قراءة في «دليل الصحافي لتغطية أشغال مجلس النواب» في المغرب

اعتمد منهجية تجمع بين المقاربتين القانونية والمهنية الإعلامية المقارنة

قراءة في «دليل الصحافي لتغطية أشغال مجلس النواب» في المغرب
TT

قراءة في «دليل الصحافي لتغطية أشغال مجلس النواب» في المغرب

قراءة في «دليل الصحافي لتغطية أشغال مجلس النواب» في المغرب

صدر للإعلامي المغربي يونس مسكين، دليل مهني خاص بالتغطية الصحافية للعمل البرلماني، قال عنه صاحبه إنه «ثمرة شهور من العمل والاستشارات والبحث»، متمنياً «أن يجد الصحافيون والمهتمون بالشأن البرلماني، لبنة أولى في درب التأسيس لممارسة مهنية متخصصة ومساهمة في الجمع بين تنوير المواطن وربط الصلة أكثر بين المؤسسة البرلمانية والمجتمع».
ضم الإصدار، الذي حمل عنوان «دليل الصحافي لتغطية أشغال مجلس النواب بالمغرب»، وجاء في 80 صفحة، بابين، مع تقديم حمل عنوان «لماذا هذا الدليل؟» وفصل ختامي يتضمن توصيات ونصائح، مع ملحق يشير إلى الوثائق المرجعية للكتاب.
تناول مسكين في الباب الأول من الكتاب (مجلس النواب... الخصائص والأدوار) عناوين «معنى فكرة التمثيل السياسي» و«لماذا تحتاج الأمم إلى منتخبين ينوبون عنها؟» و«البرلمان المغربي في دستور 2011» و«مجلس النواب... مجلس الشعب» و«الانتخابات... الطريق إلى مجلس النواب» و«نمط الاقتراع: التمثيل النسبي حسب قاعدة أكبر بقية» و«القاسم الانتخابي» و«تمثيلية النساء» و«إعلان النتائج» و«الحياة النيابية: تقسيم الأدوار والمهام» و«وظيفة التشريع... صانع القوانين» و«مجلس لكل القوانين» و«قانون المالية... الحدث السنوي للبرلمان» و«الطريق إلى الجريدة الرسمية» و«اللجان النيابية: ورشات صناعة التشريع» و«الملتمسات والعرائض... المواطن شريكاً في التشريع» و«مراقبة الحكومة... سلطة تحد السلطة» و«مراقبة الحكومة: لعبة الأسئلة والأجوبة» و«آليتان رقابيتان تؤديان إلى إسقاط الحكومة» و«صلاحية جديدة: تقييم السياسات قاموس العمل البرلماني».
أما في الباب الثاني (العالم البرلماني... المبادئ والخصائص والأدوار) فتناول عناوين «مبادئ الإعلام البرلماني» و«وظائف الإعلام البرلماني» و«الإعلام البرلماني... تقنيات وقواعد» و«القواعد العشرة للتغطية الصحافية للبرلمان» و«مميزات الصحافي المتخصص في الشأن البرلماني» و«ما يحتاجه الصحافي المتخصص في تغطية البرلماني من مهارات ومعارف» و«الأجناس وقواعد الكتابة والتغطية من داخل البرلمان» و«مصادر الأخبار في التغطية الصحافية للبرلمان» و«أخلاقيات التغطية الصحافية للبرلمان».
يقول مسكين إن فكرة هذا الدليل المرجعي الأول في هذا المجال، الذي صدر عن «جمعية سمسم مشاركة مواطنة»، جاءت «نتيجة التقاء موضوعي بين إرادات كل من مؤسسة مجلس النواب ومجتمع مدني نشيط وفاعل وإعلام مواكب وطامح لمزيد من المساهمة في تعزيز روح القانون والشفافية في المجال العام وتجسير الهوة بين المواطن ومؤسساته». وتابع أنه يهدف إلى «تمكين الصحافة المتخصصة في تغطية العمل البرلماني، من وثيقة موحدة تتضمن جل ما ينبغي للإعلامي المحترف أن يعرفه عن مؤسسة مجلس النواب، ضماناً للدقة والتوازن والموضوعية في التناول، وتحقيقاً لأقصى ما يمكن من انتظارات المتلقي، ومساهمة في تقديم خدمة إعلامية تخدم الصالح العام وتعزز الانخراط الجماعي في العملية الديمقراطية».

