حركة متطرفة تهدد بزعزعة الأمن في باكستان

TT

حركة متطرفة تهدد بزعزعة الأمن في باكستان

تقف الحكومة الباكستانية، اليوم، في مواجهة وضع خطير قد ينفجر في أي لحظة على يد حركة دينية متطرفة تعارض على ما يبدو حركة «طالبان الباكستانية»، إلا أنها هددت بزعزعة القانون والنظام داخل ثاني أكبر مدن البلاد، لاهور، جراء استمرار حبس زعيمها، سعد رضوي، نجل الزعيم الديني صاحب الشخصية الكاريزمية العلامة خادم حسين رضوي، الذي توفي جراء إصابته بفيروس «كوفيد - 19»، العام الماضي. جدير بالذكر أن سعد رضوي، الزعيم الحالي لحركة «لبيك باكستان»، يخضع للاحتجاز الوقائي داخل إقليم البنجاب من جانب حكومة البنجاب لتجنب اشتعال حالة كبرى من غياب القانون والأمن داخل مدينة لاهور. كان سعد قد جرى احتجازه احتياطياً من قبل حكومة البنجاب عندما بدأت الحركة التي يتزعمها احتجاجاً طالبوا خلاله بطرد السفير الفرنسي من البلاد فيما يتعلق بنشر محتوى مسيء للمقدسات الدينية في صحف فرنسية. وأطلق أعضاء حركة «لبيك باكستان» احتجاجات تطالب بطرد السفير الفرنسي من باكستان، وتحولت الاحتجاجات إلى أعمال عنف العام الماضي، وبعدها جرى اعتقال سعد رضوي. وبعد معركة قانونية طويلة في أروقة المحاكم، أفرجت عنه المحكمة الإقليمية العليا، وفي وقت لاحق، أصدرت حكومة البنجاب أمراً آخر باعتقاله. في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، جرى التوصل إلى اتفاق بين حركة «لبيك باكستان» والحكومة، بعد أن نظمت الحركة احتجاجات في العاصمة بقيادة زعيمها آنذاك ووالد سعد، خادم رضوي، لإشراك البرلمان من أجل الفصل في مسألة طرد السفير الفرنسي في غضون ثلاثة أشهر. مع اقتراب الموعد النهائي في 16 فبراير (شباط)، أعربت الحكومة عن عدم قدرتها على تنفيذ الاتفاق وسعت لكسب مزيد من الوقت، وبالفعل وافقت الحركة على إرجاء الاحتجاجات مدة شهرين ونصف الشهر، حتى 20 أبريل (نيسان). وقبل أسبوعين من حلول الموعد النهائي، طلب رضوي في رسالة مصورة من أعضاء حركة «لبيك باكستان» الاستعداد للمشاركة في مسيرة طويلة إلى ما أخفقت الحكومة في الوفاء بالموعد النهائي، الأمر الذي دفع الحكومة لاعتقاله في 12 أبريل.
في غضون ذلك، قال وزير الإعلام فؤاد شودري، إن مسألة تعيين مدير عام لجهاز الاستخبارات الداخلية ستحل خلال الأيام القليلة المقبلة، وكشف أيضاً أن رئيس الوزراء وقائد الجيش قد أجريا مناقشات مطولة بشأن التعيين. وقد أعلنت إدارة العلاقات العامة بجهاز الاستخبارات الباكستانية، في وقت سابق من الأسبوع الحالي، عن تعيين الفريق نديم أنجوم، في منصب المدير العام لجهاز الاستخبارات الباكستانية في إطار عمليات النشر والتنقلات الروتينية في الجيش. وفي غضون 24 ساعة، انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي شائعات حول رفض رئيس الوزراء عمران خان، التوقيع على قرار تعيين مدير عام جهاز الاستخبارات حتى أن بعض المحللين تنبأوا بحدوث مواجهة متصاعدة بين رئيس هيئة أركان الجيش ورئيس الوزراء. ويشير حجم التكهنات التي تولدت في وسائل الإعلام الآن بشأن التعيين الوشيك لمدير عام جديد للاستخبارات الداخلية بوضوح إلى الأهمية المتزايدة لذلك المنصب في هيكل السلطة، كما يشير إلى أن ما كان محظوراً مناقشته في الأوساط العسكرية بات متاحاً في وسائل الإعلام حتى بشأن تعيين المدير العام للاستخبارات الباكستانية.
وظل الجنرال فايز حميد، المدير العام لوكالة الاستخبارات الباكستانية المنتهية ولايته، مثيراً للجدل السياسي خلال فترة عمله في وكالة الاستخبارات الرئيسية. ويتهم حزب المعارضة الرئيسي، «حزب الرابطة الإسلامية»، فايز حميد، بتدبير الإطاحة به من السلطة وما تلاه من تدابير سياسية مزعومة أدت، حسب الحزب، إلى وصول رئيس الوزراء عمران خان إلى السلطة. ولأن منصب مدير عام الاستخبارات الباكستانية يتمتع بهذا الوضع المهم في هيكل السلطة في البلاد، فقد بدأت التكهنات حول الخليفة المحتمل في وسائل الإعلام والدوائر السياسية في إسلام آباد قبل شهور من تقاعد المدير العام الحالي.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