لماذا فشلت «الحركة الحوثية».. النسخة اليمنية لحزب الله

خبراء لـ {الشرق الأوسط} : كان لا بد للسعودية من المبادرة لكسر طوق المشروع الإيراني

مسلحون حوثيون أثناء مظاهرة احتجاجية على «عاصفة الحزم» في العاصمة اليمنية صنعاء (أ. ب)
مسلحون حوثيون أثناء مظاهرة احتجاجية على «عاصفة الحزم» في العاصمة اليمنية صنعاء (أ. ب)
TT

لماذا فشلت «الحركة الحوثية».. النسخة اليمنية لحزب الله

مسلحون حوثيون أثناء مظاهرة احتجاجية على «عاصفة الحزم» في العاصمة اليمنية صنعاء (أ. ب)
مسلحون حوثيون أثناء مظاهرة احتجاجية على «عاصفة الحزم» في العاصمة اليمنية صنعاء (أ. ب)

أكد خبراء ومحللون أن إيران عملت ومنذ قيام ثورة الملالي، على أسلوب محدد في السيطرة على الدول، من خلال مد نفوذها في «المناطق الرخوة»، والاستثمار في بناء ميليشيات «محلية» عقائدية مسلحة في الدول المضطربة، بحيث لا يمكن للدولة أن تستعيد عافيتها وتعيد سيطرتها وهيبتها وبسط نفوذها على أراضيها. وأشار هؤلاء إلى أن «الأمثلة تمتد من لبنان مرورًا بالعراق وسوريا، لكن مشروع إيران الإمبراطوري الفارسي توقف في اليمن».
ويحسب للشعب اليمني تسامحه من الناحية المذهبية، فهو لا يركن في صراعاته للخلافات المذهبية والعقائدية التي تمثل حجر الزاوية في مشروع طهران أو حل الإمبراطورية الفارسية.
وتحدث خبيران لـ«الشرق الأوسط»، هما الدكتور فايز الشهري عضو مجلس الشورى السعودي والخبير الأمني، والدكتور أشرف كشك مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية في مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة والموجه الأكاديمي في كلية الدفاع بحلف الناتو. وأشارا إلى أن إيران تسعى إلى استبدال الدول بتنظيمات عقائدية أو تلك التي ترتبط بمصالح مع طهران كأوراق تلعب بها في إطار صراعها الإقليمي والدولي، وهي ذات السياسة التي اتبعتها في العراق وسوريا وقبلها لبنان، وحاولت أن تتبعها في اليمن. كما أكد الخبيران أن إيران خلال العقود الماضية لم تتحول من فكرة الثورة إلى فكرة الدولة، حيث يقول الدكتور فايز الشهري: «إن السياسة الإيرانية تقوم على فكرة المذهب والمصلحة والمذاهب الدينية تتطلب قدرًا من الأخلاق لا تلقي لها إيران أي اعتبار».
ويضيف: «بدلا من تحول إيران إلى دولة صناعية وزراعية، عطفًا على إمكاناتها التي تتمتع بها مثل الدول الإسلامية المتطورة، فضلت أن تسلك طريقا آخر ولم تفعل ذلك منذ قيام الثورة، حيث لم تستطع التحول من مفهوم الثورة الدينية الطائفية إلى مفهوم الدولة». ويتابع: «لذلك تولت إيران دعم التطرف المذهبي من كلتا الطائفتين (الشيعة والسنة)، وغذت التطرف المذهبي منذ قيام ثورتها، واحتضنت قادة (القاعدة) أحد رموز التطرف السني منذ ظهور التنظيم، وهو ما يقصد به المصلحة هنا وليس المصالح التي ترعاها الدول وتدافع عنها».
ويوضح الشهري: «المصلحة التي تعليها إيران والمقصود بأنها قرينة المذهب قد تكون في دعم التطرف السني ورعاية واحتضان قادة التنظيمات والجماعات المتطرفة». بدوره يقول الدكتور أشرف كشك: «إيران تعمل على استبدال مفهوم الدولة في الدول الرخوة بالجماعات العقائدية والتنظيمات المرتبطة بطهران عقائديًا أو مصلحيًا، وتكريس هذه المجاميع والتنظيمات في صراع وظيفي لمنازعة الدول وظيفتها ومهامها لتمثل من خلالها شبكة قوى لبسط سيطرتها إقليميًا ودوليًا في إطار صراعها مع دول الإقليم أو المجتمع الدولي».
