العبير الفني لـ«أنيكا يي» في معرضها اللندني

أنيكا يي ومخلوقاتها الأثيرية الطائرة (نيويورك تايمز)
أنيكا يي ومخلوقاتها الأثيرية الطائرة (نيويورك تايمز)
TT

العبير الفني لـ«أنيكا يي» في معرضها اللندني

أنيكا يي ومخلوقاتها الأثيرية الطائرة (نيويورك تايمز)
أنيكا يي ومخلوقاتها الأثيرية الطائرة (نيويورك تايمز)

أقامت الفنانة أنيكا يي قبل سنوات معرضاً حول موضوع يبدو الآن أنه اكتسب نظرة استشرافية مرعبة تتعلق بمخاوف الإنسان من العدوى الفيروسية. فبعد تأكيد وجود حالة «إيبولا» في نيويورك وتسببها في عدم استقرار الحياة في المدينة وفي الشعور بالقلق لشهور، أقامت أنيكا خياماً في معرض «فنون المطبخ» The Kitchen Arts في مدينة نيويورك لعرض أطباق لعينات بكتيريا جمعتها من 100 سيدة.
بالنسبة إلى أنيكا (50 عاماً)، فإن الجراثيم والميكروبات التي تمر بيننا هي المفتاح لفهم كيفية استجابة البشر لبعضهم البعض. ويعتبر الهواء الذي نتنفسه هو المكان الذي يجري فيه التبادل الجزيئي.
الآن تستغل صالة عرض «تيرباين هول» في معهد «تيت مودرت» في لندن لتقديم عرض منفرد يستمر حتى 16 يناير (كانون الثاني) 2022. جعلت أنيكا من الهواء مادتها وموضعها الأساسي.
عندما يدخل الزائرون القاعة الصناعية التي تتخذ شكل كهف، فإنهم يواجهون سلسلة من المخلوقات العملاقة المحمولة جواً التي تبدو مجسمات أثيريّة لقنديل البحر والأميبا، التي تم إحياؤها باستخدام تكنولوجيا الطائرات من دون طيار والخوارزميات.
سيلحظ زائر القاعة، وإن كان بدرجة أقل وضوحاً، بما يوحي بالحياة الميكروبية: هي رائحة تتغير من أسبوع لآخر، تستحضر التاريخ العبق لمنطقة «بانكسايد» حول المتحف، من عصور ما قبل «الكمبري» وأواخر «الجوراسي» إلى عصر الآلة. من بين سمات الرائحة التي ابتكرتها أنيكا تلك التي تمثل فترات أكثر ضرراً في تاريخ لندن، بما في ذلك روائح الكوليرا والطاعون الدبلي.
وفي مقابلة حديثة عبر «الفيديو كونفرانس» من لندن حيث تقوم بتركيب «الأيروبس» أو «الآلات البيولوجية»، كما تصورتها، قالت أنيكا إن «النظام البيئي في قاعة تيرباين هول هو مكان لكل هذا التشابك البيولوجي الذي يطفو ويموج في الفضاء»، مضيفة، «أريد أن أوضح فكرة أن الهواء هو منحوتة نسكنها».
يمتد عمل أنيكا مع الروائح في التدرج من العاطفي إلى الاجتماعي السياسي، مما يسلط الضوء على اهتمامها بالطريقة التي تم بها تكييف أنف الإنسان بواسطة القوى الخارجية. فقد ابتكرت رائحة لتمثيل تجربة النسيان، وخلقت رائحة «متنقلة»، وأعادت ابتكار رائحة صالة عرض في نيويورك يملكها تاجر الأعمال الفنية لاري جاجوسيان.
استطردت أنيكا قائلة: «أتحدث كثيراً عن عدم وجود رائحة للقوة»، مضيفة: «هذا هو السبب في أنه لا يجب أن تشم أي روائح عندما تدخل معرضاً في تشيلسي، أو عندما تدخل إلى أحد البنوك. هذه أماكن قوة وعقم، في كثير من الأحيان مرتبطة بكل ما هو مُذكَر». إن روائحها من الممكن قراءتها على أنها تخريب نسوي لأولوية الصورة المرئية في الفن واحتفال التنوير بالعقل البشري كبؤرة للذكاء.
