محامون سودانيون يطالبون بتسليم السلطة للمدنيين

TT

محامون سودانيون يطالبون بتسليم السلطة للمدنيين

تعرض مراسل «الشرق الأوسط» بالخرطوم للضرب من قِبل ضابط برتبة لواء في الجيش السوداني، أثناء مشاركته في تغطية موكب نظمه آلاف المحامين لمطالبة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان تسليم رئاسة المجلس للمدنيين في الموعد المحدد التزاماً بالوثيقة الدستورية التي قضت بتقاسم رئاسة مجلس السيادة بين المدنيين والعسكريين خلال الفترة الانتقالية، وتسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، بمن فيهم الرئيس المعزول عمر البشير.
وسدّت قوات من الجيش والشرطة شارعي الجامعة والقصر بمحاذاة القصر الرئاسي لمنع وصول الموكب الذي تحرك من أمام مقر لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو (حزيران) على شارع الجمهورية. واتجه الموكب شمالاً عبر شارع عبد المنعم محمد، ثم شرقاً باتجاه القصر على شارع الجامعة، وفي الأثناء حاول الزميل محمد الأمين ياسين، مراسل الصحيفة، الدخول لتغطية الموكب، لكن ضابطاً برتبة لواء في الجيش، تعرض له بالضرب والاستفزاز، رغم إشهاره هويته الصحافية.
ومنعت قوات الجيش التي اصطفت بالقرب من القصر المحامين المحتجين من الوصول إلى القصر، بيد أنها سمحت لممثليهم بدخول القصر وتسليم مذكرتهم لمجلس السيادة. وطالب المحامون في مذكرتهم بالالتزام الصارم والتعهد الكامل وغير المشروط بأحكام الوثيقة الدستورية، واستكمال مؤسسات وهياكل السلطة الانتقالية التي تجاوزت الآجال الدستورية المحددة لها، واعتبرته مهدداً خطيراً ومخالفة صارخة للوثيقة الدستورية، بما في ذلك تكوين المجلس التشريعي، وتشكيل مجلس القضاء العالي، وتشكيل المحكمة الدستورية، واستكمال تعيين المجلس الأعلى للنيابة، وإصلاح الأجهزة العسكرية لتفادي الانقلابات العسكرية.
ونصت المذكرة على استكمال البنية القانونية والبشرية للمفوضيات المستقلة، والالتزام بمهام وبرامج الفترة الانتقالية، وعلى رأسها تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989، وإزالة التمكين واسترداد الأموال المنهوبة. واعتبرت المذكرة لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو «القلب النابض» للثورة، وصوت الشارع و«الترس» الأول للثورة، و«خطاً أحمر» لا يسمح المحامون والثوار بتخطيه، وقالت «إن أي رفض أو تكسير أو التفاف على قرارات لجنة إزالة التمكين يعد انتكاسة للثورة».
ودعت للالتزام بتنفيذ شعارات ومبادئ وأهداف ثورة ديسمبر (كانون الأول) في الحرية والسلام والعدالة، وتحقيق متطلبات العدالة الانتقالية، والقصاص لدماء شهداء الثورة، وكشف جريمة فض اعتصام القيادة العامة «التي أدمت قلوب الشعب السوداني كافة، وأبكت الضمير العالمي».
وقالت المذكرة، إن محاكمة رموز النظام البائد على جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، وإعمال مبدأ عدم الإفلات من العقاب من أوجب واجبات العدالة، ودعت للتسليم الفوري لجميع الأشخاص الذين صدرت بحقهم أوامر قبض من المحكمة الجنائية الدولية، وعلى رأسهم الرئيس المعزول عمر البشير، معتبرة عدم التزام المكون العسكري بالوثيقة الدستورية والتغول على اختصاصات الجهاز التنفيذي.
ونصت الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية، والموقعة بين تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي، على تقاسم رئاسة مجلس السيادة خلال الفترة الانتقالية، على أن يترأس العسكريون الفترة الأولى وطولها 21 شهراً، وأن يترأس من يختاره المدنيون الفترة الثانية وطولها 18 شهراً.
وإثر اقتراب نهاية فترة ولاية رئيس المجلس الحالي عبد الفتاح البرهان، اتهم المدنيون العسكريين، بأنهم يمهدون لعدم تسليم رئاسة المجلس، ويسعون لشق التحالف الحاكم، وتأليب الجيش، وتطور الوضع لمشاحنات وتبادل اتهامات بين الطرفين، وعلق بموجبها البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو، اجتماعات المجلس ورفضا الجلوس للمدنيين، وعلّقا الاجتماع المشترك بين مجلسي السيادة والوزراء، والذي يعد بمثابة برلمان مؤقت، وذلك عقب محاولة انقلابية فاشلة سبتمبر (أيلول) الماضي.



«الرئاسي اليمني» يُطلق حرباً على الفساد في المؤسسات الحكومية

مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)
مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)
TT

«الرئاسي اليمني» يُطلق حرباً على الفساد في المؤسسات الحكومية

مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)
مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)

في خطوة غير مسبوقة تهدف إلى مواجهة الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية وحماية المال العام، أعلن مجلس القيادة الرئاسي في اليمن حزمة من الإجراءات المنسقة لمكافحة الفساد وغسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتعزيز المركز القانوني للدولة، وذلك بعد تلقي المجلس تقارير من الأجهزة الرقابية والقضائية حول قضايا فساد كبرى وقعت في الأعوام الأخيرة.

وأفاد الإعلام الرسمي بأنه، بناءً على توصيات من رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، صدرت توجيهات مستعجلة لاستكمال إجراءات التحقيق في القضايا قيد النظر، مع متابعة الجهات المتخلفة عن التعاون مع الأجهزة الرقابية.

