«الإشارات الكهربائية»... آلية النبات لمواجهة الهجمات الضارة

تستخدمها على طريقة الحيوانات والبشر

الأقطاب الكهربائية في أوراق النبات تسمح بقياس الإشارات الكهربائية (الفريق البحثي)
الأقطاب الكهربائية في أوراق النبات تسمح بقياس الإشارات الكهربائية (الفريق البحثي)
TT

«الإشارات الكهربائية»... آلية النبات لمواجهة الهجمات الضارة

الأقطاب الكهربائية في أوراق النبات تسمح بقياس الإشارات الكهربائية (الفريق البحثي)
الأقطاب الكهربائية في أوراق النبات تسمح بقياس الإشارات الكهربائية (الفريق البحثي)

تتعرض النباتات باستمرار لتأثيرات وهجمات بيئية ضارة. ووصف فريق دولي بقيادة باحثين من جامعة دوسلدورف الألمانية، جزءاً مركزياً من آلية الإشارة التي تستخدمها النباتات للاستجابة للتهديدات، وبالتالي بدء استجابة دفاعية في الأجزاء غير المتضررة من النبات.
ويصف الباحثون في العدد الأخير من دورية «ساينس أدفانسيس» 8 سبتمبر (أيلول) الماضي، الدور الذي يلعبه البروتين (MSL10) في هذه الاستجابة الدفاعية.
وتشكل الظروف المناخية المتغيرة، وتناوب الجفاف والمطر، والآفات مثل الحشرات الآكلة للنباتات، تحديات للنباتات على أساس يومي، وتشير التقديرات إلى أن ما بين 5 و20 في المائة من المحاصيل العالمية تُفقد بسبب أضرار الحشرات وحدها كل عام، بينما تشير الدراسات إلى أن من المرجح أن يزداد هذا الاتجاه نتيجة للاحترار العالمي؛ وهذا يجعل من المهم معرفة كيفية استجابة النباتات للتهديدات المختلفة.
اكتشف اتحاد من الباحثين من ألمانيا وسويسرا والولايات المتحدة، مكوناً مركزياً تستخدمه النباتات «لإخطار» الأوراق غير المجروحة عند مهاجمتها، ويمكن أن تبدأ هذه الأوراق بعد ذلك في إنتاج مواد دفاعية لحماية الأنسجة المجاورة من الآفات.
وركز فريق البحث على نظام الأوعية للنبات، والذي ينقل الماء والمغذيات من الجذور إلى براعم النبات، كانت إحدى الأفكار التي أرادوا فحصها هي الافتراض القديم بأن نظام الأوعية هذا يساهم أيضاً في تشتت الإشارات الهيدروليكية والكيميائية والكهربائية، وأن الإشارات الهيدروليكية تقترن بالإشارات الكهربائية. ويؤدي التدفق المستمر للماء في أجزاء من أنسجة الأوعية إلى حدوث فراغ، وعند إصابة نبات، ينقطع تدفق المياه هذا فجأة؛ ما يؤدي إلى تغيرات في الضغط. وحدد الباحثون الآن قناة أيونية حساسة للميكانيكية تسمى البروتين (MSL10)، والتي تسجل امتداد غشاء الخلية والتغيرات المقابلة في الضغط، وعندما يتزامن هذا التغيير في الضغط مع ارتفاع في مادة الغلوتامات - وهي مادة يتم تحريرها عند إصابة النبات - يتلقى النبات تحذيراً سريعاً بأنه يتعرض للهجوم، ومع ذلك، فإن ارتفاع مستويات الغلوتامات المحيطة يمكن أن يشير أيضاً إلى تقلبات أيضية أخرى، وبالتالي، فإن تغيير الضغط يكون مهماً عندما يحدث جنباً إلى جنب مع زيادة مستويات الغلوتامات.
واستخدم الباحثون أقطاباً سطحية موضوعة على الأوراق المصابة وغير المجروحة من أجل قياس هذه الإشارة الكهربائية في شكل منحنيات جهد مميزة، وتضمنت إحدى التجارب الرئيسية منع تكوين بروتين MSL10.
ومن دون البروتين MSL10، يتم تقصير الإشارة الكهربائية التي يسببها حدوث أي جرح بالنبات، وتتشتت جزيئات الإشارة مثل أيونات الكالسيوم بشكل أقل فاعلية. والنباتات التي لا تحتوي على هذا البروتين تنتج أيضاً عدداً أقل من جزيئات الدفاع لمكافحة الأعداء الطبيعيين.
ويوضح الباحثان توماس كلايست ومايكل وديك من جامعة دوسلدورف الألمانية، واللذان لعبا دوراً رئيسياً بالمشروع في تقرير نشره الموقع الإلكتروني للجامعة بالتزامن مع نشر الدراسة «نجح فريقنا الدولي في إثبات لأول مرة أن القناة الأيونية التي يتم تنشيطها بحساسية ميكانيكية بالتمدد ضرورية للإشارات التي يسببها الجرح في النباتات». وطور الفريق أيضاً نموذجاً يوضح كيفية تفاعل البروتين MSL10 مع البروتينات الأخرى التي تساهم أيضاً في إرسال الإشارات.
يقول وولف فرومر من معهد علم وظائف الأعضاء الجزيئي بجامعة دوسلدورف، والباحث المشارك بالدراسة، عن الجوانب بعيدة المدى لنتائجها «إنه لأمر مدهش أن نرى أن النباتات تستخدم الإشارات الكهربائية بالطريقة نفسها مثل الحيوانات والبشر». ويضيف «إذا فهمنا بشكل أفضل إشارات الجروح والعمليات والمكونات المتضمنة، فقد نتمكن من مساعدة النباتات على التعرف على التهديدات بشكل أسرع والدفاع عن نفسها ضدها، وهذا بدوره يمكن أن يساعد في منع فقدان المحاصيل بسبب غزو الآفات وتلف الحشرات».


