نظم الذكاء الصناعي... مستقبل مخيف تتحكم فيه الآلات

يرى المؤلف أن «الحب» هو الشيء الوحيد الذي سينقذ البشرية من محناتها

نظم الذكاء الصناعي... مستقبل مخيف تتحكم فيه الآلات
TT

نظم الذكاء الصناعي... مستقبل مخيف تتحكم فيه الآلات

نظم الذكاء الصناعي... مستقبل مخيف تتحكم فيه الآلات

تعرض التكنولوجيا إنسانيتنا للخطر إلى درجة غير مسبوقة كما يقول مو (محمد) جودت خبير التكنولوجيا المصري والباحث في العلوم الهندسية ونظم الذكاء الصناعي، في كتابه الجديد: «الذكي المخيف»: مستقبل الذكاء الصناعي وكيف يمكنك إنقاذ عالمنا.
ولا يبدو الكتاب موجهاً للمهندسين الذين يكتبون رموز البرامج الإلكترونية أو لصانعي السياسات الذين يزعمون أنهم يستطيعون تنظيمها، أي إخضاعها للقوانين. إن هذا الكتاب، كما يقول المؤلف، «هو لك، لأنك الوحيد الذي يمكنه إصلاح الأمور».
الذكاء الصناعي أذكى من البشر، حسب جودت، إذ يمكنه معالجة المعلومات بسرعة البرق والتركيز على مهام محددة دون تشتيت الانتباه. ويمكن للذكاء الصناعي رؤية المستقبل، والتنبؤ بالنتائج، وحتى استخدام المستشعرات لرؤية ما حول الزوايا المادية، والافتراضية. فلماذا يخطئ الذكاء الصناعي كثيراً؟ الجواب... هو نحن، لأن البشر هم من يصممون الخوارزميات التي تحدد الطريقة التي تعمل بها نظم الذكاء الصناعي. وتعكس المعلومات المعالجة عالماً غير كامل.
في كتابه الجديد يعتمد جودت، الذي سبق وأن أصدر كتاب «Solve for Happy» «حل السعادة»، المشهور عالمياً الذي وضع فيه «معادلة للسعادة»، على خبرته الكبيرة للإجابة على هذا السؤال، وإظهار ما يمكننا فعله جميعاً الآن لتعليم أنفسنا وآلاتنا كيفية العيش بشكل أفضل.
ومع أكثر من ثلاثين عاماً من الخبرة في العمل في أحدث التقنيات ودوره السابق كرئيس تنفيذي للأعمال في «Google [X]» (غوغل إكس)، المشروع المخصص لصنع أذكى الآلات، فإنه يعتبر في موقع أفضل من غيره لشرح كيفية عمل الذكاء الصناعي في المستقبل.
يقول الكاتب إن الذكاء الصناعي سيصبح خلال عقود أكثر ذكاءً من البشر بملايين المرات. ويشرح كتابه الجديد كيفية إصلاح المسار الحالي الآن، للتأكد من أن الذكاء الصناعي في المستقبل سيمكنه الحفاظ على جنسنا البشري. ويقدم الكتاب مخططاً يشير إلى الطريق إلى ما يمكننا القيام به لحماية أنفسنا وعوائلنا وحماية الكوكب نفسه.
عمل جودت في شركات «آي بي إم» و«مايكروسوفت»، ثم في قيادة فريق استراتيجية الأعمال والتخطيط والمبيعات وتطوير الأعمال والشراكات في «غوغل»، حيث «صمم نماذج أعمال مبتكرة مماثلة للتقنيات الجديدة الجريئة المخربة»، أي تلك التي تخترق حياتنا وتخرب سيرورتها مثل كل التقنيات الثورية.
ويشير الكاتب إلى أن هناك ثلاثة جوانب فقط تحتاج لمعرفتها حول الذكاء الصناعي. ويقول إن الحديث عن إمكانية وقف زحف نظم الذكاء الصناعي ليس سوى خرافة... أولاً، إنها قادمة. ثانياً، لا يمكنك إيقافها. ثالثاً، أن «الذكاء الصناعي السوبر» سيكون أذكى من البشر. وهذا هو محور الكتاب الذي يتحدث عن رحلة الذكاء الصناعي المستمرة نحو مرحلة «التفرد» التي ستحدث في منتصف هذا القرن، عندما تكون الآلات أكثر ذكاء من أنفسنا مليار مرة. وإذا تحول الذكاء الصناعي إلى «آينشتاين»، فلن نكون أكثر من ذباب.