وشدد مجلس الحكم اليمني على إحالة القضايا المتعلقة بالفساد إلى السلطة القضائية، مع توجيهات صريحة بملاحقة المتهمين داخل البلاد وخارجها عبر «الإنتربول» الدولي.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن رشاد العليمي (سبأ)

وأمر العليمي -حسب المصادر الرسمية- بتشكيل فريق لتقييم أداء هيئة أراضي الدولة وعقاراتها، التي تواجه اتهامات بتسهيل الاستيلاء على أراضيها من قِبل شخصيات نافذة. كما شدد على إلغاء جميع التصرفات المخالفة للقانون وملاحقة المتورطين.

وبينما تشير هذه الخطوات الجادة من مجلس القيادة الرئاسي إلى التزام الحكومة اليمنية بمكافحة الفساد، وتحسين الأداء المؤسسي، وتعزيز الشفافية، يتطلّع الشارع اليمني إلى رؤية تأثير ملموس لهذه الإجراءات في بناء دولة القانون، وحماية موارد البلاد من العبث والاستغلال.

النيابة تحرّك 20 قضية

ووفقاً لتقرير النائب العام اليمني، تم تحريك الدعوى الجزائية في أكثر من 20 قضية تشمل جرائم الفساد المالي، وغسل الأموال، وتمويل الإرهاب، والتهرب الضريبي. ومن بين القضايا التي أُحيلت إلى محاكم الأموال العامة، هناك قضايا تتعلّق بعدم التزام بنوك وشركات صرافة بالقوانين المالية؛ مما أدى إلى إدانات قضائية وغرامات بملايين الريالات.

كما تناولت النيابة العامة ملفات فساد في عقود تنفيذ مشروعات حيوية، وعقود إيجار لتوليد الطاقة، والتعدي على أراضي الدولة، وقضايا تتعلق بمحاولة الاستيلاء على مشتقات نفطية بطرق غير مشروعة.

مبنى المجمع القضائي في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن (سبأ)

ومع ذلك، اشتكت النيابة من عدم تجاوب بعض الجهات الحكومية مع طلبات توفير الأدلة والوثائق، مما أدى إلى تعثر التصرف في قضايا مهمة.

وأوردت النيابة العامة مثالاً على ذلك بقضية الإضرار بمصلحة الدولة والتهرب الجمركي من قبل محافظ سابق قالت إنه لا يزال يرفض المثول أمام القضاء حتى اليوم، بعد أن تمّ تجميد نحو 27 مليار ريال يمني من أرصدته مع استمرار ملاحقته لتوريد عشرات المليارات المختلسة من الأموال العامة. (الدولار يساوي نحو 2000 ريال في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية).

وعلى صعيد التعاون الدولي، أوضحت النيابة العامة أنها تلقت طلبات لتجميد أرصدة أشخاص وكيانات متورطين في غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وبينما أصدرت النيابة قرارات تجميد لبعض الحسابات المرتبطة بميليشيات الحوثي، طلبت أدلة إضافية من وزارة الخزانة الأميركية لتعزيز قراراتها.

تجاوزات مالية وإدارية

وكشف الجهاز المركزي اليمني للرقابة والمحاسبة، في تقريره المقدم إلى مجلس القيادة الرئاسي، عن خروقات جسيمة في أداء البنك المركزي منذ نقله إلى عدن في 2016 وحتى نهاية 2021. وتضمنت التجاوزات التلاعب في الموارد المالية، والتحصيل غير القانوني للرسوم القنصلية، وتوريد إيرادات غير مكتملة في القنصلية العامة بجدة وسفارتي اليمن في مصر والأردن.

وأفاد الجهاز الرقابي بأن التجاوزات في القنصلية اليمنية في جدة بلغت 156 مليون ريال سعودي، تم توريد 12 مليون ريال فقط منها إيرادات عامة، في حين استولت جهات أخرى على الفارق. أما في مصر فتم الكشف عن استيلاء موظفين في السفارة على 268 ألف دولار من إيرادات الدخل القنصلي باستخدام وثائق مزورة.

وفي قطاع الكهرباء، كشف تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة عن مخالفات جسيمة في عقود توفير المشتقات النفطية، تضمّنت تضخيم تكلفة التعاقدات وإهدار المال العام بقيمة تزيد على 285 مليون دولار. كما أشار التقرير إلى اختلالات في عقود السفينة العائمة لتوليد الطاقة التي تضمنت بنوداً مجحفة وإعفاءات ضريبية وجمركية للشركة المتعاقد معها.

وتحدّث الجهاز الرقابي اليمني عن اعتداءات ممنهجة على أراضي الدولة، تشمل مساحة تزيد على 476 مليون متر مربع، وقال إن هذه الاعتداءات نُفّذت بواسطة مجاميع مسلحة وشخصيات نافذة استغلّت ظروف الحرب لنهب ممتلكات الدولة. كما تم تسليم أراضٍ لمستثمرين غير جادين تحت ذرائع قانونية؛ مما تسبّب في إهدار أصول حكومية ضخمة.

وحسب التقارير الرقابية، تواجه شركة «بترومسيلة» التي أُنشئت لتشغيل قطاع 14 النفطي في حضرموت (شرق اليمن)، اتهامات بتجاوز نطاق عملها الأساسي نحو مشروعات أخرى دون شفافية، إلى جانب اتهامها بتحويل أكثر من مليار دولار إلى حساباتها الخارجية، مع غياب الرقابة من وزارة النفط والجهاز المركزي.