أغشية مسامية لتحسين عملية تكرير النفط وتطوير العقاقير

صممها علماء من «كاوست» للمساعدة على إنتاج أنقى المنتجات الصناعية

بعد 48 ساعة من الاستخدام المتواصل  لم تتدهور الأغشية وتحملت التعرض لمواد قاسية
بعد 48 ساعة من الاستخدام المتواصل لم تتدهور الأغشية وتحملت التعرض لمواد قاسية
TT

أغشية مسامية لتحسين عملية تكرير النفط وتطوير العقاقير

بعد 48 ساعة من الاستخدام المتواصل  لم تتدهور الأغشية وتحملت التعرض لمواد قاسية
بعد 48 ساعة من الاستخدام المتواصل لم تتدهور الأغشية وتحملت التعرض لمواد قاسية

تسعى شركات البترول والكيماويات والمستحضرات الدوائية دائماً إلى تصنيع أنقى وأفضل المنتجات. وهنا يمثل ترشيح المُذيبات العضوية –السوائل ذات الأساس الكربوني، كالزيوت والكحوليات، التي تُذيب مواد أخرى– أهمية محورية بالنسبة لتلك الصناعات. وتجدر الإشارة إلى أن عملية الترشيح بشكل عام تستخدم لفصل المواد الصلبة عن السوائل أو الغازات باستخدام وسيط مرشح يسمح للسائل بالمرور، ولا يسمح للمواد الصلبة أو على الأقل جزء منها بالمرور.
أغشية مسامية
وتستهلك طرق الاستخلاص التقليدية لفصل المواد بعضها عن بعض، كالتقطير، كمياتٍ هائلة من الطاقة، في حين تواجه البدائل الصديقة للبيئة الناشئة، كالأغشية، تحدياتٍ أخرى. فعلى سبيل المثال، كثيراً ما يتطلب الأمر أن تكون المواد المسامية قادرة على تحمل مُذيبات عالية التفاعلية في أثناء عملية ترشيح جزيئات مُستهدفة ذات حجم وشكل معينين. ويتوافر بعض الأغشية عالية الكفاءة التي تُستخدم في فصل الملح عن الماء في عملية تحلية مياه البحر، غير أنها لا تمتاز بدرجة الكفاءة نفسها عند استخدامها في فصل الجزيئات الأصغر حجماً والشديدة التشابه في المُذيبات العضوية.
لذلك فإن تصميم أغشية رقيقة، كرقاقة بسكويت الويفر، لفصل جزيئات معينة عن السوائل قد يحسّن كفاءة عملية تكرير النفط وتصنيع المستحضرات الدوائية.
وفي هذا الإطار، ابتكر فريقان بحثيان بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) غشاءً مسامياً فائق الرِّقة باستخدام وحدات بنائية جزيئية مصنوعة بعناية كبيرة، تُعرَف باسم «الأمينات ثلاثية الزوايا». والأمينات عبارة عن مجموعة من مركبات النيتروجين العضوي وتُشتق من الأمونيا.
ولتخيُّل «الأمينات الثلاثية» تقول البروفسورة سوزانا نونيس، أستاذة العلوم والهندسة الكيميائية والبيئية في «كاوست»: «بمقدورك أن تتخيلها على شكل مكعبات الليغو، حيث يمكنك أن تأخذ مثلثاتٍ مجوفة مُشَكَّلة بصورة مُسبَقة وتجمعها على شكل لوح مسطح». وقد تمكَّن الفريق من تخليق غشاء قادرٍ على فصل جزيئات ذات أحجام وأشكال مختلفة، وذلك عن طريق تحديد حجم المسام والشحنة الكهربية لهذه الجزيئات المثلثة الشكل.
ترشيح كفء