ويتابع: «إيران لم تتحول من فكرة الثورة إلى فكرة الدولة، والملف النووي هو أحد أقوى أوراق صراعها الإقليمي والدولي»، فإيران تستمد قوتها من موقعها الجيواستراتيجي الذي مثّل ميزة وعبئا في ذات الوقت، فالدول الكبرى لم تتخطَّ إيران في ملفات أفغانستان والعراق وسوريا وحتى لبنان، لذلك لم تتخلّ إيران عن فكرة الإمبراطورية، وحاولت جهدها في استثمار الدور والموقع لصالح حلمها الإمبراطوري بمد أذرعها (الميليشيات المدعومة إيرانيًا) التي تنهض على مفهوم الآيديولوجيا أو المصلحة وفق متطلبات المرحلة».
ووصف الدكتور فايز الشهري، السياسة الإيرانية بالبرغماتية «التي استثمرت في الإرهاب والتطرف، وهو استثمار لا يمكن أن يعبر عن احترام فكرة الدولة، لذلك إيران تعمل على أنها الدولة المركزية واستبدال دورها بتجمعات عقائدية أو مصلحية تابعة لها».
ويتابع الشهري: «مع ظهور ما يسمى الربيع العربي وفشل مفهوم الدولة في أكثر من بلد عربي، حاول الإيرانيون الاستثمار في هذه البلدان والمواقع، وكل بلد كان لهم فيه وجود ثقيل أصبح معزولا عن محيطه العربي وتحول إلى ساحة قتال مذهبي وعرقي، والثمرة الوحيدة التي جنتها هذه البلدان من التدخل الإيراني هي الفوضى وتهجير الملايين من أوطانهم».
وعن الوضع في اليمن، يقول الدكتور فايز الشهري: «إن محاولات الإيرانيين الدخول إلى شبه الجزيرة العربية لم تكن وليدة اللحظة، بل منذ سنوات طويلة ومنذ الأيام الأولى لثورة الملالي في طهران، فقد حاولت إيران مع اليمن الجنوبي، كما حاولت التغلغل في المجتمع اليمني عبر بوابة المذهب الزيدي وفي مراحل معينة وظفت إيران بعض المخالفين للمذهب الزيدي، وتحديدًا الحركة الحوثية، واستضافت بعض رموزها في طهران وقم، ورعت تدريب القيادات والعناصر الحوثية في لبنان بإشراف من حزب الله».
ويشير الدكتور فائز الشهري إلى أن إيران في فترة التسعينات من القرن الماضي بدأت في رعاية الحركة الحوثية ودعتها إلى التحول إلى حزب سياسي، ودعمت الحركة لنشر المذهب الاثني عشري ونشر ثقافة الكراهية بين أبناء اليمن، فتحولت الحركة الحوثية من حركة دينية ثقافية بحتة إلى مشروع طائفي تمثله أحزاب مثل حزب الحق وحزب اتحاد القوى الشعبية، وأصبحت الحركة لاعبًا رئيسيًا في الملف اليمني ولكن ضمن تنسيق واضح مع ملالي طهران.
ويشدد الدكتور الشهري على أن الشيء الذي لم يدركه الحوثيون، وهو ما استحث عاصفة الحزم، أن إيران حاولت جعل اليمن المفتت والمنقسم جسرًا للوصول إلى السعودية رمز الاعتدال والدولة التي تقف ضد المشروع الإيراني الذي يقسم المنطقة العربية ضمن أجندته القومية عبر المشروع الطائفي لجعل الدول العربية دولا فاشلة في حالة من الفلتان كما هو الحال في سوريا والعراق الذي تملك فيهما إيران القرار الأول.
من جانبه، يقول الدكتور أشرف كشك: «إن المشروع الإيراني لم يتمكن من اختراق دول مثل مصر وتركيا لسبب أساسي وهو أن لدى هذه الدول جبهة داخلية قوية تستعصي على المشروع الإيراني».