مقالات ذات صلة

«إم آي إس» السعودية ترسي مشروعاً بـ50.8 مليون دولار مع مركز الأرصاد

الاقتصاد جناح «إم آي إس» في معرض «بلاك هات 2024» بالرياض (موقع الشركة الإلكتروني)

«إم آي إس» السعودية ترسي مشروعاً بـ50.8 مليون دولار مع مركز الأرصاد

أعلنت شركة «المعمر لأنظمة المعلومات (إم آي إس)» السعودية، الاثنين، ترسية مشروع مع المركز الوطني للأرصاد في المملكة، بمبلغ إجمالي 190.5 مليون ريال.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
تكنولوجيا البرنامج الجديد يسعى للتحقق من هوية مطوّري التطبيقات خارج متجر «بلاي» بهدف الحد من التطبيقات مجهولة المصدر والاحتيال (أدوبي)

«غوغل» تطلق برنامجاً إلزامياً للتحقق من مطوّري تطبيقات «أندرويد» خارج متجرها الرسمي

خطوة أمان مفصلية لتثبيت التطبيقات غير الموثّقة

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا نُشرت البرمجية عبر ملفات صور «DNG» خبيثة ويُرجّح أنها اعتمدت أسلوب الهجمات «دون نقرة» (شاترستوك)

برمجية تجسس جديدة تستهدف أجهزة «سامسونغ» عبر ثغرة «يوم صفر»

كشف باحثون عن برمجية تجسس جديدة تستهدف سامسونغ عبر ثغرة «يوم صفر»، انتشرت منذ 2024 بقدرات مراقبة واسعة وهجمات بلا نقرة، قبل إغلاقها بتحديثات 2025.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا دليلك لرصد الفيديوهات المزيفة بالذكاء الاصطناعي

دليلك لرصد الفيديوهات المزيفة بالذكاء الاصطناعي

عليك توخي الحذر تجاه أي فيديو ينتشر عبر منصات التواصل الاجتماعي هذه الأيام. وفيما يلي بعض النصائح لرصد الفيديوهات الزائفة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا  مصباح "ويز ليد" الذكي

أفضل المصابيح الذكية

لا يوجد جهاز ذكي في بساطة المصباح الذكي؛ خاصة أن باستطاعة مصباح «ليد» هذا وأشرطة الإضاءة بمصابيحه أن تدوم لسنوات،

«الشرق الأوسط» ( واشنطن)

«ناسا» تحيي سباق مشاريع الطيران الأسرع من الصوت

نموذج طائرة «إكس - 59»
نموذج طائرة «إكس - 59»
TT

«ناسا» تحيي سباق مشاريع الطيران الأسرع من الصوت

نموذج طائرة «إكس - 59»
نموذج طائرة «إكس - 59»