وتُعد سماكة الغشاء عاملاً حيوياً في كفاءة عملية الترشيح. تقول نونيس: «إذا أردنا تسريع عملية الترشيح، فيجب أن يكون الغشاء رقيقاً بقدر الإمكان لتجنب أي مقاومة غير ضرورية لمرور المذيب عبره». ولتحقيق ذلك، فصل الباحثون المكوِّنين الرئيسيين (كلوريد التيرفثالويل والأمينات ثلاثية الزوايا المُشَكَّلة بصورة مُسبقة) إلى مائعين مختلفين لا يمتزجان (زيت وماء على الترتيب)، وهو ما يضمن عدم حدوث التفاعل إلا عند سطح التماس الذي يلتقي عنده المائعان.
يقول تيفان هوانغ، الباحث الرئيسي في هذه الدراسة: «وجدنا أن ذلك أدى إلى تشكيل طبقة فائقة الرقة تبلغ سماكتُها بضعة نانومترات، وهي بذلك أرق كثيراً من أي أغشية تجارية شائعة مُجهَّزة بهذه الطريقة». وقد تراوحت سماكة كل غشاء بين 3.5 و10 نانومترات، بناءً على الزمن الذي استغرقه التفاعل.
اختبر الفريق الأغشية التي صنعها على صبغاتٍ ملونة ذات أحجام جزيئية متشابهة ومتمايزة في الوقت نفسه. ونجحت كل الأغشية في ترشيح ما لا يقل عن 90% من جزيئات اللون التي تزن أكثر من 450 غراماً لكل مول (وحدة أساسيّة في النظام الدولي للوحدات، تستخدم للتعبير عن وحدة قياس كتلة المادة)، وبهذا تكون قد تفوقت كثيراً في الأداء على بعض الأغشية الأخرى التي اختبرها الفريق. ويضيف هوانغ قائلاً: «لم يضعُف أداء الأغشية بعد 48 ساعة من الترشيح المتواصل»، بل إنها تحملت التعرض لمواد أشد قساوة كالأسيتون والميثانول.
وتوضح نونيس قائلة: «من الممكن أن يشتمل الترشيح الجزيئي للمستحضرات الدوائية على خطواتٍ عدة. والأغشية الأكثر متانة وانتقائية، مثل أغشيتنا، قادرة على تبسيط العملية، بحيث تجعلها أقل كُلفة. إضافة إلى ذلك، فإن الآلية التي استخدمناها مُستخدمة بالفعل على نطاقٍ واسع في صناعة الأغشية، لذا فمن الممكن التوسع فيها بسهولة بما يتلاءم مع عملية التصنيع».
صُممت الأغشية في هذه الدراسة بما يتناسب تحديداً مع الجزيئات التي يبلغ وزنها نحو 400 غرام لكل مول. وتعلق نونيس على ذلك قائلة: «سينصبّ تركيزنا في الخطوة التالية على مجموعة كبيرة من الوحدات البنائية، بحيث نتمكن من صُنع أغشية قادرة على انتقاء جزيئات ذات أشكال وأحجام عديدة ومتنوعة، ونُساعد في نهاية المطاف على جعل الفصل العضوي للمُذيبات أكثر استدامة».
وتقول نونيس: «جاء هذا العمل كثمرة للتعاون مع مجموعة البروفسورة نيفين خشاب، أستاذة علوم الكيمياء في (كاوست). فبفضل التكامل بين مجموعتينا، والبيئة البحثية الفريدة التي تُهيئها الجامعة، أصبح ما آمل أن يكون تعاوناً متواصلاً أيسر بكثيرٍ».


مقالات ذات صلة

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

تكنولوجيا تيم كوك في صورة جماعية مع طالبات أكاديمية «أبل» في العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

نصح تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة «أبل»، مطوري التطبيقات في المنطقة باحتضان العملية بدلاً من التركيز على النتائج.

