مدير «الألكسو»: مبادراتنا تدفع الشباب العربي للابتكار

الدكتور محمد ولد أعمر (تصوير: علي الظاهري)
الدكتور محمد ولد أعمر (تصوير: علي الظاهري)
TT

مدير «الألكسو»: مبادراتنا تدفع الشباب العربي للابتكار

الدكتور محمد ولد أعمر (تصوير: علي الظاهري)
الدكتور محمد ولد أعمر (تصوير: علي الظاهري)

منذ تأسيس المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألكسو» في 1970، على مبدأ النهوض بالثقافة العربية وتطوير مجالات التربية والعلوم على جميع المستويات والأصعدة بين الدول الأعضاء، قدمت الكثير من المبادرات التي تركز على تطوير الطلبة العرب وتحفيزهم لتطوير قاعدة فكرية تؤسس لمستقبل علمي زاهر.
المدير العام للمنظمة الدكتور محمد ولد أعمر، قال في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن برنامج «تنمية الثقافة العلمية للطفل العربي في عالم متطور»، يهدف إلى لفت انتباه الدول العربية لمستقبل التقنية وأهمية مواكبتها نظراً لأهمية المكون التكنولوجي الذي أصبح لا غنى عنه في عصرنا الحالي.
كما تعمل «الألكسو» على تنظيم جوائز للإبداع والبحث العلمي لتحفيز الباحثين الشباب على ابتكار منتجات يستفيد منها العالم العربي، في المجالات التي يحتاج إليها بشدة، مثل الطاقة المتجددة، والبيئة، والمياه، وغيرها، نظراً لأهميتها الكبرى.
وقال ولد أعمر إن المنظمة لا تمتلك الموارد الكافية للاستثمار في المنتجات التي يبتكرها الباحثون، لكن المسابقات التي تنظّمها تشكّل فرصة كبيرة للدول التي تبحث عن تقنيات حديثة تخدمها في مواجهة المشكلات التي قد تواجهها، ونجحت بعض التجارب السابقة في المساهمة بعمل حلول ممتازة لبعض العقبات التي قد تواجه الدول في مختلف المجالات، حيث استفاد الكثير من الفائزين بالمسابقات التي تنظمها المنظمة، عبر ربطهم مع الدول الأعضاء لشراء منتجاتهم. وعن تداعيات جائحة «كورونا» وتأثر الطلبة دراسياً، قال ولد أعمر إن المنظمة أسهمت في توعية الطلبة باستخدام تقنيات التعليم الافتراضي، كما عملت على توفير المنصات الافتراضية لبعض الدول العربية التي تفتقر إلى وجود بنية رقمية تسهم في العملية التعليمية.
وأضاف أن «الألكسو» قامت بمد بعض الدول بالتجهيزات اللازمة مثل جزر القمر وجيبوتي والصومال وغيرها، حيث عملت بما لديها من وسائل، عبر تشكيل خطوط تعاون بين الدول العربية المختلفة لمساعدة الدول التي تنقصها الوسائل التقنية.
كما قال إن التجربة السعودية لمنصتَي «مدرستي» و«روضتي» مثال جيد لتقنيات التعليم عن بُعد، وقد أعلنت السعودية عن جاهزيتها للتعاون مع المنظمة ومد الدول العربية بالتقنيات المستخدمة في التجربة.
ويعد برنامج «الموهوبون العرب» أحدث وأضخم مبادرة للمنظمة، حيث تم إطلاقه الأسبوع الماضي في الرياض، بالتعاون مع مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع «موهبة». وعن ذلك شدد المدير العام على أهمية المبادرة كونها تهدف للاكتشاف والرعاية والاحتضان وحجر أساس لمستقبل علمي باهر، وستنقل التجربة السعودية الناجحة في «موهبة» لتعممها على الدول العربية.
ويرى أن هذه المبادرات ستكون قاعدة انطلاق لنهضة علمية عربية ستسهم في إنشاء جيل من العلماء الذين سيحققون إنجازات علمية كبرى مستقبلاً من الممكن أن تصل إلى تحقيق جائزة نوبل في المجالات العلمية المختلفة. وتحقق المبادرة بيئة حاضنة للطاقات الموهوبة من إناث وذكور من أنحاء العالم العربي، والتي ستلبّي شغفهم بالعلوم والمعرفة، بالإضافة إلى العمل على تعزيز فرص التعاون مع الجهات النوعية من خلال بناء شراكات استراتيجية مع المؤسسات التربوية والجهات الداعمة في أنحاء الوطن العربي.
وسيمثل برنامج «الموهوبين العرب» رافداً مهماً لخلق بيئة تطويرية للشباب المهتمين بتعزيز قدراتهم الفكرية، حيث قال ولد أعمر إن دور المنظمة هو اكتشاف الموهوب ومعاونته على تطوير مهاراته، وتمنى أن تسهم الجهات الحكومية والخاصة في الدول المشاركة، في احتضان هذه المواهب والاستفادة من قدراتهم العلمية، والمساهمة في توفير فرص مُثرية تشكّل لهم مساحة للإبداع والإنجاز.
وتضطلع «الألكسو»، بجملة من المهام، من أبرزها العمل على رفع مستوى الموارد البشرية في البلاد العربية والنهوض بأسباب التطوير التربوي والثقافي والعلمي والبيئي والاتصالي فيها، وتنمية اللغة العربية والثقافة العربية الإسلامية داخل الوطن العربي وخارجه، ومد جسور الحوار والتعاون بين هذه الثقافة والثقافات الأخرى في العالم.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».