لا تزال آلية مشاركة المغتربين في الانتخابات النيابية المقبلة، إذا حصلت، غير واضحة، على الرغم من بدء الراغبين منهم بالاقتراع بتسجيل أسمائهم، وذلك في ظل الانقسام الحاصل بين الكتل النيابية بين الأكثرية التي تدعم مساواتهم بالمقيمين عبر الاقتراع لـ128 نائباً، والأقلية، وتحديداً «التيار الوطني الحر»، التي تؤيد القانون الذي ينص على تخصيص 6 مقاعد لهم، بحيث يصبح عدد نواب المجلس 134 نائباً.
ويأتي هذا الانقسام في ظل القانون الذي ينص على استحداث مقاعد للاغتراب بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين، على أن يقترع الناخبون على أساس النظام النسبي ودائرة انتخابية واحدة قبل 15 يوماً كحد أقصى من الموعد المعين للانتخابات في لبنان، وهي المادة التي كانت قد علّقت عام 2018 بتوافق بين الكتل النيابية، على أن تطبق في دورة عام 2022، مع العلم أن عدد المغتربين المسجلين في قوائم الانتخاب كان قد بلغ عام 2018 نحو 83 ألفاً، اقترع منهم 46799 (أي نحو 56 في المائة)، بما لا يتجاوز 2.5 في المائة من عدد كل الناخبين اللبنانيين، في وقت تشير فيه المعلومات إلى أن هناك حماسة أكبر لدى المغتربين للمشاركة هذا العام، ما قد يؤدي إلى ارتفاع نسبة المشاركة.
وفي جلسة اللجان النيابية، الأسبوع الماضي، التي ناقشت قانون الانتخاب، واتفق خلالها على تقريب موعد الانتخابات إلى 27 مارس (آذار)، بتوافق كل الكتل، وتحفظ كتلة «التيار الوطني»، أبدت معظم الكتل تأييدها لإجراء انتخابات المغتربين بالاقتراع لـ128 نائباً، باستثناء «التيار» أيضاً الذي يدفع باتجاه اقتصار اقتراعهم على 6 نواب.
وفيما كان «حزب الله» قد أعلن رفضه لاقتراع المغتربين، ومن ثم عاد ووافق عليها في جلسة اللجان النيابية الأخيرة، تشكك مصادر نيابية في هذا الأمر، وتعزو سبب التغير في الموقف لتوجه الأفرقاء إلى إلغاء انتخابات المغتربين، بينما ترى في معارضة «التيار الوطني الحر» لانتخابهم 128 نائباً، وإصرارهم على الاقتراع لـ6 نواب، خشية من تغير المزاج المسيحي بشكل عام، وميول المغتربين بشكل عام إلى توجه المجتمع المدني ومجموعات المعارضة، لا سيما بعد الانتفاضة الشعبية عام 2019.
وفي هذا الإطار، يقول النائب في «اللقاء الديمقراطي»، بلال عبد الله، لـ«الشرق الأوسط»: «القانون الذي حدد اقتراع المغتربين بستة نواب مخالف للدستور، ولا يساوي بين المقيمين والمغتربين، وعملياً ليس منطقياً من النواحي كافة، وقد حصل في (غفلة من الزمن)؛ لا بد من تصحيحه عبر تعليق المادة، وتنفيذ عملية اقتراع كتلك التي حصلت عام 2018، مع تصحيح بعض الثغرات».
وفيما يؤكد عبد الله أن موقف «الحزب التقدمي الاشتراكي» ليس له علاقة بالربح والخسارة، إنما هو موضوع وطني، شدد على أن الاقتراع لـ128 نائباً يجعل المغتربين يشعرون بأنهم مشاركين في الحياة السياسية، في وقت تعتمد فيه معظم المؤسسات في لبنان عليهم، وعلى دعمهم المادي.