ويضيف: «لماذا فشل المشروع الإيراني في اليمن؟»، ويجيب: «لأن الأمر لو ترك لإيران لأن تكمل مشروعها في اليمن كانت ستستهدف الأمن الإقليمي والعالمي، فقضية السيطرة الإيرانية على 4 عواصم عربية في منطقة فيها الشرايين الحيوية للاقتصاد العالمي كان بمثابة فرض الأمر الواقع على القوى العالمية».
ويشدد على أن ترك المشروع الإيراني ينجح، يعني - فيما يعنيه على المستوى الإقليمي - التسليم بالواقع والقبول بالسياسات الإيرانية وغياب السيادة الوطنية والقرار الوطني، لذلك كان لا بد أن تبادر السعودية ودول الخليج إلى كسر هذا الطوق على الرغم من عدم وجود توجه دولي للتدخل في اليمن، لكن - والكلام للدكتور كشك - كانت هذه الحرب (عاصفة الحزم) ضرورية من أجل استعادة التوازن الإقليمي الطبيعي الذي تقوم عليه معادلة أمن الخليج العربي وأمن دول مجلس التعاون منذ استقلالها وحتى الآن، الذي فقد منذ عام 2011، وحاولت إيران الاستثمار فيه.
ويرى الدكتور فايز الشهري أن إيران استغلت الطموح لدى عبد الملك الحوثي المتأثر بحسن نصر الله، ودعته ليتولى قيادة الحركة التي تمثل المشروع الإيراني في الجزيرة العربية التي رعتها على مدى سنوات طوال رغم وجود من هو أكبر منه من إخوانه، ورغم عدم إكمال تعليمه.
ويضيف: «السعودية لم يكن لها في يوم من الأيام أية أطماع في اليمن ولم تتعامل معه من مبدأ طائفي وإنما كان التعامل مع الدولة اليمنية والقيادات اليمنية كقيادات وطنية لا علاقة للسعودية بخلفياتها المذهبية، لكن بعد أن استنفدت السعودية كل السبل أدركت أن الحوثيين لا يملكون قرارهم في اليمن وإنما يدارون ويوجهون من الخارج لإحداث الفوضى التي يقوم عليها المشروع الإيراني، فكانت عاصفة الحزم قوية وسريعة ومباغتة وحققت أهدافها وحظيت بدعوة القيادة الشرعية اليمنية، كما حظيت بترحيب شعبي عريض ومشاركة خليجية واتفاق عربي ورضا دولي بشكل واسع».
ويتابع: «الخطاب الحوثي تجاه السعودية كان يرتكز على 3 عناصر (التحريض، والتأثير، والتهديد المباشر مع نشوة الدعم الإيراني)، لهذا فإن المرحلة السابقة يمكن تسميتها بالهدوء الذي سبق عاصفة الحزم».
بدوره يقول الدكتور أشرف كشك: «إن الخطوة التي اتخذتها السعودية كانت ضرورية واستباقية، لكنها تحتاج إلى خطوات أخرى بعيدة المدى لتحصين المنطقة ضد التدخلات الإيرانية؛ فلا بد من التفكير الجدي في ربط دول الجوار الاستراتيجي التي تمثل عمقًا استراتيجيًا لدول الخليج بمنظومة مجلس التعاون من خلال سياسات متقدمة مثل تحويل المساعدات الاقتصادية إلى استثمارات».
وعلى المستوى الأمني إيجاد صيغ أمنية عدة إقليمية، مثل إقامة منتدى أمني مشترك لدول الجوار الاستراتيجي، وعلى المستوى السياسي أن تعمل دول الخليج على مساعدة هذه الدول لاستقرارها سياسيًا عبر التحول التدريجي من خلال المؤتمرات ومشروعات المصالحة الوطنية.
ويعتقد الدكتور كشك أن مواجهة السعودية وتصديها للمشروع الإيراني في اليمن يمكن أن ينفذ في عواصم عربية أخرى، لكن ليس بذات الصيغة التي حدثت في صنعاء.
وأضاف: «يحتاج إنقاذ العواصم العربية إلى أن تمد دول مجلس التعاون أيديها لهذه العواصم، وأن تتعاون معها وتساعدها في التحول التدريجي إلى مركز الثقل العربي بدلا من الارتماء في الحضن الإيراني والدفع بالسياسة مع هذه الدول إلى آفاق أرحب».



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.