Chaco
* إخراج: دييغو مونداسا
* بوليفيا (2020)
* حرب | عروض مهرجان روتردام
«شاكو» هو فيلم عن الحرب من دون معركة. في الواقع نسمع رصاصتين فقط طوال مدة عرضه (80 دقيقة). لا نرى جيوشاً ولا طائرات أو مدافع أو سفن حربية. نشاهد فرقة صغيرة من المشاة ولا نرى الطرف المعادي لها. على ذلك، يحفر الفيلم عميقاً في وجدان المشاهد وهو يتابع مأساة إنسانية تتبلور بوضوح أمام عينيه. في عام 1932 نشب نزاع بين بوليفيا وباراغواي على مقاطعة شاكو الواقعة على الحدود بين البلدين. كل من الدولتين الفقيرتين سعتا لاحتلال المقاطعة بعدما تم اكتشاف البترول فيها. النزاع تحوّل إلى حرب استمرت حتى عام 1935 عندما قررت الدولتان حل النزاع على طاولة المفاوضات، وهذه أدت إلى احتفاظ باراغواي بثلثي الأرض المتنازع عليها وآل الثلث الثالث إلى بوليفيا.
«شاكو» لا يتطرق إلى هذه الخلفية بل يضعنا مباشرة أمام فرقة مؤلفة من المواطنين الأصليين لجبال أنديز الذين تم تجنيدهم من قبل القيادة البوليفية وإرسالهم إلى الجبهة تحت قيادة كابتن ألماني الأصل (فابيان أرينيلاس). أفراد الفرقة (نحو 30 مجنداً) يجرّون، لمعظم الوقت، أقدامهم جراً فوق أرض بور لا صيد فيها (وبالتالي لا طعام) ولا ماء سوى في تلك المرّة الوحيدة التي وصلوا فيها إلى نهر أرتووا منه لكن كان عليهم المضي قُدماً في مهمتهم.
المهمّة كانت مواجهة أي توغل من عسكر باراغواي في وادي شاكو والفرقة تتقدم في أراضٍ غير مأهولة. مرّة واحدة يلتقي الجنود برجل وامرأة من قبيلة محلية. يسألونهما عما إذا كان هناك أي جنود معادين في المنطقة. الجواب بالنفي. لكن الفرقة عليها أن تواصل البحث وكلما انتقلت من مكان إلى آخر كلما انحدرت أحوال الجنود إلى الحضيض. هناك من مات وهناك من هرب وهناك من واجه مصيره حتى نهاية الفيلم.
الفيلم ليس مشغولاً كعمل تسجيلي. هو روائي بكل وضوح، لكن أسلوب مخرجه في رابع أعماله، راصد وخال من الافتعال ومن الأداء بنبرة تمثيلية. يتابع المخرج ما يسرده كما لو أن الكاميرا كانت هناك حينها. خطّة المخرج هو أن يترك الكاميرا تنقل ما يدور من دون تعليق منها أو تفعيل والخطة تنجح في منحنا فيلماً إنسانياً المعنى، حافل بمواقف تنضح ألماً ولغاية تصوير أفراد خسروا حياتهم في توهان لا جدوى منه.
Wheel of Fortune and Fantasy
* إخراج: رايوسوك هاماغوتشي
* اليابان (2021)
* دراما | عروض لندن، باريس، الولايات المتحدة
تلعب الصدفة دوراً أساسياً في ثلاث حكايات يضمها هذا الفيلم بين جناحيه. تتحدّث القصّة الأولى تحت عنوان «سحر لشيء أقل تأكيداً»، عن صديقتين تحبّان شاباً واحداً فإذا به يمر، صدفة، بالمقهى الذي اجتمعت الصديقتان فيه.
الثانية «الباب مفتوح كلياً» عن امرأة تتسبب في طرد أستاذ جامعي من منصبه بالتواطؤ مع طالب يريد الانتقام منه. بعد سنوات نراها في حافلة عمومية وإذا بالطالب نفسه في الحافلة ذاتها يتحدّث إليها عما وقع وتجد نفسها منزعجة كونه استغلها للانتقام من الأستاذ البريء.