أخيراً، أطلقت وكالة الطيران والفضاء الأميركية «ناسا» طائرة «إكس - 59» الأسرع من الصوت التي حلقت بهدوء في سماء بالمديل، كاليفورنيا، ثم هبطت بنجاح بعد بضع دقائق. وتعد هذه الطلعة الأولى التي انطلقت في 28 أكتوبر (تشرين الأول)، بمثابة اختبارٍ للأنظمة الأساسية وصلاحية الطيران في ظروف سرعات لم تتجاوز سرعة الصوت. كما تُمثل هذه الرحلة الخطوة قبل الأخيرة نحو إحياء رحلات الركاب الجوية الأسرع من الصوت.

تصاميم أميركية وصينية مطورة

وتُمثل هذه الرحلة أيضاً بداية سباقٍ لمعرفة أيّ من أفكار ومخططات الطائرات الأسرع من الصوت الثلاثة سيفوز، ليُصبح التصميم السائد في القرن الحادي والعشرين.

وقد طرحت شركة «لوكهيد مارتن» من جهتها، تصميم «إكس ـ 59» X-59، التي تُشبه شكل السهم، والتي جرى تطويرها لتجنب دوي الانفجار الصوتي.

بعد ذلك، لدينا طائرة «إكس بي - 1 بوم سوبرسونيك»Boom Supersonic’s XB-1، التي لا تهدف إلى تجنب دوي الانفجار الصوتي، بل إلى منعه من الوصول إلى الأرض، وذلك بفضل حسابات كمبيوترية والاستخدام الذكي لفيزياء الغلاف الجوي.

وأخيراً، لا يمكن أن نغفل أن الصين تُشارك هي الأخرى في هذا السباق، بتصميم يبدو أنه يمزج أفكاراً من كل من «إكس ـ 59» و«إكس بي ـ 1».

طائرة بلا دويّ صوتي

وتكمن أهمية طائرة «إكس-59» في تدارك تصميمها للفشل الذريع الذي مني به تصميم طائرة «كونكورد»؛ فرغم كونها معجزة تكنولوجية، فإن دويّها الصوتي المزعج المحطم لطبلة أذن الإنسان أثار استياءً شعبياً، مما أدى إلى حظر الطيران الأسرع من الصوت فوق المناطق المأهولة بالسكان عام 1971، في خطوة أضعفت جدواها التجارية، واتبعتها الجهات التنظيمية في جميع أنحاء العالم. والآن، ورغم رفع إدارة ترمب لهذا الحظر داخل الولايات المتحدة، فإنه لا يزال سارياً في بقية أرجاء العالم.

وهنا، جاء تصميم «إكس-59» لإلغاء جميع صور الحظر عالمياً. وهو يهدف إلى إثبات أن الطائرة النفاثة الأسرع من الصوت يمكنها التحليق دون إحداث دويّ مزعج، بل تُولّد صوتاً هادئاً لا يزيد في ضوضائه عن صوت إغلاق باب سيارة.

وفي هذا الصدد، أخبرني ديف ريتشاردسون، مدير برنامج طائرة «إكس-59» لدى شركة «لوكهيد مارتن»، العام الماضي، عند الكشف عن النموذج الأولي الفعلي: «يكمن الاختراق الحقيقي للطيران الأسرع من الصوت، في القدرة على التحليق فوق الأرض مرة أخرى. ولديك تلك المسارات الطويلة التي تكون فيها تلك الرحلة الأسرع من الصوت أكثر فائدة».

الخدعة السحرية تكمن في شكل التصميم

يذكر أن طائرة «إكس-59» جرى تصنيعها من أجزاء مُعاد تدويرها، مُثبتة في هيكل جذري على شكل رأس سهم، مما يجعلها تبدو أشبه بسلاح أكثر منها بمركبة بحثية. وفي الواقع، تبدو الطائرة أشبه بإبرة طويلة وحادة بشكل لا يُصدق.

وفي هذا التصميم تحديداً تكمن الخدعة السحرية. وبحسب ريتشاردسون، فإن سر رحلتها الهادئة ليس مادة أو محركاً جديداً غريباً. وأوضح قائلاً: «لا توجد تكنولوجيا جذرية في الطائرة نفسها. الأمر برمته يرتبط في الواقع مجرد شكل الطائرة».