مساعد الزياني (دبي)
تكنولوجيا خوارزمية «تيك توك» تُحدث ثورة في تجربة المستخدم مقدمة محتوى مخصصاً بدقة عالية بفضل الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

خوارزمية «تيك توك» سر نجاح التطبيق وتحدياته المستقبلية

بينما تواجه «تيك توك» (TikTok) معركة قانونية مع الحكومة الأميركية، يظل العنصر الأبرز الذي ساهم في نجاح التطبيق عالمياً هو خوارزميته العبقرية. هذه الخوارزمية…

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
خاص تم تحسين هذه النماذج لمحاكاة سيناريوهات المناخ مثل توقع مسارات الأعاصير مما يسهم في تعزيز الاستعداد للكوارث (شاترستوك)

خاص «آي بي إم» و«ناسا» تسخّران نماذج الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات المناخية

«الشرق الأوسط» تزور مختبرات أبحاث «IBM» في زيوريخ وتطلع على أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي لفهم ديناميكيات المناخ والتنبؤ به.

نسيم رمضان (زيوريخ)
خاص يمثل تحول الترميز الطبي في السعودية خطوة حاسمة نحو تحسين كفاءة النظام الصحي ودقته (شاترستوك)

خاص ما دور «الترميز الطبي» في تحقيق «رؤية 2030» لنظام صحي مستدام؟

من معالجة اللغة الطبيعية إلى التطبيب عن بُعد، يشكل «الترميز الطبي» عامل تغيير مهماً نحو قطاع طبي متطور ومستدام في السعودية.

نسيم رمضان (لندن)
خاص من خلال الاستثمارات الاستراتيجية والشراكات وتطوير البنية التحتية ترسم السعودية مساراً نحو أن تصبح قائداً عالمياً في التكنولوجيا (شاترستوك)

خاص كيف يحقق «الاستقلال في الذكاء الاصطناعي» رؤية السعودية للمستقبل؟

يُعد «استقلال الذكاء الاصطناعي» ركيزة أساسية في استراتيجية المملكة مستفيدة من قوتها الاقتصادية والمبادرات المستقبلية لتوطين إنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي.

نسيم رمضان (لندن)

«طلاء شمسي» لشحن السيارات الكهربائية

«طلاء شمسي» لشحن السيارات الكهربائية
TT

«طلاء شمسي» لشحن السيارات الكهربائية

«طلاء شمسي» لشحن السيارات الكهربائية

في المستقبل، يمكن تغطية سيارتك الكهربائية بألواح شمسية -ليس فقط على السطح، ولكن في جميع أنحاء الجزء الخارجي من السيارة- بفضل طلاء خاص.

وسواء كنت تقود السيارة أو كانت متوقفة، يمكن لهذا الطلاء الشمسي حصاد الطاقة من الشمس، وتغذيتها مباشرة في بطارية السيارة الكهربائية. وربما يبدو الأمر وكأنه شيء من كتاب خيال علمي، إلا أن الباحثين في شركة «مرسيدس بنز» يعملون بالفعل على جعله حقيقة واقعة.

عجينة لطلاء شمسي

يقول يوشين شميد، المدير الأول لشركة «مستقبل القيادة الكهربائية» Future Electric Drive، للبحث والتطوير في «مرسيدس بنز» الذي يستكشف تقنيات السيارات الكهربائية في مرحلة مبكرة: «نحن ننتج مئات السيارات يومياً، وسطح السيارة مساحة كبيرة جداً. فلماذا لا نستخدمها لحصاد طاقة الشمس؟».

إن المادة الكهروضوئية التي تبحثها شركة مرسيدس تشبه العجينة التي يمكن وضعها على الجزء الخارجي للسيارة. يبلغ سمك الطلاء 5 ميكرومترات فقط (يبلغ متوسط ​​سمك شعرة الإنسان نحو 100 ميكرومتر)، ويزن 50 غراماً لكل متر مربع.