ومفهوم التفرد التكنولوجي - أو ببساطة التفرد - كما تشير إليه «الويكيبيديا» هو نقطة زمنية افتراضية يصبح فيها النمو التكنولوجي غير قابل للسيطرة ولا رجوع فيه، ما يؤدي إلى تغييرات غير متوقعة في الحضارة الإنسانية. ووفقاً للنسخة الأكثر شيوعاً من فرضية التفرد، التي تسمى انفجار الذكاء، فإن أي عامل ذكي قابل للترقية سيتعرض لدورات تحسين الذات، حيث يظهر كل جيل جديد منه أكثر ذكاءً بسرعة أكبر، مما يتسبب في «انفجار» في الذكاء يؤدي إلى ذكاء خارق قوي يفوق نوعياً كل ذكاء بشري.
ويتساءل مو جودت، ما الذي سيوقف «أينشتاين» من ضرب الذباب؟ إنه سؤال جيد. الجواب في عنوان الكتاب الفرعي - هو أنت. يمكن للقارئ أن ينقذ العالم من الدمار الذي يجلبه الذكاء الصناعي الوشيك لأن القوة في أيدينا لتغيير مسار التاريخ للأفضل. إنه سيف ذو حدين لأن التكنولوجيا لديها القدرة على الخير والشر على حد سواء.
والمشكلة كما يقول جودت إنه «إذا سيطرنا على الذكاء الصناعي، فلن يرقى إلى مستوى توقعاتنا، وإذا لم نفعل ذلك، فإننا نجازف بأن يصبح شريراً».
وتضفي خبرة جودت مصداقية على تصوراته المستقبلية في ميدان ما يسمى «علم المستقبل التخميني». وفي مقابلة مع مجلة صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية في لندن بداية هذا الشهر تحدث جودت عما ستوفره لنا التقنيات الذكية المقبلة: «تخيل سيدة في المستقبل القريب تتسوق على الإنترنت لشراء سيارة (أودي)، تذهب إلى موقع الشركة المصنعة لها، لتصمم السيارة بنفسها بالألوان الخارجية ومواصفات المقاعد الداخلية على مدى يومين. إلا أن نظم الذكاء الصناعي للشركة تسارع إلى تقديم أفضل عروض السيارات المماثلة أو القريبة إلى تصميم السيدة». ويستنتج جودت: «أنه لا يمكن لأي إنسان أن يقدم ما سوف تقدمه نظم الذكاء الصناعي تلك... لأن الإنسان أبطأ منها»!
ويتحدث الكاتب عن تجربته عندما كان يطور مع فريقه في «غوغل إكس» نظم الذكاء الصناعي، على شكل أيادٍ روبوتية تحاول التقاط برقة لعب الأطفال. وظل فريقه عاجزاً عن ذلك لأسابيع عديدة... ولكن، وفي أحد الأيام التقطت إحدى الأيادي الروبوتية كرة صفراء وعرضتها «بافتخار» أمام الكاميرا. وفي اليوم الثاني تمكنت كل الأيادي الروبوتية من الإمساك بالكرات. وبعد يومين تمكنت كلها من الإمساك بأي شيء!
ويقول جودت: «عندها شعرت فجأة أن هذه القضية مخيفة حقاً. لأننا كنا مع هذه الأيادي لأسابيع فقط، والآن تعلمت جوانب لا يتعلمها الطفل إلا خلال سنتين».
ويشير في نهاية المقابلة إلى أن «الحب» هو الشيء الوحيد الذي سينقذ البشرية من محناتها ومن الآثار المخيفة للآلات الذكية. وبسبب فقدانه ابنه علياً في عمر الشباب، فإنه يقول إن تلك التجربة علمته أن حب الأطفال حب غير مشروط، حتى إذا وضعت له القواعد لكي تجعل علاقاتك مع الأطفال تنمو وتزدهر... لأن الحب نفسه يتجاوز تلك القواعد ويسمو عليها.
ومن هنا فإنه يعمم هذا الاستنتاج على الذكاء الصناعي، ويقول، «عندما أبدأ في النظر إلى نظم الذكاء الصناعي من هذا المنطلق... فإني أرى الجاذبية فيها. أنها بريئة، أنها تستكشف العالم المحيط بها بكل معنى الكلمة وبفضول كبير. ولذا فإني أشعر بالحب تجاهها».

