«التمييز» ترفض طلب ردّ المحقق في انفجار مرفأ بيروت

وزير الداخلية لا يمنح الإذن لملاحقة مدير الأمن العام

بري مستقبلاً السنيورة أمس (الوكالة المركزية)
بري مستقبلاً السنيورة أمس (الوكالة المركزية)
TT

«التمييز» ترفض طلب ردّ المحقق في انفجار مرفأ بيروت

بري مستقبلاً السنيورة أمس (الوكالة المركزية)
بري مستقبلاً السنيورة أمس (الوكالة المركزية)

منحت محكمة التمييز المدنية في لبنان المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار مزيداً من الحصانة القضائية في مواجهة الدعاوى التي يرفعها سياسيون يطلبون تنحيته عن الملف، بردها طلباً من النائبين علي حسن خليل وغازي وزعيتر لكف يده. وكانت سبقتها إلى الخطوة نفسها محكمة الاستئناف في الدعوى المقدمة من النائب نهاد المشنوق طالباً فيها نقل القضية إلى قاضٍ آخر.
وذكرت «الوكالة الوطنية للإعلام» أن محكمة التمييز المدنية اعتبرت أنه «ليس للمحكمة أن تضع يدها على طلب الرد أو تسير بإجراءاته، بدءاً بإبلاغ الطلب إلى القاضي المطلوب رده أو الخصوم، ما لم يكن القاضي المطلوب رده من قضاة محكمة التمييز، أو في عداد قضاة النيابة العامة التمييزية».
مع العلم أنه وبعد قرار محكمة الاستئناف الأسبوع الماضي عاد البيطار واستأنف عمله بعد تعليقه أسبوعاً، واستدعى كلا من رئيس الحكومة السابق حسان دياب والنواب علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق إلى التحقيق مجدداً، وحدد يوم الثلاثاء في 12 الحالي موعداً لاستجواب خليل ويوم الأربعاء في 13 الحالي موعداً لاستجواب زعيتر والمشنوق و28 الشهر الحالي موعدا لاستجواب دياب.
وكانت هذه المرة الثانية التي علق فيه التحقيق في انفجار المرفأ ورفضت الأمانة العامة لمجلس النواب الشهر الماضي مذكرات تبليغ أرسلها بيطار لاستجواب النواب الثلاثة، انطلاقاً من استناد البرلمان إلى قانون يحصر محاكمة الرؤساء والوزراء في محكمة خاصة يُشكلها من قضاة ونواب.
وواجه البيطار، منذ إصدار ادعاءاته في شهر يوليو (تموز) الفائت، محاولات لعرقلة عمله من قبل جهات سياسية وفي مقدمها «حزب الله» الذي ذهب إلى اتهامه بالاستنسابية في الادعاءات القضائية التي شملت شخصيات سياسية وأمنية، بينها الوزير السابق يوسف فنيانوس، والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، ومدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا، وقائد الجيش السابق جان قهوجي.
وأمس أيضاً، رفض وزير الداخلية بسام المولوي إعطاء إذن بملاحقة اللواء عباس إبراهيم ويرده شكلا بحجة «عدم وجود أي معطيات موضوعية تبين تبدلها بين الطلب المقدم في عهد الوزير السابق محمد فهمي والطلب الجديد.
وقبل تقديم دعاوى كف يده كانت معلومات قد أشارت إلى تهديدات مباشرة من «حزب الله» تعرض لها البيطار عبر رئيس وحدة الأمن والارتباط وفيق صفا، وهو ما أدى بالنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات الطلب من البيطار «إعداد تقرير حول ما يتم تداوله عن رسالة (تهديد) شفهية وصلته من وفيق صفا»، وأشارت المعلومات إلى أن «البيطار ردّ خطيا على طلب عويدات بالتأكيد على فحوى الرسالة التي وصلته ويتم التداول بها».
وكرر المشنوق، أمس، قوله إن «القاضي البيطار ليس محايداً، وبالتالي الارتياب به بات مشروعاً». وذكر المشنوق أن «القاضي البيطار قال كلاماً صريحاً في حديث إعلامي في وقت سابق، بأنه يعمل من أجل التغيير السياسي، وبالتالي هو لا يحق له مقاضاة من يحمل ضغينة سياسية ضدهم، وقال لمحامي الوزير يوسف فنيانوس إنه يريد التخلص من النواب. وبالتالي، هذا ليس دور القاضي ولا يسمح له القانون بهذا وهو ليس محايداً، لذا فإن الارتياب به بات مشروعاً».
وذكر المشنوق (وزير الداخلية السابق) بأنه لم يكن يعلم أن «النيترات أفرغت في مرفأ بيروت، بل كل ما وصلني وثيقة تتحدث عن عدة أطنان وليس عن 2750 طناً، على متن باخرة محجوز عليها قضائياً، وأن البضاعة تمر ترانزيت من جورجيا إلى موزمبيق، وهناك مشاكل مع البحارة، في وثيقة مكتوب عليها (للتلف بعد الاستثمار)، أي أنها لا تطلب مني أي إجراء، بل للعلم فقط كوزير داخلية، وبعدها لم أعرف شيئاً حتى 4 أغسطس (آب) 2020 تاريخ الانفجار».
من جهته، توقف رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة عند عمل القضاء. وقال إثر لقائه رئيس البرلمان نبيه بري: «أعتقد أنه على الأقل هناك ثلاث رسائل أساسية يجب أن توجهها الحكومة اللبنانية إلى اللبنانيين والمجتمع الدولي والعربي، وهي كفيلة بأن تقدم منافع كثيرة للبنانيين تتضافر مع كل الجهود الأخرى على الصعد المالية والاقتصادية».
وقال: «بداية المسألة التي يجب أن توجهها الحكومة اللبنانية موضوع استقلال القضاء والتوقف عن استعماله مخلباً للنيل من الأخصام السياسيين أو الاقتصاص منهم، هذه الرسالة يجب أن تكون واضحة لدى الحكومة والقيام بها من خلال التأكيد على توقيع التشكيلات القضائية التي يجب أن تأخذ بالاعتبار الفترة الزمنية ربما ذهب أحدهم إلى التقاعد أو ما شابه».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.