ ماء الوجه، والاحترام.
الأستاذ الهندي راغو راجان، وهو من راصدي النظام السياسي الياباني، يقول إن «الثقافة السياسية اليابانية تتأثر إلى حد كبير بالمساءلة الشعبية الوجودية، حيث يشعر كبار السياسيين غالباً بأنهم مضطرون إلى الاستقالة إذا انقلب الرأي العام ضدهم. وتقوم وسائل الإعلام المحلية في اليابان بإجراء استطلاعات الرأي بانتظام بين القراء، مما قد يساهم في زيادة الوعي بمدى شعبية حزب سياسي أو شخصية».
ويعزو البعض ذلك إلى حقيقة أن الاستقرار المطلق يكمن في الإمبراطور، بينما إقالة أو استقالة رئيس الوزراء ليست أكثر صدمة من تغيير مدرب فريق البيسبول. في حين يشير آخرون إلى نظام التعليم بعد الحرب، إذ يتقاضى رؤساء الوزراء رواتب منخفضة نسبياً، ولديهم سلطة قليلة حتى داخل مجلس الوزراء، ثم إن مددهم محدودة. ومهما كان الأمر، يمكن لليابان أن تتعامل مع شخص يمكنه البقاء لعام واحد، بمعنى أنها ترحب بجميع المتقدمين.
وبغض النظر عن الدافع الشخصي وراء قرارات هؤلاء الرجال (كبار السياسيين اليابانيين هم دائماً من الرجال)، فقد كان تأثير ذلك هو تأسيس نوع جذري مباشر من الديمقراطية. وكلما تكرر هذا السلوك وبات متوقعاً، افترض الناخبون والسياسيون، على حد سواء، أن هذه هي الطريقة التي يعمل بها النظام الياباني.

لا تغيرات مرتقبة في السياسة الخارجية
> بصفته عضواً في مجموعة الضغط القومية «نيبون كايجي»، قال فوميو كيشيدا إنه «سيفكر» في زيارة ضريح ياسوكوني المثير للجدل والمخصص لقتلى اليابان في الحرب، رغم أن هذا قد يثير غضب الصين وكوريا الجنوبية المجاورتين. ولكن كوزير خارجية سابق، قد يكون من الأسهل على كيشيدا إدارة حقيبته الدولية. ويتوقع معظم المحللين أنه سيحافظ على علاقة قوية مع الولايات المتحدة، وسيواصل البناء على تحالفات مع أستراليا والهند لتأسيس «حصن» بمواجهة الصين.
ووفق براهما تشيلاني، عالم الجغرافيا الاستراتيجية الهندي، «في الشؤون الخارجية، من غير المرجح أن يتغير شيء يذكر. ومن المرجح أن يواصل كيشيدا الترويج الياباني للغواصات الرباعية - المجموعة الأمنية المكونة من اليابان والولايات المتحدة وأستراليا والهند - وقد يتبنى اقتراح كونو لتطوير غواصات تعمل بالطاقة النووية، وهو ما يواجه ضغوطاً عسكرية متزايدة من الصين وكوريا الشمالية». ويضيف: «قد تسعى اليابان أيضاً إلى الانضمام إلى تحالف (العيون الخمس) لتبادل المعلومات، وهو اقتراح آخر من اقتراحات كونو. وسيواصل كيشيدا تعزيز قوات الدفاع الذاتي اليابانية - بما في ذلك تطوير صواريخ بعيدة المدى - لردع الغارات الصينية في بحر الصين الشرقي. كما أنه يدعم طلب تايوان للانضمام إلى (الاتفاقية الشاملة والتقدمية للشراكة عبر المحيط الهادئ) - وهي اتفاقية تجارية رئيسية تسعى الصين أيضاً للانضمام إليها. ومع ذلك، يعتبر كيشيدا الحفاظ على علاقات مستقرة مع بكين أولوية، حيث تظل الصين أكبر شريك تجاري لليابان».
وحقاً، للتأكيد على مؤهلاته الإصلاحية، جلب كيشيدا سياسيين جدداً أصغر سناً إلى الحكومة. لم يكن لدى 13 من أعضاء الهيئة المكونة من 20 شخصاً خبرة سابقة كوزراء في مجلس الوزراء، والعديد منهم خدم ثلاث فترات فقط كممثلين للحزب الديمقراطي الحر في البرلمان. وهذا خروج ملحوظ عن الاتفاقية التي تم فيها انتخاب المعينين عادة ما لا يقل عن خمس مرات. كمرشح لمنصب رئيس الحزب الليبرالي الديمقراطي، قام كيشيدا بتكريس أوراق اعتماده التقدمية، داعياً إلى فرض قيود صارمة على فترة ولاية مسؤولي الحزب، ولمح إلى استعداده لمعالجة قضية الفساد المالي التي قوضت ثقة الجمهور في إدارتي سوغا وآبي.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.