«الذكي المخيف»: مستقبل الذكاء الصناعي
وكيف يمكنك إنقاذ عالمنا
Scary Smart: The Future of Artificial Intelligence and How You Can Save Our World
Pan Macmillan
المؤلف: مو (محمد) جودت
الناشر: بان ماكميلان


مقالات ذات صلة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

ثقافة وفنون أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية

سحر عبد الله
يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان

سردار عبد الله يحاول ملء الفراغ في سيرة الشيخ النقشبندي

سردار عبد الله يحاول ملء الفراغ في سيرة الشيخ النقشبندي
TT

سردار عبد الله يحاول ملء الفراغ في سيرة الشيخ النقشبندي

سردار عبد الله يحاول ملء الفراغ في سيرة الشيخ النقشبندي

صدر عن دار «نوفل - هاشيت أنطوان» كتاب «موجَز الرحلتَيْن في اقتفاء أثر مولانا ذي الجناحَيْن» للكاتب والسياسي العراقي الكردي سردار عبد الله. في هذا الكتاب، الذي نال تنويهاً من جائزة ابن بطّوطة لأدب الرحلات، يحاول سردار عبد الله، من خلال رحلتين قام بهما في عام 2018 إلى الهند، ملء الفراغ في سيرة الشيخ النقشبندي.

هناك، في مدينة جيهان آباد القديمة، قضى الشيخ خالد النقشبندي عاماً في منتصف القرن التاسع عشر، أسهمت تلك السنة في تعزيز دور الشيخ لإحداث تغييرات بعد عودته؛ إذ تبنى الطريقة النقشبندية التي باتت تسمى فيما بعد باسمه «النقشبندية الخالدية». تقودنا هذه الرحلة إلى أحداث تاريخية مهمة حينها مثل سقوط ولاية بغداد والطريقة الصوفية البكتاشية. فكانت طريقته الصوفية بمثابة البديل الروحي أولاً؛ ما أحدث تحولاً كبيراً في تركيبة الزعامة الكردية، التي انتقلت من طبقة الأمراء والإقطاع إلى رجال الدين المتنوّرين.

اتخذ الكاتب قراراً جازماً بألا يعود من الهند ما لم يعثر على ذلك المكان المجهول، غير أنه في رحلة بحثه تلك، يخوض في التاريخ تارة وفي العجائب والطرائف التي يصادفها في تلك البلاد تارة أخرى.

«كيف لنملةٍ أن تطارد نسراً؟»، يتساءل الكاتب، كيف لمريدٍ أن يقتفيَ آثارَ شيخٍ حملَ الشريعةَ على جناحٍ والحقيقةَ على آخر، وجابَ بهما أصقاع الدنيا مُحلِّقاً؟

في هذه الرحلة الممتعة في الزمان والمكان والروح، يُشاركُ الكاتب قرّاءَه تفاصيلَ رحلتَيْه إلى الهند عام 2018؛ بحثاً عن خانقاه الشاه عبد الله الدهلوي. هناك، في مدينة جيهان آباد القديمة، قضى الشيخ خالد النقشبندي عاماً خلال بدايات القرن التاسع عشر، عاد من بَعدِه إلى كردستان وبغداد والشام، يحملُ طريقةً أحدثتْ تحوّلاً كبيراً في المنطقة، في فترةٍ مهمّةٍ تاريخيّاً شهدتْ سقوط ولاية بغداد، وسقوطَ الإمارات الكُرديّة؛ ما خلق فراغاً رهيباً في السلطة.

في كتابه، الذي يقع في 216 صفحة، يتساءل سردار عبد الله ثانية: «لماذا يثور مَن تتلمذ على يد الشيخ النقشبندي، بدءاً بالشيخ النهري في كردستان وصولاً إلى الأمير عبد القادر في الجزائر، ضدّ المحتلّين؟»، فتأخذ الرحلة بُعداً أعمق...

ويكتشف كاتبُنا. فبعدما اتخذ قراراً جازماً بألّا يعود من الهند ما لم يعثر على المقام المنشود، سيعثر المُريد على كنوز المعرفة ودُرَرِ المشاهَدات وهو في طريقه إلى الوجهة الأساسيّة.

وسردار عبد الله - كاتبٌ وسياسيّ كرديّ ومرشَّحٌ سابق لرئاسة العراق. ترأّس هيئة تحرير مجلّاتٍ وصحفٍ كرديّةٍ عدّة، بعد سنواتٍ قضاها في جبال كردستان ضمن قوّات البيشمركة الكرديّة. له إصدارات عدّة باللغتَيْن الكرديّة والعربيّة. «موجز الرحلتَيْن في اقتفاء أثر مولانا ذي الجناحَين» هو كتابه الثاني الصادر عن «دار نوفل» بعد روايته «آتيلا آخر العشّاق» (2019).