وُلد هذا الشكل - بمقدمة تُشكل ثلث طول الطائرة، وقمرة قيادة دون نافذة أمامية، ومحرك مثبت على ظهرها - من رحم قوة حاسوبية هائلة. وأتاحت النمذجة المتقدمة للمهندسين محاكاة كيفية تصرف موجات الصدمة، أي العملية التي كانت تتطلب في السابق التجربة «مئات أو آلاف المرات بتكلفة باهظة» داخل نفق رياح.

يعتمد تصميم شركة «لوكهيد مارتن» على إعادة تشكيل فيزياء دوي الانفجار الصوتي بشكل جذري. وبدلاً من السماح لموجات الصدمة الناتجة عن حركة الطائرة عبر الهواء بالاندماج في دوي انفجار ضخم ومتفجر، صُمم الشكل النحيف لطائرة «إكس ـ 59» لإبقاء تلك الموجات منفصلة. وعن ذلك، قال ريتشاردسون: «نريد أن نكون قادرين على التمدد وإدارة الصدمات المختلفة على طول الطائرة».

وبالفعل، جرى وضع كل عنصر بدقة لدعم هذا الهدف. إذ يقع مدخل هواء المحرك أعلى جسم الطائرة، مما يدفع موجة الصدمة للانتقال لأعلى، بعيداً عن الأرض. ويستعين الطيار بـ«نظام رؤية خارجية» عالي الدقة، بدلاً من النافذة، مما يزيل الانتفاخ الذي يشبه المظلة الذي من شأنه أن يُحدث موجة صدمة قوية.

ولا يتمثل الهدف النهائي هنا في بناء طائرة ركاب جديدة، بل في جمع البيانات. وتهدف مهمة «كويست» (QueSST) (تكنولوجيا الأسرع من الصوت الهادئة)، من «ناسا»، إلى تحويل دوي طائرة «كونكورد» البالغ 105 ديسيبل – ما يكافئ صوت منشار كهربائي - إلى صوت ارتطام بقوة 75 ديسيبل. وهذه نقطة البيانات الحاسمة.

وتُعد طائرة «إكس ـ 59» أداة تجريبية مصممة للتحليق فوق التجمعات السكانية، وطرح سؤال بسيط: هل هذا الصوت الخافت مقبول؟ ومن المقرر تجميع التعليقات من الأشخاص على الأرض، في قاعدة بيانات تتاح أمام الهيئات التنظيمية (القانونية) الأميركية والدولية، مما يوفر الأدلة التي يحتاجونها لإعادة صياغة قواعد الطيران الأسرع من الصوت.

اختبار نوع جديد من الطائرات

كانت هذه الرحلة الافتتاحية التي قادها نيلز لارسون، مجرد بداية لعملية اختبار صارمة. وعلى مدار الأشهر المقبلة، ستحلق طائرة «إكس ـ 59» بشكل أسرع وأعلى تدريجياً، لتتجاوز في النهاية سرعة 1.4 ماخ على ارتفاع 55 ألف قدم. وبمجرد التحقق من أدائها، ستبدأ الطائرة رحلاتها فوق التجمعات السكانية عبر العديد من المدن الأميركية. وإذا ما جاء رد الفعل العام إيجابياً ودعمت البيانات التوقعات، فسيكون الطريق ممهداً أمام انطلاقة أكبر.

وفيما يتعلق بمصنعي الطائرات التجارية، صرّح ريتشاردسون بأن الشركة تستطيع «البدء فوراً» في تطوير جيل جديد من الطائرات الهادئة الأسرع من الصوت بمجرد إلغاء القوانين الراهنة. والآن، يعتمد مستقبل أوقات السفر الأقصر بشكل كبير على أداء هذه الطائرة الفريدة والغريبة.

من جهتها، وفي هذه الأثناء وبعد اختبار طائرة «إكس بي ـ 1» بنجاح، تواصل شركة «بوم سوبرسونيك» العمل على طائرة «أوفرتشر»، أول طائرة تجارية لها. وإذا استمرت الشركة في تطويرها بالوتيرة الحالية، فقد تصبح الفائزة في هذا السباق الصامت للطائرات الأسرع من الصوت.

