الأحزاب الجزائرية تواجه صعوبات انتخابية

«العزوف» و«شبهة المال الفساد» يحولان دون إعدادها قوائم للمرشحين

TT

الأحزاب الجزائرية تواجه صعوبات انتخابية

تواجه الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات البلدية بالجزائر، صعوبات كبيرة في إعداد قوائم الترشيحات بسبب حالة العزوف عن الاقتراع المقرر في ٢٧ من الشهر المقبل، ولكن أيضا بسبب مشاكل وصراعات داخلية دفعت بعدد كبير من الكوادر إلى الاستقالة. ويراهن الرئيس عبد المجيد تبون على نجاح الاستحقاق، الذي يعتبره «آخر لبنة في بناء مؤسسات الجزائر الجديدة».
وقال قياديون في حزب «جبهة التحرير الوطني»، الذي يملك أغلبية مقاعد المجالس في 1541 بلدية، لـ«الشرق الأوسط»، إن ترشيحات الحزب لن تغطي لأول مرة في تاريخ مشاركاته في الانتخابات، كل بلديات وولايات (محافظات) البلاد. ويعود ذلك، حسبهم، لأسباب عدة بينها إقصاء مترشحين من طرف الأمن، وضيق الآجال بالنسبة لجمع الإمضاءات بالنسبة للمترشحين (35 توقيعا لكل مترشح في البلدية التي يترشح لها)، والتي انتهت الجمعة الماضية، وكانت «السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات»، رفضت طلب أحزاب عدة تمديدها.
كما يرجعون الأسباب، إلى الانقسام الذي يعرفه الحزب منذ اندلاع الحراك الشعبي في 2019 وضغط المتظاهرين لحل الحزب بحجة أنه مسؤول عن الفساد في عهد الرئيس السابق الراحل عبد العزيز بوتفليقة، الذي كان رئيس الحزب. ودفعت هذه الحالة بعدد كبير من الكوادر الحزبية إلى تطليق العمل السياسي، فيما التحق آخرون بأحزاب أخرى.
وأكد قيادي في الحزب الواحد سابقا، أنه سيغيب عن بلديات عديدة بولايات تعد معقلا لـ«جبهة التحرير» منذ الاستقلال، مثل «الجلفة» (جنوب) والبيض (جنوب غرب) ومعسكر (غرب).
وفي العاصمة، عجز «التجمع الوطني الديمقراطي»، القوة السياسية الثانية سابقا، عن تقديم قوائم مرشحين في 30 من 57 بلدية، وهذا لأول مرة منذ التأسيس عام 1997، وأبعد الأمين العام للحزب الطيب زيتوني، عددا كبيرا من القياديين والمناضلين المحليين، منذ أن استخلف أحمد أويحيى على رأس الحزب، إثر سجنه بتهم فساد.
وواجه إسلاميو «حركة مجتمع السلم» و«حركة البناء الوطني» و«جبهة العدالة والتنمية»، وحركة «النهضة»، مشاكل كبيرة في توفير قوائم ترشيحات حتى في المحافظات التي تعَدت على الوجود فيها بقوة، مثل المسيلة وسكيكدة وقسنطينة بالشرق والجنوب الشرقي، وهي ذات كثافة سكانية عالية. ودفع هذا العجز بـ«النهضة» إلى الانسحاب من سباق «المحليات».
كما أن «جبهة القوى الاشتراكية»، وهي أقدم حزب معارض، عجزت عن تغطية منطقة القبائل، معقلها الأساسي، بالترشيحات وخاصة بولايتي تيزي وزو وبجاية اللتين قاطعتا بشكل كامل، انتخابات البرلمان في يونيو (حزيران) الماضي، واستفتاء تعديل الدستور العام الماضي. كما كان معدل التصويت في انتخابات الرئاسة التي جرت في نهاية 2019، ضعيفا في الولايتين.
وتفيد مصادر من «سلطة تنظيم الانتخابات»، بأن بعض الشروط الواردة في قانون الانتخابات حالت دون ترشح عدد كبير من الأشخاص، من أهمها «ألا يكون معروفاً لدى العامة، بصلته مع أوساط الأموال والأعمال المشبوهة وتأثيره بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، على الاختيار الحر للناخبين وحسن سير الحملة الانتخابية»، وهي مهمة أوكلها القانون للأجهزة الأمنية. وتم إقصاء عدد كبير من المترشحين للانتخابات التشريعية الماضية، بناء على هذه المادة في القانون.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.