وقود شمسي لآلاف الكيلومترات

في سيارة رياضية متعددة الأغراض SUV متوسطة الحجم، ستشغل العجينة، التي تطلق عليها مرسيدس أيضاً طلاءً شمسياً، نحو 118 قدماً مربعة، ما ينتج طاقة كافية للسفر لمسافة تصل إلى 7456 ميلاً (12000 كم) في السنة. ويشير صانع السيارة إلى أن هذا يمكن أن يتحقق في «ظروف مثالية»؛ وتعتمد كمية الطاقة التي ستحصدها هذه العجينة بالفعل على قوة الشمس وكمية الظل الموجودة.

طلاء مرن لصبغ المنحنيات

ولأن الطلاء الشمسي مرن، فيمكنه أن يتناسب مع المنحنيات، ما يوفر فرصاً أكبر للطاقة الشمسية مقارنة بالألواح الشمسية الزجاجية التي لا يمكن ثنيها، وبالتالي لا يمكن تثبيتها إلا على سقف السيارة أو غطاء المحرك. يُعدّ الطلاء الشمسي جزءاً من طلاء متعدد الخطوات يتضمن المادة الموصلة والعزل والمادة النشطة للطاقة الشمسية ثم الطلاء العلوي لتوفير اللون (يشكل كل ذلك معاً عمق بـ5 ميكرونات).

لن تكون هذه الطبقة العلوية طلاءً قياسياً للسيارات لأنها لا تحتوي على صبغة. بدلاً من ذلك، ستبدو هذه الطبقة أشبه بجناح الفراشة، كما يقول شميد، وستكون مادة شديدة الشفافية مليئة بجسيمات نانوية تعكس الأطوال الموجية من ضوء الشمس. كما يمكن تصميمها لتعكس أطوال موجية محددة، ما يعني أن السيارات الكهربائية يمكن أن تأتي بألوان أخرى.

وسيتم توصيل الطلاء الشمسي أيضاً عن طريق الأسلاك بمحول طاقة يقع بجوار البطارية، الذي سيغذي مباشرة تلك البطارية ذات الجهد العالي.

تأمين أكثر من نصف الوقود

ووفقاً للشركة فإن متوسط سير ​​السائق هو 32 ميلاً (51.5 كم) في اليوم؛ هناك، يمكن تغطية نحو 62 في المائة من هذه الحاجة بالطاقة الشمسية من خلال هذه التكنولوجيا. بالنسبة للسائقين في أماكن مثل لوس أنجليس، يمكن أن يغطي الطلاء الشمسي 100 في المائة من احتياجات القيادة الخاصة بهم. يمكن بعد ذلك استخدام أي طاقة إضافية عبر الشحن ثنائي الاتجاه لتشغيل منزل شخص ما.

على عكس الألواح الشمسية النموذجية، لا يحتوي هذا الطلاء الشمسي على أي معادن أرضية نادرة أو سيليكون أو مواد سامة أخرى. وهذا يجعل إعادة التدوير أسهل. وتبحث «مرسيدس» بالفعل عن كيفية جعل إصلاحه سهلاً وبأسعار معقولة.

يقول شميد: «قد تكون هناك مخاوف من أن سيارتي بها خدش، فمن المحتمل أن لوحة الباب معطلة»، وتابع: «لذا اتخذنا احتياطاتنا، ويمكننا بسهولة القول إن لدينا تدابير مضادة لذلك».

ومع تغطية المركبات الكهربائية بالطلاء الشمسي، لن يكون هناك الكثير من القلق بشأن شبكات الشحن، أو الحاجة إلى قيام الناس بتثبيت أجهزة الشحن في منازلهم. ويقول شميد : «إذا كان من الممكن توليد 50 في المائة أو حتى أكثر من قيادتك السنوية من الشمس مجاناً، فهذه ميزة ضخمة ويمكن أن تساعد في اختراق السوق».

ومع ذلك، فإن حقيقة طلاء سيارتك الكهربائية بالطاقة الشمسية لا تزال على بعد سنوات، ولا تستطيع مرسيدس أن تقول متى قد يتم طرح هذا على طرازاتها، لكنها شركة واثقة من تحقيقها.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».

اقرأ أيضاً