مقاربتان قانونية ومهنية
في سياق متصل ذكر مسكين أنه جرى، من خلال إنجاز هذا الدليل، اعتماد منهجية تجمع بين مقاربتين: المقاربة القانونية من خلال تقديم صورة شاملة حول أدوار وخصائص وطرق اشتغال مؤسسة مجلس النواب، باستحضار دائم لاهتمامات ومجال اشتغال الصحافيين. والمقاربة المهنية الإعلامية المقارنة، التي تتمثل في مسح شامل للتجارب الدولية، سواء منها العريقة أو الناشئة ديمقراطياً، وتقديمها في قالب مبسط ومنهجية عملية تلامس مختلف جوانب العمل الصحافي في علاقته بتغطية مؤسسة برلمانية كمجلس النواب.
وأشار المؤلف إلى أن البرلمان يُعد «أبرز التجليات المؤسساتية للديمقراطية التمثيلية، والتجسيد العملي لحضور الإرادة الشعبية في عملية صناعة القرار العمومي ومراقبة صرف المال العام، ومن ثم ضمان شرعية التدبير الحكومي والانخراط الواعي والمسؤول للمواطن في العملية الديمقراطية في بعدها المؤسساتي».
وتجد الديمقراطية أحد تعريفاتها، - كما يضيف مسكين - في «مدى حضور المواطن ومواكبته لعمل المؤسسات»، حيث «تربط بعض المرجعيات النظرية والمعرفية مؤشرات تقييم مستوى تقدم الدول والمجتمعات في الديمقراطية بحجم اطلاع ومعرفة المواطن بما يجري في دائرة صناعة القرار والتدبير العمومي». ثم يشرح المؤلف أنه في الوقت الذي كان تعريف المواطن المطلع يختصر في معرفة كيفية سير السلطات الثلاث وقراءة الصحف وفهم القضايا المطروحة للنقاش وممارسة التصويت، فإن التحولات التي أحدثتها الثورات التكنولوجية والمعرفية الحديثة «جعلت مستوى المعرفة الدنيا المفترضة عند المواطن لا تقل عن القدرة على الاطلاع الفوري والدائم على أخبار ومستجدات الشأن العام، وفي صدارة ذلك ما يجري داخل وحول مؤسسة برلمانية مثل مجلس النواب».
في سياق متصل، يوضح مسكين قائلاً: «يصل التحليل الذي يربط بين الممارسة الفعلية للديمقراطية وقواعدها وبين قوة ومهنية الإعلام، في بعض الأحيان، إلى درجة المطابقة بينهما، على اعتبار أن تدفق المعلومات والأخبار والآراء إلى أذهان المواطنين، هو ما يشكل القناعات السياسية التي يعبرون عنها في نهاية الأمر بواسطة التصويت الذي يفرز المؤسسة البرلمانية، ومن ثم الحكومة. ومن هنا يأتي التأثير، السلبي أو الإيجابي، الذي يمكن أن يمارسه الإعلام في تحقيق غايات العملية الديمقراطية من ضمان للمشاركة والانخراط وتعزيز الشعور بالانتماء والجدوى من إعمال النصوص الدستورية والقانونية والفعل من داخل المؤسسات».