وقد أخبرني برايان شول، الرئيس التنفيذي للشركة، قبل بضعة أشهر أن طائرة «أوفرتشر» مصممة لتناسب البنية التحتية الحالية للمطارات. وستكون الطائرة قادرة على العمل من البوابات والمدرجات الحالية، مما يجعلها عملية للاستخدام التجاري. في المقابل، عبر عن اعتقاده بأنه سيكون من المستحيل لطائرة مثل «إكس ـ 59» أن تتطور إلى حجم طائرة ركاب، لأنها ستكون طويلة للغاية بشكل لا يُصدق، ويستحيل أن تتناسب مع المطارات الحالية دون إعادة تصميم أو بناء بوابات جديدة.

ومع ذلك، يبقى من السابق لأوانه التنبؤ بما سيحدث، إذ لا يزال يتعين على «إكس ـ 59» البدء في وإتمام حملة الاختبارات بنجاح، كما يتعين على «أوفرتشر» أن تتجسد على أرض الواقع. وينطبق الأمر نفسه على التصميم الصيني. أما الآن، فمن الممتع رؤية كل هذه الآلات الرائعة تُقلع... وتكتب التاريخ.

* مجلة «فاست كومباني»

ـ خدمات «تريبيون ميديا»


من التحليل إلى التنبؤ... أحدث التقنيات لكبح حوادث الطرق

التقنيات الذكية يمكنها الحد من تداعيات حوادث الطرق عالميا (جامعة جونز هوبكنز)
التقنيات الذكية يمكنها الحد من تداعيات حوادث الطرق عالميا (جامعة جونز هوبكنز)
TT

من التحليل إلى التنبؤ... أحدث التقنيات لكبح حوادث الطرق

التقنيات الذكية يمكنها الحد من تداعيات حوادث الطرق عالميا (جامعة جونز هوبكنز)
التقنيات الذكية يمكنها الحد من تداعيات حوادث الطرق عالميا (جامعة جونز هوبكنز)

رغم تقدُّم صناعة السيارات وشبكات النقل حول العالم، فإن حوادث الطرق لا تزال تُشكِّل أحد أبرز أسباب الوفيات والإصابات الخطيرة سنوياً؛ إذ تودي بحياة أكثر من 1.3 مليون شخص، وتتسبب في إصابة عشرات الملايين، وفق تقديرات منظمة الصحة العالمية. وتمتد آثار حوادث السيارات إلى خسائر اقتصادية ضخمة ناجمة عن العلاج وفقدان الإنتاجية وتلف البنية التحتية.

ومع تسارع التطورات التقنية، اتجهت أنظار الباحثين نحو التقنيات الحديثة، وفي مقدمتها تسخير الذكاء الاصطناعي وأجهزة الاستشعار وإنترنت الأشياء، لتحليل أسباب الحوادث والتنبؤ بها قبل وقوعها، ضمن توجه جديد نحو «السلامة المرورية الذكية».

مساعد مرور ذكي

وفي السياق، طوَّر باحثون من جامعة «جونز هوبكنز» نظاماً ذكياً جديداً يُعرف باسم «المساعد الذكي للسلامة المرورية» (SafeTraffic Copilot)، يهدف إلى التنبؤ بمخاطر الحوادث، وتحليل أسبابها بدقة عالية، في خطوة قد تسهم في إنقاذ الأرواح، وجعل الطرق أكثر أماناً. ويعتمد النظام على نماذج لغوية كبيرة (LLMs) مدرَّبة على نصوص عن ظروف الطرق، وبيانات رقمية مثل مستويات الكحول في الدم، وصور ميدانية وفضائية لمواقع الحوادث، ما يمكِّنه من تحليل عوامل الخطر بشكل متكامل وتفاعلي، وفق النتائج المنشورة بعدد 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2025 من دورية «Nature Communications».

يتميز النموذج بقدرته على تحسين أدائه باستمرار مع إدخال بيانات جديدة، وتقدير مستوى موثوقية كل تنبؤ. وأظهرت النتائج أن دمج البيانات النصية والبصرية والرقمية في نظام واحد يزيد من دقة التنبؤ بشكل واضح مقارنة بالأنظمة التقليدية.

