الانتخابات تعزز موقع الصدر لكن لا مفر من التفاوض مع القوى النافذة

أنصار مقتدى الصدر يحتفلون في بغداد (رويترز)
أنصار مقتدى الصدر يحتفلون في بغداد (رويترز)
TT

الانتخابات تعزز موقع الصدر لكن لا مفر من التفاوض مع القوى النافذة

أنصار مقتدى الصدر يحتفلون في بغداد (رويترز)
أنصار مقتدى الصدر يحتفلون في بغداد (رويترز)

بات التيار الصدري بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر يملك ورقة ضغط في اختيار رئيس الوزراء العراقي المقبل بعد مكاسبه في الانتخابات التشريعية، لكن لا يزال عليه التوافق مع قوى الحشد الشعبي رغم تراجع أدائها الانتخابي، حسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية من بغداد أمس.
وحل الصدر في الطليعة بحصوله على أكثر من سبعين مقعداً من أصل 329، لكن استحواذه على اختيار رئيس وزراء وحيداً لا يزال أمراً مستبعداً.
وأبعد من الخطابات ذات النبرة العالية والتوترات المنتظرة بين مختلف الأطراف السياسية، يرى خبراء أن انتخابات الأحد لن تفضي إلى زعزعة توازن القوى الهش القائم في بغداد منذ نحو عقدين. ولذلك لا بد للصدر من التحاور مع خصومه السياسيين في الحشد الشعبي.
ومن 48 مقعداً في البرلمان السابق، تراجع عدد مقاعد تحالف الفتح الذي يمثل الحشد الشعبي ويضم فصائل شيعية موالية لإيران باتت منضوية في القوى الرسمية، إلى أقل من النصف، لكن عدد مقاتليه يبلغ نحو 160 ألفاً، حسب تقديرات مراقبين. ومع دعم حليفته إيران، يبقى الحشد قوة لا يمكن تجاوزها في السياسة العراقية.
كذلك، حقق رئيس الوزراء السابق نوري المالكي حليف الحشد وطهران، خرقاً في الانتخابات.
في المقابل، يؤكد الصدر الذي تزعم أبرز فصيل مسلح قاتل القوات الأميركية بعد 2003 ويتبنى خطاباً مناهضاً لإيران، أنه القوة الأولى في البرلمان. إلا أن تشكيل الحكومة وتسمية رئيس للوزراء لا يعتمدان فقط على من يملك العدد الأكبر من المقاعد البرلمانية.
ويشرح الباحث في مركز «تشاثام هاوس» البريطاني ريناد منصور لوكالة الصحافة الفرنسية أن «النتائج تعطي الصدر اليد العليا على المشهد السياسي وفي المفاوضات. لكن ذلك ليس العامل الوحيد المهم»، موضحاً أنه «لا بد له من التفاوض مع الكتل الكبرى الأخرى».
في أعقاب صدور النتائج الأولية، ألقى زعيم التيار الصدري خطاباً أشار فيه بشكل غير مباشر إلى الحشد الشعبي. وقال: «يجب حصر السلاح بيد الدولة ويمنع استعمال السلاح خارج هذا النطاق وإن كان ممن يدعون المقاومة»، مؤكداً أنه «آن للشعب أن يعيش بسلام بلا احتلال ولا إرهاب ولا ميليشيات تنقص من هيبة الدولة»، في إشارة إلى الفصائل الموالية لإيران، حسب تقرير الوكالة الفرنسية.
وتأسس الحشد الشعبي في 2014 لمكافحة «تنظيم داعش» ودخل البرلمان للمرة الأولى في 2018.
وبعد الانتفاضة الشعبية التي هزت العراق في خريف 2019، وجهت التهم إلى الفصائل الموالية لإيران بالوقوف خلف عشرات الاغتيالات ومحاولات الاغتيال وعمليات الخطف لناشطين ومحتجين.
وأواخر مايو (أيار)، بعد توقيف مسؤول كبير فيه للاشتباه بأنه أمر باغتيال ناشط بارز، لم يتردد الحشد في استعراض قوته من أجل الإفراج عنه، ناشرا عناصره ومدرعاته عند مدخل المنطقة الخضراء حيث مقر الحكومة والسفارات الأجنبية في وسط العاصمة بغداد.
ورغم تراجع حجمه البرلماني، لكن الحشد الشعبي «لا يزال يحتفظ بقدرة ضغط قسرية كبرى، سيلجأ إلى استخدامها خلال المفاوضات»، كما يوضح ريناد منصور.
ولا يستبعد منصور أن «تلجأ جميع الأطراف إلى التهديدات والعنف»، لكن ذلك لا يعني حرباً مفتوحة فيما بينها، كما أوضح.
وقد أعرب تحالف الفتح عن رفضه لنتائج الانتخابات ونيته الطعن بها قانونياً، فيما كرر قياديون فيه تصريحاتهم المنددة بها منذ الأحد.
واعتبر رئيس حركة حقوق التابعة لكتائب «حزب الله» إحدى فصائل الحشد الشعبي الأكثر نفوذاً حسين مؤنس أن «هذه الانتخابات هي أسوأ انتخابات مرت على العراق منذ عام 2003»، فيما فاز تكتله بمقعد واحد فقط من أصل 32 مرشحاً.
واتهم المتحدث العسكري أبو علي العسكري باسم هذا الفصيل المسلح رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بأنه «عراب تزوير الانتخابات»، لصالح حزب صغير يقول إنه منبثق من الاحتجاجات.
لا يرى المحلل السياسي العراقي علي البيدر تحالف الفتح كقوة معارضة في المشهد السياسي العراقي. ويوضح أن «ثقافة المعارضة بعيدة كل البعد عن السياسة في العراق، الكل يريد تقاسم السلطة»، مشيراً إلى أن «التحالف يحاول تحصين الجماعات المسلحة من أي مساءلة، لذلك أرى أنه من الصعب جداً أن يوجد خارج منظومة السلطة».
في البرلمان الجديد الذي يتوقع أن يكون مشرذماً، ستكون للعبة المفاوضات وعقد التحالفات، مكانة كبيرة، تفتح الباب أمام اختيار رئيس للوزراء وتقاسم الحقائب الوزارية.
ويمكن للحشد أن يعتمد على تحالفه التقليدي مع نوري المالكي. وشكل هذا السياسي الشيعي القديم الذي تولى رئاسة الوزراء لأطول مدة في تاريخ البلاد، مفاجأة في هذه الانتخابات، إذ حصل تحالفه البرلماني على أكثر من 30 مقعداً.
ويطمح هذا التكتل السياسي عبر التحالف مع تيارات أخرى أصغر حجماً، إلى تشكيل «الكتلة البرلمانية الأكبر» وتسمية «المالكي كرئيس للوزراء»، وفق ما يشرح الباحث في «واشنطن إنستيتوت» حمدي مالك. ويضيف الخبير أن «ذلك صعب التحقق، لكن قد يشكل نقطة انطلاقة للدخول في مفاوضات مع الصدر وضمان مناصب عديدة لهم في الحكومة المقبلة».
وفي بلد يعاني من تدهور في البنى التحتية وينتظر إصلاحات لمكافحة الفساد المزمن، فإن تولي التيار الصدري فعلياً منصب رئاسة الوزراء دونه تحديات ويجعله عرضة للانتقادات.
ويوضح مالك «أصبح مقتدى الصدر يتمتع بوضوح بهامش مناورة أكبر ليطلب مزيداً من النفوذ. لكنه ليس اللاعب الوحيد»، مرجحاً أن تكون «النتيجة الأكثر قابلية للتحقق هي اختيار رئيس وزراء تسوية لكن يكون للتيار الصدري قدرة كبيرة على التأثير فيه».