توصيات الكتاب
أما على مستوى التوصيات والنصائح، التي تناولها الفصل الختامي، فيشدد المؤلف على أن على كل من المؤسسة البرلمانية والجسم المهني الإعلامي ممثلاً في مؤسساته التمثيلية «تعزيز العلاقة بينهما والرفع من مهنيتها واحترافيتها، من خلال خلق فضاءات ومنتديات قارة للقاء وتبادل الرأي والاطلاع على العراقيل التي يواجهها كل منهما في علاقته بالآخر»، وذلك كي تبقى هذه العلاقة «بعيدة عن أي توترات أو سوء فهم أو انحراف عن الوظيفة الأساسية للطرفين، كضلعين أساسيين في مثلث المشاركة الشعبية إلى جانب المجتمع».
واستطراداً، يرى المؤلف أن الدراسات والتقارير الحديثة المتعلقة بالعمل البرلماني، تؤكد «مركزية الإنترنت والنشر الإلكتروني في التواصل البرلماني، لما يتيحه من سرعة في النفاذ وتفاعل مباشر بين المؤسسات التشريعية والمجتمع وانخفاض كبير في التكلفة، حيث يسمح النقل المباشر للاجتماعات مثلاً، بجعل الرأي العام في قلب العمل البرلماني بكلفة شبه صفرية». ثم يضيف: «يحتاج كل من الطرفين، أي مؤسسة مجلس النواب والجسم الإعلامي المهني، إلى خلق عنصر التخصص ومساعدة كل منهما الآخر في التعرف عليه وعلى خصوصياته». ولهذا «يستحسن في الجانب الإعلامي التحفيز على بروز فئة من الصحافيين المتخصصين في الشأن البرلماني، كما ينبغي لمؤسسة مجلس النواب، خصوصاً مع التجديد الذي يطال بنيتها السياسية إثر كل انتخابات، تمكين مجموعة خاصة من بناء جسر التواصل الحرفي والمستمر مع الصحافة».
ويختتم يونس مسكين بالقول إن التكوين الأساسي للإعلاميين يشكل «فرصة سانحة لبروز صحافة متخصصة في الشأن البرلماني، بحيث يمكن لمجلس النواب أن يشتغل إلى جانب بعض مؤسسات التكوين المتخصص في المجال الإعلامي، عبر تقديم الخبرة والكفاءات الضرورية لإحداث شعب أو وحدات تكوينية خاصة بالعمل البرلماني، مما سيمكن المؤسسات الإعلامية من موارد بشرية مؤهلة وقادرة على التعاطي مع العمل البرلماني».


مقالات ذات صلة

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شخص يلوّح بعلم تبنته المعارضة السورية وسط الألعاب النارية للاحتفال بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

فور سقوطه... الإعلام السوري ينزع عباءة الأسد ويرتدي ثوب «الثورة»

مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري نفسه مربكاً في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

رئيسة «منتدى مصر للإعلام» تُحذر من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار

نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
TT

رئيسة «منتدى مصر للإعلام» تُحذر من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار

نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)

في ظل صراعات وحروب إقليمية متصاعدة وتطورات ميدانية متسارعة، لعب الإعلام أدواراً عدة، سبقت في بعض الأحيان مهمات القوات العسكرية على الأرض؛ ما ألقى بظلال كثيفة على وسائل الإعلام الدولية. تزامن ذلك مع زيادة الاعتماد على «المؤثرين» ونجوم مواقع التواصل الاجتماعي كمصادر للأخبار؛ ما دفع رئيسة «منتدى مصر للإعلام»، نهى النحاس، إلى التحذير من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار.

وفي حوارها مع «الشرق الأوسط»، عدّت نهى دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار «خطأً مهنياً»، وقالت إن «صُناع المحتوى و(المؤثرين) على منصات التواصل الاجتماعي يقدمون مواد دون التزام بمعايير مهنية. ودمجهم في غرف الأخبار كارثة مهنية».

وأشار تقرير نشره «معهد رويترز لدراسات الصحافة»، أخيراً، إلى «نمو في الاعتماد على مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي كمصادر للأخبار». ومع هذا النمو باتت هناك مطالبات بإدماج صناع المحتوى في غرف الأخبار. لكن نهى تؤكد أن الحل ليس بدمج المؤثرين، وتقول: «يمكن تدريب الصحافيين على إنتاج أنواع من المحتوى تجذب الأجيال الجديدة، لكن يجب أن يكون صانع المحتوى الإعلامي صحافياً يمتلك الأدوات والمعايير المهنية».

وتعد نهى «الإعلام المؤسسي أحد أبرز ضحايا الحروب الأخيرة»، وتقول إن «الإعلام استُخدم باحة خلفية للصراع، وفي بعض الأحيان تَقدمَ القوات العسكرية، وأدى مهمات في الحروب الأخيرة، بدءاً من الحرب الروسية - الأوكرانية وصولاً إلى حرب غزة».

وتبدي نهى دهشتها من الأدوار التي لعبها الإعلام في الصراعات الأخيرة بعد «سنوات طويلة من تراكم النقاشات المهنية ورسوخ القيم والمبادئ التحريرية».