وكشف الدكتور هاو يانغ، أستاذ الهندسة المدنية والنظم في جامعة «جونز هوبكنز»، والباحث الرئيسي للدراسة، عن قدرة النظام الجديد على التعميم عبر الزمان والمكان؛ إذ أثبت فاعليته في ولايات أميركية لم يُدرَّب عليها، مثل مين وكارولاينا الشمالية وأوهايو، رغم تدريبه على بيانات من ولايات أخرى مثل إلينوي وواشنطن، من دون الحاجة إلى إعادة التدريب. ويُعزى ذلك إلى تصميمه القائم على الذكاء القاعدي والتحليل النصي الذي يمكِّنه من فهم السياقات المختلفة بدلاً من مجرد حفظ الأنماط.

ويضيف يانغ لـ«الشرق الأوسط»: النظام قابل للتكيُّف بسهولة على المستوى الدولي، مع أنماط المرور المحلية، من خلال ترجمة بيانات الحوادث إلى نصوص منظمة، وتعديل النموذج وفق القوانين والبيانات الإقليمية، ثم اختبار أدائه في بيئات مختلفة. وبفضل عمله على مستوى الفهم الدلالي للحوادث، يمكن للنظام التكيُّف مع البنى التحتية المتنوعة وأنماط القيادة المختلفة بجهد محدود، مما يجعله ملائماً للتطبيق في دول متعددة. ويؤكد يانغ أن الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات الضخمة يمكن أن تُحدث تحولاً جذرياً في إدارة السلامة المرورية، عبر الانتقال من التحليل التفاعلي بعد وقوع الحوادث إلى إدارة استباقية وتنبؤية للمخاطر. ويوضح أن دمج بيانات متنوعة تشمل تقارير الحوادث، والصور، وأجهزة الاستشعار، وسلوك السائقين مع أنظمة ذكاء اصطناعي متقدمة، يتيح فهماً أعمق لأسباب الحوادث واتخاذ قرارات فورية قائمة على محاكاة سيناريوهات مختلفة. كما أشار إلى أن هذه التقنيات تسهم في تبادل المعرفة بين الدول وتحسين جودة البيانات باستمرار، ما يمكِّن من تطوير أنظمة نقل أكثر أماناً واستدامة.

تقنيات متقدمة

تشهد السنوات الأخيرة ثورة في استخدام الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، لتحليل البيانات التاريخية للحوادث المرورية، مثل سرعة المركبات، وحالة الطقس، ونوع الطريق، وسلوك السائقين، بهدف التنبؤ بمواقع الحوادث المحتملة ومدى خطورتها.

وتُستخدم في هذا المجال نماذج مثل: «Extra Trees»، و«Random Forest»، و«SHAP»، لتحديد العوامل الأكثر تأثيراً في وقوع الحوادث، كـالسرعة الزائدة أو تصميم الطريق أو نوع المركبة.

وتشير دراسة لجامعة البنجاب في باكستان إلى أن دقة بعض النماذج تجاوزت 96 في المائة، مما يتيح لواضعي السياسات اتخاذ قرارات استباقية للحد من المخاطر على الطرق.

في هذا الإطار، استخدم باحثون في جامعة بنغلاديش للهندسة والتكنولوجيا أنظمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي والرؤية الحاسوبية للكشف الفوري عن الحوادث، بالاعتماد على الكاميرات وأجهزة الاستشعار لاكتشاف الحوادث في لحظة وقوعها أو حتى قبلها، من خلال تحليل الصور وحركة المركبات باستخدام خوارزميات مثل «YOLOv11». وتُرسل هذه الأنظمة إشعارات فورية إلى فرق الطوارئ لتسريع الاستجابة وإنقاذ الأرواح، وقد أظهرت التجارب أن دمجها في أنظمة مساعدة السائق (ADAS) يحسِّن دقة الكشف في الزمن الحقيقي حتى في ظروف الإضاءة السيئة أو الزحام المروري.

أما على صعيد كشف العيوب في الطرق، فقد طوَّر باحثون في المعاهد الهندية لتكنولوجيا المعلومات نظاماً ذكياً يُعرف باسم «ETLNet»، وهو قادر على اكتشاف الحفر والتشققات وتصنيف حجمها، ثم إرسال تنبيه إلى السائقين والجهات المختصة عند وجود خلل خطير. ويستخدم النظام مستشعرات مدمجة في الهواتف الذكية لاكتشاف العيوب في سطح الطريق، دون الاعتماد على الصور البصرية فقط، ما يجعله فعالاً حتى في الطرق ذات الإضاءة الضعيفة أو التي تفتقر إلى كاميرات المراقبة.