«أرض الصومال»... هل يقبل «تهجير» الفلسطينيين مقابل «الاعتراف»؟

منظر عام لمدينة هرجيسا عاصمة وأكبر مدينة في «أرض الصومال» (أ.ف.ب)
منظر عام لمدينة هرجيسا عاصمة وأكبر مدينة في «أرض الصومال» (أ.ف.ب)
TT

«أرض الصومال»... هل يقبل «تهجير» الفلسطينيين مقابل «الاعتراف»؟

منظر عام لمدينة هرجيسا عاصمة وأكبر مدينة في «أرض الصومال» (أ.ف.ب)
منظر عام لمدينة هرجيسا عاصمة وأكبر مدينة في «أرض الصومال» (أ.ف.ب)

ربط حديث إسرائيلي للمرة الأولى، بين احتمال اعتراف أميركي بإقليم أرض الصومال الانفصالي، الذي يحتل موقعاً استراتيجياً مهماً على البحر الأحمر، وقبوله بـ«تهجير» الفلسطينيين إليه، مع تحذير رسمي من مقديشو من تداعيات ذلك الاعتراف واستبعاد حدوثه.

وكان «الإقليم» بطل أزمة اشتعلت مطلع 2024، بعد أن وقّع مذكرة تفاهم مع إثيوبيا لمنحها ممراً بحرياً مقابل الاعتراف به، وهو ما قوبل برفض مقديشو، ودعم مصري وعربي للصومال.

ويستبعد خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» حدوث مثل هذه «الصفقة، رغم ضبابية موقف مسؤولي الإقليم، وعدم نفي الأمر»، مشددين على أن إدارة أرض الصومال لن تتوقف عن مساعي الاعتراف بها، لكن المسألة شائكة هذه المرة، وهي مرتبطة بقضية فلسطين.