وتاريخياً، لعب الإعلام دوراً في تغطية الحروب والنزاعات، وهو دور وثّقته دراسات عدة، لكنه في الحروب الأخيرة «أصبح عنصراً فاعلاً في الحرب؛ ما جعله يدفع الثمن مرتين؛ أمام جمهوره وأمام الصحافيين العاملين به»، بحسب نهى التي تشير إلى «قتل واغتيال عدد كبير من الصحافيين، واستهداف مقرات عملهم في مناطق الصراع دون محاسبة للمسؤول عن ذلك، في سابقة لم تحدث تاريخياً، وتثبت عدم وجود إرادة دولية للدفاع عن الصحافيين».

وتقول نهى: «على الجانب الآخر، أدت ممارسات مؤسسات إعلامية دولية، كانت تعد نماذج في المهنية، إلى زعزعة الثقة في استقلالية الإعلام»، مشيرة إلى أن «دور الإعلام في الحروب والصراعات هو الإخبار ونقل معاناة المدنيين بحيادية قدر المستطاع، لا أن يصبح جزءاً من الحرب وينحاز لأحد طرفيها».

نهى النحاس

وترفض نهى «الصحافة المرافقة للقوات العسكرية»، وتعدها «صحافة مطعوناً في صدقيتها»، موضحة أن «الصحافي أو الإعلامي المرافق للقوات ينظر للمعركة بعين القوات العسكرية التي يرافقها؛ ما يعني أنه منحاز لأحد طرفَي الصراع». وتقول: «عندما ينخرط الصحافي مع جبهة من الجبهات لا يعود قادراً على نقل الحقائق».

وضعت الحروب الأخيرة الصحافيين في غرف الأخبار «أمام واقع جديد جعل أصواتهم غير مسموعة في مؤسساتهم، في بعض الأحيان»، وتوضح نهى ضاربة المثل بالرسالة المفتوحة التي وقّعها عدد من الصحافيين في صحيفة «لوس أنجليس تايمز» الأميركية ضد تغطية حرب غزة وتجاهل قتل عدد كبير من الصحافيين، والتي أدت في النهاية إلى إيقافهم عن تغطية حرب غزة.

زعزعت الانحيازات الإعلامية في التغطية، الثقة في استقلالية الإعلام، وأفقدت مؤسسات إعلامية كبرى مصداقيتها، بعد أن كانت حتى وقت قريب نماذج للالتزام بالمعايير المهنية. ورغم ما فقدته مؤسسات الإعلام الدولية من رصيد لدى الجمهور، لا تتوقع نهى أن «تقدم على تغيير سياستها؛ لأن ما حدث ليس مجرد خطأ مهني، بل أمر مرتبط بتشابك مصالح معقد في التمويل والملكية». ولفتت إلى أن «الحروب عطّلت مشروعات التطوير في غرف الأخبار، وأرهقت الصحافيين نفسياً ومهنياً».

وترى أن تراجع الثقة في نماذج الإعلام الدولية، يستدعي العمل على بناء مدارس إعلامية محلية تعكس الواقع في المجتمعات العربية، مشيرة إلى وجود مدارس صحافية مميزة في مصر ولبنان ودول الخليج لا بد من العمل على تطويرها وترسيخها بعيداً عن الاعتماد على استلهام الأفكار من نماذج غربية.

بناء تلك المدارس الإعلامية ليس بالأمر السهل؛ فهو بحسب نهى «يحتاج إلى نقاش وجهد كبير في التعليم وبناء الكوادر وترسيخ الإيمان بالإعلام المستقل». وهنا تؤكد أن «استقلالية الإعلام لا تعني بالضرورة تمويله من جهات مستقلة، بل أن تكون إدارته التحريرية مستقلة عن التمويل قدر الإمكان»، مشددة على أن «التمويل العام لوسائل الإعلام مهم ومرحّب به، لا سيما في لحظات الاستقطاب السياسي؛ حتى لا يلعب المال السياسي دوراً في تخريب مصداقية المؤسسة».

غيّرت الحروب غرف الأخبار وألقت بظلالها على طريقة عملها، لتعيد النقاشات الإعلامية إلى «الأسس والمعايير والأخلاقيات»، تزامناً مع تطورات تكنولوجية متسارعة، ترى نهى أنها «ضرورية لكن كأدوات لإيصال الرسالة الإعلامية بفاعلية».