حشوات أسنان المستقبل... «مواد حيوية ذكية» لإنتاج عاج جديد

حشوات أسنان المستقبل... «مواد حيوية ذكية» لإنتاج عاج جديد
TT

حشوات أسنان المستقبل... «مواد حيوية ذكية» لإنتاج عاج جديد

حشوات أسنان المستقبل... «مواد حيوية ذكية» لإنتاج عاج جديد

لطالما اعتدنا أن تكون حشوات الأسنان مجرد مادة جامدة، دورها الوحيد إغلاق الفجوة وحماية السن من غزو البكتيريا. لكن العقد الأخير، شهد ظهور ابتكار قلب هذه المعادلة رأساً على عقب؛ البايودنتين، وهي مادة حيوية «ذكية» تتجاوز فكرة الترميم التقليدي، إذ تدخل في حوار بيولوجي مباشر مع أنسجة السن، فتُحفّزه على إنتاج عاج جديد يرمّم نفسه بنفسه.

إن ما يميز هذه المادة أنها لا تؤدي دور السدادة الصامتة فحسب، بل تتحول إلى محفّز للتجدد الذاتي، وكأنها تُعلّم السن كيف يشفى من داخله. وتؤكد هذه الحقيقة أبحاث منشورة في مجلات علمية مرموقة، مثل مجلة علاج جذور الأسنان (Journal of Endodontics) ومجلة البحوث السريرية الفموية (Clinical Oral Investigations).

ورغم أن التقنية بدأت تشق طريقها في الممارسات السريرية الغربية، فإنها لم تحظَ بعد بالاهتمام الإعلامي العربي الذي يواكب حجم ثورتها، وكأننا أمام قصة طبية لم تُروَ بعد في منطقتنا.

ما هو البايودنتين؟

البايودنتين (Biodentine) ليس مجرد اسم جديد في قائمة مواد حشوات الأسنان، بل هو نتاج ثورة علمية خرجت من مختبرات شركة Septodont الفرنسية، ليُعرَف اليوم في الأوساط الطبية بـ«الإسمنت الحيوي للأسنان». ويشابه في تركيبه الكيميائي مادة MTA (Mineral Trioxide Aggregate) الشهيرة التي غيّرت ممارسات علاج الجذور قبل عقود، لكنه جاء ليعالج قصورها ويمنح الأطباء أداة أكثر كفاءة وسرعة.

وقد أثبتت الاختبارات السريرية أن البايودنتين:

- يتصلب خلال دقائق بدلاً من ساعات، ما يقلّل من زمن الإجراء العلاجي.

- سهل الاستخدام في العيادة، دون الحاجة إلى بروتوكولات معقدة.

- يلتصق بقوة بالعاج، مانعاً أي تسرب ميكروي.

- والأهم أنه يتمتع بنشاط بيولوجي فريد يحفّز الخلايا اللبّية (Odontoblast-like cells) على تكوين طبقة جديدة من العاج تُسمى جسر العاج (Dentin Bridge)، ما يفتح الباب أمام شفاء السن ذاتياً بدلاً من الاكتفاء بالترميم.

وبكلمات أخرى، فإن البايودنتين ليس مجرد «حشو حديث»، بل مادة تجديدية تدخل مباشرة في قلب ثورة طب الأسنان التجديدي، حيث تتحول الحشوة من أداة إصلاحية إلى محفّز حقيقي لعودة الحياة إلى السن.

ابتكار ثوري

لا تكمن أهمية البايودنتين في كونه مادة جديدة تُضاف إلى قائمة الحشوات السنية، بل في كونه يغيّر قواعد اللعبة بالكامل. فهو لا يرمم السن وحسب، بل يفتح أمام الأطباء والمرضى أبواباً لم تكن ممكنة قبل سنوات قليلة:

- إنقاذ الأسنان الصغيرة؛ الأطفال الذين يتعرضون لتسوس عميق أو إصابة في الأسنان كانوا غالباً يواجهون خياراً قاسياً؛ إما فقدان السن مبكراً أو سحب العصب. البايودنتين يقدّم بديلاً إنقاذياً، إذ يحمي اللب ويشجعه على الشفاء الطبيعي.

