الكاظمي يعيد الثقة إلى النظام السياسي

رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي يغادر مركز اقتراع بالمنطقة الخضراء ببغداد بعد الإدلاء بصوته (رويترز)
رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي يغادر مركز اقتراع بالمنطقة الخضراء ببغداد بعد الإدلاء بصوته (رويترز)
TT

الكاظمي يعيد الثقة إلى النظام السياسي

رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي يغادر مركز اقتراع بالمنطقة الخضراء ببغداد بعد الإدلاء بصوته (رويترز)
رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي يغادر مركز اقتراع بالمنطقة الخضراء ببغداد بعد الإدلاء بصوته (رويترز)

فيما كشف أنه سيعلن اليوم الاثنين عن إنجاز أمني كبير لم يفصح عنه، أعلن رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي أنه أوفى بوعده للعراقيين عبر إجرائه انتخابات مبكرة وبآليات مختلفة. الكاظمي الذي كان أول من أدلى بصوته في مركز الاقتراع الخاص بكبار المسؤولين العراقيين في فندق الرشيد ببغداد، مثلما فعل رئيس الجمهورية برهم صالح، دعا العراقيين إلى المشاركة الواسعة في الانتخابات.
وفي تغريدة له على موقع «تويتر»، أكد الكاظمي على أن الخيار الوحيد أمام العراقيين هو التغيير عبر صناديق الاقتراع.
الكاظمي وهو المسؤول التنفيذي الأول في الدولة لم يشارك في الانتخابات ولم يدعم حزبا أو كتلة سياسية واستنادا لما يراه مسؤولون وخبراء فإنه هيأ الأرضية المناسبة للتغيير في العراق بعد أن كانت حكومته وصفت بأنها حكومة الفرصة الأخيرة وأنه آخر رئيس وزراء قبل الفوضى.
وبالربط بين ما سوف يعلن عنه الكاظمي اليوم على صعيد الأمن وبين الانسيابية التي جرت بها الترتيبات الأمنية خلال الانتخابات فإن الكاظمي نجح في إعادة الثقة إلى النظام السياسي في العراق. وفي هذا السياق يقول الدكتور حسين علاوي، مستشار الكاظمي، لـ«الشرق الأوسط» إن استمرار متابعة رئيس الوزراء للعملية الانتخابية منذ اليوم الأول لتسلمه منصب رئيس الحكومة العراقية ولغاية يوم الاقتراع العام وما بعده «دلالة على التزامه بالهدف السامي والأساسي لإجراء انتخابات مبكرة وهذا ما تحقق بالفعل». وأضاف أن «توفير المناخ الأمني والاقتصادي والاجتماعي والرسائل الكبيرة التي تولدت من إدارته وإشرافه على العملية الانتخابية خلال الفترة الماضية إنما هي دليل على الجدية في تنفيذ الوعود». وأكد علاوي أنه «للمرة الأولى نجد أن رئيسا للوزراء لم يرشح إلى الانتخابات وهذه دلالة على القيادة الملتزمة بالوعود التي تم قطعها في البرنامج الانتخابي للحكومة».
وأوضح علاوي أن «الكاظمي حقق البرنامج الحكومي بكافة أهدافه المعلنة خلال الـ15 شهرا الماضية واستطاع أن يضيف إلى خزينة الدولة العراقية 12 مليار دولار نتيجة الإدارة الرشيدة للحكومة العراقية في تحويل الحسابات المالية التي كانت تعاني من عجز إلى حركة مالية صحيحة، بالإضافة إلى مواجهة تركة الفساد وتشكيل اللجنة العليا لمكافحة الفساد وخطة الإصلاح الإداري والحالي والورقة البيضاء وخطة الدولة في استرداد الأموال المهربة ومعالجة الدين الداخلي وتأمين الأمن الغذائي».
وبين علاوي أن «الكاظمي لعب دورا بارزا في إصلاح السياسة الخارجية العراقية لكي تكون الحكومة جسرا متينا للاستثمار والإعمار والتنمية من خلال نظرة جديدة للسياسة الخارجية قائمة على المصالح الوطنية العراقية ولذلك تحسنت علاقاتنا مع دول الجوار الجغرافي ومع دول الخليج والدول العربية والإسلامية بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي والعالم الغربي والآسيوي».
من جهته يقول أستاذ الإعلام في جامعة أهل البيت الدكتور غالب الدعمي لـ«الشرق الأوسط» إن «من حق رئيس الوزراء أن يفتخر بحكومته وبالمفوضية العليا للانتخابات ومن حقنا نحن كشعب أن نفتخر بحكومة استطاعت أن تدير العملية الانتخابية بنجاح منقطع النظير حيث إن الإجراءات تسير بانسيابية عالية ولا يمكن التزوير في هذه الانتخابات». وأضاف الدعمي: «بما أن المدخلات لهذه الانتخابات سليمة نأمل أن تكون مخرجاتها كذلك، بمعنى أن يختار الناخب أسماء جديدة لم تتلوث بالفساد أو القتل أو الفوضى، كما نأمل أن يكون هناك صوت للمستقلين في البرلمان المقبل وأن تضعف قوى اللادولة وتبدأ قوى الدولة والتنظيم بعملها». ورجح أن «تغيب بعض الأسماء الكبيرة في هذه الانتخابات، لكن أخشى من صراعات قد تحصل وافتعال أزمات قد يقوم بها الخاسرون هذه المرة».
بدوره أكد رئيس مركز التفكير السياسي في العراق الدكتور إحسان الشمري في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «تحرر رئيس الوزراء من قائمة انتخابية أو خوض العملية الانتخابية جعله أكثر قدرة وإمكانية على إجراء انتخابات ناجحة، كما أن وقوفه على مسافة واحدة من كل القوى السياسية المشتركة في العملية الانتخابية، فضلا عن كونه مستقلا أعطى دفعا كبيرا لهذه الانتخابات».
وبينما لم يعرف لمن صوت كبار المسؤولين العراقيين فإن الكاظمي وطبقا لورقة الاقتراع التي ظهرت تأشيرته عليها والتقطتها الكاميرات أظهرت تصويته للمرشح حسين عرب، الذي كان نائبا مستقلا في البرلمان الذي انتهت ولايته.
وفيما انتشر خبر تصويت الكاظمي لعرب وما إذا كان صحيحا أم شائعة فإن عرب وفي اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» أكد صحة تصويت الكاظمي له ضمن الدائرة 12 في منطقة المنصور ببغداد. يذكر أن دائرة 12 في الانتخابات العراقية تقع ضمنها المنطقة الخضراء التي يسكنها الكاظمي. ولم يعرف بعد السبب الذي جعل الكاظمي يختار عرب لانتخابه كما لم يعلن عرب سببا معينا لذلك لا سيما أن تصويت الكاظمي كان في الساعة الأولى من فتح صناديق الاقتراع.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.