من هذا المنطلق، ترفض نهى التوسع في مناقشة قضايا الذكاء الاصطناعي على حساب القضايا المهنية، وتقول: «نحتاج إلى إعادة تثبيت وترسيخ القواعد المهنية، ومن ثم الاهتمام بالأدوات التي تسهل وتطور الأداء، ومن بينها الذكاء الاصطناعي الذي لا يمكن إنكار أهميته».

وتضيف: «إذا كان الأساس به خلل، فإن الأداة لن تعالجه؛ لذلك لا بد من مناقشات في غرف الأخبار حول الأسس المهنية لاستعادة الجمهور الذي انصرف عن الأخبار».

وبالفعل، تشير دراسات عدة إلى تراجع الاهتمام بالأخبار بشكل مطرد، تزامناً مع تراجع الثقة في الإعلام منذ جائحة «كوفيد-19»، وتزايد ذلك مع الحرب الروسية - الأوكرانية. ووفقاً لمعهد «رويترز لدراسات الصحافة»، فإن «نحو 39 في المائة من الجمهور أصبحوا يتجنبون الأخبار».

وهنا تقول نهى إن «الثقة تتراجع في الإعلام بشكل مطرد؛ لأن الجمهور يشعر أن صوته لم يعد مسموعاً، إضافة إلى تشبع نسبة كبيرة من الجمهور بأخبار الحرب، إلى حد مطالبة البعض بنشر أخبار إيجابية». وتضيف أن «هذا التراجع امتزج مع صعود منصات التواصل التي أصبحت يُخلط بينها وبين الإعلام المؤسسي، لا سيما مع ما قدمته من متابعات للحروب والصراعات الأخيرة».

وتشير رئيسة «منتدى مصر للإعلام» إلى أن «الحروب الأخيرة في أوكرانيا وغزة وضعت أعباء مالية، وفرضت محتوى مختلفاً على المؤسسات الإعلامية أدى إلى زيادة تجنب الجمهور للأخبار»، بحسب ما جاء في دراسة نشرها معهد «رويترز لدراسات الصحافة»؛ ما يستلزم البحث عن وسائل لإعادة جذبه، أو لـ«غرفة أخبار ثالثة» كما فعلت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، مستهدفة «جذب مزيد من القراء وزيادة الموارد».

وتستهدف «غرفة الأخبار الثالثة» إنشاء محتوى خاص لمنصات التواصل الاجتماعي، ومقاطع فيديو قصيرة تتناول موضوعات متنوعة لجذب الأجيال المرتبطة بالهواتف الذكية.

ويعد التدريب واحداً من أدوار المنتديات الإعلامية، ومن بينها «منتدى مصر للإعلام». وأوضحت نهى، في هذا المجال، أن «المنتديات الإعلامية هي تعبير عن الواقع الإعلامي لدولةٍ أو منطقةٍ ما، ونقطة تلاقٍ لمناقشة قضايا ومعارف مهنية، وملاحقة التطورات التكنولوجية».

وكان من المقرر عقد النسخة الثالثة من «منتدى مصر للإعلام» نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لكن تم تأجيلها «بسبب الأحداث المتلاحقة والمتسارعة في المنطقة والتي كانت ستؤثر على حضور بعض ضيوف (المنتدى)»، بحسب نهى التي تشير إلى أنه «سيتم عقد النسخة الثالثة من (المنتدى) منتصف 2025».

وتوضح أنه «يجري حالياً مراجعة أجندة (المنتدى) وتحديثها وتغييرها استعداداً للإعلان عنها في الربع الأول من العام المقبل»، مشيرة إلى أنه لم يتم الاستقرار بعدُ على عنوان النسخة الثالثة، وإن كان هناك احتمال للإبقاء على عنوان النسخة المؤجلة «يمين قليلاً... يسار قليلاً!».

وتقول نهى إن «منتدى مصر للإعلام» سيركز كعادته على المناقشات المهنية والتدريبات العملية، لا سيما «منصة سنة أولى صحافة» المخصصة لتقديم ورش تدريبية لطلاب الإعلام تتناول الأساسيات والمعايير المهنية.

وتختتم حديثها بالتأكيد على أن الالتزام بالمعايير المهنية هو الأساس لبقاء الإعلام المؤسسي، مجددة الدعوة لفتح نقاشات جادة بشأن مأسسة نماذج إعلام محلية في المنطقة العربية.