وأعلن إقليم أرض الصومال انفصاله عن الحكومة الفيدرالية الصومالية في 1991، لكنه لم يحصل حتى الآن، على اعتراف المجتمع الدولي الذي يعامله بصفته جزءاً من الصومال.

وزعمت القناة «12 الإسرائيلية»، الأربعاء، أن حديث الرئيس الأميركي دونالد ترمب في مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بشأن تهجير سكان غزة «ليس مجرد تصريحات، بل خطط مسبقة، حيث يخطط البيت الأبيض لتهجير سكان غزة إلى مناطق، منها أرض الصومال وبونتلاند».

ووفق القناة فإن «أرض الصومال وبونتلاند هما إقليمان داخل دولة الصومال غير معترف بهما دولياً بصفتهما دولتين مستقلتين»، لافتة إلى «احتياجهما السياسي المُلحّ إلى الاعتراف من جانب الولايات المتحدة»، في حين لم يُعقب أي من حكومتي الإقليمين على ما أوردته القناة رسمياً.

الرئيس الصومالي خلال توقيعه قانوناً يلغي اتفاق إقليم «أرض الصومال» مع أديس أبابا (الرئاسة الصومالية)

الأكاديمي الصومالي المُتخصص في شؤون القرن الأفريقي، الدكتور علي محمود كلني، يرى أن ما يثيره الإعلام الإسرائيلي مجرد «مبادرة متهورة وحلم يقظة، وتظهر أن ترمب لا يعرف كثيراً عن ثقافة الشعب الصومالي ومنطقة أرض الصومال التي لا تتسع إلى هذا الحد من الكثافة السكانية».

وأكد أن تلك الخطوة «تعد انتهاكاً لسيادة دولة أخرى واستقلاليتها، وليست أمراً يمكن لشخص أو دولة معينة أن يقرره أو يفعل ما يريد به»، لافتاً إلى أن «الصوماليين شعب قوي لا يقبل مطلقاً عدواناً واستفزازاً، وسوف يعارضون هذه المبادرة بكل وحزم».

وفي رأي المُحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، فإنه «لا توجد معلومات موثوقة تؤكد قبول أرض الصومال، حتى الآن، بأن يكون وجهة مقترحة لنقل سكان غزة، مقابل الحصول على اعتراف أميركي بالإقليم، كما يتداول الإعلام الإسرائيلي».

ووفق بري، فإنه «لا توجد مؤشرات أميركية على تغيير في موقفها من عدم الاعتراف بالإقليم»، لافتاً إلى أن «فكرة نقل سكان غزة إلى أرض الصومال مقابل الاعتراف الدولي تواجه تحديات كبيرة ومعارضة من عدة أطراف، بما في ذلك الحكومة الصومالية».

رئيس «أرض الصومال» المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

ونفى سفير الصومال لدى الولايات المتحدة، طاهر حسن عرب، التقارير التي تحدثت عن احتمال اعتراف الولايات المتحدة بأرض الصومال كياناً مستقلاً، قائلاً: «لا توجد أي خطة لدى الولايات المتحدة للاعتراف بأي منطقة في الصومال، بما في ذلك إقليم أرض الصومال الانفصالي»، وفق ما أورده موقع «الصومال الجديد الإخباري» المحلي، الخميس.

وذلك ثاني موقف رافض من مقديشو لتلك الخطوة، مع إعراب الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود عن معارضته الشديدة لأي محاولة للاعتراف الأميركي بإدارة «أرض الصومال الانفصالية»، محذراً في مقابلة مع صحيفة «واشنطن بوست»، قبل أيام، من أن بعض المقربين من ترمب يسعون لدفعه للاعتراف رسمياً بـ«أرض الصومال»، مؤكداً أن هذا قد يشكل تهديداً لتغيير حدود القارة الأفريقية.

شاب يحمل علم «أرض الصومال» أمام النصب التذكاري لـ«حرب هرجيسا» (أ.ف.ب)

وكان وزير الدفاع البريطاني الأسبق، غافين ويليامسون، قال في مقابلة مع صحيفة «الإندبندنت» البريطانية، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إنه أجرى محادثات مع فريق ترمب بشأن الاعتراف بـ«أرض الصومال»، وأن الأخير يعتزم الاعتراف بالإقليم، مرجحاً أن تحذو الحكومة البريطانية حذوه.

وهنا يرى بري أن الحكومة الصومالية ستعارض بشدة أي محاولات للاعتراف بإقليم أرض الصومال دولةً مستقلةً، كما قامت سابقاً برفض مذكرة تفاهم وقعتها إثيوبيا مع الإقليم، لافتاً إلى أن مثل هذه الإجراءات قد تؤدي إلى توترات وصراعات إقليمية.

وبالمثل، يعتقد كلني أن الولايات المتحدة «لن تقدم على إجراءات خاطئة من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم الوضع في منطقة القرن الأفريقي، التي تعاني بالفعل من اضطرابات أمنية وسياسية واقتصادية».