في الحكاية الثالث «مرّة أخرى» نجد امرأتين تتعرّفان على بعضهما البعض خلال مرورهما على جسر فتعتقد كل منهما أن الأخرى هي امرأة أخرى. هذا يقود إلى تعارف وثيق.
الصدف المزروعة دخيلة في الحكايتين الأولى والثانية رغم أنها تستند إلى احتمالات تقع في الحياة العامّة بلا ريب. نعرف أنها دخيلة كونها تقع في وقت لاحق من كل قصّة خالية من التمهيد. لكن صدفة الحكاية الثالثة هي الأكثر قبولاً كونها تقع في مطلع المشهد الأول من القصّة.
«عجلة الحظ والفانتازيا» هو نوع من تلك الأفلام التي تُكتب كأفكار وحوارات أكثر منها كأحداث ويتم لاحقاً إلباسها أماكن تصوير وعناصر عمل أخرى. خلال فعل الكتابة يشيّد السيناريست (المخرج ذاته هنا) عالماً من السجال الحواري الواقع في أماكن محدودة: داخل سيارة تاكسي، داخل منزل، داخل مكتب... إلخ) ومن دون الرغبة في تقديم أحداث تقع خارج الأماكن الداخلية إلا في القليل من المناسبات. بذلك تتكوّن أمام المُشاهد نتيجة شبه مسرحية ولولا حسن دراية المخرج رايوسوك هاماغوتشي بتفاصيل أسلوبه وبحسن إدارته للممثلين لما تطوّر الفيلم لأكثر بكثير من مشاهد ثرثارة.
إذا كانت صدفة الحكاية الثالثة هي أكثر قبولاً، فإن ذلك لا يعني أنها أفضل القصص. إحدى المرأتين اللتين التقيتا على الجسر هي مُثلية والثانية تأخذها لمنزلها لتتحدث معها. لن ينتهي المشهد من قبل أن تقررا الاندماج في العلاقة. على حسنات الفيلم في تأسيس مشهديات بسيطة التصميم والتنفيذ، إلا أن هذه الحسنات لا تمنح الفيلم أكثر من حضور عابر بلا مميّزات فعلية.
The Many Saints of Newark
* إخراج: آلان تايلور
* الولايات المتحدة (2021)
* غانغستر | عروض تجارية
حقيقة أن «قديسو نيوورك المتعددون» هو دراما تستمد حكاياتها من مسلسل «ذا سوبرانوز» الذي عرضته محطة HBO قبل عدة سنوات، وبنجاح كبير، لا تكفي لأن نجلس لساعتين كاملتين نتابع فيلماً يسبر حكاية ما قبل المرحلة التي دارت فيها حكايات المسلسل.
الممثل الراحل جيمس غالدولفيني برع في دور المافياوي الذي يعيش عالميه، العائلي والعملي، بشفرات أخلاقية ومهنية محددة ويقابل المشاكل الناتجة من حوله بحلول ليست دوماً مبررة ومن بينها القتل والتخطيط للقتل.
الفيلم الجديد يأخذنا إلى ما قبل الفترة التي تقع فيها أحداث المسلسل (Pre - equal). أنطوني سوبرانو (مايكل غاندولفيني، ابن جيمس) ما زال فتى يعيش في تربة عائلة ديميو التي يقودها عمه المافياوي ديكي (أليساندرو نيفولا). سيتابع مجريات الأمور وانقلاب الأحوال عندما تبدأ العائلات المافياوية الأخرى تحدي عائلة ديميو محاولة التهام نصيبها من التجارة بالممنوعات. سننتقل به (وقد أصبح شاباً) وهو ينخرط في أعمال العصابة بينما يحاول عمّه حل المعضلات العائلية الخاصة وتلك الناتجة عن ذلك التحدي. هذا في جو متوتر كذلك تبعاً لعلاقات بين بيض وسود تسودها العنصرية.
للفيلم أحداثه المتشعبة لكن تشابه طبيعتها وكونها تمهيداً لمسلسل معروف أمران طاغيان لا يستطيع المرء تجاهلهما. الدافع المنفصل والمستقل لتحقيق هذا الفيلم ليس متوفراً. إخراج آلان تايلور لا يعرف نتوءات بل يمضي سلساً وتوظيفياً معظم الأحيان.