وفي المقابل، يرفض «التيار الوطني الحر»، على لسان نائبة رئيسه مي خريش، وضع موقفهم في خانة تراجع المزاج المسيحي، وتؤكد أن موقف كتلة «لبنان القوي» ينطلق من رغبتها في تطبيق القانون، ليس أكثر. وتقول خريش لـ«الشرق الأوسط»: «حصل اتفاق وطني عام 2018 كي يقترع المغتربون لـ128 نائباً، على أن يكون الاقتراع عام 2022 لستة نواب، ونحن لا نطالب بأكثر من تطبيق القانون والاتفاق الذي نعده يساهم في تطوير الحياة السياسية، ويوسع آفاق اللبنانيين في الخارج، وليس لهم الحق في تغييره إذا لم يعد يناسب أهدافهم السياسية».
لكن بانتظار اتضاح الصورة السياسية والانتخابية في أوساط المغتربين، يقول الباحث في «الدولية للمعلومات»، محمد شمس الدين، لـ«الشرق الأوسط» إن اقتراع المغتربين عام 2018 كان مخالفاً للقانون الذي ينص على أن ينتخبوا النواب الستة على أساس النظام النسبي ودائرة انتخابية واحدة، مؤكداً أن أي تغيير يحتاج إلى تعديل قانوني، وهو ما ينطبق اليوم على انتخابات عام 2022.
وفيما يلفت شمس الدين إلى أن نسبة الاقتراع عام 2018 لم تعكس حماسة لدى المغتربين، يعد أن المعطيات في الانتخابات المقبلة والتوجهات السياسية لن تتضح إلا بعد 20 نوفمبر (تشرين الثاني)؛ أي بعد إقفال مهلة التسجيل التي تعطي الحق لـ820 ألف مغترب للمشاركة. ومن هنا، يعد أن نسبة التسجيل هي التي ستؤثر على القرار السياسي للكتل النيابية، بحيث إنها إذا كانت منخفضة فلن تلقى اهتماماً من الأحزاب، ولن تكون موضع خلاف، وإذا كانت مرتفعة فعندها سيخاض حولها معركة، وبالتالي لن يحسم القرار بشأنها في البرلمان قبل 20 نوفمبر (تشرين الثاني).
وعن أجواء المغتربين وموقفهم من هذه القضية، لا سيما في ظل الحملات التي يقومون بها في بلدان إقامتهم وتنظيمهم في مجموعات، يؤكد اللبناني المغترب حسين عبد الله أن الاقتراع لـ128 نائباً هو حق دستوري لكل اللبنانيين، المقيمين والمغتربين على حد سواء، وتغييره هو مخالفة دستورية. ويقول عبد الله، وهو عضو في «شبكة الاغتراب اللبناني»، لـ«الشرق الأوسط» إن «طرح النواب الستة للمغتربين هدفه سياسي بامتياز»، مؤكداً في الوقت عينه أن هناك تبدلاً في المزاج السياسي في أوساط المغتربين اللبنانيين عما كان عليه عام 2018، موضحاً أن «هناك حادثين أساسيين ساهما بهذا التغيير، وهما: الانتفاضة الشعبية عام 2019، وانفجار المرفأ العام الماضي، إضافة إلى خسارة المغتربين تعب وجنى عمرهم في المصارف، وبالتالي ليس هناك من طريقة للتعبير عن هذا الغضب إلا في صناديق الاقتراع».
وفي ظل الإرباك حول العملية الانتخابية الخاصة بالمغتربين، وعدم اتضاح الصورة تجاه عدد النواب، لا يستبعد عبد الله أن يكون هدف هذا الأمر هو التأثير سلباً على حماسة المغتربين. ومن هنا، يؤكد على محاولتهم كمجموعات في الاغتراب حث اللبنانيين خارج لبنان لتسجيل أسمائهم، وألا يؤخذ هذا الأمر ذريعة للإطاحة بالانتخابات.
اقتراع المغتربين اللبنانيين... خلاف سياسي على الآلية تحسمه نسبة التسجيل
اقتراع المغتربين اللبنانيين... خلاف سياسي على الآلية تحسمه نسبة التسجيل
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة