ريف حلب يزدحم بالقوى المتحاربة المحلية والخارجية

«مجلس سوريا الديمقراطية» يطالب بإخراج تركيا من شمال البلاد

TT

ريف حلب يزدحم بالقوى المتحاربة المحلية والخارجية

شهدت منطقتا عفرين وتل رفعت شمال حلب ليل الثلاثاء - الأربعاء الماضي مواجهات عنيفة بين الجيش التركي وفصائل سورية موالية من جهة؛ و«قوات سوريا الديمقراطية (قسد)» من جهة ثانية، في وقت جدد فيه «مجلس سوريا الديمقراطية» مطالبته بإخراج الجيش التركي والفصائل الموالية من مدن وبلدات عفرين بمحافظة حلب وتل أبيض شمال الرقة ورأس العين بريف الحسكة الشمالي.
وجددت المدفعية التركية قصفها محيط مطار منغ العسكري بالريف الشمالي لمحافظة حلب، واستهدفت أطراف بلدة تل رفعت، وانسحب جزء منها إلى ريف عفرين الجنوبي، دون ورود معلومات عن خسائر بشرية، حيث تنتشر «قسد» في ريفي حلب الشمالي والشرقي وتسيطر على مدن وبلدات رئيسية؛ هي تل رفعت شمالاً، ومنبج وعين العرب (كوباني) شرقاً، في أكثر المناطق السورية تداخلاً وتشابكاً بين قوات دولية ومحلية متصارعة في الحرب السورية.
وتقع بلدة تل رفعت على بعد نحو 35 كيلومتراً شمال حلب، وتسيطر «قسد» على جيب صغير تقدر مساحته بنحو 50 كيلومتراً، لكنها محاصرة من جهاتها الأربع، وتضم نواحي فافين وأحرص وكفر نايا وقرى حربل وشيخ عيسى وكفر ناصح، وهذه المنطقة يطلق عليها اسم «إقليم الشهباء».
والى جانب «قسد» تنتشر القوات الروسية التي تتخذ من قرية كشتعار قاعدة عسكرية لها، إضافة إلى انتشار القوات النظامية السورية، لمراقبة التزام الأطراف المتحاربة بعمليات خفض التصعيد بضمانة روسية.
وتعدّ هذه الأراضي استراتيجية بالنسبة لقوات «قسد»؛ نظراً لأنها ملاصقة لمدينة عفرين ذات الغالبية الكردية التي انتزعها الجيش التركي وفصائل سورية موالية بعملية «غصن الزيتون» العسكرية من «قسد» ربيع 2018، فيما بقيت ناحية شيراوا بريف عفرين الجنوبي منقسمة السيطرة، وتنتشر «قسد» في بعض القرى الواقعة في مناطق التماس الفاصلة مع جماعات «الجيش الوطني السوري» المدعومة من أنقرة.
أما مدينة منبج؛ الواقعة بالريف الشرقي وتبعد عن حلب 80 كيلومتراً، فيخضع مركزها والقسم الأكبر من ريفها لسيطرة قوات «قسد»، فيما تسيطر فصائل المعارضة على بعض القرى بريفها الغربي، في حين تسيطر القوات النظامية على ريف المدينة الجنوبي وبلدات رئيسية أبرزها مسكنة والخفسة، كما تنتشر القوات الروسية في منبج وقرية العريمة المجاورة وتراقب خطوط النار ونقاط التماس والحدود الفاصلة بين الجهات المتحاربة.
بينما تخضع مدينة عين العرب (كوباني) الحدودية مع تركيا كاملة لسيطرة قوات «قسد»، وتسيّر الشرطة العسكرية الروسية والجيش التركي دوريات مشتركة منذ نهاية عام 2019 بهدف تطبيق «اتفاق سوتشي» بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب إردوغان على إبعاد «قسد» 30 كيلومتراً عن الحدود التركية.
من جانبه؛ يقول رياض درار، الرئيس المشترك لـ«مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)»، لـ«الشرق الأوسط» إن «الأعمال الدفاعية التي تقوم بها (قسد) تأتي في إطار الدفاع المشروع منذ توغل الجيش التركي في شمال شرقي البلاد». وأضاف: «استهداف الأراضي التركية وجنودها عبارة عن لعبة تركية لكسب مواقف لصالح ادعاءاتها القائمة، كما هي بمثابة ورقة تبرئة النفس من الأعمال الاحتلالية والإجرامية التي تنفذها في الشمال السوري». وأضاف: «تريد تركيا فرض إرادتها عبر التصعيد وعدم الالتفات للحلول السياسية بعد إجراءات العزل الأميركية الأخيرة، والضغوطات الروسية في ظل رغبة بوتين في استرجاع إدلب والطريق الدولية (إم4) بأقرب فرصة».
بدورها؛ طالبت أمينة عمر؛ وهي الرئيسة المشتركة لمجلس «مسد»، في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، بإخراج الجيش التركي والفصائل السورية الموالية من المناطق التي وصفتها بـ«المحتلة»، في إشارة إلى عفرين بحلب وتل أبيض بالرقة ورأس العين بالحسكة، وقالت: «إخراج تركيا ومرتزقتها على رأس أجندة (مسد) الرئيسية، ونطالب الدول الضامنة بأن تؤدي مسؤولياتها أمام جرائم الحرب التي ترتكبها الدولة التركية بالمناطق المحتلة».
ودعت المسؤولة الكردية الأمم المتحدة والتحالف الدولي وروسيا الاتحادية إلى «محاسبة تركيا على الانتهاكات والتجاوزات التي ترتكبها» جماعات الفصائل المعارضة الموالية لها شمال البلاد تحت مظلة الجيش التركي. وقالت: «تدرك الدولة التركية أن لا أحد سيحاسبها، وهذا ما يعطيها القوة لمواصلة هجماتها. تجب أولاً محاسبة أنقرة ومرتزقتها الذين ارتكبوا تلك الجرائم». وشددت على ضمان عودة الأهالي إلى أراضيهم وممتلكاتهم بشكل آمن، «حتى يتمكن سكان تلك المناطق من العودة إلى منازلهم، يجب أن تغادر مجموعات المرتزقة، ونقل أهالي المناطق الأخرى الذين جرى استقدامهم لعفرين وكري سبي وسري كانيه لمناطق آمنة منعاً لإحداث التغيير الديمغرافي».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.