- تفوق على الأملغم (الحشوة المعدنية) والكومبوزيت (الحشوة البيضاء)، إذ على عكس المواد التقليدية التي تعمل كحاجز صامت، يتميز البايودنتين بنشاطه البيولوجي الذي يحفّز أنسجة السن على التجدد الذاتي. وب الجذرية والكسور؛ بفضل خصائصه اللاصقة والمحفزة بيولوجياً، يُستخدم البايودنتين أحياناً كحل مبتكر لسد الفتحات الجذرية أو معالجة الشروخ الدقيقة التي كانت تعني في الماضي فقدان السن.

- آفاق مستقبلية أوسع؛ يرى باحثون من جامعات رائدة مثل هارفارد وزيوريخ أن هذه المادة ليست سوى البداية، وأنها تمثل الخطوة الأولى نحو مواد سنية قادرة على إعادة بناء العاج بالكامل، لتقترب الأسنان من خاصية «الشفاء الذاتي» التي طالما بدت ضرباً من الخيال.

مشهد سريري: قصة طفل أنقذته الحشوة

في إحدى العيادات في لندن، حضر طفل في التاسعة من عمره بعد سقوط مؤلم أثناء اللعب، انتهى بكسر في أحد أسنانه الأمامية. وكان الكسر عميقاً وقريباً جداً من العصب، لدرجة أن أي خطأ في العلاج كان سيؤدي غالباً إلى موت السن وفقدانها مبكراً. لكن الطبيب اختار استخدام البايودنتين كغطاء مباشر للعصب.

وما حدث بعدها يُشبه عودة الحياة إلى عضو مهدد بالموت. خلال أشهر قليلة، بدأت الخلايا اللبّية تفرز طبقة جديدة من العاج، لتعيد بناء الحاجز الطبيعي حول العصب، وتحافظ على السن حيّة وصحية.

اليوم، يبتسم الطفل بأسنانه الطبيعية، دون حاجة إلى تعويض صناعي مبكر، ودون أن يشعر أحد أن هذا السن كاد يضيع.

أين نحن في العالم العربي؟

رغم أن البايودنتين أصبح جزءاً من الممارسات السريرية في العديد من دول الغرب، فإن دخوله إلى الأسواق العربية ما زال محدوداً، وغالباً ما يقتصر على بعض المراكز المتخصصة أو الأطباء الذين يحرصون على متابعة أحدث المؤتمرات العالمية. وهذه الفجوة، على أهميتها، ليست عائقاً بقدر ما هي فرصة ذهبية؛ فرصة لتبني تقنيات طب الأسنان التجديدي مبكراً، ووضع منطقتنا في مقدمة هذا المسار الطبي.

في المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، حيث تتبنى «رؤية 2030» الابتكار الطبي كأولوية استراتيجية، يمكن أن يشكّل البايودنتين مدخلاً لتطوير برامج التدريب الجامعي والبحثي، حيث ينشأ جيل جديد من أطباء الأسنان يمتلكون مهارة اليد ودقة المعرفة معاً. جيلٌ قادر على أن يُعيد تعريف مفهوم «الحشوة» من مجرد سد فراغ، إلى أداة تجديدية تحفظ الأسنان الطبيعية لملايين المرضى، وتضع منطقتنا في قلب الثورة العالمية لطب الأسنان التجديدي.

بين البحث والتطبيق

في دراسة رائدة نُشرت عام 2025 من جامعة نانجينغ الطبية في الصين، أظهر الباحثان تشي تشانغ (Qi Zhang) وشو جـي كاو (Shujie Cao) أن مادة البايودنتين لا تقتصر وظيفتها على تدعيم الأنسجة فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى تحفيز تكاثر الخلايا الجذعية اللبّية البشرية (hDPSCs) ومكافحة الشيخوخة الخلوية، وذلك عبر تفعيل مسار «Wnt/β-catenin» الحيوي المعروف بدوره في التجدد والإصلاح النسيجي، نُشرت النتائج في مجلة أبحاث وعلاج الخلايا الجذعية (Stem Cell Research).