أضافت، أنيكا: «أعتقد أن هذه الرائحة تفتح إمكانات شاملة لا تصدق للفن. الرائحة تغير المواد الكيميائية لدينا. إنها تشكل رغباتنا، كما يمكن أن تجعلنا مرضى بشكل خطير. وستكون هناك دائماً مخاطر بيولوجية، واجتماعية عندما نتحدث عن الهواء».
تتفاعل أشكال أنيكا العائمة للهواء في صالة «تيرباين هول» بطرق غير متوقعة، حيث تمت برمجة كل مجسم منتفخ الشكل لعرض مجموعة السلوكيات الخاصة به. مثلاً، تسمح أجهزة استشعار الحرارة المثبتة في جميع أنحاء المكان لهم باكتشاف وجود الزوار - وقد ترى واحداً أو اثنين منهم وقد طفوا وحلقوا لبضعة أقدام فوق رؤوس الموجودين في المكان.
يعتبر الاهتمام بالخوارزميات تطوراً حديثاً، لكنه يعتمد على الأفكار التي تمر عبر مسيرة أنيكا الفنية. ففي بينالي البندقية لعام 2019. عرضت سلسلة من الشرانق الشفافة المصنوعة من جلود عشب البحر ويسكنها الذباب المتحرك. وهناك تركيب تكميلي لخزانات معلقة تضم التربة والبكتيريا، مع توظيف ذكاء صناعي يراقب سلوك البكتيريا ويتعلم منها ويعدل المناخ بداخلها.
قالت أنيكا إنها تأمل في إعادة الآلات إلى الطبيعة: «إنها تريد منها إظهار وتمثيل ذكاء أشكال الحياة المتنوعة، وليس الذكاء البشري فقط، وتريدهم أن يتعلموا من التجربة المجسدة».
استطردت أنيكا بقولها: «يبدو لي أن هذا هو المكان الذي يجب أن نتجه إليه بأبحاث الذكاء الصناعي الخاصة بنا، على عكس الذكاء الصناعي الذي يُزعم أنه إدراك خالص وغير متجسد».
بالنسبة للكثيرين منا، فإن احتمال احتلال الآلات المستقلة للعالم الحي بحرية قد يجلب كوابيس بائسة، لكن أنيكا قالت إنها متفائلة: «أريد كسر الثنائية التي لدينا مع الآلات، والتي تعد معادية تماماً». وأوضحت: «الآلات لا تختفي، ولا يزال هناك وقت لنا لتشكيلها وتطويرها بطريقة أكثر لطفاً ورحمة».
ومن جانبها، قالت باربرا جلادستون، الوسيط الفني للفنانة، إن هذه السمة هي التي تميز أنيكا كفنانة، مضيفة: «لطالما كنت مهتمة بهؤلاء الفنانين الذين يستخدمون ما هو متاح في الوقت الحاضر: تقنياً وعلمياً وثقافياً. هؤلاء الفنانون يفتحون الأبواب بواقعية. إنهم ليسوا عاطفيين تجاه العالم الذي يعيشون فيه».
ومن خلال عرض «تيرباين» الذي قدمته، قالت أنيكا إنها تأمل في «الحد من مركزية البشر» - كون الإنسان مركزاً للكون - وتنمية التعاطف مع الطبيعة والآلات، مما يخلق إحساساً بأنه يمكننا جميعا التعايش في وئام في حالة دائمة من التبادل والتعلم المتبادل.
اختتمت أنيكا قائلة، «إن محاولات إغلاق الحدود، وأعني هنا أغلاق حواسنا كلها - لهو دليل على مخاوفنا وقلقنا. بدلاً من ذلك، يجب أن ندعها تتدفق باستمرار من «خلال مسامنا المفتوحة».
* خدمة {نيويورك تايمز}



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».